فكر ونظر

فكر ونظر

27/10/2016

مجدِّد الإسلام المحمّدي الأصيل

 

الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام

مجدِّد الإسلام المحمّدي الأصيل

_____ مختار الأسدي _____

كانت شهادة وارث النبيّين الإمام الحسين صلوات الله عليه العامل الأساس في فضح زيف الحكم الأمويّ بنسخته اليزيديّة، وتبيان كذِبه وتدليسه في ادّعاء تمثيل الإسلام والخلافة. وفي هذا المسار كان جهاد الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام – فهو وارثُ وارثِ النبيّين – حيث أدّت تعاليمه التي ضمّنها كلماته وأدعيته إلى تصحيح جملةٍ من المعتقدات والمفاهيم التي شوّهتها حكومة الطلقاء وأبنائهم.

هذه المقالة - المختصرة عن أحد فصول كتاب (الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام، دراسة تحليليّة) الصادر عن «مركز الرسالة» في مدينة قمّ المقدّسة لمؤلفه مختار الأسدي - تُلقي الضوء على نماذج يسيرة من مواقف الإمام زين العابدين عليه السلام في تقويم الاعتقادات الخاطئة، وتعرّف بأبرز الشخصيات التي أخذت عنه عليه السلام في مختلف أبواب العلم والمعرفة.

«شعائر»

 

ظهرت في عهد الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام، مقولات عقيدية تبنّتها فِرق إسلامية وتمحورت حولها، واتّخذت منها مناهج خاصّة في فهم عقائد الإسلام وتوجيه أحكامه، كعقيدتَي «الجبر» و«الإرجاء»، اللتين روّج لهما الأمويّون تبريراً لوجودهم في السلطة لمشروعهم السياسي، وعقيدتَي «التشبيه» و«التعطيل» في الصفات، اللتين تبنّتهما فِرق متناقضة بذرائع مختلفة.

وإزاء هذه الاتجاهات، وقف الإمام عليه السلام، موقفه الواضح والمنسجم مع منهجه في التعليم والدفاع عن مبادئ الشريعة، فضمّن أقواله الحكيمة وأدعيته المشتهرة نصوصاً تجتثّ تلك المقولات من جذورها.

* من ذلك ما رواه الطبرسي في (الاحتجاج) عن ثقات الرواة وعدولهم، قال: إنّه لما أُدخل عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام، في جملة من حُمل إلى الشام أُسارى من أبناء الحسين بن عليّ عليهما السلام، وأهاليه، على يزيد - لعنه الله - قال له: يا عليّ! الحمدُ لله الذي قتل أباك! (يقصد يزيد بقوله هذا أنّ ما حصل كان بقضاءٍ من الله وقدره، ولا دخل للبشر بذلك، وهو بذلك يكرّر ما قاله أبوه لأهل الكوفة من أن الله مكنّه من رقابهم وهم لذلك كارهون. وهذه هي العقيد التي روّج لها الأمويون وتبنّتها مدارس فقهية في مراحل لاحقة، ومحصّلها أن ليس للناس حولٌ ولا قوّة إزاء ما يُصيبهم، وأن عليهم الخضوع للواقع ولما هو كائن).

فقال الإمام عليه السلام داحضاً حجّة يزيد الهزيلة بيسيرٍ من القول: «قتلَ أبي النّاس».

قال يزيد: الحمد لله الذي قتله، فكفانيه!

قال الإمام عليه السلام: «على مَن قتل أبي لعنةُ الله، أفتراني لعنتُ الله عزّ وجلّ؟!».

* وكذا موقفه الآخر مع يزيد بن معاوية عند دخوله عليه مع أخواته وعمّاته في الشام.

قال يزيد: يا ابن الحسين، أبوك قطع رحمي وجهل حقّي، ونازعني سلطاني، فصنع الله به ما قد رأيت.

فقال الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ﴾ الحديد:22.

* ومنه أيضاً موقفه مع عبيد الله بن زياد يوم أُدخل عليه في قصر الإمارة،

فقال له: من أنت؟

فقال عليه السلام: «أنا عليّ بن الحسين».

فقال: أليس قد قتل اللهُ عليّ بن الحسين؟

فقال له الإمام عليه السلام: «قد كان لي أخٌ يُسمَّى عليّاً، قتلَه الناس».

فقال له ابن زياد: بل الله قتله.

فقال الإمام عليه السلام: ﴿اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا..﴾ الزمر:42.

* أمّا موقفه عليه السلام من المشبّهة والمجسّمة فنجده قد اتّخذ شكل دعاء، كما في دعائه في (التوحيد) إذ يقول: «إلهي بَدَتْ قدرتُك ولم تبدُ هيئةُ جلالِك.. شبّهوك وأنا بريءٌ يا إلهي من الذين بالتّشبيه طَلبوك، ليسَ كمثلكَ شيءٌ.. فتعاليتَ يا إلهي عمّا به المشبّهون نَعَتوك».

ولم يدَع الإمام عليه السلام، مناسبةً تمرّ إلّا وأوضح العقيدة الحقّة التي عليها أهل البيت عليهم‌ السلام، وهي تنزيه الباري جلَّ شأنه وتعظيمه، وذلك ما تجده شاخصاً في دعائه الأول والثاني من (الصحيفة)، حينما يحمد الله عزَّ وجلّ ويُثني عليه بأجلّ الصفات وأنزهها.

وغير ذلك فقد سجّل الإمام عليه السلام سبقاً علمياً وتاريخياً في رسالة تُعدّ من مفاخر الإسلام وتراثه العلمي، ألا وهي (رسالة الحقوق)، الرسالة الخالدة المحفوظة بهذا العنوان، والتي استوعبت جلّ الحقوق التي لا يستغني الإنسان عن معرفتها، ولا يستغني المجتمع عن إحيائها والعمل بها، لأجل أن يكون مجتمعاً إسلامياً حيّاً بحقّ، كما أرادت له الشريعة السمحة.

تلامذة الإمام زين العابدين عليه السلام

ليس الحديث عن المهمّة الإلهيّة الموكلة إلى الإمام السجاد عليه ‌السلام في نشر العلوم الإسلامية ممّا تجمعه السطور، أو تفي بالتعبير عنه؛ ولكن حسبها أنّها تأتي بمعالم تفصح بعض إفصاح عن تلك المهمّة، وما حبا الله تعالى به صاحبها من منزلة سامية.

لقد عاش الإمام زين العابدين عليه السلام في المدينة المنوّرة، حاضرة الإسلام الأولى، ومهد العلوم والعلماء، في وقتٍ كانت تحتضن فيه ثلّة من علماء الصحابة، مع كبار علماء التابعين، فكان أن أذعن له أكابر أبناء تلك الطبقة والتابعون لهم، مقرّين ومصرّحين بأنه الأعلم والأفقه والأوثق، بلا ترديد.

فقد كان الزّهري فقيه أهل المدينة يقول: «كان أكثر مجالستي مع عليّ بن الحسين، وما رأيت أحداً كان أفقه منه». وممّن عرف هذا الأمر وحدّث به الفقيه سفيان بن عيينة.

وبمثل هذا كان يقول الشافعي محتجّاً بعليّ بن الحسين عليه السلام، على أنّه كان «أفقه أهل المدينة». وبمثله كان يقول معاصر الإمام السجّاد عليه السلام، أبو حازم المدنيّ، وغيرهم كثير.

هذا وقد كانت مدرسته تعجّ بكبار أهل العلم من حاضرة العلم الأولى في بلاد الإسلام، يحملون عنه العلم والأدب، وينقلون عنه الحديث. وقد أحصى الذهبيّ في (سير أعلام النبلاء: ج 4، ص 387) أكثر من عشرين اسماً ممّن أخذ عن الإمام زين العابدين عليه السلام، بينهم كبار فقهاء أمصارهم، وشيوخ المحدّثين والحفّاظ.

وغير هؤلاء رجالٌ من خاصّة شيعته من كبار أهل العلم، منهم: ابنه زيدٌ الشهيد، وأبان بن تغلب، وأبو حمزة الثمالي، وغيرهم كثير، فضلاً عمّا خصّ به صلوات الله عليه الإمام الباقر عليه السلام من ودائع الحكمة والعلوم النبويّة التي ورثها عن آبائه صلوات الله عليهم أجمعين.

هذا الجمع الغفير وغيرهم ممّن وُصف بالخلق الكثير أخذوا عنه عليه السلام، علوم الشريعة من تفسير القرآن الكريم، والعلم بمحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وأحكامه وآدابه، والسُنّة النبوية الشريفة روايةً وتدويناً، في عصرٍ كانت ما تزال كتابة الحديث فيه تتأثّر بما سلف من سياسة المنع من التدوين، السياسة التي اخترقها أئمّة أهل البيت عليهم السلام، فكتب عنهم تلامذتهم والرواة عنهم الشيء الكثير، إلى أحكام الشريعة، حلالها وحرامها وآدابها، إلى فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في عهدٍ عمدت فيه السياسة إلى تعطيل الكثير من الأحكام، وتبديل بعض السُّنَن، وإحياء بعض البِدع.

كما تأدّبوا على يديه في مجالسه بآداب الإسلام التي ضمّنها أدعيته، التي تشكّل وحدها ظاهرة جديدة في تبنّي أسلوبٍ روحيٍّ متين، ليس لإحياء القلوب وشدّها إلى الله تعالى وحسب؛ بل إلى إحياء معالم الشريعة وحدودها وآدابها. هذه الأدعية التي حُفظ المشهور جداً منها في السِّفر المعروف بـ(الصحيفة السجّادية) نسبةً إليه، حيث عُرف عليه السلام بـ «السجّاد».

والأثر المحفوظ عنه عليه السلام، في كلِّ هذه الميادين أثرٌ عظيمٌ يجمع أسفاراً جليلة، تتضمّن سائر علوم الشريعة الإسلامية.

 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

28/10/2016

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات