موقف

موقف

27/10/2016

(الصّحيفة السجّادية) بلسَمٌ شافٍ لأمّةٍ عليلة

 

(الصّحيفة السجّادية) بلسَمٌ شافٍ لأمّةٍ عليلة

____ د. حسين الحاج حسن* _____

إنّ أوّل مَن ألّف في دنيا الإسلام هم أئمّة أهل البيت عليهم السّلام، والعلماء العظام من شيعتهم، فهم الروّاد الأوائل في الميدان الأدبيّ والاجتماعيّ والدينيّ، الذين خطّطوا مسيرة الأمّة الثقافيّة، وفجّروا ينابيع العلم والمعرفة والحكمة في البلاد الإسلاميّة، وغير الإسلاميّة.

ثمّ إنّ مؤلّفاتهم وسائر بحوثهم لم تقتصر على علمٍ خاصّ، وإنّما تناولت جميع أنواع العلوم التي يحتاج إليها الإنسان، في حياته الخاصّة والعامّة والتي تفيده في دنياه وآخرته. فقد ألّفوا في علوم كثيرة منها: الفقه، والتفسير، والحديث، والأصول، والصرف والنحو، والكلام، والفلسفة، والحساب، والتاريخ، والفلك...

وإلى جانب هذه العلوم، وضعوا قواعد مهمّة في الأخلاق الإنسانيّة، وآداب السلوك الفرديّة والاجتماعيّة، وأصول التربية. وكان أوّل الروّاد الذي سبق في هذا المضمار الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، الذي فتق أبواب العلوم العقليّة والنقليّة والتربويّة، وأسّس أصولها وقواعدها. يقول العلّامة المعروف عبّاس العقّاد: «إنّ الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، قد فتق أبواب اثنين وثلاثين علماً، فوضع قواعدها، وأرسى أصولها».

ومن الذين ألّفوا من الأئمّة الطاهرين الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السّلام، فقد كانت مؤلّفاته - وفي طليعتها (الصحيفة السجّاديّة)، و(رسالة الحقوق) - نموذجاً فريداً لتطوّر الفكر الإسلاميّ، وتقدّم الحركة العلميّة والثقافيّة على مستوى الأمّة.

وممّا زاد في أهمّيّة هذين المؤلّفيْن الجليلَين، أنّهما جاءا في عصرٍ طغت فيه الأحداث الرهيبة، التي أحالت حياة المسلمين إلى جحيمٍ مظلمٍ ليس فيه أيّ بصيص نور من هَدي الإسلام وإشراقه، فقد كثر اللّهو والطرب، وانتشرت دُور الميسر ومجالس الغناء طيلة حكم الأمويّين، واستقدم ملوكهم الجواري والمُغنّين والمغنّيات من شتّى البلدان إلى مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة، وأغدقوا عليهم المال. كما بذلوا الكثير من المال على الشعراء لتأييد سلطانهم، فاصطنعوا به الأحزاب واستذلّوا به أعداءهم.

وكان عبد الملك بن مروان من أكثر ملوك بني أميّة بذلاً للمال في سبيل تأييد سلطانه، وعاملُه آنذاك الحجّاج بن يوسف؛ فلمّا حاصر الكعبة، وفيها ابن الزُّبير، أمر رجاله أن يرموا الكعبة بالمنجنيق، فتهيــّـب جنده، فقال لهم: «يا أهل الشام، قاتلوا على أَعْطِيات عبد الملك»، ففعلوا.

وكثيراً ما كان يردّ أذى الأحزاب وإخماد الثورات بالمال، ينثره على الناس فينشغلون به عنه. من ذلك ما فعله مع جماعة عمرو بن سعيد الأشدق لمّا طمع بالشام دونه. فاحتال في استحضاره إلى ديوانه وقتله غدراً، ولمّا علم أصحابه بمقتله تجمهروا حول دار الخلافة مطالبين بدم زعيمهم، خاف عبد الملك العاقبة فأمر أن يُرمى برأس عمرو إلى الناس ومعه المال الكثير، فنفّذ ابنه عبد العزيز ذلك، وجعل يُلقي بالأموال على الجماهير المحتشدة. فلمّا رأى الناس الرأس والأموال انشغلوا بالأموال وتفرّقوا.

لقد هيأوا الأذهان أيضاً إلى قبول الرأي القائل بأنّ الخلافة ليست إلّا مُلكاً كالقيصريّة والكسرويّة، وأنّ الله تعالى لم ينصّ على إمامٍ بعينه، كما يرى جمهور المسلمين.

في وسط هذا المجتمع المريض عمد الإمام زين العابدين عليه السلام، إلى مداواة هذه النفوس لتتخلّص من أمراضها وتعرف حدودها وترجع إلى الأخلاق الإسلاميّة الساميّة، وكان بعضُ ثمار جهاده المضني، صلوات الله عليه، في ذلك الظرف العصيب والحرِج؛ (صحيفته السجّاديّة)، وهي أعظمُ مدوّنٍ جامعٍ بعد كتاب الله تعالى و(نهج البلاغة)، وكذلك (رسالة الحقوق) التي أرسى فيها مبادئ النُّظم الاجتماعيّة، والعناوين الكليّة التي تنظّم علاقة الفرد بالله سبحانه وتعالى، وبنُظرائه من المخلوقين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مختصر عن كتابه (الامام السجّاد عليه السلام – جهاد وأمجاد).

 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

28/10/2016

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات