الملف

الملف

29/12/2016

كمالُ العقل وتمامُ الإيمان

هذا الملفّ

روى الفقيه المحدّث الشيخ الصدوق في (الأمالي)، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال:

«إِنَّ جِبْرَئيلَ الرُّوحَ الأَمينَ نَزَلَ عَلَيَّ مِنْ عِنْدِ رَبِّ العالَمينَ فَقالَ: يا مُحَمَّدُ، عَلَيْكَ بِحُسْنِ الخُلُقِ فَإِنَّ سُوءَ الخُلُقِ يَذْهَبُ بِخَيْرِ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ. أَلا وَإِنَّ أَشْبَهَكُمْ بي أَحْسَنُكُمْ خُلُقاً».

وقد روى هذا الحديث بلفظه، الفتّال النيسابوريّ في (روضة الواعظين)، والحرّ العامليّ في (وسائل الشيعة)، وغيرهما.

وقيل له صلّى الله عليه وآله: ما أفضل ما أُعطي المرء المسلم؟

قال: الخُلُقُ الحَسَنُ».

***

أشبهُ المسلمين برسول الله صلّى الله عليه وآله أحسنُهم أخلاقاً. وأفضل ما يُعطاه المسلم هو الخلُق الحسن.

وبناء على ما تقدّم، ثمّة سؤالان يجب أن يطرحهما كلٌّ منا على نفسه:

* كم أشبَهُ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله؟

* ما هو الحلّ إن لم نجِد الشّبَه، أو وجدناه ضعيفاً؟

تتناول مقالات هذا الملفّ الإجابة عن هذين السؤالين المركزيّين، مع الإشارة إلى أنّها ملخّص مجموعة من المحاضرات ألقاها سماحة العلّامة الشيخ حسين كوراني في «المركز الإسلاميّ» في شهر ربيع الأوّل من العام 1435 للهجرة.

 

 
 

 

كمالُ العقل وتمامُ الإيمان

مفهوم «مكارم الأخلاق» في الحديث النبويّ الشريف

 

* لكي يكون المسلمُ من أشبه الناس برسول الله صلّى الله عليه وآله، تمسّ حاجة كلّ منّا دائماً إلى التواصل مع الروايات حول أهمّيّة الأخلاق الفاضلة ومفرداتها من الإيثار والتسامح والبِشْر وما شابه. ويجب أن يُسائل كلٌّ منّا نفسه على الدوام:

ما هي نسبة حُسن الخُلُق في أخلاقي وسلوكي وحياتي؟

هل ينحصر سوء الخُلُق في دائرة ضيّقة، فيما يحتلّ حُسن الخُلُق متنَ الحياة وصفحة القلب والسلوك؟ أم العكس؟؟

أم – والعياذ بالله تعالى من شرّ النفس الأمارة - هل استحوذ عليّ الشيطان فتعايشتُ مع سوء الخُلُق وصار حُسنُ الخُلُق رغبةً ميتةً وأُمنيةً أوقنُ باستحالتها كاستحالة تحرير الأندلس أو كأمنية تحرير فلسطين قبل الإمام الخمينيّ وخليفته الإمام الخامنئيّ دام ظلّه؟

أم أنّي – ويا لسوء العاقبة - قد فصلتُ بين التديُّنِ وبين حُسنِ الخُلُق؟

«شعائر»

 

حُسْنُ الخُلُق هو وجه الشبه بين المؤمن وبين رسول الله صلّى الله عليه وآله. وقد روي أنّ من دعائه صلّى الله عليه وآله وسّلم، قوله: «اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقي، فَأَحْسِنْ خُلُقي».

يعني ذلك أن محمّدية كلّ شخص هي بمقدار حُسن أخلاقه. أي ليست دراسة السيرة هي التي تُقرِّب الإنسانَ من رسول الله صلّى الله عليه وآله، ولا دراسة التفسير والفقه، ولا الإكثار من الأذكار والأوراد.

طبعاً كلّ ما تقدّم ينفع إذا كان الشخص قد قرّر تحسين أخلاقه وهو يستعين بالسيرة والفقه والأذكار لتسهيل مهمّته، وإلّا فلا.

النقطة الثانية هي أهمّيّة استحضار الآخرة والمعاد في الحثّ على التحلّي بمكارم الأخلاق. فمن يحبّ ترك الغيبة، أي التحلّي بخُلُق عدم ذكر الآخرين بسوء، إذا ابتعد عن مفاهيم الآخرة يضعف هذا الحبّ ولا يجد ما يحفّزه على ترك الغيبة.

فنحن نحب الخُلُق الحسن ونبتلى بالبعد عنه، وابتلاؤنا على مراتب،  لذلك تمسّ الحاجة إلى إدراك موقع الموعظة من فهم حقيقة الدنيا وأهمّيّة الصبر على المكاره وعدم الانجرار إلى سوء الخُلُق.

وقد عُدّ حُسن الخُلُق في الروايات دليلاً على كمال العقل، وأنّه أحبّ الأشياء إلى الله تعالى بعد الفرائض، وأكثر ما يلج به الناس الجنة.

من روايات حُسن الخُلق وكمال العقل

1) عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنه قال: «أَفْضَلُ النّاسِ إيماناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً..».

2) وفي رواية: «أَحْسَنُ النّاسِ إيماناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً، وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ، وَأَنا أَلْطَفُكُمْ بِأَهْلي».

 3) عنه صلّى الله عليه وآله: «.. أَكْثَرُ ما تَلِجُ بِهِ أُمَّتي الجَنَةَ تَقْوى اللهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ».

4) عن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام: «إِنَّ أَحْسَنَ الحَسَنِ الخُلُقُ الحَسَنُ».

5) عن الإمام الصادق عليه السلام: «أَكْمَلُ النّاسِ عَقْلاً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً».

6) عنه عليه السلام: «ما يَقْدُمُ المُؤْمِنُ عَلى اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، بِشَيْءٍ بَعْدَ الفَرائِضِ أَحَبّ إِلى اللهِ تَعالى مِنْ أَنْ يَسَعَ النّاسَ بِخُلُقِهِ».

7) عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: «إِنَّ الخُلُقَ مِنْحَةٌ يَمْنَحُها اللهُ خَلْقَهُ، فَمِنْهُ سَجِيَّةٌ وَمِنْهُ نِيَّةٌ.

قال ابن عمّار: فأيّهما أفضل؟

قال عليه السلام: صاحِبُ السَّجِيَّةِ هُوَ مَجْبولٌ لا يَسْتَطيعُ غَيْرَهُ، وَصاحِبُ النِّيَةِ يَصْبُرُ عَلى الطاعَةِ تَصَبُّراً فَهُوَ أَفْضَلُهُما».

8) وعنه عليه السلام: «الخُلُقُ الحَسَنُ يَميثُ الخَطيئَةَ كَما تَميثُ الشَّمْسُ الجَليدَ».

وفي الروايات ما يؤكّد أنّ معيار القوّة والشجاعة هو قدرة المرء على حمل نفسه على الحقّ، وزجرها عن الباطل.

9) قال الإمام الصادق عليه السلام: «مَرَّ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْمٍ يَرْفَعونَ حَجَراً، فَقالَ ما هَذا؟

قالوا: نَعْرِفُ بِذَلِكَ أَشَدَّنا وَأَقْوانا.

فَقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَشَدِّكُمْ وَأَقْواكُمْ؟

قالوا: بَلى يا رَسولَ اللهِ.

قالَ: أَشَدُّكُمْ وَأَقْواكُمْ الّذي إِذا رَضِيَ لَمْ يُدْخِلْهُ رِضاهُ في إِثْمٍ وَلا باطِلٍ، وَإِذا سَخِطَ لَمْ يُخْرِجْهُ سَخَطُهُ مِنْ قَوْلِ الحَقِّ، وَإِذا قَدَرَ لَمْ يَتَعاطَ ما لَيْسَ بِحَقٍّ».

10) عن لقمان الحكيم يعظ ابنه: «.. يا بُنَيّ! إِنَّما هُوَ خَلاقُكَ وَخُلُقُكَ، فَخَلاقُكَ دينُكَ، وَخُلُقُكَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ النّاسِ، وَلا تَتَبَغَّضْ إِلَيْهِمْ، وَتَعَلَّمْ مَحاسِنَ الأَخْلاقِ.

يا بُنَيَّ! كُنْ عَبْداً للأَخْيارِ وَلا تَكُنْ وَلَداً للأَشْرارِ، يا بُنَيَّ! أَدِّ الأَمانَةَ تَسْلَمْ لَكَ دُنْياكَ وَآخِرَتُكَ، وَكُنْ أَميناً تَكُنْ غَنِيّاً».

والخَلاق، هو النصيب الوافر من الخير والصلاح، ومنه قوله تعالى: ﴿.. أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ..﴾. (آل عمران:77)

 

مكارم الأخلاق

 

رُوي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنه قال: «إِنَّما بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكارِمَ الأَخْلاقِ».

وفي الروايات عن الأئمّة المعصومين من أهل البيت عليهم السلام ما يُبيّن مفردات مكارم الأخلاق التي أُمرنا بالتحلّي بها. من ذلك:

1) قيل للإمام الصادق عليه السلام: «أخبرني بمكارم الأخلاق!

فأجاب عليه السلام: العَفْوُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وَصِلَةُ مَنْ قَطَعَكَ، وَإِعْطاءُ مَنْ حَرَمَكَ، وَقُلِ الحَقَّ وَلَوْ عَلى نَفْسِكَ».

2) عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فيهِ كَمُلَ إيمانُهُ، وَإنْ كانَ مِنْ قَرْنِهِ إِلى قَدَمِهِ خَطَايا لَمْ يُنْقِصْهُ ذَلِكَ.

قال: وَهُوَ الصِّدْقُ، وَأَداءُ الأَمانَةِ، وَالحَياءُ، وَحُسْنُ الخُلُقِ».

3) وعنه عليه السلام، كما في (أمالي) الصدوق: «أُتِيَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، بِأُسارى فَأَمَرَ بِقَتْلِهِمْ خَلا رَجُلٍ مِنْ بَيْنَهُمْ.

فَقالَ الرَّجُلُ: بِأَبي أَنْتَ وَأُمّي - يا مُحَمَّدُ - كَيْفَ أَطْلَقْتَ عَنّي مِنْ بَيْنِهِمْ؟

فَقالَ: أَخْبَرَني جَبْرَئيلُ عَنِ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، أَنَّ فيكَ خَمْسَ خِصالٍ يُحِبُّها اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، وَرَسولُهُ: الغيرَةُ الشَّديدَةُ عَلى حُرَمِكَ، وَالسَّخاءُ، وَحُسْنُ الخُلُقِ، وَصِدْقُ اللِّسانِ، وَالشَّجاعَةُ.

فَلَمّا سَمِعَها الرَّجُلُ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلامُهُ، وَقاتَلَ مَعَ رَسولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قِتالاً شَديداً حَتَّى اسْتُشْهِدَ».

* هذا الحثّ الشديد في الروايات على حُسن الخُلُق والتحلّي بمكارم الأخلاق، إنّما هو بلاحظ عظيم الثواب المترتّب عليها، كيف وهي الغاية من بعثة المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم.

* وفي طليعة الثواب الأخرويّ المذخور لصاحب الخُلُق الحسن، الزلفى عند الله تعالى وعند النبيّ صلّى الله عليه وآله.

من الروايات في ذلك:

1) عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «ثَلاثٌ هُمْ أَقْرَبُ الخَلْقِ إِلى اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، يَوْمَ القِيامَةِ حَتَّى يَفْرَغَ مِنَ الحِسابِ: رَجُلٌ لَمْ تَدْعُهُ قُدْرَتُهُ في حالِ غَضَبِهِ إِلى أَنْ يَحيفَ عَلى مَنْ تَحْتَ يَدَيْهِ، وَرَجُلٌ مَشَى بَيْنَ اثْنَيْنِ فَلَمْ يَمِلْ مَعَ أَحَدِهِما عَلى الآخَرِ بِشَعيرَةٍ، وَرَجُلٌ قالَ الحَقَّ في ما عَلَيْهِ».

2) قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «أَقْرَبُكُمْ غَداً مِنّي في المَوْقِفِ أَصْدَقُكُمْ للحَديثِ، وَآداكُمْ للأَمانَةِ، وَأَوْفاكُمْ بِالعَهْدِ، وَأَحْسَنُكُمْ خُلُقاً وَأَقْرَبُكُمْ مِنَ النّاسِ».

3) وفي رواية: «أَقْرَبُكُمْ مِنّي مَجْلِساً يَوْمَ القِيامَةِ أَحْسَنُكُمْ خُلُقاً وَخَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ».

4) وعنه صلّى الله عليه وآله: «إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ، وَأَقْرَبَكُمْ مِنّي يَوْمَ القِيامَةِ مَجْلِساً أَحْسَنُكُمْ خُلُقاً، وَأَشَدُّكُمْ تَواضُعاً، وَإِنَّ أَبْعَدَكُمْ مِنّي يَوْمَ القِيامَةِ الثَّرْثارونَ؛ وَهُمُ المُسْتَكْبِرونَ».

* ومن ثواب حُسن الخُلُق أنّ صاحبه في الجنّة لا محالة، ثقيلٌ ميزانه، مشمولٌ برحمة الله تعالى.

من الروايات حول ذلك:

1) عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ما مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ في الميزانِ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ».

2) عنه صلّى الله عليه وآله: «عَلَيْكُمْ بِحُسْنِ الخُلُقِ فَإِنَّ حُسْنُ الخُلُقِ في الجَنَّةِ لا مَحالَةَ. وَإِيّاكُمْ وَسوءَ الخُلُقِ فَإِنَّ سوءَ الخُلُقِ في النّارِ لا مَحالَةَ».

3) وقال صلّى الله عليه وآله: «رَجُلانِ آمَنا وَهاجَرا وَدَخَلا الجَنَّةَ جَميعاً فَرُفِعَ أَحَدُهُما عَلى صاحِبِهِ كَما تُرى الثُّرَيّا، فَقالَ بِماذا فَضَّلْتَهُ عَلَيَّ يا رَبّ؟

قالَ: إِنَّهُ كانَ أَحْسَنَ مِنْكَ خُلُقاً».

4) عن الإمام الصادق عليه السلام: «مَنْ أَرادَ أَنْ يُدْخِلَهُ اللهُ في رَحْمَتِهِ وَيُسْكِنَهُ جَنَّتَهُ فَلْيُحَسِّنْ خُلُقَهُ وَلْيَعْطِ النَّصَفَةَ وَلْيَرْحَمِ اليَتيمَ، وَلْيَعِنِ الضَّعيفَ وَلْيَتَواضَعْ للهِ الّذي خَلَقَهُ».

* وحُسن الخُلق متمّمٌ للنقص في العبادات.

5) رُوي عن الصادق عليه السلام: «.. فَإِنَّ العَبْدَ يَكونُ فيهِ بَعْضُ النَّقيصَةِ مِنَ العِبادَةِ وَيَكونُ لَهُ خُلُقٌ حَسَنٌ فَيُبْلِغُهُ اللهُ بِخُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ القائِمِ».

* وصاحبُ الخُلق الحسن بمنزلة المجاهد في سبيل الله تعالى.

6) قال الصادق عليه السلام: «إِنَّ اللهَ تَبارَكَ وَتَعالى، لَيُعْطي العَبْدَ الثَّوابَ عَلى حُسْنِ الخُلُقِ كَما يُعْطي المُجاهِدَ في سَبيلِ اللهِ يَغْدُو عَلَيْهِ وَيَروحُ».

7) وعنه عليه السلام: «البِرُّ وَحُسْنُ الخُلُقِ يَعْمُرانِ الدِّيارَ وَيَزيدانِ في الأَعْمارِ».

* وحيث إنّ حُسن الخُلق من القضايا الاجتماعيّة، فمن أبرز عناوينه الرّفقُ بالناس ومداراتهم، وفي الحديث النبويّ الشريف:

8) «أَعْقَلُ النّاسِ أَشَدُّهُمْ مُداراةً للنّاسِ..».

9) «مَنْ عاشَ مُدارِياً ماتَ شَهيداً».

10) «مُداراةُ النّاسِ صَدَقَةٌ».


اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

29/12/2016

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات