كتاباً موقوتاً

كتاباً موقوتاً

29/12/2016

الأفعال القلبيّة للصلاة

 

بها يعرجُ العبد إلى ربّه

الأفعال القلبيّة للصلاة

ــــــــــــــــــــــــــــ الفقيه الشيخ محمّد صالح المازندرانيّ رحمه الله ــــــــــــــــــــــــــــ


«المقصودُ الأصليّ من الصلاة تطويعُ النفس الأمّارة للعقل وتمرينها على موافقته، وهو لا يحصل من دون حضور القلب وأفعاله..»، بهذه العبارة عرّف المولى محمّد صالح المازندرانيّ (ت: 1080 هجريّة) الغاية من الصلاة التي هي معراجُ المؤمن.

في ما يلي، قبسات ممّا أورده، قدّس سرّه، في (شرح أصول الكافي) حول الأحوال القلبيّة التي ينبغي للمصلّي أن يتّصف بها أثناء الصلاة.

«شعائر»

 

إقامة الصّلاة بحدودها وشرائطها من أكمل فضائل العقل وملَكَاته، وإضاعتُها من أعظم رذائل الجهل وصفاته، وذلك لأنّ الصلاة الكاملة الموجبة للمحو عن الهويّات البشريّة والاتّصاف بالصفات المُلكيّة والعروج إلى المقامات اللاّهوتيّة... كما يُعتبر في تحقّقها أعمال بدنيّة، مثل الطهارة، وستر العورة، والاستقبال إلى بيت الله، والتكبير، والقراءة، والأذكار، والركوع، والسجود، والتشهّد، والتسليم، كذلك يعتبَر في تحقّقها أفعال قلبيّة بإزاء تلك الأعمال، وتلك الأعمال بمنزلة الجسد، وهذه الأفعال بمنزلة الرُّوح.

صفةُ القلب المصلّي

* أمّا طهارة القلب، فتخليصه عمّا سواه تعالى وتنزيهه عمّا عداه.

* وأمّا ستره، فستر عيوبه عن الرّوحانيين بالتوبة والإنابة طلباً لقابليّة محاورة الله ومناجاته...

* وأمّا استقباله إلى الله، فمطالعة جلاله وجماله وقدرته وكماله.

* وأمّا قيامه بين يديه تعالى، فإذعانه بأنّه عبدٌ ذليل، ماثلٌ بين يدَي ربٍّ جليل.

* وأمّا تكبيره، فبأنّ يعتقد أنّه تعالى أكبر من أن يصفه الواصفون...

* وأمّا قراءته، فبأن يرسّخ في الباطن ما نطق به اللّسان في الظاهر. ويتذكّر أنّه تعالى ربّ كلِّ شيء؛ يعطيه ما يليق به من حاله آناً فآناً، ويُبلِغه إلى غاية كماله شيئاً فشيئاً، فكلّ شيءٍ سواه في رقّ الحاجة إليه، مفتقرٌ إلى فيضه، مقهورٌ بين يديه... وأنّه الهادي إلى الدّين القويم والصراط المستقيم؛ صراط أمير المؤمنين والأئمّة المعصومين عليهم السلام، وأنّه الموفّق للميل عن صراط الضالّين المضلّين.

* وأمّا ركوعه، فبأن يتواضع ويتخشّع ويعترف بأنّه تعالى متّصف بالعظمة والكبرياء، ومستحقّ بأن تتذلّل له الأشياء بالانحناء.

* وأمّا سجوده، فبأن يرى كلَّ شيء عند كمال عظمته موضوعاً، وكلّ قدَرٍ عند جلال رفعته مخفوضاً، ويتواضع له زايداً على ما سبق، ويلقي نفسه على تراب المسكنة والافتقار، ويضع جبهته على غبار العجز والانكسار.

* وأمّا تشهّده، فبأن يشاهد بعين البصيرة تفرُّده، سبحانه، بالأُلوهيّة... وتنزُّهه على أن يُشارَك في العبادة.

* وأمّا تسليمه، فبأن يقصد أنّه قطع المراحل الناسوتيّة [الناسوت: عالَم الطبيعة] وبلغ المنازل اللاّهوتيّة، ورأى عند أبوابها الملائكة المقرّبين والأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين، خاشعين لهيبته، فيسلّم عليهم تحيّةً لهم وأُنساً بهم.

فالمقصود الأصلي من الصلاة تطويعُ النفس الأمّارة للعقل وتمرينها على موافقته، وهو لا يحصل من دون حضور القلب وأفعاله المذكورة، والتفاتِه إلى مشارق أنوار الحقّ ومطالع أسراره، وتجرّده عن جلابيب العوائق البشريّة وسيره في عالم التوحيد.

والصلاة بهذا الوجه، أعني المشتملة على الأعمال البدنيّة والأفعال القلبيّة، من أكمل فضائل العاقل العارف بالله وآياته، وهي التي ورد في وصفها والحثّ عليها قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ المؤمنون:1-2.

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

29/12/2016

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات