حُكومَةُ العَقل

حُكومَةُ العَقل

منذ يوم

. . والصَّومَ تثبيتاً للإخلاص السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام

الشيخ حسين كوراني  

 والصَّومَ تثبيتاً للإخلاص...                  
السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام


الإخلاص، حُبُّ القلبِ قرارَ العقلِ والتزامه ميادينَ الفكرِ والسُّلوك. النّظرية والتّطبيق.
الإخلاصُ هو «الحقيقة» تتجلّى براهينُها في العقل «الأمير»، وتُشرِقُ أنوارُها في القلبِ «المُدير».
 قالت الزّهراء عليها السلام: «وأشهدُ أنْ لا إله إلّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، كلمةً جعلَ الإخلاصَ تأويلَها، وضَمَّنَ القلوبَ موصولَها، وأبانَ في الفِكر معقولَها».
للإخلاصِ وَجهان: العقلُ والقلب. العقلُ السّليمُ رائدُ القلبِ السّليم. سرُّ سلامتِهما، المُعافاةُ من شَوْب الباطل. هذه المُعافاة هي الإخلاص.
أَوضحَ الإمامُ عليّ هذا النُّور، حين قال عليه السلام: «فَلَو أنّ الباطلَ خَلُصَ من مِزاجِ الحقّ لم يَخْفَ على المُرتادِين، ولو أنّ الحقَّ خَلُصَ من لُبْسِ الباطل، انقطعتْ عنه أَلْسُنُ المُعانِدين، ولكنْ يُؤخَذُ من هذا ضِغْثٌ ومن هذا ضِغْثٌ فيُمزَجان، فهنالك يستولي الشَّيطان على أوليائه، وينجو الّذين سبقتْ لهُم من الله الحُسنى».
ينجو المُخلِصون الذين عَقَدُوا القلبَ على الحقّ والحقيقة، فنَقَلوا براهينَ العقلِ في إثباتِ هذه الحقيقة إلى القلب فَلَزِمَها، فإذا سَعْيُهم في دروبِ النَّفْسِ والحياة في خطِّ الإخلاص، وكلمةِ الإخلاص، وسورةِ الإخلاص: ﴿قُلْ هو اللهُ أحد﴾.
أخطرُ ما يهدِّد هذا المسار العقليّ - القلبيّ، هو عُدوان القلبِ على العقل، الناشىءُ من عدوانِ الجوارحِ على القلب.
مدرستانِ ونَجْدَانِ لا ثالثَ لهما: مدرسةُ العقلِ ونَجْدُه، ومدرسةُ الجوارحِ ونَجْدُها.
 مدرسةُ الجوارحِ هي مدرسةُ الحواسِّ المتمرّدةِ على حكومةِ العقل، في حركةٍ إنقلابيّة -يدوم مُناخها دوامَ العُمْر- لاستبدالِها بحكومةِ الغرائزِ التي هي استجابةٌ لاستحسانِ الجوارحِ بِمَعْزلٍ عن تحكيمِ العقل.
 
**


يبدأُ انقلابُ الحواسِّ على العقل، حينَ يَجْمَحُ «الهوى» عبر الحواسِّ ثمّ الجوارحِ إلى تعزيز ثقافةِ «اللّذّة، والرَّغبة»، جناحَي «الأنا» الحميدةِ أو الخبيثة.
«الأنا» الحميدة،  ثمرةُ خطِّ سلامةِ العقل والقلب، والتزامِ الجوارحِ قرارَ العقل الذي تلقَّفَه القلبُ وعُقِدَ عليه، فصارَ عقيدتَه وهَواه، وانتظمتِ الجوارحُ في صراطِه وهُداه.
أمّا «الأنا» غير الحميدة فهي نِتاج خطٍّ  معكوسٍ هو التزامُ قرارِ هوى  الحواسّ، لِتَعتديَ الجوارحُ على سلامةِ القلبِ فيَهوى ما يُمْرِضُه، ويعتدي على العقلِ لِيُدْخِلَه في «سُباتِ العقل» أو يصرَعَه، أو يَأْسُرَه، أو يُخرِّقَه، كما تحدّث المعصوم عن هذه الأمراض. يجمعُها قولُ عليٍّ عليه السلام: «كَمْ مِن عقلٍ أسير، تحتَ هوىً أمير».
بالإمكانِ الحيلولةُ دونَ استلابِ العقلِ كَمُقدّمةٍ لاستلابِ الحقّانيّةِ والإخلاص، إنْ تَوَفَّرَ ترميمُ كلِّ نقصٍ طارىءٍ يؤدّي إلى إضعافِ حكومةِ العقل. أبرزُ وسائلِ هذا التَّرميم هو تثبيتُ الإخلاصِ بالصَّوم.

**


يتحقَّقُ تثبيتُ الصَّوم للإخلاص بتعزيزِ العقلِ عبرَ تهذيبِ الحواسّ، وإقامةِ العَدل في دولةِ النّفْس، فلا تستبدَّ الحواسُّ بالقلب فيَمرض، ولا يطغى القلبُ على العقل فيُؤْسَر، أو يُصرَع، أو ينام، ويُقال.
صومُ الحواسِّ والجوارحِ تدريبٌ لها على مُساكنةِ العقلِ وطاعتِه، وتحفيزٌ للعقلِ على إعمالِ سُلطَتِه.
الصّومُ مُناخُ الحِكمة. والحِكمةُ إعطاءُ كلٍّ من العقلِ والقلبِ والجوارحِ ما يناسبُه وِفقَ ميزانِ العدل.
عن رسول الله صلّى الله عليه وآله:
* «نورُ الحِكمةِ الجوع، والتَّباعدُ من الله الشَّبَع، والقُرْبَةُ إلى الله حبُّ المساكينِ والدُّنُوُّ منهم. لا تشبَعوا فَيُطْفَأ نورُ المعرفةِ من قلوبِكم».
* لجابر بن عبدِ الله: «يا جابر، هذا شهرُ رمضان، مَن صامَ نهارَه وقامَ وِرْدَاً من ليلِه، وعفَّ بطنَه وفرْجَه، وكفَّ لسانَه، خرجَ من ذنوبِه كَخُروجِه من الشَّهر، فقال جابر: يا رسولَ الله ما أحسنَ هذا الحديث! فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: يا جابر! وما أَشَدَّ هذه الشّروط!».
* السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام: «ما يصنعُ الصّائمُ بصيامِه إذا لم يَصُن لسانَه وسَمْعَه وبصرَه وجوارحَه؟!».
*الإمام الحسين عليه السلام: «.. لِيَجِدَ الغنيُّ مسَّ الجوع، فيَعودَ بالفضلِ على المساكين».
 «يَجِدُ الغنيُّ مسَّ الجوع» في مناخ الإمساكِ، والكفِّ، والجوعِ
-مُناخِ الحِكمة- حيثُ يتمُّ تعزيزُ العقل عبر تهذيبِ الحواسِّ والجوارح، فلا تَفتِك عبرَ القلبِ بالعقل، لِيَسْلَما، ويتحقَّقَ تثبيتُ الإخلاص.

**


أَشدُّ الحواسِّ فتكاً بالقلب وعدواناً -عبرَ هوى القلب- على العقلِ وسُلطتِه وحكومتِه، هي السَّمْعُ والبَصَر، وأَشدُّ الجوارحِ فتْكَاً وبطْشاً هو اللّسان.
يحْملُنا هذا التّدبُّر إلى خطبةِ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله:
«وَاحفَظوا ألسِنَتَكُم، وغُضّوا عَمّا لا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيهِ أبصارَكُم، وعَمّا لا يَحِلُّ الإستِماعُ إلَيهِ أسماعَكُم».
أن يكونَ البديلُ عن مرجعيّة العقل، مرجعيّة هذه الحواسّ الأدوات، فذلك يعني نصبَ المتَّهمِ حَكَماً واللِّصِّ قاضياً.

**


هل نتعلّمُ أن نفكِّر دونَ الإنسياقِ لما رَأَتْهُ العينُ وَسَمِعَتْه الأُُذُن؟
وهل ندركُ سَطْوةَ «الإعلامِ، والإعلانِ» في عالَم ثقافةِ العينِ والأُذُن، وسائرِ الحواسِّ وجميعِ الجوارح، فنكونَ ممّن «يَستمِعونَ القولَ فَيَتِّبِعون -بالعقل– أَحْسَنَه؟».
ثقافةُ الإعلانِ والإعلامِ الغرائزيّين، نقيضُ ثقافةِ العقلِ والفِكر، فهل نصوم؟
**
علامةُ ذلك أنْ لا نَنسى الملايين المُشَرَّدين من فلسطين، ولا المجازرَ المتواصلةَ في فلسطين والبحرين، وأفغانستان والعراق واليمن وليبيا، وكلِّ النقاط السَّاخنة في أربع رياح الأرض؟
وعلامةُ العلامةِ أن نلتزمَ فتاوى الفُقَهاءِ –جميعِ الفُقَهاء- بِوُجوب مقاطعةِ البضائعِ الصهيونيّة، والأميركيّة، والفرنسيّة، والبريطانيّة بالخصوص، وكلِّ عدوٍّ مُحارِب، ندعمُه لِيَذْبَحَنا.
عندما تشملُ المقاطعةُ كلَّ السِّلَع «المحاربة» معنويّةً وماديّة، نُثبتُ أنّنا تحرَّرنا من سطوةِ الإعلامِ والإعلان، وسطوةِ المِدْفَعِ والدولار، وأنّنا بدأنا -جميعاً- نفكِّرُ بالعقل، لا بِالْعَيْنِ والأُذُن، والإنسياقِ لِمَعْسول الكلام، وطَلاوة اللّسان: الحضارة. النِّظام الدَّولي الجديد. القانون الدَّولي. وحقوق الإنسان!



 

اخبار مرتبطة

  الوثيقة الحَسَنيَّة الخالدة

الوثيقة الحَسَنيَّة الخالدة

  حافِظوا على ذخائرِ ضيافةِ الله

حافِظوا على ذخائرِ ضيافةِ الله

  دوريات

دوريات

منذ 0 ساعة

نفحات