الملف

الملف

27/01/2017

منزلة الصدِّيقة الكبرى عليها السلام في روايات المسلمين


منزلة الصدِّيقة الكبرى عليها السلام في روايات المسلمين

كلُّ الزمان على أعتابها

§        الشيخ حسين كوراني

* «يومُ فقْد الزهراء يومُ حزنٍ لرسول الله صلّى الله عليه وآله، وكلّ موحِّد. وفي أيام ذكرى شهادة الزهراء عليها السلام، نرفع آيات العزاء إلى إمام زماننا بقيّة الله في الأرضين عجّل الله تعالى فرجه الشريف».

هذه المقالة تعرض إلى منزلة الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء سلام الله عليها في الحديث النبويّ الشريف، وفي كلمات المعصومين عليهم السلام،  وهو ما أوردته المجامع الحديثية عند المسلمين جميعاً.

نشير إلى أن المقالات الثلاث الأولى من هذا الملف، هي ملخّص محرّر لمجموعة من المحاضرات ألقاها سماحة العلامة الشيخ حسين كوراني في «المركز الإسلامي» طيلة شهرَي جمادى الأولى والثانية من سنة 1431 هجرية.

«شعائر»

 

كلّ الزمان على أعتاب الزهراء عليها السلام، فقد خلق اللهُ تعالى الزمانَ والمكان ببركة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها صلوات الله عليهم أجمعين.

للفترة بين الثامن والعشرين من صفر وآخر جمادى الثانية، علاقة خاصّة بالصدّيقة الكبرى، وسيّدة نساء العالمين عليها صلوات الرحمن. ففي الثامن والعشرين من صفر كانت وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله، ولدينا ثلاث روايات حول شهادة الزهراء عليها السلام:

1) بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله، بأربعين يوماً (8 ربيع الثاني).

2) بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله، بخمسةٍ وسبعين يوماً (13 جمادى الأولى).

3) بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله، بخمسةٍ وتسعين يوماً (3 جمادى الثانية).

يضاف إلى ذلك أنّ رواية مولد الزهراء عليها السلام في العشرين من جُمادى الثانية؛ ومعنى ذلك أنّ هذه الفترة من 28 صفر إلى آخر جمادى الثانية شديدة العلاقة بالصدّيقة الكبرى عليها صلوات الرحمن؛ لذا يجب أن نحرص على «وِرد» المطالعة والقراءة حول الزهراء عليها السلام، خصوصاً في شهرَي جمادى الأولى والثانية. ومن أبرز مجالات المطالعة: معرفة عظَمة مقام الزهراء كما عرّفها الله تعالى ورسوله وأهلُ البيت، لا غُلُوَّ ولا تقصير. وكذلك القراءة والتعرّف إلى سيرتها عليها السلام.

* وههنا سؤال: لماذا بقي تاريخ الشهادة مردَّداً بين ثلاثة أيام تختلفُ على مساحة خمسين يوماً، بالرغم من وجود داعيَين وعنصرَين رئيسَين يستدعيان تحديد التاريخ حتّى بالساعة؟

العنصر الأول: موقع الزهراء في عقيدة المسلمين.

العنصر الثاني: استمرار الإمامة الظاهرة لأبنائها الأئمّة عليهم السلام، إلى سنة 260 للهجرة.

الجواب عن الأوّل: أنّ حكّام أنظمة الجور والتحريف، الذين حكموا باسم الإسلام، عملوا على عرض الإسلام بما يناسبهم، وحرصوا على تبهيت صورة أهل البيت عليهم السلام في عقيدة السلمين.

والجواب عن الثاني: يظهر بالتأمّل أنّ الأئمّة عليهم السلام، تعمّدوا إبقاء التاريخ مجهولاً كما تعمّدت هي عليها السلام، إبقاء القبر مجهولاً.

والسبب هو أنّ معرفة الإسلام رهْنُ معرفة الزهراء، والأمر الذي استدعى دفنها ليلاً وبقاء قبرها مجهولاً، هو دعوة محمّدية إلى كلّ مسلمٍ أن يَدخل في دين الله تعالى من باب فاطمة عليها السلام. وفي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام، أنّ «على مَعرفتِها دارتِ القرونُ الأُولى»، وعلى معرفتها صلوات الله عليها تدور القرون الأخيرة. وهذه الحقيقة الناصعة تستدعي أمرَين:

الأوّل: معرفة موقع الزهراء عليها السلام من الحقيقة المحمّدية قبل خَلْق الخلق. وأكتفي في هذا السياق بالإشارة إلى ما رواه الشيخ المفيد عليه الرحمة من «حديث الأشباح» حيث يقول في (تفسير القرآن المجيد، ص 219):

«والصحيحُ من حديث الأشباح الرواية التي جاءت عن الثّقات: بأنّ آدم عليه السلام، رأى على العرش أشباحاً يلمعُ نورها، فسأل الله تعالى عنها، فأوحى إليه: (أنّها أشباح رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم)، وأعلمَه أنْ لولا الأشباح التي رآها ما خلَقَه ولا خلَق سماء ولا أرضاً».

الثاني: موقع الزهراء صلوات الله عليها في عقيدة المسلمين جميعاً. وهو يستدعي الوقوف عند أمرَين:

1) بناء العقيدة بمعزلٍ عن إعلام الطواغيت.

2) فرادة تثبيت الرسول صلّى الله عليه وآله موقع الزهراء عليها السلام في عقيدة المسلمين، حتى تحقّق الإجماع بين علماء الأمّة على أنّ عظمتها عليها السلام، عظمة محمّدية.

ومحاور هذا الإجماع بما يشمل المنقول والمركّب والمحصّل ولو بالدلالة الالتزامية، أنّها «الكوثر»، و«الصدّيقة»، وأنّ «مَن آذاها فقد آذَى اللهَ»، و«يَرضى اللهُ لِرضاها»، وأنّ لها الشفاعة في المحشر، وأنّها «سيّدة نساءِ العالمين»، و«سيّدة نساءِ الجنّة»، وأنّه «لولا أمير المؤمنين عليٌّ عليه السلام لم يكُن لها كُفؤ، آدم فما دُونه»، و«أنّ الله فَطَمها ومحبِّيها عن النّار».

وبالمحصّلة، فالدّرسُ العمليّ الكبير هو أن معرفة الإسلام رهنُ معرفة الزهراء عليها السلام.

مقام الشفاعة والاستنقاذ من النار

* أورد المقدّس العلّامة السيد عبد الحسين شرف الدين في كتابه (الفصول المهمّة في تأليف الأمّة، ص 48 - 49) نماذج من روايات المسلمين السنّة حول عظيم منزلة الصديقة الزهراء عليها السلام عند الله تبارك وتعالى، قال:

1) أخرج ابن سعد (كما في صفحة 91 من الصواعق) عن عليٍّ عليه السلام، قال: «أخبرني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، أنَّ أوّلَ مَن يَدخلُ الجنّةَ أنا وفاطمة والحَسن والحُسين، قلتُ: يا رسول الله فمُحِبُّونا؟ قال: من ورائكم».

2) وأخرج الديلميّ (كما في الصواعق أيضاً) مرفوعاً: «إنّما سُمِّيت ابنَتي فاطمة، لأنّ الله فَطَمها ومحبِّيها عن النار».

3) أخرج ابن حنبل والترمذيّ (كما في صفحة 91 من الصواعق) أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم، أخذ بيد الحسنين عليهما السلام، وقال: «مَن أحبَّني وأحبَّ هذين وأباهما وأمّهما، كانَ مَعي في دَرجتِي يومَ القيامة».

* وفي (الصراع بين الإسلام والوثنية، ص 29) للعلامة الأميني، قال: «وأخرج الحافظ الدمشقيّ بإسناده عن عليِّ [عليه السلام]، قال: قال رسولُ الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، لِفاطمة [عليها السلام]: يا فاطمة، تَدْرينَ لِمَ سُمِّيتِ فاطمة؟

فقال عليّ [عليه السلام]: لِمَ سُمِّيَت؟

قال: إنّ اللهَ عزَّ وجلَّ قد فَطَمَها وذُرِّيّتَها عن النّار يوم القيامة».

أضاف الأميني: «وقد رواه الإمام عليّ بن موسى الرضا في (مسنده) ولفظه: إنَّ اللهَ فَطَمَ ابنَتي فاطمة وولدَها ومَن أحَبَّهم من النّار».

* وفي (شرح إحقاق الحقّ: ج 10، ص 16 – 21) للسيد المرعشي، خرّج هذا الحديث بألفاظ مختلفة من مصادر المسلمين السنّة، منهم:

1) العلّامة المناوي في (فيض القدير، ج1 ص206، ط القاهرة).

2) العلّامة السيّد الشريف نور الدين علي السمهودي في (جواهر العقدين)، على ما في (ينابيع المودّة، ص397، ط إسلامبول).

3) العلّامة الشيخ سليمان البلخي القندوزي المتوفّى سنة 1293، في (ينابيع المودّة، ص194، ط إسلامبول).

4) العلامة أخطب خوارزم في (مقتل الحسين، ص51، ط الغري).

وغير هؤلاء كثير.

ومن مصادر المسلمين الشيعة، نشير إلى نموذجٍ واحدٍ من الروايات حول منزلة الصدّيقة الكبرى صلوات الله عليها، وهو ما رواه الشيخ الصدوق في (عِلل الشرائع) عن محمّد بن مسلم الثقفي، قال: «سمعتُ أبا جعفرٍ (الباقر) عليه السلام، يقول:

لِفاطمةَ عليها السّلامُ وَقفةٌ على بابِ جهنّم، فإذا كان يوم القيامة، كُتِب بين عَينَي كلِّ رجُلٍ مؤمنٌ أو كافرٌ، فيُؤمَرُ بِمُحِبٍّ قد كثُرت ذنوبُه إلى النار، فتَقرأُ فاطمةُ بين عينَيه "مُحِبّاً"، فتقول:

إِلَهي وسيِّدي، سَمَّيْتَني فاطمة، وفَطَمْتَ بي مَن تَوَلّاني وتَوَلّى ذُرِّيَّتِي مِن النّارِ، ووَعْدُكَ الحّقُّ وأنتَ لا تُخلِفُ الميعادَ.

فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ:

صَدَقْتِ يا فاطِمة، إِنِّي سَمَّيْتُكِ فاطِمةَ، وفَطَمْتُ بِكِ مَنْ أَحَبَّكِ وتَوَلَّاكِ، وأَحَبَّ ذُرِّيَّتَكِ وتَوَلَّاهُم مِن النَّارِ، ووَعْدِيَ الحَقُّ وأنا لا أُخْلِفُ المِيعادَ.

وإنَّما أَمَرْتُ بِعَبْدِي هذا إلى النّارِ لِتَشْفَعِي فيهِ فَأُشَفِّعَكِ، وليَتَبيَّنَ مَلائكَتي وأنبِيائي ورُسُلي وأهلُ المَوقِفِ مَوقِفَكِ مِنِّي ومَكانَتَكِ عِندي، فَمَنْ قَرَأتِ بَينَ عَينَيْهِ "مُؤمِناً" فَخُذِي بِيَدِه وأَدْخِليهِ الجَنّة».

 

الاستغاثة بالزهراء عليها السلام

يتضمّن دعاء القرآن الكريم في ليالي القدر توسُّلاً بالزهراء عليها السلام، واستغاثةً بها، وقد ورد في روايات أهل البيت عدّة صيَغ في الاستغاثة بها عليها السلام، منها هذه الاستغاثة التي أوردَها الشّيخ الطّبرسيّ في (مكارم الأخلاق) بعنوان: «صلاةُ الاستغاثة بالبتول عليها السلام»، ونقلَها عنه المجلسيّ في (البحار)، والمحدّث القمّيّ في (مفاتيح الجنان)، وأوردَها القيّوميّ في (صحيفة الزّهراء عليها السلام):

1) تصلّي ركعتين.

2) ثمّ تسجد وتقول: يا فاطمة. (مائة مرّة)

3) ثمّ تضع خدّك الأيمن على الأرض وتقول مثل ذلك.

4) ثمّ تضع خدك الأيسر على الأرض وتقول مثله.

5) ثمّ اسجد وقُل ذلك مائة وعشر مرات.

6) ثمّ تقول: يَا آمِناً مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْكَ خَائِفٌ حَذِرٌ، أَسْأَلُكَ بِأَمْنِكَ مِنْ كُلِّ شَيءٍ وَخَوْفِ كُلِّ شَيءٍ مِنْكَ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلٍ مُحمَّدٍ، وأَنْ تُعْطِيَني أَمَانَاً لِنَفْسِي، وَأَهْلِي وَمَالِي وَوُلْدِي، حَتَّى لَا أَخَافَ أَحَدَاً وَلَا أَحْذَرَ مِنْ شَيءٍ أَبَدَاً، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ.

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

27/01/2017

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات