أعلام

أعلام

27/01/2017

الفقيه، المتكلّم والمجاهد



السيّد حسين بن ضياء الدين حسن الكركي

الفقيه، المتكلّم والمجاهد

ــــــــــــــــــــــ إعداد: سليمان بيضون ــــــــــــــــــــــ

من كبار علماء الإمامية في القرن العاشر الهجري، الفقيه والمحدّث والمتكلّم المعروف السيّد حسين بن ضياء الدين الكركي. وهو الشخصية التي لعبت دوراً مميّزاً في النهضة الفكرية والإسلامية في عصره رغم قسوة الظروف التي عاشها.

أُعِدّت هذه الترجمة استناداً إلى ما جاء في العدد 52 من «نشرة التراث» المتخصّصة، الصادرة عن «جمعية الإمام الصادق عليه السلام» لإحياء التراث العلمائي، و(أعيان الشيعة) للسيد محسن الأمين، و(تكملة أمل الآمل) للسيد حسن الصدر، ومصادر متفرّقة أخرى.

 

هو السيد حسين بن ضياء الدين حسن بن محمّد الحسيني، العاملي الكركي، القزويني، ثم الأردبيلي، المعروف بـ«الأمير السيد الحسين المجتهد».  فقيهٌ متكلّم. وُلِد في بلدة (كرك نوح) من البقاع اللبناني، في أواسط القرن العاشر، وتوفّي بقزوين سنة 1001 للهجرة، ونقل جثمانه إلى المشاهد المقدّسة بالعراق فدُفن فيها.

والمترجَم له، هو سبط المحقّق الكركي الشيخ علي بن الحسن بن عبد العالي، ومن علماء القرن العاشر الهجري.

 

«كَرَك نوح» حاضرة علمية

كانت بلدة كرك نوح حاضرة علميّة تُشد إليها الرحال، وكان عَلَمُهَا في القرن التاسع المحقّق الكركي، المعروف بالمحقّق الثاني، المتوفّى في النجف الأشرف بعد عودته من إيران في العهد الصفوي سنة 940 هجرية، وهو العالِم الإماميّ العاملي الأوّل الذي ذهب إلى إيران ووصلها سنة 916 هجرية، وفيها عمل على نشر الفقه والحديث والتفسير، فشيّد المدارس وعيّن مشايخ الإسلام والقضاة، وذلك في عهد الشاه إسماعيل الصفوي الأوّل الذي جمع بين عنصرَي العقل والقوّة، وربما بالغ في استعمال الأخير.

فضّل علماء (كرك نوح) الذهاب إلى إيران في العهد الصفوي لنشر علوم أهل البيت عليهم السلام، وتشييد المدارس والاستفادة من فرصة وجود السلطة التي تحمل شعار الإمامية. ومن هؤلاء الأعلام الذين تصدّوا لهذه المهمّة بكل قوّة وإخلاص: العلّامة المقدّس السيد حسين بن ضياء الدين حسن الكركي (طاب ثراه)، وكان شأنه في إيران في العهد الصفوي، شأن الكثير من علماء جبل عامل؛ سواء الذين سبقوه أو الذين جاؤوا من بعده أو كانوا إلى جنبه.

 

 

مكانة السيد حسين في عهد الشاه طهماسب الصفوي

كان الشاه طهماسب أكثر عقلانية من أبيه إسماعيل الأول، وكان يرى ضرورة التخلّص من الجهات المنحرفة كالصوفية المتفلّتة من ضوابط الشريعة، ولكن عن طريق الفقهاء ونشر الفقه والحديث والتفسير والذي سيكون على حساب حضورها القويّ.

فكان للسيد حسين مقام رفيع في عهد الشاه طهماسب، لم يأخذه مجاناً، وإنّما كان بفعل غزارة علمه وقوة منطقه وفصاحة بيانه وجرأته في قول الحقّ ومناهضة الباطل، وكان على تواضعه وزهده يُعطي لمكانته العلميّة والاجتماعية حقّها كي يفرض نفسه في مواطن القضاء وحلّ الخصومات، وفي قول الحق أمام السلطان الجائر.

 

 

ولهذا يقول المؤرخ الإيراني في (تاريخ عالم آرا) في المجلد الأوّل: «السيد حسين الحسيني العاملي ابن بنت خاتم المجتهدين الشيخ علي بن عبد العالي الكركي (المحقق الثاني)، قد جاء من جبل عامل في عهد الشاه (طهماسب)، وأقام مدّة في أردبيل، وصار شيخ الإسلام بها، وقام بأمر التدريس ومهامّ الشرع والقضاء وبعد ذلك جاء إلى حضرة الشاه وأظهر اجتهاده، وصار منظوراً إليه من قِبل الشاه».

أضاف: «كان صاحب نفس عالية وفطرة سامية وطبع كامل وحافظة عظيمة وكان يتولّى أحياناً فصل القضايا في العسكر، ويحضر كلّ يوم إلى محكمته العليا جمعٌ كثير، ليحكم بينهم...».

وكذلك ذكره الشيخ عبد الله الأفندي في (الرياض) وامتدحه، وذكر مصنّفاته، ولكن على ما يظهر فإنّه جعل السيد حسين بن ضياء الدين حسن الحسيني، والسيد حسين بن بدر الدين حسن بن جعفر الأعرجي الموسوي، شخصاً واحداً.

وامتدحه السيد الصدر في (التكملة)، فقال: «.. عالم عامل فاضل كامل مصنّف مكثِر... كان شيخ الإسلام بقزوين ثم أردبيل إلى يوم وفاته، آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، مرجعاً في العلم والدين نافذ الحكم..».

دوره الريادي في عهد الشاه إسماعيل الثاني

كان إسماعيل الثاني حاقداً على العلماء، سيّء السيرة والسريرة، يقول السيد محسن الأمين في (أعيان الشيعة) ما ملخّصه: «كان إسماعيل هذا في حياة والده محبوساً في (قلعة قهقهه) في آخر ولاية فرادغ من أذربيجان، ومعه معلّمه الميرزا زين العابدين، وكان مسجوناً معه الميرزا مخدوم الشريفي (الناصبي) صاحب كتاب (نواقض الروافض)، ومعهم جماعة من علماء القلندرية أصحاب ميرزا مخدوم، فبذلوا همّتهم في صرفه عن طريقة آبائه في الدين إلى طريقتهم، فمال إليها.

ولمّا صارت إليه السلطنة وجلس على سرير المُلك بقزوين ضيّق على علماء الشيعة في بلاده خصوصا المترجَم، والأمير السيد علي الخطيب، وعلماء أسترآباد الشديدي الاخلاص في التشيّع، فكان يؤذيهم ويُظهر لهم العداوة، وأخرج بعضهم من معسكره..».

ولمّا توفّي الشاه طهماسب، خلَفه بالسلطة نجلُه إسماعيل الثاني، وبدل أن يسير بإيران على خطى والده وجدّه، أخذ طريق الانحراف، وأعلن العداء لعلماء الإماميّة ومنهم العالم المتصدّي السيد حسين بن ضياء الدين حسن، وحاول أن يقتله ويتخلّص منه مراراً، ولكن إرادة الله وصلابة السيد منعا من ذلك.

وممّا قام به الشاه إسماعيل الثاني، أنّه عمد إلى كُتب السيد حسين بن ضياء الدين، وجعلها في صندوق وختمها ونقلها إلى داره، ثمّ أخرج السيد من داره وجعلها دار ضيافة، وأمر بتغيير خطبة الجمعة المعهودة على طريقة الإماميّة، ومنع المواكب والتشريفات أمام العلماء، وحجر على السيد حسين، وهدّده بالقتل إن امتنع عن ذلك.

وهناك عدّة حوادث أخرى وقعت بين الشاه والسيد حسين، منها:

* حاول الشاه إسماعيل عدّة مرات التخلّص من السيد حسين وكان ينجو منه في كلّ مرّة، وحبَسه ذات يوم في (غرفة بخار) لفترة طويلة، وكلّ ظنّه أنّ السيد مات خنقاً، وعندما فتحوا باب الحجرة وجدوه حيّاً، وهذه كرامة تُسجّل للسيد حسين.

* وعمد الشاه إسماعيل ذات يوم إلى تغيير السكّة النقدية المنقوش عليها أسماء الأئمة عليهم السلام بحجّة أنّها أسماء مقدّسة وعندما تقع في أيدي العامّة من الناس سوف تتعرّض للنجاسة، ولم يجرؤ أحد على الردّ عليه ومناقشته معترضاً سوى السيد حسين الذي قال للشاه، كما في (أعيان الشيعة): «انقش عليها ما لا يضرّ معه الوقوع في يد أحد، وهو بيتٌ للمولى حيرتي الشاعر [في مدح أمير المؤمنين عليه السلام، صدرُه]: (هر كجا نقشى است بر ديوار ودر، ومعناه: اسمُك منقوشٌ في كلّ مكان؛ على الجدار والباب)، فازداد غضبه عليه ولكنّه ترك ما كان عزم عليه حيث لم يتيسّر له، وعزم على قتل المترجم، ولم يزل المترجم معه في عناء وشدّة مدّة سلطنته وهي سنة وستة أشهر..».

* واستمر الشاه الصفوي بتحريضٍ من بعض الحاقدين بالعمل على محاربة الشعائر الدينيّة، فطلب من السيد حسين الكركي أن يطلب من الناس التخلّي عن بعض الشعارات التي يعتقدون بها، ولكنّه رفض ذلك، وعندما هدّده بالقتل، قال للشاه: «إنّ الناس لا زالوا يلعنون يزيد بن معاوية لأنّه قتل الحسين بن عليّ عليهما السلام، ولو أنّك قتلتني فسوف يلعنونك كما لعنوا يزيد بن معاوية».

ولم يكُفّ الشاه ومِن ورائه الحاقدون عن السعي للتخلّص من السيد حسين لكونه عقبة كبيرة في وجه مخطّطهم، وذات ليلة عزم على قتله، وأراد أن يدسّ السمّ إلى الشيخ عبد العالي الكركي (وهو خاله) والسيد حسين وكانا في قزوين، فتمكّن الشيخ عبد العالي من الخروج إلى همدان، وبقي السيد حسين صابراً محتسباً لاجئاً إلى الله تعالى.

 

 

يقول السيد محسن الأمين في (أعيان الشيعة): «.. ولم يتمكّن المترجِم من الهرب، فبقي في قزوين خائفاً على نفسه متوكّلاً على الله متوسّلاً بأجداده أئمّة الهدى، واشتغل بتلاوة دعاء العلوي المصري المجرّب في دفع كيد الأعداء... فلمّا دخل شهر رمضان ومضى منه ثلاثة أيّام خرج الشاه ليلاً إلى السوق متنزّها... وأكل من البنج [أي المخدّرات] وغيره، فاختنق وضاق نفَسُه في الطريق، فلمّا أرجعوه إلى داره خرج من أنفه وفمه دمٌ كثير ومات. فأحضروا المترجم فأمر بتغسيله وتكفينه، وأخذ صناديق الكُتب التي كان أخذها من بيته..».

وبعد موت إسماعيل الثاني تصدّى للسلطة أخوه محمّد ثمّ ابنه الشاه عباس.

 

مشايخه وتلامذته

قرأ السيد حسين الكركي المترجَم على مجموعة من الفقهاء الأعلام، منهم:

1) والده: السيد ضياء الدين حسن الكركي، وكان من الفضلاء.

2) الفقيه المتكلّم الشيخ محمد بن الحارث المنصوري الجزائري.

3) الشيخ عليّ بن هلال الكركي، والد زوجة الشيخ البهائي العاملي.

4) الشيخ الفقيه يحيي بن حسين بن عشرة البحراني، شارح الرسالة الجعفرية.

وبالإضافة إلى دراسته على من تقدّم ذكرُهم من العلماء وغيرهم، فإنّه يروي عنهم جميعاً وعن جدّه لأمّه المحقّق الكركي.

* أمّا تلاميذه، فمنهم:

1) السيد حسين بن حيدر بن فخر الحسيني العاملي، وقال في إجازة له، رآها صاحب (روضات الجنّات): «أروي جميع ما سلف قراءة وإجازة عن سيّد المحقّقين وسند المدقّقين وارث علوم الأنبياء والمرسلين السيد حسين بن العالم الربّاني السيد حسن الحسيني».

2) الشيخ شمس الدين محمد بن الشيخ ظهير الدين إبراهيم البحراني.

3) غياث الدين علي الطبيب بن كمال الدين الحسيني الكاشاني.

من أهمّ مؤلفاته

1) الاقتصاد في إيضاح الاعتقاد في الإمامة.

2) إيمان أبي طالب.

3) التبصرة في الأمور الكلامية.

4) حاشية على الصحيفة السجادية وشرحها.

5) رسالة الطهماسبية في الإمامة.

6) رسالة في أجوبة مسائل بعض أكابر مدينة جيلان، مشتملة على فوائد فقهية جليلة، سمّاها (النفحات القدسية في أجوبة المسائل الطبَرسية).

7) رسالة اللمعة في عينية الجمعة، ويظهر منها أنّه يقول (بالتخيير)، ويشترط في إمام الجمعة أن يكون فقيهاً مجتهداً جامعاً لشرائط الفتوى.

8) شرح روضة الكافي.

9) شرح شرائع الإسلام للمحقّق الحلّي.

بالإضافة إلى رسائل كثيرة غير التي ذكرناها، وفي عناوين مختلفة.

وفاته في قزوين

توفّي السيد حسين الكركي رضوان الله عليه سنة 1001 هجرية، حيث كان في قزوين وانتشر وباءٌ عامّ في تلك المنطقة وكان يقضي على خلقٍ كثير، فتوفّي السيّد جرّاء إصابته بذك المرض، ونقل الشاه عباس الصفوي جثمانه الشريف إلى العتبات المقدّسة في العراق.

وعليه، يكون السيد حسين بن ضياء الدين الكركي من أصحاب الكرامات المعروفة ومن أعمدة هذا الدين، ومن الذين تصدّوا بقوة للشاه إسماعيل، وكان الله تعالى يردّ عنه ببركة إيمانه وصلابة موقفه وتوسلّه بالله عزّ وجلّ.

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

27/01/2017

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات