بصائر

بصائر

27/01/2017

التوسُّل ومجاهدةُ الهَوى

التوسُّل ومجاهدةُ الهَوى

الطريق إلى معرفة الحقّ

ـــــــــــــــــ الشيخ فارس الحسون* ـــــــــــــــــ

هناك أمران يستطيع الإنسان بالتمسّك بهما أن يبقى له رجاءٌ للوصول إلى مراده، وهدفه العالي في نيل مرضاة الله سبحانه وتعالى، وهما:

أوّلاً: الالتجاء والتوسّل بمَن وُجِد الوجودُ لأجلهم، بمَن قدّمهم الأنبياء والأولياء في دعواتهم وتوسّلاتهم، ألا وهم أهل البيت الذين أذهب اللهُ عنهم الرِّجْسَ وطهّرهم تطهيراً.

هم الذين توسّل بهم آدم عليه السلام فتاب اللهُ عليه، هم سفينةُ نوحٍ مَن ركبها نجا ومَن تخلّف عنها هلِك وغرق، هم باب حطّةٍ الذي مَن دخله كان من الآمنين، هم آلُ يس، هم الذِّكر، هم الراسخون في العلم، هم آيات الله وبيّناته وكتابه، هم أولو الأمر، هم أنوار الله، هم المؤمنون، هم الأبرار والمتّقون والسابقون والمقرّبون، هم السبيل والصّراط، هم الصادقون والصدّيقون والشهداء والصالحون، هم نعمةُ الله وفضلُه ورحمته، هم حبلُ الله المتين والعروة الوثقى، هم الصافّون والمسبّحون، هم البحر واللؤلؤ والمرجان، هم السبعُ المثاني، هم العلماء، هم الشجرةُ الطيّبة، هم الهداية والهدى...

فلا بدّ لكلّ من يريد الوصول إلى المراتب الراقية من أن يقدّم هؤلاء الكرام في دعواته إلى الله ويتوسّل بهم، فإنّه السبب الأساسي الذي يُبقي للإنسان الرجاء للوصول إلى أمنيته السامية، وأحسن ما يذكرهم به هو زيارتهم بالزيارة «الجامعة الكبيرة»، وزيارة «عاشوراء» مع اللّعن والسلام الكامل، مع صلاة النافلة كما أكّد عليه قائم آل محمّد عليه وعليهم السلام، في قصة السيّد الرشتي المشهورة. (مذكورة في مفاتيح الجنان)

ثانياً: محاسبة النفس كلّ يومٍ وليلة، بل كلّ آنٍ ولحظة، لأنّ النفسَ أمّارةٌ بالسوء تتّبع الهوى بل تتّخذه إلهاً، فبالمحاسبة ينجو الغارقُ ويتدارك المفرّطُ عثراته ويتذكّر سابقَ زلاته، وبالمحاسبة يستطيع الشخص الذي يريد أن يصِل إلى أمنيته الشاقّةِ المصعدِ والمرتقى، وأن يبقى له رجاءٌ للوصول إليها أو الحَوم حولها.

فالمحاسبة لها دورٌ فعّالٌ وأساسيٌّ في تربية الروح وتصفية القلب، وفضلُها لا يكاد يُنكره ذو لبٍّ، وقد وردت عدة أحاديث عن النبيّ وآله عليهم السلام في فضلها والتأكيد عليها.

* فعن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، أنّه بعث بسريّة، فلمّا رجعوا، قال: «مرحباً بقومٍ قضوا الجهادَ الأصغر وبقيَ عليهم الجهادُ الأكبر.

قيل: يا رسول الله، وما الجهادُ الأكبر؟

قال: جهادُ النفس».

* وعن أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام، في وصيّته عند وفاته، وفيها: «..واللهَ اللهَ في الجهادِ لِلأنفس فهي أَعدى العدوّ لكم، فإنّه قالَ اللهُ تبارك وتعالى: ﴿..إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي..﴾، وإنّ أوّلَ المعاصي تصديقُ النّفْسِ والرّكونُ إلى الهَوى». (يوسف:53)

* وعنه عليه السلام، أنّه قال: «النّفسُ مجبولةٌ على سُوءِ الأدبِ، والعبدُ مأمورٌ بملازمَةِ حُسن الأدب، والنّفسُ تجري بِطَبعِها في مَيدانِ المخالفة، والعبدُ يَجهدُ بِردِّها عن سوءِ المطالبة، فمتى أَطلقَ عنانَها فهو شريكٌ في فسادِها، ومَن أعانَ نفسَه في هوى نفسِه فقد أَشركَ نفسَه في قتلِ نفسِه».

* وعن أبي حمزة الثماليّ رضوان الله عليه، قال: «كان عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام، يقول: ابنَ آدم، إنّكَ لا تزالُ بخيرٍ ما كان لكَ واعظٌ من نفسِك، وما كانت المحاسبةُ لها من همِّك، وما كان الخوفُ لكَ شعاراً والحزنُ لك دِثاراً، إنّك ميّتٌ ومبعوثٌ وموقوفٌ بين يدَي الله عزّ وجلّ، فأَعِدَّ جواباً».

* وعن الإمام الباقر عليه السلام، أنّه قال في وصيّته لجابر الجعفيّ رضوان الله عليه: «...إنّ المؤمنَ معنيٌّ بِمجاهدةِ نفسِه ليَغلبَها على هَواها، فمرّةً يُقِيمُ أَوَدَها ويخالفُ هواها في محبّةِ الله، ومرّةً تصرعُه نفسُه فيَتّبعُ هواها، فيُنعِشُه اللهُ فيَنتعش، ويُقيلُ اللهُ عثرتَه فيَتذكّر، ويفزعُ إلى التوبَةِ والمخافةِ فيزدادُ بصيرةً ومعرفةً لِما زِيدَ فيه من الخوفِ... ولا فضيلةَ كالجهادِ، ولا جهادَ كَمُجاهدة الهَوى..».

* وعن الإمام الصادق عليه السلام، أنّه قال: «مَن ملكَ نفسَه إذا رغِبَ وإذا رهِبَ وإذا اشتهى وإذا غَضِب، حرَّمَ اللهُ جسدَهُ على النّار».

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* (مقدمة كتاب محاسبة النفس للشيخ الكفعمي: ص 8 – 12)

التوسّل نقطة البداية

«رُوي أنّه دخل على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، رجلٌ اسمه مجاشع، فقال:

يا رسول الله، كيف الطريق إلى معرفة الحقّ؟

فقال صلّى الله عليه وآله: معرفةُ النّفس.

فقال: يا رسولَ الله، كيف الطريقُ إلى موافقةِ الحقّ؟

قال: سُخْطُ النّفس.

فقال: يا رسول الله، فكيف الطريقُ إلى وصْل الحقّ؟

قال: هَجْرُ النّفس.

فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلى طاعة الحقّ؟

قال: عِصيانُ النّفس.

فقال: يا رسول الله، فكيف الطريقُ إلى ذِكرِ الحقّ؟

قال: نِسيانُ النّفس.

فقال: يا رسول الله، فكيف الطريقُ إلى قُربِ الحقّ؟

قال: التّباعدُ عن النّفس.

فقال: يا رسول الله، فكيف الطريقُ إلى أُنسِ الحقّ؟

قال: الوحشةُ من النّفس.

فقال: يا رسول الله، كيف الطريقُ إلى ذلك؟

فقال: الاستعانةُ بالحقّ على النّفس».

(ميزان الحكمة للرّيشهري: ج 3، ص 1877)

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

27/01/2017

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات