الملف

الملف

26/04/2017

التوقيع الشريف الذي يتضمّن الدعاء في يوم ولادته عليه السلام

المحور السادس: التوقيع الشريف الذي يتضمّن الدعاء في يوم ولادته عليه السلام

في (إقبال الأعمال) لسيّد العلماء المراقبين، السيّد ابن طاوس قدّس سرّه، قال:

«فصلٌ في ما نذكره من عمل اليوم الثالث من شعبان، وولادة الحسين عليه السلام فيه.. روينا ذلك بإسنادنا إلى جدي أبي جعفر الطوسي، فقال عند ذكر شعبان: اليوم الثالث منه: فيه وُلد الحسين بن عليّ عليهما السلام، خرج إلى القاسم بن العلاء الهمداني وكيل أبي محمد (العسكري) عليه السلام أنّ مولانا الحسين عليه السلام: وُلد يومَ الخميس لثلاثٍ خَلَونَ من شعبان، فصُمه وادعُ فيه بهذا الدعاء:

 اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ المَوْلُودِ فِي هذا اليَوْمِ، المَوعُودِ بِشَهادَتِهِ قَبْلَ اسْتِهْلالِهِ وَوِلادَتِهِ، بَكَتْهُ السَّماء وَمَنْ فِيها وَالأَرْضُ وَمَنْ عَلَيْها، ولمَّا يطأ لابَتيها. قتيلُ العَبرة وسيّدُ الأُسرة، المَمدودُ بالنُّصرة يومَ الكرّة. المُعوَّض مِن قتلِه أنَّ الأئمّةَ مِن نسلِه، والشفاءَ في تربَتِه، والفوْزَ معهُ في أوْبَتِه، والأوصياء مِن عترتِه بعد قائمِهم وغَيبتِه، حتّى يُدركُوا الأًوْتارَ، ويَثأروا الثّارَ، ويُرضُوا الجَبّار ويَكونُوا خَيرَ أنصارٍ، صلَّى اللهُ عليهِم مع اختلافِ اللّيلِ والنّهار.

أللّهمَّ فَبِحقّهم إليكَ أتَوسّلُ وأسألُ سُؤالَ مُعتَرفٍ، مُقتَرفٍ، مُسيءٍ إلى نفسِه مِمّا فرّط في يومِه وأمسِه، يَسألُكَ العِصمةَ إلى مَحلِّ رَمْسِه. أللّهمّ وصَلِّ على محمّدٍ وعِترتِه، واحشُرنا في زُمرتِهِ، وبوِّئنا معهُ دارَ الكرامةِ ومَحَلَّ الإقامَة. أللّهمَّ وكما أكرمتَنا بِمعرفتِه، فأكرِمْنا بِزُلفَتِه، وارزُقْنا مرافَقَتَه وسابِقَتَه، واجعلْنا مِمّن يُسلِّمُ لِأمرِه، ويُكثِرُ الصّلاةَ عليهِ عِندَ ذِكرِهِ، وعلى جَميعِ أوصيائِهِ وأهلِ أصْفيائِهِ، المَعدودينَ منكَ بِالعَددِ الاثنَي عَشَرَ، النُّجومِ الزُّهَرِ والحُجَجِ على جميعِ البَشَر. أللّهمّ وَهَبْ لنا في هذا اليومِ خيرَ مَوهبةٍ، وأَنْجِح لنا فيه كلّ طَلِبَة، كما وهبْتَ الحسينَ لمحمّدٍ جدِّه، وعاذَ فُطْرُسُ بمهدِه، فنحن عائِذونَ بِقبرِه مِن بعدِه، نشهدُ تربتَه وننتظر أَوْبَتَه، آمين ربَّ العالمين».

ثمّ قال السيّد ابن طاوس: «قال الشيخ (الطوسي): ثمّ تدعو بعد ذلك بدعاء الحسين عليه السلام، وهو آخر دعاء دعا به عليه السلام يوم كُوثر [أي يوم عاشوراء حين تكاثر عليه الأعداء]: أللّهُمَّ أَنْتَ مُتَعالِي المَكانِ عَظِيمُ الجَبَروتِ شَدِيدُ المِحال غَنِيٌّ عَنِ الخَلائِقِ، عَرِيضُ الكِبْرِياءِ قادِرٌ عَلى ما تَشاءُ، قَرِيبُ الرَّحْمَةِ صادِقُ الوَعْدِ سابِغُ النِّعْمَةِ حَسَنُ البَلاءِ، قَرِيبٌ إِذا دُعِيتَ، مُحيطٌ بِما خَلَقْتَ، قابِلُ التَّوْبَةِ لِمَنْ تابَ إِلَيْكَ، قادِرٌ عَلى ما أَرَدْتَ، وَمُدْرِكٌ ما طَلَبْتَ، وَشَكُورٌ إِذا شُكِرْتَ، وَذَكُورٌ إِذا ذُكِرْتَ؛ أَدْعُوكَ مُحْتاجاً وَأَرْغَبُ إِلَيْكَ فَقِيراً وَأَفْزَعُ إِلَيْكَ خائِفاً وَأَبْكِي إِلَيْكَ مَكْرُوباً وَأَسْتَعِينُ بِكَ ضَعِيفاً وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ كافِياً، أُحْكُمْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا فَإِنَّهُمْ غَرُّونا وَخَدَعُونا وَخَذَلُونا وَغَدَرُوا بِنا وَقَتَلُونا، وَنَحْنُ عِتْرَةُ نَبِيِّكَ وَوُلْدُ حَبِيبِكَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله، الَّذِي اصْطَفَيْتَهُ بِالرِّسالَةِ وَائْتَمَنْتَهُ عَلى وَحْيِكَ، فَاجْعَلْ لَنا مِنْ أَمْرِنا فَرَجاً وَمَخْرَجاً بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ».

قال العلامة المجلسي رضوان الله عليه في (البحار):

1) «ثمّ الظاهر أنّ الدعاء الأخير إنّما يتلوه الداعي إلى قوله: احكُم بيننا وبين قومنا، ثمّ يذكر بعد ذلك حاجته».

2) «قال ابن عياش: سمعت الحسين بن عليّ بن سفيان البزوفري، يقول: سمعتُ أنّ أبا عبد الله (الصادق) عليه السلام يدعو به في هذا اليوم، وقال: هو من أدعية اليوم الثالث من شعبان وهو مولد الحسين عليه السلام».

وبعد أن أورد المجلسي رحمه الله هذين الدعاءين عن (المصباح) و(الإقبال)، أشار إلى أنّ عبارات «المَمدودُ بالنُّصرة يومَ الكرّة.. والفوْزَ معهُ في أوْبَتِه، والأوصياء مِن عترتِه بعد قائمِهم وغَيبتِه، حتّى يُدركُوا الأًوْتارَ، ويَثأروا الثّارَ، ويُرضُوا الجَبّار ويَكونُوا خَيرَ أنصار.. وننتظر أَوْبَتَه»، الواردة في التوقيع المبارك «تدلّ على رجعة جميع الأئمّة عليهم السلام في الكرّة».

وهذا الدعاء وملحقه، من غُرر الأدعية، لما تضمّنه من إرساء أُسس الإسلام وركائز التوحيد، فالعلاقة بسيّد الشهداء عليه السلام تأخذ موقعها الطبيعي كتجسيدٍ للعلاقة بالعترة قبل الكرّة وبعدها، ليتخذ الحديث عن حركة الدين على وجه الأرض بُعده الشمولي المرتبط جذرياً بأهل البيت عليهم السلام، الذين تشكّل العلاقة بهم بدورها، تجسيد العلاقة برسول الله صلّى الله عليه وآله، وهو مَن تُبذل المهَج للقرب منه، لإثبات طلب القرب من الله تعالى، فإذا الذوبان في الحسين وأهل البيت عليهم السلام، والتفاني في حبّهم، هو طاعة الله تعالى، والسبيل الذي لا طاعة للمصطفى الحبيب ولا حبّ له ولا اتّباع إلّا به.

وأروع ما في اقتران الدعاء بملحقه الإلفات إلى أنّ هذه المسيرة الموالية قبل الكرّة وبعدها، مسيرة حسينية كربلائية، تردّد فيها القلوب دعاء سيّد الشهداء يوم كُوثر!

وينبغي للقلب الوقوف بعناية عند ركنَين في هذا الدعاء المنهج والمشروع والخطة:

الأول: الرجعة.

الثاني: بكاء السماء ومَن فيها، والأرض ومَن عليها.

* الرجعة

أمّا في الركن الأول: فقد ورد الحديث عن «الرجعة» في هذا الدعاء - على قِصره - ثلاث مرات:

1) «المَمدودُ بالنُّصرة يومَ الكرّة».

2) «والفوْزَ معهُ في أوْبَتِه، والأوصياء مِن عترتِه بعد قائمِهم وغَيبتِه، حتّى يُدركُوا الأًوْتارَ، ويَثأروا الثّارَ، ويُرضُوا الجَبّار ويَكونُوا خَيرَ أنصارٍ».

3) «وننتظر أَوْبَتَه».

ويعتبر الإيمان بالرجعة من خصائص اتّباع رسول الله صلّى الله عليه وآله، وعلاماته الفارقة، وقد صرّح علماؤنا بالإجماع على أصل مبدأ الرجعة، إلّا أنّ هناك خلافاً في التفاصيل، وهو أقلّ ممّا يتراءى، فمَن لا يتحدث عن رجوع الأئمّة عليهم السلام جميعاً، لا ينفي ذلك وإنّما يؤكّد الكلّي الذي ينطبق عليه، وهو «رجعة مَن محض الإيمان محضاً».

عن الإمام الصادق عليه السلام: «ليس منّا مَن لم يؤمن برجعتنا..». وعنه عليه السلام: «ليس منّا مَن لم يؤمن بكرّتنا..».

وفي تعريف الرجعة، والإجماع عليها، قال الطريحي في (مجمع البحرين): «والرَّجعة بالفتح هي المرّة في الرجوع بعد الموت بعد ظهور المهديّ عليه السلام، وهي من ضروريات مذهب الإمامية، وعليها من الشواهد القرآنية وأحاديث أهل البيت عليهم السلام ما هو أشهر من أن يذكر..».

وممّن أكّد هذا الإجماع أبو الصلاح الحلبي، من علماء القرن الخامس، في (الكافي في الفقه) حيث يقول: «وأجمعتِ الفرقةُ المحقّة على إعادة من محض الكفر أو الإيمان من أمتنا في دولة المهديّ عليه السلام».

ويجد المتتبّع أنّ الحديث عن الإجماع يرجع إلى ما صرح به العلَمان، الشيخ المفيد والسيّد المرتضى رضوان الله تعالى عليهما.

* بكاء السماء

بكاء السماء: مصطلحٌ مأخوذٌ من القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ﴾ الدخان:29.

وفي (كامل الزيارات) لابن قولويه مجموعة من الروايات والأخبار حول بكاء السماء على سيّد الشهداء عليه السلام:

1) «..عن الحسن بن الحكم النخعي، عن رجل، قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام، وهو يقول في الرحبة، وهو يتلو هذه الآية: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ﴾، وخرج عليه الحسين من بعض أبواب المسجد، فقال: أمَا إنّ هذا سيُقتَل وتبكي عليه السّماءُ والأرضُ».

2 ) «..خرج أمير المؤمنين عليه السلام فجلس في المسجد واجتمع أصحابه حوله، وجاء الحسين عليه السلام حتّى قام بين يديه، فوضع يده على رأسه، فقال: يا بنيّ، إنّ اللهَ عَيَّرَ أقواماً بالقرآن، فقال: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ﴾، وأَيْمُ الله لَيقتلنّكَ بعدي ثمّ تبكيكَ السّماءُ والأرضُ».

3) «..عن عبد الله بن هلال، قال: سمعتُ أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول: إنّ السّماءَ بكَت على الحسين بن عليّ ويحيى بن زكريا، ولم تبكِ على أحدٍ غيرهما.

قلت: وما بكاؤهما؟

قال: مَكَثوا أربعين يوماً تطلعُ الشمسُ بِحُمرةٍ وتَغربُ بِحُمرة.

قلت: فذاك بكاؤهما؟

قال: نعم».

4) «..عن عليّ بن مسهّر القرشي، قال: حدّثتني جدتي أنّها أدركت الحسين بن عليٍّ حين قُتل، قالت: فمكثنا سنةً وتسعةَ أشهر والسماء مثل العلَقة، مثل الدم، ما تُرى الشمس».

5) «..عن محمّد بن سلمة، عمّن حدّثه، قال: لمّا قُتل الحسين بن عليٍّ عليهما السلام، أمطَرت السماء تراباً أحمر».

إلى غيرها من الروايات المتواترة التي تتحدّث عن بكاء الملائكة وسكّان السماوات على سيّد الشهداء عليه السلام، فضلاً عن بكاء الأنس والجنّ وجميع المخلوقات.

وينبغي التنبّه إلى أنّه لا يمكن للبحث في سيرة الإمام الحسين عليه السلام، إلّا أن يقف طويلاً عند بكاء السماء ومَن فيها والأرض ومَن عليها على سيّد الشهداء عليه صلوات الرحمن، وذلك للأسباب التالية:

1) أنّ الحديث عن ولادته عليه السلام مقترنٌ بما تقدّم في دعاء اليوم الثالث من شعبان، ومن أهمّ محاوره: «بَكَتْهُ السَّماء وَمَنْ فِيها وَالأَرْضُ وَمَنْ عَلَيْها».

2) أنّ السائد هو التعامل مع هذا البكاء، على أساس أنّه مجازيّ!

3) أنّ عدم معالجة هذا الفهم المغلوط والسائد، يحول بين الباحث وبين معرفة الإمام الحسين عليه السلام حقّ المعرفة، بل يحُول بينه وبين معرفة الإمام الحسين عليه السلام، فيجعله أمام مَن يحسبه الإمامَ وليس به.

4) أنّ علاج هذا الخلل يؤسّس لحلٍّ علميّ لـ«ألغاز» كثيرة ورد الحديث عنها في الروايات، من قبيل بكاء الطير والحيوان، ونوح الجنّ، بل بكاء النبات وحتى الجماد.

5) أنّ معالجة هذا الخلل، تتكفّل تلقائياً برسم المنطلق إلى منهجية سليمة للتعامل مع غرائب كربلاء، من قبيل: نُطق الرأس الشريف، وسائر الكرامات التي تُشنّ على أكثرها حرب شرسة بحجّة العقلانية التي هي في الحقيقة وَهْم العقل.

6) أنّ تصحيح هذا الخلل يرقى إلى مستوى المحور الرئيس في باب تصحيح العقيدة ورسم المسار المحمّدي الأصيل، وما أعظمها من بركةٍ حسينية أن يكون هذا التصحيح مرتبطاً بالحديث عن ولادته عليه السلام.

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

26/04/2017

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات