أعلام

أعلام

منذ 5 أيام

سفراء الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف في الغَيبة الصغرى

سفراء الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف في الغَيبة الصغرى

العَمْريان، وابن روح، والسّمري

ـــــــ إعداد: سليمان بيضون ـــــــ

للإِمام المهديّ عليه السلام غَيبتان: صُغرى، وكبرى. ابتدأت الغَيبة الصغرى منذ انتقال الإمامة إليه بشهادة والده الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام سنة 260 هجرية، إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته بوفاة السفير الرابع سنة 329 هجرية. وأما الغَيبة الكُبرى، فمن حينه حتّى يأذن الله تعالى بخروجه «فيملأَ الأرضَ قِسطاً وعدلاً»، كما في الحديث النبويّ الشريف المتواتر.

وقد نصَب عليه السلام خلال فترة الغَيبة الصغرى سفراءَ أربعة، يمثّلون حلقة الوصل بينه وبين شيعته ومحبّيه، وكانت تَخرج على أيديهم توقيعاتٌ منه عليه السلام في أجوبة المسائل الفقهية والمالية والاجتماعية وغيرها. وهؤلاء السفراء هم: عثمان بن سعيد العَمريّ، وابنُه محمّد بن عثمان، والحسين بن روح النوبختيّ، وعليّ بن محمد السَّمَريّ.                       

تتضمّن هذه المقالة تراجم مختصرة لهؤلاء الأعلام رضوان الله عليهم، تمّ إعدادها استناداً إلى مصادر عدة، منها: (الغَيْبة) للشيخ الطوسي، و(أعيان الشيعة) للسيد محسن الأمين، و(موسوعة طبقات الفقهاء).

 

بدأت الغَيبة الصغرى للإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف عند تسلُّمه صلوات الله عليه مقاليد الولاية الكبرى عقب استشهاد والده الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام سنة 260، إلى سنة 329 هجرية؛ تاريخ انقطاع السفارة بينه وبين شيعته بوفاة آخر السفراء وعدم نصب أحدٍ مكانه، فتكون مدّتها تسعاً وستّين سنة.

ففي هذه المدّة كان السفراء يرون الإمام الغائب، وربما رآه غيرهم، ويصِلون إلى خدمته، وتخرج على أيديهم توقيعاتٌ منه إلى شيعته في أجوبة المسائل، وفي أمورٍ شتّى. وهؤلاء السفراء أربعة هم:

أبو عمرو الثقةُ الأمين

السفير الأول: أبو عمرو، عثمان بن سعيد بن عمرو العَمْري، بفتح العين وسكون الميم، وكان أسدِيّاً فنُسب إلى جدّه أبي أمّه جعفر العَمري، ويقال له «العسكريّ»، لأنّه كان يسكن «عَسكَر سُرّ من رأى»، ويقال له «السمّان» لأنّه كان يتّجر بالسّمن.

وكان عثمان وكيلاً للإمام عليّ الهادي، ثمّ لابنه الإمام الحسن العسكريّ عليهما السلام، وكان الشيعة إذا حملوا إلى الإمام العسكريّ ما يجب عليهم من المال، جعله أبو عمرو في زِقاق السمن وحمَله إليه تقيّةً وخوفاً، ثمّ اختير لمنصب السفارة الخاصّة للإمام المهديّ عليه السلام.

عن مكانة عثمان بن سعيد عند الإمامين الهادي والعسكريّ عليهما السلام، روى الشيخ الطوسي في كتابه (الغَيبة)، بسنده إلى أحمد بن إسحاق بن سعد القُمّي، قال: «دخلتُ على أبي الحسن عليّ بن محمّد (الهادي) صلوات الله عليه في يومٍ من الأيّام، فقلت: يا سيدي، أنا أغيب وأشهد، ولا يتهيّأ لي الوصولُ إليك إذا شهدتُ في كلّ وقت، فقَولَ مَن نقبل؟ وأمر مَن نمتثل؟

فقال لي صلوات الله عليه: هذا أبو عمرو الثّقةُ الأمين، ما قاله لكم فعنّي يقوله، وما أدّاه إليكم فعنّي يؤدّيه».

يتابع أحمد بن إسحاق: «فلمّا مضى أبو الحسن عليه السلام وصلتُ إلى أبي محمّدٍ ابنِه الحسن العسكريّ عليه السلام ذات يوم، فقلتُ له مثلَ قولي لأبيه.

فقال لي: هذا أبو عمرو الثقةُ الأمين، ثقةُ الماضي وثقتي في المَحيا والممات، فما قاله لكم فعنّي يقوله، وما أدّى إليكم فعنّي يؤدّيه».

وجاء للإمام العسكريّ عليه السلام أربعون رجلاً من أصحابه يسألونه عن الحُجّة من بعده، فإذا غلامٌ كأنّه قِطَعُ قَمَرٍ، أشبهُ الناسِ بأبي محمّد، فقال لهم: «هذا إمامُكم من بعدي وخليفتي عليكم، أطيعوه، ولا تتفرّقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنّكم لا تَرَونَه بعد يومِكم هذا حتّى يتمّ له عُمر، فاقبلوا من عثمان بن سعيدٍ ما يقولُه، وانتهوا إلى أمْرِه، واقبلوا قولَه، فهو خليفةُ إمامكم، والأمرُ إليه».

قال الشيخ الطوسي في (الغَيبة): «وكانت توقيعات صاحب الأمر عليه السلام تَخرج على يده ويد ابنه محمّد إلى شيعته وخواصّ أبيه بالأمر والنهي، وأجوبة المسائل بالخطّ الذي كان يخرج في حياة الحسن العسكريّ عليه السلام، فلم تزلْ الشيعةُ مقيمةً على عدالتهما حتّى تُوفّي عثمان بن سعيد..».

وكانت وفاته في حدود سنة خمس وستّين ومائتين (265)، ودُفن في الجانب الغربيّ من مدينة بغداد، وقبره هناك إلى الآن.

.. وابنُه محمّد وكيلُ ابني مَهدِيِّكم

السفير الثاني: ابن السفير الأول، أبو جعفر، محمّد بن عثمان بن سعيد العَمري (الخلّاني)، وهو أطول السفراء مدّةً في هذا المنصب، وقد تضافرت الروايات الدالّة على جلالة شأنه وعِظَم مَقامه، منها ما رواه الشيخ الطوسي بسنده إلى عبد الله بن جعفر الحِمْيري قال: خرج التوقيعُ إلى أبي جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمري في التعزية بأبيه، وفيه: «أجزلَ اللهُ لك الثواب، وأحسنَ لك العزاء، رُزِئتَ ورُزِئنا وأوحشَك فِراقُه وأوحشَنا، فسرَّه اللهُ في مُنقلَبه، وكان من كمال سعادته أنْ رزقَه اللهُ تعالى ولداً مثلَك يخْلفُه من بعده، ويقوم مقامَه في أمره، ويترحَّمُ عليه..». إلى أن يقول له عليه السلام: «أعانك اللهُ وقوّاكَ وعَضَدَك ووفّقك، وكان لك وليّاً وحافظاً وراعياً وكافياً».

وروى الشيخ أيضاً في كتاب (الغَيبة)، عن هبة الله بن محمد، عن شيوخه، قالوا: «لم تزل الشيعة مقِيمةً على عدالة عثمان بن سعيد [الأب] وجعْل الأمر بعد موته كلّه مردوداً إلى ابنه أبي جعفر، والشيعةُ مجمعةٌ على عدالته، وثقته، وأمانته، للنصّ عليه بالأمانة والعدالة والأمر بالرجوع إليه في حياة الحسن العسكريّ عليه السلام... لا يُختلف في عدالته ولا يُرتاب بأمانته، والتوقيعات تخرج على يده إلى الشيعة في المهمّات طول حياته بالخطّ الذي كانت تخرج به في حياة أبيه عثمان».

وقال أيضاً: «لمّا مضى أبو عمرو عثمان بن سعيد، قام ابنه أبو جعفر محمّد بن عثمان مقامه بنصّ أبي محمّدٍ الحسن العسكريّ عليه السلام، ونصّ أبيه عثمان عليه بأمر القائم عليه السلام».

وممّا روي عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام أيضاً قوله: «إشهدوا عليّ أنّ عثمان بن سعيد العَمْري وكيلي، وأنّ ابنه محمداً وكيلُ ابني مهديّكم».

وقال عليه السلام لبعض أصحابه: «العَمْريُّ وابنُه ثقتان، فما أدّيا إليك فعنِّي يؤدّيان، وما قالا لك فعنِّي يقولان، فاسمعْ لهما وأطِعْهما، فإنّهما الثّقتان المأمونان».

وكانت لأبي جعفر كتبٌ في الفقه ممّا سمعه من أبي محمّدٍ الحسن العسكريّ عليه السلام، ومن صاحب الأمر عليه السلام، ومن أبيه عثمان، عن أبي محمّد، وعن أبيه عليّ بن محمّد عليهما السلام، منها كتاب (الأشربة).

قال الشيخ الصدوق في (كمال الدين وتمام النعمة)، عن محمّد بن عثمان العَمري رضي الله عنه أنه قال: «واللهِ، إنّ صاحبَ هذا الأمر لَيحضُر الموسمَ كلّ سنة، يرى الناسَ ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه».

وقيل له: رأيتَ صاحب هذا الأمر؟

قال: «نعم، وآخرُ عهدي به عند بيت الله الحرام، وهو يقول: اللّهُمّ أنجِزْ لي ما وعَدْتَني».

وقال: «رأيتُه صلواتُ الله عليه متعلّقاً بأستار الكعبة في المستجار، وهو يقول: اللّهُمّ انتقِمْ بي من أعدائك».

ودخل على محمّد بن عثمان بعضُ أصحابه فرآه وبين يديه ساجة (لوح من شجر الساج المتين)، ونقّاشٌ ينقشُ عليها آياً من القرآن، وأسماءَ الأئمّة عليهم السلام على حواشيها، فقال: «هذه لقبري أوضَعُ عليها، وقد فرغتُ منه، وأنّا كلّ يومٍ أنزل فيه فأقرأُ جزءاً من القرآن، فإذا كان يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا صرتُ إلى الله، ودُفنتُ فيه». فكان كما قال.

 وفي رواية أنّه حفر قبراً وقال: «أُمرِتُ أن أجمع أمري»، فمات بعد شهرين، وكانت وفاته في آخر جمادى الأولى سنة خمس وثلاثمائة (305)، وتولى هذا الأمر (السفارة) نحواً من أربعين سنة، ودُفن عند والدته بشارع الكوفة في بغداد.

السفيرُ بينكم وبين «صاحب الأمر»

السفير الثالث: أبو القاسم، الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي. أقامه السفير الثاني محمّد بن عثمان مقامه قبل وفاته بسنتين أو ثلاث سنين، فجمع وجوه الشيعة وشيوخها وقال لهم: «إنْ حدثَ علَيَّ حدثُ الموت فالأمرُ إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي، فقد أُمِرتُ أن أجعله في موضعي بعدي، فارجعوا إليه، وعوّلوا في أموركم عليه».

وفي رواية أنّهم سألوا أبا جعفر: إنْ حدَث أمرٌ فمن يكون مكانك؟

فقال لهم: «هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي، القائمُ مقامي والسفير بينكم وبين صاحب الأمر، والوكيلُ له، والثقة الأمين، فارجعوا إليه في أموركم، وعوّلوا عليه في مهمّاتكم، فبذلك أُمِرتُ، وقد بَلّغتُ».

وكان للسفير الثاني محمّد بن عثمان مجموعة من الوكلاء في بغداد أحدهم الحسين بن روح، ولم يكن في الظاهر مقدَّماً على غيره منهم، بل كان مشايخ الشيعة لا يشكّون في أنّ الذي يقوم مقام محمّد بن عثمان رجلٌ يُدعى جعفر بن أحمد بن متيل، أو أبوه، لقُربهما منه، فلمّا وقع الاختيار للسفارة على أبي القاسم سلّموا ولم يُنكروا، وكانوا معه وبين يديه كما كانوا مع أبي جعفر محمّد بن عثمان.

يقول جعفر بن متيل المتقدّم ذكره: «لمّا حضَرتْ محمدَ بن عثمان الوفاةُ كنتُ جالساً عند رأسه أسائلُه وأحدّثه، وأبو القاسم بن روح عند رِجليه، فقال لي: أُمرتُ أن أوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح. فقمتُ من عند رأسه وأخذتُ بيد أبي القاسم وأجلستُه في مكاني، وتحولّتُ إلى عند رِجليه».

وقال الشيخ الطوسي في كتاب (الغَيبة): «كان أبو القاسم رحمه الله من أعقل الناس عند المخالف والموافق، ويستعملُ التقية».

توفّي في شعبان سنة ستّ وعشرين وثلاثمائة (326)، ودفن في النوبختية ببغداد (الرصافة).

لله أمرٌ هو بالغُه

السفير الرابع: أبو الحسن، عليّ بن محمّد السَّمَري، أوصى إليه الحسين بن روح فقام بما كان إليه. روى الشيخ الطوسي بسنده عن أحمد بن إبراهيم بن مخلّد قال: «حضرتُ بغداد عند المشايخ رحمهم الله، فقال الشيخ أبو الحسن عليّ بن محمّد السّمري قدّس الله روحه ابتداءً منه: رَحِمَ الله عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي - والد الشيخ الصدوق - فكتب المشايخ تاريخ ذلك اليوم، فورد الخبر أنّه تُوفِّي في ذلك اليوم.

وفي رواية أنّه كان يسألهم عن خبر عليّ بن الحسين بن بابويه، فيقولون: قد ورد الكتاب باستقلاله (أي أنه عُوفي من علّته). حتّى كان اليوم الذي قُبض فيه فسألهم، فذكروا مثل ذلك، فقال لهم: «آجرَكم اللهُ فيه، فقد قُبض في هذه الساعة». فأثبتوا التاريخ، فلمّا كان بعد سبعة عشر يوماً، أو ثمانية عشر، ورد الخبر بوفاته في تلك الساعة.

قال الشيخ الصدوق في (كمال الدين): حدّثنا أبو محمّد الحسن بن أحمد المُكَتّب، قال: كنتُ بمدينة السلام (بغداد) في السنة التي تُوفّي فيها الشيخ عليّ بن محمّد السَّمَريّ قدّس الله روحه، فحضرتُه قبل وفاته بأيّام، فأخرجَ إلى الناس توقيعاً نسخته: «بسم الله الرّحمن الرحيم، يا عليُّ بن محمّد السّمريّ، أعظَمَ اللهُ أجرَ إخوانِك فيك، فأنتَ ميّتٌ ما بينَك وبين ستّة أيّام، فاجمَعْ أمرَك ولا تُوصِ إلى أحدٍ فيقومُ مقامَك بعد وفاتِك، فقد وقعتِ الغَيبةُ التامّة، فلا ظهورَ إلّا بعدَ إذنِ اللهِ تعالى ذِكرُه، وذلك بعدَ طُولِ الأمَدِ وقسوةِ القلوبِ وامتلاءِ الأرضِ جَوراً، وسيأتي شِيعتي مَن يدّعي المشاهدةَ، ألا فمنِ ادّعى المشاهدةَ قبلَ خروجِ السفيانيّ والصيحة؛ فهو كذّابٌ مفتَرٍ، ولا حولَ ولا قوّةَ إلّا باللهِ العليّ العظيم».

قال الراوي: فلمّا كان اليوم السادس عُدنا إليه وهو يجودُ بنفسه، فقيل له: مَن وصيّك من بعدك؟ فقال: «لله أمرٌ هو بالغُه». وكانت وفاته في النصف من شعبان سنة.. تسع وعشرين وثلاثمائة (329).

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

منذ 5 أيام

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات