كلمة سواء

كلمة سواء

25/05/2017

الإسلام دينُ الاعتدال والحدِّ الوسط


الإسلام دينُ الاعتدال والحدِّ الوسط

ــــــــــــــــــــ الشيخ محمد علي الأنصاري* ــــــــــــــــــــ

يمتاز الإسلام بالاعتدال في تشريعاته ورؤيته إلى‏ الحياة، فإنّه لا ينظر إلى‏ الدنيا كهدفٍ نهائيّ، بل ينظر إليها كوسيلة للوصول إلى‏ الكمال، كما قال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام: «وإنّما الدنيا منتهى‏ بصرِ الأعمى‏، لا يُبصر ممّا وراءها شيئاً، والبصير يَنْفُذُها بصرُه، ويعلم أنّ الدار وراءها، فالبصير منها شاخصٌ، والأعمى‏ إليها شاخص، والبصير منها متزوِّد، والأعمى‏ لها متزوّد».

فإنّ الدنيا من منظار الإسلام وسيلة لبلوغ الآخرة، فالمال جيّد، واقتناؤه جيّد إذا كان مصروفاً في سبيل الخير وبلوغ الآخرة به. فالإسلام لا يرفض الثروة، بل يؤكّد السعي إليها، ولكن لا لِذاتها، بل لخدمة المجتمع وبلوغ الآخرة عن طريقها.

وقد ورد: أنّ الإمام عليّاً عليه السلام حينما دخل على‏ العلاء بن زياد - في البصرة - يعوده، ورأى‏ سعة داره، قال له: «ما كنتَ تصنعُ بسعة هذه الدار في الدنيا، وأنت إليها في الآخرة أحوج؟ وبلى‏ إنْ شئتَ بلغتَ بها الآخرة: تَقري فيها الضيفَ، وتَصِلُ فيها الرَّحِم، وتُطلِعُ منها الحقوقَ مطالعها، فإذاً أنتَ قد بلغتَ بها الآخرة».

فقال له العلاء: يا أمير المؤمنين، أشكو إليك أخي عاصمَ بن زياد.

 قال: وما له؟

قال: لبس العباءة وتخلّى‏ عن الدنيا!

قال: عَلَيَّ به. فلمّا جاء قال: «يا عُدَيَّ نَفْسِهِ! لقد استهامَ بك الخبيثُ، أما رحمتَ أهلَك وولدَك؟! أترى‏ اللهَ أحلَّ لك الطيّبات، وهو يكرهُ أن تأخذَها؟! أنت أهونُ على‏ اللهِ من ذلك!».

قال - أي عاصم: يا أمير المؤمنين، هذا أنت في خشونة ملبسك وجُشوبة مأكلك»!

قال عليّ عليه السلام: «ويحك، إنّي لستُ كأنت: إنّ الله تعالى‏ فرضَ على‏ أئمّة العدل أن يُقَدِّروا أنفسَهم بِضَعَفَةِ الناس، كيلا يَتَبَيَّغَ بالفقير فقرُه».

والتأمّل في هذه القضيّة يرشدنا إلى‏ كيفيّة محاربة الإمام عليّ عليه السلام - وهو الإسلام المجسَّد - لجانبَي الإفراط والتفريط، والدعوة إلى‏ الاعتدال في الحياة.

وكانت هذه سيرة الأئمّة المعصومين من ولده، فهذا الإمام عليّ بن الحسين عليهما السلام الذي صبّ المفاهيم الإسلاميّة الراقية في قالب الدعاء؛ يقول: «اللّهمّ صلّ على‏ محمّدٍ وآله، وحَلِّني بحِلية الصالحين، وألبِسني زينةَ المتّقين، في بَسْطِ العدلِ، وكَظْمِ الغيظ ...».

قال السيد المدني في (رياض السالكين) يشرح هذه العبارة: «ولمّا كان العدلُ أصلَ كلّ خير، وعليه مدارُ كلِّ أمر... وهو ميزانُ الله القسط في الدنيا والآخرة، قدّمه في الطلب على‏ سائر المكارم المطلوبة، اهتماماً بشأنه، وتنبيهاً على‏ عُلوِّ مكانه. وهو:

- إمّا بالقوّة، فهيئةٌ نفسانيّة يطلب بها التوسّط بين الإفراط والتفريط.

- وإمّا بالفعل، فالأمر المتوسّط بين طرفَي الإفراط والتفريط ...».

ثمّ قال: «إنّ الفضائل كلّها ملَكاتٌ متوسّطة بين طرفَي إفراطٍ وتفريط، فالمتوسّط منها هو العدل...».

ثمّ مثّل لذلك بأمثلة عديدة، منها: الشجاعة، وهي متوسّطة بين الجُبن والتهوّر. والتواضع بين الكِبر والذلّ. إلخ

ثمّ قال: «فالأوساط بين هذه الأطراف المتضادّة هي الفضائل، ولكلٍّ منها طرفا تفريطٍ وإفراط، وهما مذمومان، والخروج إلى‏ أحدهما هو الجَور الذي هو ضدّ العدل، والأطراف المتضادة هي الرذائل..».

ثمّ بيّن أنّ هذا التقسيم جارٍ في باب العقائد، ومثّل له بعض الأمثلة؛ منها الجبر والتفويض، وهما إفراط وتفريط خارجان عن الاعتدال، والحدُّ الوسط هو ما ذهب إليه الأئمة من أهل البيت عليهم السلام وهو: الأمرُ بين الأمرين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* الموسوعة الفقهية الميسرة

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

25/05/2017

دوريات

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

نفحات