صاحب الأمر

صاحب الأمر

15/11/2017

عقيدة المسلمين السنّة في الإمام المهديّ المنتظَر عجّل الله تعالى فرجه الشريف

 

يفرحُ به عامّةُ المسلمين أكثر من خواصّهم

عقيدة المسلمين السنّة في الإمام المهديّ المنتظَر عجّل الله تعالى فرجه الشريف

ــــــــــــــــــــــــــــ العلامة الشيخ علي الكوراني ــــــــــــــــــــــــــــ

يتصوّر البعض أنّ عقيدة «المهديّ المنتظَر» عقيدة خاصّة بالشيعة، بينما هي عند السُّنّة أصيلةٌ كأصالتها عند الشيعة، لا فرق بين الجميع في ثبوت البشارة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله بالمهديّ المنتظر عجَّل الله فرجه، ولا في مهمّته العالمية، ولا في شخصيّته المقدّسة المتميّزة، ولا في علامات ظهوره ومعالم ثورته.

وتظهر أصالة «عقيدة المهديّ» عند السنّة في كثرة أحاديثها في مصادرهم وأصولهم الحديثية والعقائدية، وفي فتاوى وآراء علمائهم، وفي التاريخ العلمي والسياسي لهذه العقيدة في أوساطهم عبر الأجيال.

فرواة أحاديث المهديّ المنتظر عليه السلام من الصحابة والتابعين السنّة لا يقلّ عددهم عن الرواة من الشيعة، وكذلك مَن دوّنها منهم في الأصول والموسوعات الحديثية، ومَن ألّف فيها مؤلّفاً خاصّاً، ولعلّ أقدم مؤلّف سنّيّ وصل إلينا في «عقيدة المهديّ» هو كتاب (الفتن والملاحم) للحافظ نعيم بن حمّاد المروزي المتوفّى سنة 227 للهجرة [أي قبل ولادة الإمام المهديّ عليه السلام] وهو من شيوخ البخاري وغيره من مصنّفي (الصِّحاح)، أمّا بقية المصادر الحديثية والعقائدية السنّية التي تعرّضت لعقيدة المهديّ المنتظر عليه السلام أو عقدت لها فصلاً فتزيد على الخمسين مصدراً، بما فيها كتب الصّحاح.

وعلى مرّ العصور كانت عقيدة المهديّ المنتظر عجَّل الله تعالى فرجه الشريف من العقائد الثابتة المتسالم عليها عند علماء السنّة وجمهورهم، فإنْ ظهر رأي شاذّ ينكرها أو يشكّك فيها، تصدّى له العلماء والمحقّقون، وردّوه، وأنكروا عليه أن يشكّك في واحدةٍ من عقائد الإسلام التي ثبتت بالأحاديث المتواترة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله. وأمامنا نموذجان ممّن شكّك في «عقيدة المهديّ» وردّ عليهما علماء السنّة:

الأول: ابن خلدون، وهو من علماء القرن الثامن، صاحب التاريخ المعروف؛ حيث استعرض ثمانية وعشرين حديثاً وردت في الإمام المهديّ عليه السلام، وناقش في بعض رجال أسانيدها، وختم مناقشاته بقوله: «فهذه جملة الأحاديث التي خرّجها الأئمّة في شأن المهديّ وخروجه في آخر الزمان، وهي كما رأيت لم يخلص منها من النقد إلّا القليل والأقلّ منه».

ومع أنّ ابن خلدون لم يجزم بنفي «عقيدة المهديّ المنتظَر»، ولكنّه استبعدها وناقش في عدد من أحاديثها، فقد اعتبر العلماء ذلك منه شذوذاً وتكذيباً لعقيدة إسلامية استفاضت أحاديثها وتواترت، وانتقدوه بأنّه مؤرّخ وليس من أهل الاختصاص في الحديث حتّى يحقّ له الجَرح والتعديل والاجتهاد.

وأوسعُ ما رأيت في الرد عليه كتاب (الوهم المكنون من كلام ابن خلدون) للعالم المحدّث أحمد بن الصدّيق المغربي في أكثر من مئة وخمسين صفحة، قدّم له مقدّمة وافية ذكَر فيها جملة من آراء أئمّة الحديث في صحّة أحاديث المهديّ المنتظر وتواترها، ثمّ فنّد مناقشات ابن خلدون لأسانيد الأحاديث الثمان والعشرين التي ذكرها واحدة واحدة، ثمّ أكمل أحاديث المهديّ عجَّل الله فرجه، إلى مائة حديث.

والنموذج الثاني: الشيخ عبد الله محمود، رئيس المحاكم الشرعية في قطر في كتابه (لا مهديّ يُنتظَر بعد الرسول خير البشر) الذي نشره عقب حركة المسجد الحرام وادّعاء قائدها محمد عبد الله القرشي أنّه المهديّ المنتظر، فتصدّى لعبد الله محمود عدد من علماء الحجاز وردّوا عليه، ومنهم العالم المحدّث الشيخ عبد المحسن العبّاد، المدرّس بالجامعة الإسلامية في المدينة المنوّرة، الذي ردّ عليه في بحثٍ وافٍ في أكثر من خمسين صفحة باسم: (الردّ على مَن كذّب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهديّ)، ونشره في العدد 45 من مجلة (الجامعة الإسلامية) محرّم 1400 للهجرة.

وفي ما يلي نماذج من أقوال أعلام من علماء أهل السنّة في تأكيد عقيدة المهديّ المنتظر عليه السلام، وهي مثبتة في كتاب (الإمام المهديّ عند أهل السنّة) الذي أصدرته مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بأصفهان، وجمعت فيه فصولاً من كتب الحديث ورسائل مفردة وبحوثاً حول الإمام المهديّ عجَّل الله فرجه، لأكثر من خمسين من أئمّة السنّة وعلمائهم.

محي الدين بن عربي (ت: 638 هجرية)

قال في (الفتوحات المكية: 3/327): «اِعلم أيّدنا الله أنّ لله خليفةً يخرج وقد امتلأت الأرضُ جوراً وظلماً فيملأها قسطاً وعدلاً... من عترة رسول الله صلّى الله عليه [وآله]، من وُلد فاطمة، يواطئ اسمه اسمَ رسول الله صلّى الله عليه [وآله]...، يشهد الملحمة العظمى مأدبة الله بمرج عكّا، يبيد الظلم وأهلَه، يُقيم الدين فينفخ الروح في الإسلام، يعزّ الإسلام به بعد ذلّة، ويحيا بعد موته... يظهر من الدين ما هو عليه في نفسه ما لو كان رسول الله صلّى الله عليه وآله لَحكَم به، يرفع المذاهب من الأرض فلا يبقى إلّا الدين الخالص... يفرح به عامّة المسلمين أكثر من خواصّهم، ويبايعه العارفون من أهل الحقائق عن شهود وكشف بتعريفٍ إلهيّ..».

جلال الدين السيوطي (ت: 911 هجرية)

قال في كتابه (الحاوي للفتاوي: 1/396): «..في التعليق على حديث (لا مهديّ إلّا عيسى بن مريم): قال القرطبي في (التذكرة): إسناده ضعيف، والأحاديث عن النبيّ صلّى الله عليه [وآله] في التنصيص على خروج المهديّ من عِترته، وأنّه من عترته، وأنّه من وُلد فاطمة، ثابتة أصحّ من هذا الحديث..».

ابن حجر الهيتمي (ت: 974 هجرية)

قال في (الصواعق المحرقة، ص 162): «الآية الثانية عشرة، قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ..﴾ الزخرف:61، قال مقاتل بن سليمان ومَن تبعه من المفسّرين: إنّ هذه الآية نزلتْ في المهديّ، وستأتي الأحاديث المصرّحة بأنّه من أهل البيت النبويّ، وحينئذٍ ففي الآية دلالة على البركة في نسل فاطمة وعليّ رضي الله عنهما، وأنّ الله لَيُخرج منهما كثيراً طيّباً، وأن يجعل نسلهما مفاتيح الحكمة ومعادن الرحمة، وسرّ ذلك أنّ النبيّ صلّى الله عليه [وآله] أعاذها وذريتها من الشيطان الرجيم، ودعا لعليٍّ بمثل ذلك..».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(عصر الظهور: 287 – 304، مختصر)

اخبار مرتبطة

  تقرير

تقرير

منذ 5 أيام

تقرير

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

منذ 5 أيام

إصدارات عربية

نفحات