أحسن الحديث

أحسن الحديث

12/06/2018

موجز في تفسير سورة «العاديات»

 

من أصرح بيانات القرآن في تعظيم أمر الجهاد   

موجز في تفسير سورة «العاديات»

ـــــــــــــــــ إعداد: سليمان بيضون ـــــــــــــــــ



* السورة المائة في ترتيب سوَر المُصحف الشريف، نزلت بعد «العصر».

* سُمّيت بـ«العاديات» لابتدائها بقوله تعالى بعد البسملة: ﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا﴾.

* آياتها إحدى عشرة، وهي مدنيّة، وقيل مكّية، وجاء في الحديث النبويّ الشريف: «من قرأها أُعطيَ من الأجر عشر حسنات، بعدد من بات بالمزدلفة، وشهد جَمْعاً».



اختلف المفسّرون في مكان نزول هذه السورة، كثير منهم اعتبرها مكّية، وجمع منهم قال إنّها مدنّية. إنّ قِصَر مقاطع الآيات، واستنادها إلى القَسَم، وتناولها موضوع المعاد قرائن تدلّ على مكّيتها. لكنّ مضمون القَسَم في السورة وارتباطه بمسائل الجهاد دلائل على مدنيّتها.

سبب النزول

روي أنّ سورة «العاديات» نزلت بعد واقعة «ذات السلاسل»، وكانت الحادثة على النحو التالي:

في السنة الثامنة للهجرة بلغ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم نبأ تجمّع اثني عشر ألف راكب في أرض «يابس» تعاهدوا على أن لا يقرّ لهم قرار حتّى يقتلوا الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وعليّاً عليه السلام، ويبيدوا الجماعة المسلمة.

وبعث النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم جمعاً من أصحابه إليهم فكلّموهم، ولكن دون جدوى. فأرسل عليّاً عليه السلام مع جمع غفير من المهاجرين والأنصار لمحاربتهم. فحثّوا الخطى إلى منطقة العدوّ، وطووا الطريق في الليل، فحاصروهم، وعرضوا عليهم الإسلام أوّلاً، وحين أبَوا شنّ المسلمون هجومهم والجوّ لمّا يزل في ظلام، ودحروا الأعداء، فقتلوا جماعة، وغنموا أموالاً كثيرة.

ونزلت سورة «والعاديات»، وجيوش الإسلام لم تصل إلى المدينة بعد، وفي ذات اليوم صلّى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بالناس الغداة وقرأ السورة، فلمّا فرغ من صلاته قال أصحابه: هذه سورة لم نعرفها، فقال صلّى الله عليه وآله: «نعم، إنّ علياً ظفر بأعداء الله وبشّرني بذلك جبرائيل عليه السلام في هذه الليلة». فقدم عليّ عليه السلام بعد أيام بالغنائم والأسارى. (تفسير الأمثل ج20 ص391)

قال المفسّرون

قال في «تفسير الميزان» ما مختصره:

قوله تعالى: ﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا﴾ الآية:1.

العاديات من العَدْو وهو الجري بسرعة، والضَبْح صوت أنفاس الخيل عند عدْوها، وهو المعهود المعروف من الخيل وإن ادُّعي أنّه يعرض لكثير من الحيوان غيرها، والمعنى: أقسمُ بالخيل اللاتي يعدون يضبحن ضبحاً. وقيل: المراد بها إبل الحاجّ في ارتفاعها بركبانها من الجمع إلى منى يوم النحر.

قوله تعالى: ﴿فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا﴾ الآية:2.

الإيراء إخراج النار، والقدْح الضرب والصكّ المعروف. يقال: قدَح فأورى إذا أخرج النار بالقدح، والمراد بها الخيل تُخرج النار بحوافرها إذا عدَت على الحجارة والأرض المحصبة.

قوله تعالى: ﴿فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا﴾ الآية:3.

الإغارة والغارة:رالهجوم على العدو بغتة بالخيل، وهي صفة أصحاب الخيل، ونسبتها إلى الخيل مجازٌ، والمعنى: فأقسم بالخيل الهاجمات على العدوّ بغتة في وقت الصبح.

قوله تعالى: ﴿فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا﴾ الآية:4.

أثرن من الإثارة بمعنى تهييج الغبار ونحوه، والنقع الغبار، والمعنى: فهَيّجن بالعدْو والإغارة غباراً.

قوله تعالى: ﴿فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا﴾ الآية:5.

وسَط وتوسّط بمعنى، وضمير ﴿بِهِ﴾ للصبح، والباء بمعنى في، أو الضمير للنقع والباء للملابسة. والمعنى: فصرن في وقت الصبح في وسط جمع، والمراد به كتيبة العدوّ، أو المعنى: فتوسّطن جمعاً ملابسين للنقع.

قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ﴾ الآية:6.

الكنود: الكفور، والآية كقوله: ﴿..إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ﴾ الحج:66، وهو إخبار عمّا في طبع الإنسان من اتّباع الهوى، والانكباب على عرَض الدنيا والانقطاع به عن شكر ربّه على ما أنعم عليه. وفيه تعريض للقوم المُغار عليهم، وكأنّ المراد بكفرانهم كفرانُهم بنعمة الإسلام التي أنعم الله بها عليهم وهي أعظم نعمة أوتوها، فيها طيب حياتهم الدنيا وسعادة حياتهم الأبدية الأخرى.

قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾ الآية:8.

قيل: اللام في ﴿لِحُبِّ الْخَيْرِ﴾ للتعليل، والخير: المال، والمعنى: وإنّ الإنسان لأجل حبّ المال لَشديد أي بخيل شحيح. وقيل: المراد أنّ الانسان لَشديد الحبّ للمال، ويدعوه ذلك إلى الامتناع من إعطاء حقّ الله، والإنفاق في الله. كذا فسّروا. ولا يبعد أن يكون المراد بالخير مطلقه، ويكون المراد أنّ حبّ الخير فطري للإنسان ثمّ إنّه يرى عرَض الدنيا وزينتها خيراً فتنجذب إليه نفسه ويُنسيه ذلك ربّه أن يشكره.

 

ارتباط قَسَم هذه السورة بأهدافها

بعث الله سبحانه الأنبياء لهداية الناس، فمنهم من يهتدي بكتابه وسنّته، فهذه الطائفة تكفيها قوّة المنطق، وثمّة طائفة أخرى لا تهتدي، بل تثير العراقيل في سبيل دعوة الأنبياء، فهداية هذه الطائفة رهن منطق القوّة، ولذلك يقول سبحانه: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ..﴾ الحديد:25. فهذه الآية مؤلّفة من فقرتين:

* الفقرة الأولى التي تتضمّن البحث عن إرسال الرسل بالبيّنات وإنزال الكتب والميزان راجعة إلى من له أهليّة للهداية فيكفيه قوة المنطق.

* والفقرة الثانية، أعني: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ﴾ فهي راجعة إلى من لا يستلهم من نداء العقل والفطرة ولا يهتدي، بل يثير الموانع، فلا يجدي معهم سوى الحديد الذي هو رمز منطق القوة.

وبذلك يُعلم وجه الصلة بين إنزال الحديد وإرسال الكتب، وبهذا تبيّن أيضاً وجه الصلة بين الأقسام والمقسم عليه، ففي الوقت الذي كان النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يعظ ويبعث رجال الدعوة لإرشاد الناس، اجتمعت طائفة لمباغتة المسلمين والهجوم على المدينة والإطاحة بالدولة الإسلامية الفتية، فبعث النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم عليّاً مع سريّة، فأمر أن تُسرج الخيل في ظلام الليل وتعدّ إعداداً كاملاً، وحينما انفلق الفجر صلّى بالناس الصبح وشنّ هجومه وباشر وما انتبه العدو حتى وجد نفسه تحت وطأة خيل جيش الاسلام، فهذه الطائفة لا يصلحهم إلّا العاديات، والموريات، والمغيرات التي تهاجمهم كالصاعقة.

(السبحاني، الأقسام في القرآن الكريم: ص190)

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

12/06/2018

دوريات

  أجنبية

أجنبية

12/06/2018

أجنبية

نفحات