قراءة في كتاب

قراءة في كتاب

12/06/2018

(نظرة في كتاب العقد الفريد) للعلامة الشيخ عبد الحسين الأميني

 

(نظرة في كتاب العقد الفريد) للعلامة الشيخ عبد الحسين الأميني

دحض البطلان الأموي الوهابي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ قراءة: محمود ابراهيم ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الكتاب: (نظرة في كتاب العقد الفريد)

المؤلّف: العلامة الشيخ عبد الحسين الأميني (ت: 1392 هجرية)

إعداد: «مركز الأبحاث العقائدية»، قم المقدّسة

 

يمكن النظر إلى كتاب العلامة الشيخ عبد الحسين الأميني الموسوم بـ(نظرة في كتاب العقد الفريد) بكونه أحد الكتب الجدالية المهمة في تاريخ المكتبة الإسلامية الإمامية. وهذا يعود إلى جملة أسباب يمكن إيراد بعضها على النحو التالي:

أولاً: إنّ المؤلف هو من كبار علماء مدرسة أهل البيت عليهم السلام المتأخّرين (توفي عام 1972م)، وقد اشتهر بعمله الموسوعيّ المعروف بـ(الغدير في الكتاب والسنّة والأدب)، والكتاب موضوع القراءة هو بعض فصول هذه الموسوعة القيّمة.

ثانياً: إن الكتاب يدخل ضمن الأدب الجدالي الذي يسعى صاحبه إلى دفع الشبهات بالحجة البالغة، حيث يلتجئ إلى الآيات البيِّنات والروايات الصحيحة من أجل أن يبطل الافتراءات ويقيم الحجّة على الخصم.

ثالثاً: يكتسب الكتاب أهمية راهنة فضلاً عن أهميته التاريخية. ففي مواجهة الحملات التكفيرية المتعاقبة التي تشنّها الوهابية وصنوفها المتعددة على المسلمين عامة وعلى الشيعة الإمامية خصوصاً، تبدو الردود الواردة على افتراءات ابن عبد ربه المالكي علامة فارقة في سياق السجال والمواجهة.

عقد غير فريد

يظهر بوضوح أنّ العلامة الأميني أراد منذ البداية أن يميّز عمل ابن عبد ربه المالكي التكفيري عن المجلد الأدبي الموسوعي المعروف باسم (العقد الفريد) لشهاب الدين ابن عبد ربه القرطبي الأندلسي. فالفرق شاسع بين مضمون ومقصد وطبيعة كلّ من الكتابين. حيث يعدّ عمل الأندلسي مصدراً من مصادر التراث العربي. فقد صنّف موضوعاته في السياسة والأدب والحوار وفنون المخاطبة. وهذا ما حرص صاحب (نظرة في كتاب العقد الفريد) على بيانه قبل الشروع في ردوده.

ففي إشارة له حول العنوان المنحول لكتاب ابن عبد ربه المالكي، يرى الشيخ الأميني أنّ القارئ «قد يحسب للوهلة الأولى أنّ هذا الكتاب هو كتاب أدب لا كتاب مذهب، فيرى فيه نوعاً من النزاهة، غير أنّه متى أنهى سيره إلى مناسبات المذهب، تجد مؤلّفه ذلك المهووس المهملج والأفّاك الأثيم»..

منذ أول كتابه يبدأ المالكي بتكفير الإمامية مستعيداً ما أسّست له مدرسة ابن تيمية وتلاميذه من بعده، مثل ابن القيم الجوزية، ومحمد بن عبد الوهاب، وصولاً إلى التكفيريين المعاصرين.

يقول المالكي في مورد افتراءاته: «إنّ الرافضة هم يهود هذه الأمّة يبغضون الإسلام كما يبغض اليهود النصرانية»!

يعلّق العلامة الأميني على هذا الافتراء الصارخ بالتساؤل عمّا إذا «يرتضي القارئ هذه الكلمة القارصة وبين يديه القرآن المجيد، وفيه قوله تعالى (البيّنة/7): ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾. وقد ثبت فيها عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قوله لعليّ عليه السلام: هم أنتَ وشيعتك». (شواهد الحسكاني:2/459)

ثمّ يضيف: «وكيف يرتضيها؟! وهو يقرأ في الحديث قول الرسول الأمين صلّى الله عليه وآله لعليٍّ عليه السلام: أنت وشيعتك في الجنّة». (تاريخ بغداد:12/284)

وفي معرض الرد على هذه الأكذوبة يمضي الشيخ الأميني في استحضار المزيد من البراهين والأدلة من القرآن والسنّة الشريفة، على رفعة منزلة التابعين لمدرسة أهل بيت النبوّة عليهم السلام. كما في قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «إذا كان يوم القيامة دُعي الناس بأسمائهم وأسماء أمّهاتهم إلّا هذا (يعني عليّاً عليه السلام) وشيعته، فإنّهم يُدعون بأسمائهم وأسماء آبائهم لصحّة ولادتهم». (مروج الذهب:2/428)

وقوله صلّى الله عليه وآله: «يا عليّ، إنّ الله قد غفر لك ولذريّتك ولولدك ولأهلك وشيعتك ولمحبّي شيعتك..» (الصواعق: ص 161)....

يستحضر الأميني الكثير من الروايات الدالة على منزلة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام من الوحي الإلهيّ. وقد قصد في هذا الإطار الإتيان بهذه الروايات التي يعتمدها أهل السنة والجماعة سعياً إلى تقديم منظومة معرفية تثبت بطلان ما ذهب إليه ابن عبد ربه المالكي في تكفير الشيعة، وإثبات أنّهم - واستناداً إلى ما ورد في كتب أكابر علماء أهل السنة - باتبّاعهم سيرة آل محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم على صراط الحقّ.

فالثابت المتواتر المتسالم عليه المرويّ عن بضع وعشرين صحابياً كما في (الصواعق: ص 228): «(إني تارك - أو مخلّف - فيكم الثّقلين، أو: الخليفتين. ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يرِدا علي الحوض). فقد خطب به الصادع بالحقّ على رؤوس الاشهاد في ملإ من الصحابة تبلغ عدتهم مائة ألف أو يزيدون، وأنبأ في ذلك المحتشد الحافل عن خلافة آل بيته الطاهر، وعليٌّ سيدهم وأبوهم».

ويشير العلامة الأميني في هذا الصدد إلى ما ذكره الإمام الزرقاني المالكي في شرح (المواهب:7/8) عن العلامة السّمهودي أنه قال: «هذا الخبر يُفهم وجود من يكون أهلاً للتمسك به من عترته في كلّ زمان إلى قيام الساعة حتى يتوجّه الحثّ المذكور على التمسّك به، كما أن الكتاب كذلك، فلذا كانوا أماناً لأهل الأرض فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض».

ثمّ يعلّق العلامة الأميني بالقول: «فأيّ رجلٍ يسعه أن يسمع قوله صلّى الله عليه وآله في لفظٍ من حديث الثقلين: (إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا بعدي: الثقلين..). ثمّ لا يتبع آل عليّ ولا يتّخذهم إلى الله سبل السلام، أو يقتدي بغيرهم ويضلّ عن سبيل الله؟!».

وثمّ يتساءل: «هل ابن عبد ربّه عزب عنه قوله صلّى الله عليه وآله: (النّجومُ أمانٌ لِأهل الأرضِ من الغَرق، وأهلُ بيتي أمانٌ لأمّتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلةٌ اختلفوا فصاروا حزب إبليس)..‌»؟! أللّهم لا، بل طبع على قلبه وهو ألدّ الخصام». (أخرجه الحاكم في المستدرك:3/149 وصحّحه)

 

أضاليل المالكي في تشبيه الشيعة باليهود

وفي ردّه على فرية المالكي في قوله: «إنّ اليهود تستحلّ دم كلّ مسلم وكذلك الرافضة».

يتساءل العلامة الأميني عمّا إذا كان الرجل (يقصد المالكي) يعرف مصدر هذه النسبة من كتب الشيعة وعلمائهم وأعلامهم، والشيعة هم الذين يتلون الكتاب العزيز في آناء الليل وأطراف النهار مخبتين بأنّ ما بين دفّتيه وحي منزل من الله إلى سّيد رسله صلّى الله عليه وآله، وفيه آيات التحذير عن قتل المؤمن والإيعاز بالخلود في جهّنم من جرائه و فيه آية القصاص. والسنّة النبوية وأحاديث أئمّتهم مشحونة بالنهي عنه والعقوبات عليه والأحكام المترتّبة عليه من قصاص وديات، ومن المطّرد في فقههم عقد كتابين فيهما. فبذلك كله تعلم أنّ هذه النسبة لا مصدر لها إلّا الخيال المتوهّم الصادر عن العداء المحتدم، والعصبية الحمقاء.

وعن قول المالكي: «إنّ اليهود حرَّفوا التوراة وكذلك الرافضة حرّفت القرآن».

يقول المؤلف الأميني: «إنّ مصدر الشيعة في التفسير والتأويل، وفي كلّ حكم أو تعليم ليس إلا أحاديث معتبرة صادرة عن رجالات بيت الوحي بعد مشرّفهم الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأهل البيت أدرى بما فيه، وليس ما يروى عنهم من الشؤون مستعصياً على العقل والمنطق ولا الأصول المسلّمة في الدين، وليس بمأخوذ من مثل قتادة والضحاك والسدي وأمثالهم من المفسّرين بالرأي، البعيدين عن مستقى العلم النبويّ. فإذا أردت تحريف الكلم عن مواضعه والنظر إليه فإليك بكتب القوم وتفاسيرهم تجد هناك التعليلات الباردة، والتحكّمات الفارغة، والعلل التافهة، والآراء السخيفة، وإنكار المسلّمات.... إذاً، فألقِ الشبه بين اليهود وأيّ فرقة شئت».

وزعم المالكي: «اليهود تبغض جبرئيل وتقول: هو عدوّنا من الملائكة، وكذلك الرافضة تقول: غلط جبرئيل في الوحي إلى محمّد بترك عليّ بن أبي طالب»!

ليرد عليه العلامة المؤلف بالقول: «لعلّ الرجل يحسب في أحلامه الطائشة أنّه يحدّث عن أمّة بائدة قد أكل عليها الدهر وشرب، فلم يبقَ لها من يدافع عن شرفها.

وكيف يرى شيعيّ أنّ جبريل قد غلط في الوحي؟! وهو يتشهّد بالرسالة في كل فريضة ونافلة، وفي الأذان والإقامة، وفي دعوات كثيرة مأثورة عن أئمّتهم صلوات الله عليهم، وتشهد بذلك كلّه مؤلفاتهم في الفقه والحديث والكلام والعقايد والملل والنحل..».

ثم يختم العلامة الأميني بالقول: «..وحسبك في تكذيب هذه النقولات المعزوّة إلى الشيعة شعورك الحرّ، وحِيطتك بفِقههم وكُتبهم وعقايدهم وأعمالهم، وما عُرف منهم قديماً وحديثاً. فإلى الله المشتكى».

***

لا ريب في أنّ مثل هذه الردود على ثقافة الافتراء التكفيري القديم والمعاصر، إنما تفصح عن عميق ما أفضت اليه الثقافة الأموية لجهة إعادة تشكيل الدين على نشأة مصالحها الدنيوية واستعداء كل ما يمتّ بصلة وصل إلى النبيّ الخاتم صلّى الله عليه وآله وأهل بيته الأطهار ومَن تبعهم إلى يوم الدين.

 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

12/06/2018

دوريات

  أجنبية

أجنبية

12/06/2018

أجنبية

نفحات