أعلام

أعلام

14/08/2018

قبسات من سيرة العلّامة المحقّق آغا بُزُرك الطهراني


الذكرى الخمسون لرحيل (صاحب الذريعة)

قبسات من سيرة العلّامة المحقّق آغا بُزُرك الطهراني

______الشيخ أحمد التميمي______


في أجواء الذكرى الخمسين لوفاة العلّامة المحقّق الشيخ محمّد محسن الرازي النجفي، مؤلّف الموسوعة النوعية (الذريعة إلى تصانيف الشيعة)، والمشتهر بـ (آغا بزرك الطهراني)، أعدّ الباحث العراقي فضيلة الشيخ أحمد التميمي هذه الترجمة المختصرة في سيرته رحمه الله، وقد استقاها من عدّة مصادر، أبرزها كتاب (شيخ الباحثين آغا بزرك الطهراني) لمؤلّفه عبد الرحيم محمّد علي، ومقدّمتَي (الذريعة) و(طبقات أعلام الشيعة) للمترجَم نفسه.

«شعائر»


هو الشيخ محمّد محسن بن عليّ بن محمّد رضا بن محسن الطهراني. ولد بدار جدّه في طهران ليلة الخميس 11 ربيع الأوّل سنة 1293 للهجرة (الموافق لشهر نيسان 1875م) وكانت مادّة تأريخ ولادته (لمحسن ظهر).

تُعْرَف أسرة الشيخ في طهران بـ (محسني) نسبة إلى جدّه الحاج (محسن)، وهي أسرة تجارية علمية، ترجم الشيخ لبعض أعلامها في كتبه، فترجم لجدّه المولى (محمّد رضا) الفاضل الأديب التّاجر المتوفّى سنة 1275 للهجرة في كتاب (طبقات أعلام الشّيعة) (10/563)، وكذلك ترجم لأبيه الحاج (علي) المتوفّى سنة 1324 للهجرة في موسوعة (الذريعة) (3/252) حيث له كتاب باللغة الفارسيّة بعنوان (تأريخ الدخانية) حول الفتوى الشهيرة بتحريم التّنباك للمجدّد السيّد محمّد حسن الشيرازي الكبير.

يُعْرَف الشيخ بـ (آغا بُزُرْك) وهو بمعنى (السيد الكبير) وهذا إشارة إلى أنّه سَميّ جدّه الأعلى الحاج (محسن)، و(آغا بُزُرْك) شهرته بين الناس وفي الأوساط العلمية، ويلقب بـ (المنزوي) واتّخذ هذا اللقب يوم سافر إلى إيران سنة 1350 للهجرة، وسُجّل ذلك رسمياً في الدوائر الحكومية الإيرانية، وهي شهرة أولاده الآن.

دراسته وأساتذته

بدأت دراستُه الفعلية في طهران بعد ارتدائه لزيّ أهل العلم سنة 1303 للهجرة، حيث أخذ المقدّمات والسّطوح عن أعلامها الأفاضل.

هاجر الى العراق لإكمال تحصيله العلمي سنة 1315 للهجرة، فوصل إلى كربلاء المقدّسة لزيارة النصف من شعبان، ثمّ وصل الى النجف الأشرف في يوم الاربعاء 17/ شعبان/1315 للهجرة، فدرسَ الفقه والأصول والحديث على أفذاذ علمائها، منهم: السيد محمّد كاظم اليزدي، والشيخ محمّد كاظم الخراساني، وشيخ الشريعة الأصفهاني.

تنقّله بين النجف وسامراء والكاظمية

بقي الشيخ في النجف الأشرف مواصلاً دراسته من يوم وصوله إليها في سنة 1315 للهجرة إلى وفاة أستاذه الشيخ محمّد كاظم الخراساني سنة 1329 للهجرة. وفي تلك السنة قرّر السفر إلى سامرّاء لحضور بحث أستاذه الشيخ محمّد تقي الشيرازي، ومكث في مدرستها العلميّة لغرض تأليف موسوعته (الذريعة)، وبقي في سامراء إلى سنة 1335 للهجرة. ثمّ ارتحل إلى الكاظمية وبقي فيها سنتين، ثمّ رجع الى سامرّاء ثانية.

بقي في سامرّاء للمرّة الثانية من سنة 1337 للهجرة حتى سنة 1354 للهجرة، وفي هذه الفترة أتمّ بعض مشاريعه العلمية كتأليفه لموسوعته المعروفة (الذّريعة إلى تصانيف الشّيعة)، كما قام بخدمة المدرسة العلميّة خدمة تُذكر مع زميله الشيخ الميرزا محمّد الطهراني، إذ تعرّضت لفساد المستعمرين البريطانيّين - وهذا دَيْدَنهم أينما يَحِلّون - حيث قاموا باستعمال قسم منها مربضاً لخيولهم، فكان الشيخ بارّاً بهذا المعهد الكبير.

وفي سنة 1354 للهجرة كان آخر عهده بمدينة سامرّاء، إذ رجع إلى النجف الأشرف وبقي فيها يواصل تأدية رسالته العلمية بكلّ أمانةٍ وإخلاصٍ وجدٍّ واجتهادٍ، حتّى وفاته سنة 1389 للهجرة.

إجازتُه في الرواية

لقد نبّه الشيخ آغا بُزُرْك الطّهراني على أهمّية الإجازة في الرواية، فذكرها في كتابه (الذّريعة) مع مقدّمتين طويلتين، تناولت الأولى كتب الإجازات (1/123)، وتناولت الثانية الإجازة نفسها (1/131)، ثمّ ذكر 780 إجازة.

ومن الذين أجازوا الشيخ في الرواية عنهم، أساتذته العظام في الفقه والأصول والحديث أثناء دراسته في النّجف الأشرف، وغيرهم ممن ذكرهم في كشكوله (ص 17 – 18).

وفي أثناء سفره إلى بيت الله الحرام لأداء فريضة الحجّ سنة 1364 للهجرة، اتّصلَ الشيخ آغا بُزُرْك الطّهراني برجال العلم في المناطق التي مرّ بها ركبُه من العراق حتّى مصر والحجاز وبلاد الشام، فمنحوه إجازاتهم في الرواية عن مشايخهم.

ومن الذين أجازهم الشيخ آغا بُزُرْك الطّهراني في الرواية من المراجع العظام والعلماء الأعلام، نذكر: السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي، والسيد شهاب الدين المرعشي النجفي، والسيد علي السيستاني.

مَلَكاتُه وسجاياه

كان الشيخ آغا بُزُرْك الطّهراني على جانب عظيم من التّقوى والورع والزهد والعزوف عن الدنيا ومباهجها، فكان يذهب وحده إلى كربلاء المقدسة لزيارة الإمام الحسين عليه السلام بالسيّارات العامّة كواحدٍ من الناس، ويقضي حوائجه الخاصّة بنفسه، ويدخل إلى مجالس عزاء سيّد الشهداء عليه السلام ويجلس حيث يجد مكاناً فارغاً، ولا يأبه أبداً بالمظاهر.

كان يقوم قبل الفجر بساعة، فيصلّي نافلة الليل، ثمّ يمشي إلى المقبرة، ثمّ إلى مشهد الإمام عليه السلام ليصلّي صلاة الفجر، ثمّ يرجع إلى البيت قبيل شروق الشمس، فيتناول طعام الإفطار.

كان يقيم صلاة الجماعة في مسجد شيخ الطائفة الطوسي إلى سنة 1376 للهجرة، حيث تعرّض لحادث سيارة في طريق كربلاء المقدسة وحدثت رضوض في ظهره، فترك الصلاة فيه لِبُعدِهِ، واتّخذ مسجد الطّريحي مكاناً لإقامة صلاة الجماعة.

كان يذهب مشياً على الأقدام إلى مسجد السّهلة الذي يبعد عن النجف الأشرف بحدود 10 كيلومترات في ليلة الأربعاء من كلّ أسبوع، واستمرّ في ذلك عشرات السنين.

كان متواضعاً إلى حدّ بعيد، فكان يكره تقبيل يده، ولم يرضَ به حتى من قبل تلاميذه وأولاده وأحفاده، وكان يستقبل الوارد عليه ويشيّعه إلى الباب بنفسه حتّى ولو كان من أصغر شباب تلاميذه.

كانت مثابرته على البحث والتحقيق والتأليف منقطعة النظير، فقد كان يدخل بعض المكتبات التي تحتوي على نفائس المخطوطات عزيزة الوجود، فيبقى فيها أسبوعاً أو أكثر بلياليه، ويأخذ طعامه وشرابه معه، فإذا جاء الليل أقفل المدير عليه باب المكتبة، فيبقى فيها حتّى يرجع المدير في الغد أو بعد يومين فيتاح للشيخ الخروج إذا أراد ذلك.

كان يحافظ على كتبه وأوراق مؤلّفاته حفاظ الأم على ولدها. ينقل السيد الخوئي قدّس سرّه قِصةَ سفرٍ كانا فيه معاً، فاجتازا جسراً متكسّراً فوقع الأثاث في الماء، فَدُهِشَ السيد الخوئي لما كان يَبذُل الشيخ من هِمّةٍ لتخليص كتابه دون أي شيء آخر، حتّى حياته، فساعده (أي السيد الخوئي) - وكان شابّاً - على نجاة الكتاب من الغرق، ودعا الشيخ له.

كان يؤكّد التزامَ استعمال التأريخ الهجري، أو الهجري مع الميلادي على الأقل، لأنّ في استعماله اعتزازاً واعترافاً بالحضارة الإسلاميّة التي هي نتيجة حتميّة لتلك الهجرة المقدّسة، وفي استعمال التأريخ الميلادي فقط إهانة صريحة لتلك الحضارة.

كانت لغته الأمّ هي الفارسيّة، وكان يتكلّم مع العرب باللغة العربية الفصحى، وكان مُصِرّاً على التأليف باللغة العربية لأنّها اللغة الدينية لكلّ المسلمين.

مؤلّفاته

كان الشيخ (آغا بُزُرْك الطّهراني) مِمَّن لهم الميّزة الظاهرة والواضحة في التأليف، جمع فيه بين الإكثار والتحقيق، وعن هذا قال معاصره وزميله في الدرس السيد محسن الأمين في (أعيان الشيعة) (14/353): «كان شريكنا في الدرس عند شيخنا الشيخ آغا رضا الهمداني في النجف، أنفقَ عُمره في التأليف فأخرج كتباً فريدة في بابها لم يُسبَقْ إلى مثلها». وفيما يلي أسماء عددٍ منها:

أولاً: (المطبوع)

1- موسوعة (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) في 26 جزءاً (تحتوي على 29 مجلداً، حيث ينقسم الجزء التاسع إلى 4 مجلدات)، استوعب فيها مصنّفات الشيعة في شتّى أنواع العلوم والفنون.

2- موسوعة (طبقات أعلام الشيعة) في 11 جزءاً، استوعب فيها تراجم أعلام الشيعة من القرن الرابع الهجري حتى القرن الرابع عشر الهجري.

ثانياً: (المخطوط)

1- (النقد اللطيف في نفي التحريف عن القرآن الشريف).

2- (تقريرات) بحث أستاذه الشيخ محمّد كاظم الخراساني، في بعض أبواب الفقه والأصول.

قصّة تأليف (الذريعة إلى تصانيف الشيعة)

لتأليف هذا الكتاب الجليل قصّة ذُكِرَتْ في نفس كتاب الذريعة، وهي: أنّ جرجي زيدان (1861 - 1914م) كان قد ذَكَرَ في كتابه (تأريخ آداب اللغة العربية) متحدّثاً عن الشّيعة أنّ (الشّيعة طائفة صغيرة لم تترك أثراً يُذكر، وليس لها وجود في الوقت الحاضر). فاعتزم نَفرٌ من علماء الشّيعة التصدّي لكتابه، ومن بعد أن تدارس ذلك النّفر هذه القضية اتّفقوا على أنْ يقوم ثلاثة منهم بثلاثة أعمال:

1- تَكفّلَ السيد حسن الصّدر (1272 - 1354هـ) بأن يؤلّف كتاباً في (تأسيس الشيعة للعلوم الإسلامية).

2- تَكفّلَ الشّيخ محمّد حسين كاشف الغطاء (1294 - 1373هـ) بأنْ يظهر أغلاط كتاب جرجي زيدان ونقائصه.

3- تَكفّلَ الشّيخ آغا بُزُرْك الطّهراني بأن يجمع تأريخ الآداب الشّيعية.

وكانت نتيجة عمل السيد حسن الصدر كتاب (تأسيس الشيعة الكرام لعلوم الإسلام).

وكانت نتيجة عمل الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء كتاب (المراجعات الريحانية) أو (النّقود والرّدود).

وأمّا الشيخ آغا بُزُرْك الطّهراني فقد وضع كتاب (الذريعة إلى تصانيف الشّيعة).

وفاته ومدفنه

رحلتْ إلى بارئها تلك الروح الكبيرة التي لم تَخلُدْ إلى الرّاحة طيلة 96 سنة، مليئةً بالدأب والسّعي والمثابرة، وذلك في الساعة الواحدة من بعد ظهر يوم الجمعة 13 ذو الحجّة سنة 1389 للهجرة (20 شباط 1970م)، فضجّت لصدى وفاته الأوساط العلمية، وكان تغسيله وتكفينه في بيته، وفي الساعة السادسة مساءً نُقِلَ نعشُهُ إلى كربلاء المقدّسة لزيارة الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العبّاس عليهما السلام، واستُقْبِلَ النعشُ الكريم وشُيّعَ تشييعاً مهيباً، ثمّ اُرجِعَ نعشُهُ إلى النجف الأشرف حيث اُودِعَ تلك الليلة في مسجد (جامعة النجف الدينية) تَحُفّ به طلبة الجامعة حتّى الصباح، حيث اجتمع الناس من كلّ مكان، وشُيّعَ جُثمانهُ الطاهر تشييعاً رسمياً وشعبياً مشياً على الأقدام من (جامعة النجف الدينية) حتّى الصحن الشريف، حيث صلّى عليه المرجع الديني السيد الخوئي قدّس سرّه، وبعد تأدية مراسيم زيارة الحرم العلوي المُطهّر حُمِلَ على الرؤوس إلى مثواه الأخير في مقبرته التي أعدّها لنفسه أيّام حياته في القسم الموقوف من بيته وتحت مكتبته العامة، وقد أرّخَ وفاته الشيخ عبد  الغفّار الأنصاري: (..يا له/ طاب مثواه كما طاب ثــراه)                                                          1389 للهجرة.

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

نفحات