بسملة

بسملة

09/10/2018

سبيل الله هو سبيل المستضعفين والفقراء

سبيل الله هو سبيل المستضعفين والفقراء

بقلم: الشيخ حسين كَوْراني

لا ينفصل الجهاد في سبيل الله في القرآن الكريم، عن القتال في سبيل رفْع الظلم عن المستضعفين:

﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا﴾. (النساء:75)

من دلالات الآية:

1- سبيل الله والدفاع عن المستضعفين من الرجال والنساء والوِلدان، واحد.

2- أن الظلم عدوانٌ، يستدعي من القادرين القتال لرفع الأغلال عن المظلوم.

3- أن العناية بالمستضعفين إلى حدّ القتال لرفع الظلم عنهم، يدلّ على موقع المستضعفين المتميّز في سائر مجالات التشريع.

4- أن الاستضعاف وإنْ كان بأجلى صوره معنويّاً يختصّ بالاستضعاف العقائديّ والفكري، إلا أنه -على عمومه- يشمل مصادرة الحقوق المادّية والمعنويّة.

5- أن مهمة الجهاد هي إقامة العدل بقسميه: المعنويّ للروح، والمادّيّ للجسد، وبما أن المعنويّ الأهمّ يتوقّف على الماديّ، فإنّ إقامة العدل الماديّ مدخلٌ حصريٌّ لتحقيق المعنويّ.

***

لقد أدّى الفصل بين التديّن والجهاد في سبيل الله، إلى الفصل بين الجهاد وحوائج المستضعفين ولقمة عيشهم بالخصوص.

ومما لا ينقضي منه العجب هو أن تهميش حوائج المستضعفين المادّية، وصل إلى الخطاب الدعويّ التبليغيّ، حتى صار أكثره يفصل بين نشر المفاهيم الدينية وبين قضاء حوائج الفقير.

وقد طال ليل هذا الفصل المريب، وما يزال، رغم أن لدينا في منظومة الفكر والثقافة الدينية، رصيداً عظيماً يدلّ بأعلى المراتب على عظيم منزلة خدمة الفقير.

يكفي من هذا الرصيد استحضار الحديث الشريف: «صدقة السرّ تُطفئ غضب الربّ»!

***

يشمل الحديث عن الحقوق المادية للمسضعفين -بالدرجة الأولى- توفير السكن المناسب، والعلاج، وفرصة العمل، والعيش الكريم.

والمدخل عادة إلى تأمين سائر الحقوق المادّية، هو توفير فرصة العمل لأنها تُتيح للفرد أن يحفظ ماء وجهه ويتدبّر أموره بنفسه، فلا يأتي يوم القيامة وفي وجهه «كُدوح الصدقة»، كما قال النبيّ صلّى الله عليه وآله، لفقيرٍ طلب مساعدة، فوفّر له فرصة عملٍ برأسمالٍ من الفقير نفسه، حيث طلب منه أن يُحضر للبيع ما يستغني عنه في بيته، وتولّى النبيّ صلّى الله عليه وآله بيعه له بدرهمين، أعطاه إيّاهما: أحدهما لمصرفه، والثاني ليشتري فأساً ويحضره إلى النبيّ، وعندما أحضره، أمّن له النبيّ صلّى الله عليه وآله «النّصاب» -وهو خشبة الفأس- وحثّه على أن يحتطب ويبيع.

***

ولا ينفصل الهدف من بعثة النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله عن خدمة الفقراء -وهم الأكثرية المستهدفة بالخطاب الدينيّ- في مقابل الملإ والمترفين، والمستكبرين- سواءً في دعوتهم إلى توحيد الله تعالى، والتحلّي بقيم الأخلاق الفاضلة، أو في تأمين العيش الحرّ الكريم.

ما أعظم دلالة أن نجد بكثرة في السيرة النبويّة المباركة أنه صلّى الله عليه وآله كان يمشي في حاجة الأرملة واليتيم، وأنه كان يأمر بحبّ المساكين، وكثرة مجالسة الفقراء، وقلّة مجالسة المترفين.

صحيح أنه صلّى الله عليه وآله كان دائمَ التنبيه على أهمية الحاجات المعنوية للإنسان، وأنّ على مَن يُتاح له تأمين حاجاته المادّية أن يتوازن فلا يغرق في حاجات الجسد فيُغرق معه إنسانيته في البعد الحيوانيّ، إلا أنه صلّى الله عليه وآله كان يُولي الحاجات المادية عناية فائقة.

***

من طريف الروايات: قال جعفر الصادق عليه السلام، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام: «إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يأتي أهل "الصُّفة" (مصطبة في جانب المسجد النبويّ) وكانوا ضيفان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، كانوا هاجروا من أهاليهم وأموالهم إلى المدينة، فأسكنهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم صُفّة المسجد وهم أربعمائة رجل، [ كان ] يسلّم عليهم بالغداة والعشيّ، فأتاهم ذات يوم، "..." وكان رسول الله يرزقهم مُدّاً مُدّاً من تمرٍ في كلّ يوم، فقام رجلٌ منهم، فقال: يا رسول الله! التّمرُ الذي ترزقنا قد أحرق بطوننا.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أما إني لو استطعتُ أن أطعمَكم الدنيا لأطعمتُكم، ولكنْ مَن عاش منكم من بعدي فسيُغدى عليه بالجِفان ويُراح عليه بالجفان، ويغدو أحدكم في قميصةٍ ويروح في أخرى، وتنجّدون بيوتكم كما تنجّد الكعبة.

فقام رجلٌ فقال: يا رسول الله! إنّا على ذلك الزمان بالأشواق، فمتى هو؟

قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: زمانكم هذا خيرٌ من ذلك الزمان، إنكم إنْ ملأتم بطونكم من الحلال تُوشكون أن تملأوها من الحرام».

***

أما وقد قطعنا في هذا العصر أشواطاً فلكيّة في إلغاء الفصل بين الجهاد وبين التديّن، فقد بقي أمامنا التحدّي الأكبر في أن نتمكّن بتوفيق الله تعالى، من المضيّ قدُماً في إلغاء الفصل بين الخطاب الدينيّ وبين حمل همّ الفقير.

وكما توقّف تحقيق الفصل بين الجهاد وبين التديُّن، على خوض قوافل المجاهدين غمرات الجهاد، فإذا بندائهم من ساحات الوغى يستنفر مَن لم يلحق بهم، وإذا بدماء الشهداء منهم تقنع مَن لم يقتنع بأن «الموت في حياتكم مقهورين، والحياة في موتكم قاهرين».

كذلك -تماماً- يتوقّف إرجاع حمْل همّ الفقير إلى مكانته في صلب الخطاب الدينيّ، على تزايد أعداد المبلّغين الذين وصفهم أمير المؤمنين عليٌّ بقوله عليه السلام: «هجمَ بهم العلمُ على حقيقة البصيرة، وباشروا روحَ اليقين، واستلانوا ما استوعَره المترَفون، وأنِسوا بما استوحشَ منه الجاهلون، وصحِبوا الدّنيا بأبدانٍ أرواحُها معلَّقةٌ بالمحلّ الأعلى».

***

يحقّق تزايد أعداد هؤلاء العلماء «الذين لم يفتنوا بالدنيا» ثلاثة أهدافٍ مركزيّة:

الأول: تعاظم الدعوة، إلى حمل همّ الفقير، إنّهم بزهدهم قد وجدوا «مَسّ الجوع» ولذلك لا يمكنهم إلا أن يكونوا دعاةً بسلوكهم وبألسنتهم إلى تقديم عبادة قضاء حوائج الفقراء، على جميع العبادات المستحبّة، لأنها أفضل.

الثاني: رفع مستوى مصداقيّة الخطاب الدينيّ، من خلال ملاحظة الناس بساطة عيش هؤلاء العلماء، فهم -إذاً- موقِنون بما يقولون.

الثالث: رفع مستوى مراقبة العاملين في الحقل الدينيّ، خصوصاً من الطبقة السياسية، لمنع السرقات، أو الحدّ منها، أو ملاحقة المفسدين الذين جاؤوا ليُصلحوا، فغرّتهم الدنيا وسقطوا في امتحان المال، وربما نافس بعضهم أسوأ المفسدين.

***

بساطة عيش العالم، واجتنابه كلّ تعبيرات الترف ومظاهره، هي الطريق إلى استعادة روح الخطاب التبليغيّ: مواجهة المترفين لرفع الإصْر عن المستضعفين.

هذا هو التحدّي الثقافيّ الأبرز، الذي يزداد إلحاحاً كلّما اقتربنا أكثر من تسطير ملاحم النصر النهائيّ على «أميركا» و«إسرائيل» وحاضنتها والرافعة «آل سعود».

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

نفحات