أحسن الحديث

أحسن الحديث

09/10/2018

كمَن ينشرُ المصحف بين يديه

كمَن ينشرُ المصحف بين يديه

التفكّر في نهضة سيّد الشهداء بمنزلة التدبُّر في القرآن

_______ الشيخ أبو صالح عبّاس* _______

إنّ نهضةَ الإمام الحسين عليه السلام حركةٌ لله، وفي الله، ومع الله، ولأجل ذلك فقد طابقت القرآن، واسترفدت منه، وتحرّكت معه، بل أضحت تأويلاً وتفسيراً عمليّاً لروحه كوحي سماويّ يهدي للتي هي أقوم، ويروم صناعة الإنسان ورفعته، وتقدُّم المجتمع والكون، وسائر المنظومة الوجودية.

ولأنّها كذلك، ولأنّها أزالت العوائق الإفسادية التي أوجدها أعداء الإسلام لحجب البشرية عن نور الوحي، وقطع اتصالها بتعاليم خاتم الأنبياء صلّى الله عليه وآله وسلّم وقِيَمه، فقد أضحى الحسين عليه السلام امتداداً لحركة النبوّة التي انطلقت منذ النبيّ آدم عليه السلام، ومرّت عبر عشرات الآلاف من الأنبياء عليهم السلام، حتّى وصلت إلى النبيّ محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثمّ انطلقت منه بزخم جديد على هدْي «حُسَينٌ منّي وأنا مِنْ حُسَيْنٍ» يتلاءم مع خاتمية رسالة وُجدت لتبقى صراطاً مستقيماً لا يمكن أن ينحرف، على الرغم من أنوف أعداء الفطرة والإنسانية، ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾. (التوبة:32)

وبهذا اللحاظ يتّضح التلازم بين الحسين عليه السلام والقرآن، وهو تلازمٌ يجعل المتفكّر في نهضة الحسين، كمن ينشر المصحف بين يديه. كما يجعل المتدبّر في آيات الجهاد، والقيام لله تعالى، كالسائر مع الحسين عليه السلام في مسير النّهضة والجهاد من المدينة إلى كربلاء، ثمّ إلى كلّ أصقاع الأرض!

ولا غَرو إن قلنا إنّ المؤمن كلّما ازداد تدبّراً بالقرآن، اشتدّ ارتباطه بالحسين عليه السلام، وكلّما فهم الحسين عليه السلام أكثر، غاص في القرآن أكثر، في دائرة من العناصر يزكّي بعضها بعضاً، ومن هذه الزاوية يتجلّى الجانب «التحريكي» للقرآن الكريم، وما يمتاز به من قدرة على البناء والتغيير، وهي عناصر ضرورية لا غنى عنها في المسير التكاملي للإنسان، كما يتجلّى الجانبُ القرآني من نهضة الحسين عليه السلام، وما يعنيه ذلك من أصالة ونقاء، وقداسة.

ليلة العاشر من المحرم، قال الإمام الحسين عليه السلام: «اللّهمّ إنّي أحمَدُك على أن أكرمتنا بالنبوّة، وعلّمتَنا القرآن، وفقّهتنا في الدين...» (إرشاد المفيد:2/91)، كما ورد في بعض زياراته:

- عبارة: «السلام عليك يا شريكَ القرآن». (الإقبال، السيد ابن طاوس:3/341)

- وعبارة: «كنتَ للرسول ولداً، وللقرآن سنداً». (البحار:98/239)

- وعبارة: «وتلوتَ القرآن حقّ تلاوته». (الكافي:4/574)

* وفي كربلاء، لمّا أراد الأعداء الهجوم على الإمام عليه السلام، قال لأخيه العباس عليه السلام: «ارجعْ إليهم، فإن استطعت أن تؤخّرهم إلى غدوة، وتدفعهم عند العشية، لعلّنا نصلّي لربّنا الليلة، وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أنّي قد كنتُ أحبّ الصلاة، وتلاوة كتابه، وكثرة الدعاء والاستغفار». (الإرشاد:2/91)

* ويوم خروجه من المدينة، ودخوله مكّة المكرّمة، قرأ قوله تعالى: ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾. (القصص:21)

* ولمّا دخل مكّة قرأ قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ﴾. (القصص:22)

* ثمّ في موضع يقال له «الثّعلبية» في طريقه إلى الكوفة، يتجلّى البُعد السياسي الواقعي للتأويل القرآني في منطق الإمام الحسين عليه السلام، حينما أتاه رجل وسأله عن قوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ..﴾ (الإسراء:71)، فقال عليه السلام:

«إمامٌ دعا إلى هُدًى فأجابوا إليه، وإمامٌ دعا إلى ضلالةٍ فأجابوا إليها، هؤلاء في الجنّة، وهؤلاء في النار، وهو قوله تعالى ﴿..فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾». (أمالي الصدوق: ص 217)  (الشورى/7)

* كما كان كلّما سمع بشهادة أحد أصحابه، أو ودّع أحداً منهم، قال: ﴿..فمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾. (الأحزاب:23)

* هذا ورُوي أنّه أقبل رجلٌ من عسكر عمر بن سعد، يقال له محمّد بن الأشعث بن قيس الكندي، فقال: يا حسين ابن فاطمة، أيّ حرمة لك من رسول الله ليست لغيرك؟

فتلا الحسين عليه السلام قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾، ثمّ قال: «واللهِ إنّ محمّداً لَمِنْ آلِ إبراهيم، وإنّ العترةَ الهاديةَ لَمِن آلِ محمّد...». (أمالي الصدوق: ص 222)    (آل عمران/33-34)

أضف إلى ذلك، أنّ نهضة الإمام الحسين برمّتها تعبّر عن كثيٍر من آيات القرآن التي تحضّ على الجهاد، ورفْض الظلم، والدعوة إلى الإصلاح، ونبْذ الفساد، وإحقاق الحقّ، وغيره...

وأخيراً، لا بدّ لمن يروم الارتباط بالحسين عليه السلام، أن يلازم القرآن، وأن يحمل معانيه، ويجسّد تعاليمه الإلهية، كما لا بدّ لمن ترنو نفسه إلى معين القرآن الصافي أن يجعل الحسين عليه السلام بوصلته، لكونه نطق بالقرآن بلسانه، وجسّد تعاليمه بجسده، الجسد الذي تخضّب بالتضحية الحمراء، على مذبح إحقاق الحق، ومواجهة الفساد.

فلنفتحْ بالقرآن بصيرة الجهاد، ونحن نقرأ الحسين عليه السلام، ولْنُعبّد طريق القلب أمام العقل ونحن نبكي الحسين، كطريقٍ أصيل لبلوغ الفكرة ناصيةَ القيمة والعِبرة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* أستاذ في الحوزة العلمية – لبنان

 

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

نفحات