قانون الإصطفاء الإلهي

قانون الإصطفاء الإلهي

25/09/2011

قانون الإصطفاء الإلهي

ويُكلِّم النّاس في المَهد
قانون الإصطفاء الإلهي

السيّد عدنان الحسيني

ظاهرة إصطفاء الله تعالى للإمام الجواد عليه السلام إنّما هي في دائرة  قانون الإصطفاء الذي مَنح به الله تعالى النبوّة لعيسى بن مريم في السابعة من عمره، بعد أن تكلَّم بها في مهده، بعد ولادته بقليل ﴿قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً﴾ مريم:30.
ما يلي، مقتطف من كتاب (الإمام الجواد عليه السلام: سيرة وتاريخ) للسيّد الحسيني، يسلّط الضوء على جانب من جوانب قانون الإصطفاء الإلهي.

مع الإمام الجواد عليه السلام نعيش ظاهرة مثيرة بحقّ، تَستوقف النَّظر وتَستحثّ العقول، ألا وهي الإمامة المُبكرة. إنّها الظّاهرة التي نُصادفها لِأوّل مرّة في تاريخ أهل البيت عليهم السلام، فابن الثامنة من العمر يتولّى هنا إمامة المسلمين بكلّ ما يتعلّق بها من مسؤوليّات ومهامّ، وما تتطلّبه من عِلم كامل بالشّريعة وأحكامها، ومن الصَّعب بل المُتعذِّر أن يُدَّعى كلّ هذا لِمَن هو في هذه السنّ، إلّا أن يكون مُحاطاً بعناية إلهيّة خاصّة وقد اصطنعه الله تعالى لهذه المهمّة، وأُعدّ لها الإعداد التامّ من قبل.
وهذا ما ينقلنا على الفور إلى استدعاء البُعد المميَّز لشأن المصطَفَين ودور الإصطفاء في إحداث النّقلة النّوعيّة في الذّات الإنسانيّة، الأمر الذي يجعل مقارنة المختصّ بهذا الإصطفاء مع غيره من سائر النّاس، حتّى أصحاب المواهب الخاصّة، مقارنة فاقدة لموضوعها، غير مبرَّرة بحال، وهذا ما يجعل ظاهرة كهذه أمراً طبيعيّاً، في دائرة الإمكان، وبلا غرابة.
ينقلنا ذلك مرّة أخرى، إلى النّماذج الأسبق في هذه الدائرة، والذي يكشف بجلاء أنّ ظاهرة اصطفاء الله تعالى للإمام الجواد عليه السلام، إنّما هي في دائرة  قانون الإصطفاء الذي منح به الله تعالى النبوّة لعيسى بن مريم في السابعة من عمره، بعد أن تكلّم بها في مهده، بعد ولادته بقليل ﴿قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً﴾ مريم:30. ثمّ سبقت بكلّ مهمّاتها ولوازمها لصبيّ ما يزال في بواكير صِباه، ذلك يحيى بن زكريا عليهما السلام: ﴿..وآتيناه الحكم صبيّاً﴾ مريم:12، فلسنا إذاً مع أمر مُمكن الوقوع فحسب، بل مع ظواهر متعدِّدة لواقع محقَّق، وضمن الدائرة ذاتها، دائرة الإصطفاء.

**

ثمّ إنّ المتقلّد لهذه المهمّة سوف يعيش بين النّاس عالِمهم وجاهلهم ، فليس من الصّعب إذاً التَّحقّق من صحّة هذا الإصطفاء والتمييز، والتقدم.
هذا ما وقع مبكراً مع الاِمام الجواد عليه السلام من قِبَل مَن استنكر شأنه، وفي مجلسٍ عقدَه المأمون وشحنه بأهل العلم ممّن هم حوله، أذعن قاضي قضاته يحيى بن أكثم بأنّ ابن الثامنة، الجواد بن الرِّضا عليهما السلام، إنْ هو إلَّا إمامٌ مُعلَّم، وليس هو بفتى مُلهَم وحسب.
تلك تجربة أمّة مع الإمام الجواد عليه السلام
امتدّت به سبع عشرة سنة،
فكيف إذا كانت تجربةً في عصر عصيب،
ومَن حوله يتربّصون به وبأصحابه؟!

عاش الاِمام الجواد عليه السلام تجربته كلّها ومِن حوله عُلماء فُحول، من أصحاب القرآن والحديث والكلام، في عصر ازدهرت فيه العلوم وقُعّدت قواعدها، وأُسِّست أصولها، فلم يرَ منه أصحابه أو خصومه دون ما كانوا يرون من آبائه العظام من عِلم وحلم وحكمة.

تلك تجربة أُمّةٍ مع الإمام الجواد عليه السلام، امتدّت به سبع عشرة سنة، حتى شهادته عليه السلام، وليس هناك في التّاريخ قضيّة هي أثبت من تجربة أمّة، فكيف إذا كانت تجربةً في عصر عصيب، يطارد الحكّام أصحابَها، ومِن قبلُ قتلوا جدّه الكاظم عليه السلام سجيناً، ثمّ اغتالوا أباه الرِّضا عليه السلام، ثمّ هم مِن حوله يتربّصون به وبأصحابه؟!
إنّ هذا لَمِن أهمّ ما يثبت عظمة تلك التّجربة، وعظمة رائدها، الذي لو وَجد فيه خصومه السِّياسيّون وهم الحاكمون، والدّينيّون وهم متوافرون، من مَغمزٍ لَما توانوا في نشره، بل لَطربوا له ولَنسجوا من حوله الحكايات والأساطير.
سلام الله عليه يوم وُلد، ويوم استُشهد، ويوم يُبعث حيّاً.


**

إبن ثلاث سنين
عن صفوان بن يحيى قال: «قلت للرضا عليه السلام: قد كنّا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر عليه السلام، فكنت تقول: يَهب الله لي غلاماً، فقد وهبه الله لك، فأقرَّ عيوننا، فلا أرانا الله يومك، فإن كان كوْنٌ فإلى مَن؟ فأشار بيده إلى أبي جعفر عليه السلام وهو قائمٌ بين يديه، فقلت: جُعلت فداك، هذا ابن ثلاث سنين؟! فقال: وما يضرّه من ذلك، فقد قام عيسى عليه السلام بالحجّة وهو ابنُ ثلاث سنين».

 (الكافي، الشيخ الكليني)


اخبار مرتبطة

  مجلة شعائر الـعدد الثامن عشر-شهر ذو القعدة 1432 - تشرين الأوّل 2011

مجلة شعائر الـعدد الثامن عشر-شهر ذو القعدة 1432 - تشرين الأوّل 2011

نفحات