نحوَ فهمٍ أفضل للمعصوم

نحوَ فهمٍ أفضل للمعصوم

25/09/2011

نحوَ فهمٍ أفضل للمعصوم

نحوَ فهمٍ أفضل للمعصوم
من محاولات إختبارِ المعجزة

الشيخ محمّد علي متولِّيان

أفضل أنواع التّعامل مع المعاجز التي ثبت إعجازها، أن نتعرَّف على أبعادها وخصائصها، بحيث يمكننا أن نعيش في أجوائها، فلا نكتفي بالإلمام بها أو معرفة كلِّيّاتها.

إنَّ الفرق كبير بين مَن يحاول أن يعيش وكأنّه في زمن النّبيّ عيسى عليه السلام، فيتصوَّر نفسه بين مَن ﴿..قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً﴾ مريم:29 وكأنّه سمع كلام النّبيّ عيسى عليه السلام، وهو في أوائل ساعات عمره الشّريف يقول: ﴿..إنّي عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً* وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً﴾ مريم:30-31، -الفرق كبير بين هذا- وبين مَن يقرأ عن النّبيّ عيسى المعجزة ولا يحاول الوصول إلى أبعاد عظمة هذه المعجزة.
ما تقدّم ينطبق تماماً على مَن يقرأ أو يسمع بكلام الإمام الجواد عليه السلام في المهد، أو عن مجلس العباسيّين الحاشد في قصر المأمون، لاختبار مَن هو في حوالي التّاسعة، ولا يبذل الجهد المناسب ليعيش ظروف هذه المعجزة وكأنّه يستمع إلى كلام الإمام الجواد عليه السلام عند ولادته، أو كلامه في جواب قاضي القضاة، وعجْز هذا القاضي عن أن يتكلّم بكلمة غير السؤال الذي ظنّ أنّه سيُبطل به هذه المعجزة المحمّديّة الخالدة.

لذلك كان من الضّروري تتبُّع كلّ مجالس اختبار معجزة إمامة الإمام الجواد عليه السلام، بل كلّ محاولات ذلك حتّى ولو كانت عن طريق توجيه سؤال ليعجز الإمام -بزعم السّائل- عن الإجابة.
يمكن تقسيم مجالس اختبار هذه المعجزة الإلهيّة العظيمة التي تجلَّت في إمامةِ صبيٍّ لأمّة جدِّه، إلى قسمين:

الأوّل: مجالس السُّلطة والنِّظام.
الثّاني: مجالس الشّيعة الذين لم يكونوا قد أيقنوا بعد بهذه المعجزة.

وقد تقدّم -ويأتي- حول القسم الأوّل ما يكفي -في هذا الملف- وإليك بعض ما ورد حول القسم الثاني.

من الضّروري تتبّع كلّ مجالس اختبار
معجزة إمامة الإمام الجواد عليه السلام،
بل كلّ محاولات ذلك ولو بمجرّد سؤال

أ- جاء في كتاب (عيون المعجزات) أنّه: لمّا قُبض الرِّضا عليه السلام كان سنُّ أبي جعفر عليه السلام نحو سبع سنين، فاختلفت الكلمة بين النّاس ببغداد وفي الأمصار، واجتمع الريّان بن الصَّلت، وصفوان بن يحيى، ومحمّد بن حكيم، وعبدالرحمن بن الحجّاج، ويونس بن عبدالرحمن، وجماعة من وجوه الشّيعة وثقاتهم، في دار عبدالرحمن بن الحجاج في «بركة زلُّول»، يبكون ويتوجّعون من المصيبة، فقال لهم يونس بن عبدالرحمن: دعوا البكاء! مَن لهذا الأمر وإلى مَن نقصد بالمسائل إلى أن يكبر هذا؟ يعني أبا جعفر عليه السلام.
فقام إليه الريّان بن الصلت، ووضع يده في حلقه، ولم يزل يلطمه، ويقول له: أنت تُظهر الإيمان لنا، وتُبطن الشّكّ والشِّرك. إن كان أمره من الله جلّ وعلا، فلو أنّه كان ابن يوم واحد، لكان بمنزلة الشّيخ العالم وفوقه، وإن لم يكن من عند الله فلو عمّر ألف سنة فهو واحدٌ من النّاس، هذا ممّا ينبغي أن يفكّر فيه. فأقبلت العصابة عليه تعذله وتوبّخه.
وكان وقت الموسم، فاجتمع فقهاء بغداد والأمصار وعلماؤهم ثمانون رجلاً، فخرجوا إلى الحجّ، وقصدوا المدينة ليشاهدوا أبا جعفر عليه السلام، فلمّا وافوا أتوا دار جعفر الصادق عليه السلام لأنّها كانت فارغة، ودخلوها وجلسوا على بساطٍ كبير، وخرج إليهم عبدالله بن موسى [ابن الإمام الكاظم عليه السلام]، فجلس في صدر المجلس وقام منادٍ، وقال: هذا ابن رسول الله فمَن أراد السؤال فليسأله.
فسُئل عن أشياء، أجاب عنها بغير الواجب، فوَرَد على الشّيعة ما حيّرهم وغمّهم.
واضطرب الفقهاء، وقاموا وهمّوا بالإنصراف، وقالوا في أنفسهم: لو كان أبو جعفر عليه السلام يَكْمُل لجواب المسائل، لما كان من عبدالله ما كان، من الجواب بغير الواجب.
ففُتح عليهم بابٌ من صدر المجلس ودخل «موفّق» وقال: هذا أبو جعفر، فقاموا إليه بأجمعهم واستقبلوه، وسلّموا عليه، فدخل صلوات الله عليه، وعليه قميصان وعمامة بذؤابتين وفي رجليه نعلان، وجلس وأمسك النّاس كلّهم، فقام صاحب المسألة، فسأله عن مسائله، فأجاب عنها بالحقّ، ففرحوا ودعوا له وأثنوا عليه وقالوا له: إن عمّك عبدالله أفتى بكيت وكيت، فقال: «لا إله إلّا الله، يا عمّ إنّه عظيم عند الله أن تقف غداً بين يديه، فيقول لك: لِمَ تُفتي عبادي بما لم تعلم، وفي الأُمّة مَن هو أعلم منك؟!».

إن كان أمره من الله جلّ وعلا، فلو أنّه كان
ابن يوم واحد، لكان بمنزلة الشّيخ العالم وفوقه،
وإن لم يكن من عند الله فلو عمّر ألف سنة فهو واحدٌ من النّاس.

ب- وروي أنّه  جيىء بأبي جعفر عليه السلام إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بعد موت أبيه، وهو طفل، وجاء إلى المنبر ورقا منه درجة، ثمّ نطق، فقال: «أنا محمّد بن عليّ الرضا، أنا الجواد، أنا العالِم بأنساب النّاس في الأصلاب، أنا أعلم بسرائركم وظواهركم وما أنتم صائرون إليه، علمٌ مُنحنا به قبل خَلْق الخَلْق أجمعين، وبعد فناء السَّماوات والأرضين، ولولا تظاهر أهل الباطل، ودولة أهل الضّلال، ووثوب أهل الشكّ، لقلت قولاً تعجّب منه الأوّلون والآخرون..».

ج - وقال اسماعيل بن بزيع: سألته -يعني أبا جعفر الثاني عليه السلام- عن شيءٍ من أمر الإمام، فقلت: يكون الإمام إبن أقلّ من سبع سنين؟ فقال: «نعم وأقلّ من خمس سنين».

د - قال عليّ بن أسباط: «رأيتُ أبا جعفر عليه السلام وقد خرج عليّ فأخذتُ أنظر إليه وجعلتُ أنظر إلى رأسه ورجليه، لأصف قامته لأصحابنا بمصر، فبينا أنا كذلك حتّى قعد، فقال عليه السلام: يا عليّ! إنّ الله احتجّ في الإمامة بمثل ما احتجّ في النّبوّة، فقال: ﴿وآتيناه الحكم صبياً﴾ مريم:12﴿..بلغ أشدَّه وبلغ أربعين سنة..﴾ الأحقاف:15، فقد يجوز أن يؤتى الحكمة وهو صبيّ، ويجوز أن يؤتاها وهو ابن أربعين سنة».

 

اخبار مرتبطة

  مجلة شعائر الـعدد الثامن عشر-شهر ذو القعدة 1432 - تشرين الأوّل 2011

مجلة شعائر الـعدد الثامن عشر-شهر ذو القعدة 1432 - تشرين الأوّل 2011

نفحات