بسملة

بسملة

13/02/2019

آل سعود والوهابيّة

آل سعود والوهابيّة

أمضى أسلحة الاستعمار في التمكين والتجزئة

بقلم: الشيخ حسين كَوْراني

يتوقف محو الأمّيّة السياسيّة على «الاستبراء» من خطيئتَين عظيمتَين، وقع في شِراك أحابيلهما أكثر الإسلاميّين، وهما:

1- الفصل بين خطورة زرع الاستعمار «الكيان الصهيونيّ» في قلب الأمّة والعالم، وبين موقع «آل سعود» و«الوهابيّة» -قديماً وحديثاً- من هذا المشروع الاستعماريّ الذي أصرّت بريطانيا على مشاركة أميركا في تبنّيه ورعايته يوم كان مجرّد فكرة.

تمسّ الحاجة هنا للتذكير بكلام «تشرشل» الذي تقدّم في «بسملة» العدد السابق من مجلّة «شعائر»:

«قال تشرشل لحاييم وايزمن، كما جاء في مذكّراته: «إنشاء الكيان السعوديّ هو مشروع بريطانيا الأول.. والمشروع الثاني من بعده إنشاء الكيان الصهيونيّ بواسطته»!..

 يضيف «وايزمَن» في مذكّراته: «قال تشرتشل: أريد أن تعلم مكرّراً -يا وايزمن- أنّني وضعت مشروعاً لكم وهو لا يُنفّذ إلا بعد نهاية الحرب (الحرب العالميّة الثانية) وهذا المشروع هو: أنّني أريد أن أرى ابن السعود سيّداً على الشرق الأوسط وكبير كبراء هذا الشرق، على شرط أن يتّفق معكم أوّلاً، ومتى تمّ هذا المشروع فعليكم أن تأخذوا منه ما أمكن أخذُه، وليس من شكّ أنّنا سنساعدكم في هذا، وعليك أن تحتفظ بكتمان هذا السرّ، ولكن انقله إلى روزفلت، وليس هناك شيء يستحيل تحقيقه حين أعمل لتحقيقه أنا وروزفلت رئيس الولايات المتحدة الأمريكيّة». (مذكرات وايزمان، ط دار الفنون، عام 2006، ص 183).

2- والخطيئة العظمى الثانية التي يتوقّف محو الأمّيّة السياسيّة على الاستبراء منها، هي اعتبار «آل سعود» من العرب ومن المسلمين، واعتبار«الوهابيّة» طريقة في فهم الإسلام، والتّعامل مع الوهابيّين كجزء من الأمّة الإسلاميّة امتاز بفهم خاصّ وخاطئ للتوحيد، و كفّر المسلمين وحاربهم في جميع مراحل داعشيّته على أساس هذا الفهم!

ويأتي -بحوله تعالى- في الافتتاحيات القادمة « البسملات»، الكثير من الأدلّة -غير ما تقدّم- على «يهوديّة آل سعود» و«صهيونيّة الوهابيّة».

***

لا يستند توصيف آل سعود والوهابيّة بأنّهما أمضى أسلحة الاستعمار في التمكين والتجزئة، إلى الأدوار التي أدّياها منذ بَدأ الاستعمار يخطّط لتفكيك «الدولة العثمانيّة» وإلى يومنا هذا، وأبرز أدوارهما فيه فظيعة «صفقة القرن» الفضيحة، وإنْ كان ذلك دليلاً مستقلاً لمن تدبّر وعقِل.

ولا يستند -هذا التوصيف- إلى مزيجٍ من وقائع تلك الأدوار، وبعض الأدلّة، وقَدْرٍ من التحليل، أو الخطابة.

بل يستند إلى الكثير المغيّب من المصادر، وأذكر منها:

1- تاريخ الجزيرة العربيّة -نجد والحجاز- في الوثائق البريطانيّة (7 مجلدات كبيرة). اختيار وترجمة وتحرير: نجدة فتحي صفوة. الطبعة الأولى 1988م. دار الساقي - بيروت.

2- تاريخ ابن غنّام المسمّى: كتاب الغزوات البيانيّة والفتوحات الرّبّانيّة. (مجلّدان) للعلامة الشيخ حسين بن أبي بكر بن غنّام (1152 - 1225). اعتنى به: سليمان بن صالح الخراشي. وابن غنّام من المقرّبين من الشيخ محمّد بن عبد الوهاب، وقد عرض في المجلّد الأول عقيدة ابن عبد الوهاب ودافع عنها، بينما خصّص المجلد الثاني لما سمّاه الغزوات التي قام بها آل سعود في زمانه.

3- رسائل عبد العزيز إلى الإنجليز. وثائق سرّيّة من أرشيف وزارة الهند البريطانيّة. المراسلات السرّيّة بين عبد العزيز آل سعود والبريطانيّين. المؤلف: سعود بن عبد الرحمن السّبعاني. الطبعة الأولى 2016م. (مجلّد ضخم في 1330 صفحة، يتضمّن الكتاب 500 نسخة مصوّرة طبق الأصل من الرسائل المفرج عنها، وهي بنسبة 10 - 15% من أصل الأرشيف البريطانيّ، كما جاء في مقدّمة الكتاب).

4- أرشيف معرض دار «سوذبي» في لندن. يتضمّن المخاطبات بين الملك عبد العزيز آل سعود والممثّل الرسميّ للحكومة البريطانيّة في الجزيرة العربيّة غيلبرت كلايتون في الفترة ما بين مايو (أيار) وأغسطس (آب) 1928. المصدر: جريدة الشرق الأوسط العدد 17474 بتاريخ 28 أبريل 2010م، وقد نشرت الجريدة بعض صور رسائل عبد العزيز، مع توضيح لمسؤول المعرض حول أهميّة محتويات الأرشيف، تجد ذلك على الرابط التالي:

http://archive.aawsat.com/details.asp?section=54&article=567124&issueno=11474#.XFQ9IVwzbIU

5- مذكّرات حاييم وايزمان (1874 - 1952)، وهو «أشهر الشخصيّات الصهيونيّة بعد هرتزل، لعب الدور الأهمّ في استصدار وعد بلفور عام 1917، وكان رئيساً للمنظمة الصهيونيّة العالميّة منذ عام 1920 حتى عام 1946، ثمّ انتخب كأوّل رئيس "لدولة إسرائيل" عام 1949». ومذكّراته متوفّرة على الشبكة، ومن طبعاتها: طبعة دار الفنون - بيروت، عام 2006، وطبعة دار الخلود للنشر والتوزيع - القاهرة - 2015، دراسة وإعداد الحسيني الحسيني معدى.

6- مذكّرات جون فيلبي، وسائر كتبه العديدة ومنها: تاريخ نجد ودعوة محمّد بن عبد الوهاب السلفيّة. أربعون عاماً في البرّيّة. حاج في جزيرة العرب. أرض مدْيَن..

***

المدخل الحصريّ إلى التعامل مع هذه المصادر بمنهجيّة علميّة سليمة، تحول دون الغرَق في تفاصيلها والدهاليز، هو تحديد الهدف المركزيّ للإنجليز، خصوصاً في مرحلة بدء عملهم الميدانيّ وغير المباشر -في الغالب- لتفكيك الدولة العثمانيّة.

وتكفي جولة في هذه المصادر وغيرها ليتّضح بجلاء أن هذا الهدف هو «الحيلولة بكل ما أمكن دون نهضة الأمّة الإسلاميّة مجدّداً»، ويتوقّف تحقيق هذا الهدف على بناء قاعدة الاستعمار لبلاد الأمّة وشعوبها على ما يضمن منع انبعاث الروح الإسلاميّة في الأمّة من جديد، لأنّ هذه «الروح الإسلاميّة» كانت السبب في النهضة الكبرى التي هزّت الخافقَين، والتي عمل الإنجليز وحلفاؤهم آنذاك -ومنهم أميركا- على محاصرتها واستئصالها، ثمّ تفرّدت أميركا بقيادة المعسكر الغربيّ لمواصلة تحقيق ذلك.

لتوكيد أنّ هذا الهدف كان الشغل الشاغل لبريطانيا، ينبغي الوقوف بعناية تامّة عند المذكّرة التي كتبها عام 1917م أحد كبار ضباط الجيش الإنكليزيّ، الكابتن براي، وهي تقع في خمس وعشرين صفحة، وقد وردت في الجزء الثالث من كتاب تاريخ الجزيرة العربيّة في الوثائق البريطانيّة ص 158 - 183، وتجدها على الرابط التالي:

https://books.ibtesama.com/dldawk26218.pdf.html

جاءت هذه المذكّرة تحت الرقم (31) بعنوان:

مذكّرة عن القضيّة الإسلاميّة

تأثيرها في حوادث الهند وبلاد العرب

مستقبل الإحياء الإسلاميّ العظيم في الوقت الحاضر حين لا تعود تركيّة دولة يعلَق العالم الإسلاميّ آماله عليها

وتحت هذا العنوان ورد ما يلي:

أعدّها الكابتن براي. جدّة في 25 آذار - مارس 1917

 

***

لا تخفى أهميّة هذه الوثيقة في كشف السرّ الذي دارت رحى حركة الاستعمار والهيمنة في جميع مراحلهما -وما تزال- حول مواجهته، وهو «الإحياء الإسلاميّ» كما كتب الكابتن براي سنة 1917 وجعله عنوان مذكّرته التي يقول فيها إنها حصيلة ثماني سنوات من المتابعة والتحليل.

عندما ينطلق البحث من هذا الهدف المحوريّ لقوى الاستعمار والهيمنة، سنجد أنّنا أمام النتائج التالية:

1- أنّ زرْع الكيان الصهيونيّ في قلب العالم الإسلاميّ، ليس إلا الوجه الظاهر من الطرح الاستعماريّ لمنع «الإحياء الإسلاميّ».

2- أنّ باطن الطرح الاستعماريّ المضنون به على غير أهله، والذي يتوقّف عليه منع الإحياء الإسلاميّ، هو إقامة «الكيان السعوديّ» كمدخلٍ إلى إقامة «الكيان الصهيونيّ» كما صرّح تشرشل في ما نقله عنه وايزمان.

3- يقوم الكيان السعوديّ على دعامتَين: آل سعود، والوهابيّة.

4- معنى أن يصبح «ابن السعود، كبير كبراء الشرق» -كما جاء حرفياً في كلام تشرشل المتقدّم- أنّ يهود بني القينقاع -كما صرّح فيلبي وذكر معرفة بن غوريون بذلك- تسلّلوا إلى زعامة العالم الإسلاميّ، وأصبح لقب «خادم الحرمَين الشريفَين» وقْفاً عليهم يتوارثونه، ويخاطبون العالم الإسلاميّ به ومن خلاله.

5- ومعنى أن يحمل آل سعود راية الوهابيّة بنسختها البريطانيّة المنقِّحة للإسلام الأمويّ المزيّف، أنّ بريطانيا وجدت -ووافقتها أميركا منذ البدايات- أنّ أفضل مشروعٍ لمنع «الإحياء الإسلاميّ» هو طرح إسلام مشوّه، يتّصف بخصوصيتَين:

أ- ظاهره حفظ حرمة الإسلام ومقدّساته، وتكفير جميع المسلمين وإعلان الحرب عليهم بحجّة خروجهم على الإسلام ونقاء التوحيد.

ب- وباطنه تنفير المسلمين -وغيرهم- من الإسلام، لقطع الطريق على أيّ حركة بينهم لإحياء الإسلام، واجتماع كلمتهم مجدّداً تحت رايته.

***

كلّ من هذه المحاور المتقدّمة، يستدعي الوقفة معه بالتفصيل، لتقديم الأدلّة الكافية المتوفّرة بغزارة في المصادر المتقدّمة وغيرها.

ستثبت نتيجة هذه الأبحاث الكثيرَ من الحقائق، وأبرزها:

1- أنّ الصحوة الإسلاميّة الهادرة التي وفّق الله تعالى الإمام الخمينيّ لتفجيرها، كما وفّق الإمام الخامنئيّ لمواصلة رعايتها، يرقُل بالأمّة من نصرٍ إلى نصر، هي بالتحديد «الإحياء الإسلاميّ» الذي طالما حذّر المستعمرون وامتداداتهم من انبعاثه، لأنّه يقضي على أمالهم، ويُعيدهم إلى نقطة الصفر.

2- أنّ هذه الصحوة المباركة ونتائجها المذهلة، هي السبب في جنون الشيطان الأميركيّ وإسرائيلَيْه (السعوديّة وإسرائيل) من انتصارات الجمهوريّة الإسلاميّة وامتداداتها في الأمّة. أحرجتْهم إيران فأخرجتهم عن طورهم ولو نفاقاً يسمّونه دبلوماسيّة.

والآتي أعظم. وما النصر إلا من عند الله.

***

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  شعر

شعر

  تاريخ و بلدان

تاريخ و بلدان

نفحات