الملف

الملف

13/02/2019

قراءة في السّنَد والمتن

قراءة في السّنَد والمتن

فرادةُ صيغةٍ لفرادة الموضوع

بعد أن تحدّث عن زيارة رسول الله صلّى الله عليه وآله في المدينة المنوّرة، قال الشيخ الطوسي رحمه الله، في (مصباح المتهجّد: ص 711):

«ثم زُر فاطمة عليها السلام من عند الرّوضة، واختُلف في موضع قبرها، فقال قوم: هي مدفونةٌ في الرّوضة، وقال آخرون: في بيتها، وقال فرقةٌ ثالثة: هي مدفونةٌ بالبقيع، والذي عليه أكثر أصحابنا: أن زيارتها من عند الروضة، ومَن زارها في هذه الثلاث المواضع كان أفضل.

وإذا وقف عليها للزيارة، فليَقُل:

يَا مُمْتَحَنَةُ، امْتَحَنَكِ اللهُ الَّذِى خَلَقَكِ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَكِ، فَوَجَدكِ لِمَا امْتَحَنَكِ صَابِرَةً، وَزَعَمْنَا أنَّا لَكِ أَوْلِياءُ وَمُصدِّقُونَ وَصَابِرُونَ لِكُلّ مَا أَتَانَا بِهِ أَبُوكِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلهِ وَسَلّمَ، وَأَتَى بِهِ وَصِيُّهُ، فَإنَّا نَسْأَلُكِ إنْ كُنَّا صَدَقَنْاكِ إلاَّ أَلْحَقْتِنَا بِتَصْديِقِنَا لَهُمَا، لِنُبَشِّرَ أَنْفُسَنَا بِأَنَّا قَدْ طَهُرنَا بِوِلايَتِكِ».

وروى في (تهذيب الأحكام:6/10)، بإسناده المنتهي إلى إبراهيم بن محمّد بن عيسى بن محمّد العريضي، قال:

«...حدثنا أبو جعفر عليه السلام، ذات يوم، قال: إذا صرتَ إلى قبر جدّتك فاطمة عليها السلام، فقل: [ثُمّ أورد نص الزيارة المتقدّمة] وفي آخرها: إلاَّ أَلْحَقْتِنَا بِتَصْديِقِنَا لَهُمَا بِالبُشْرَى لِنُبَشِّرَ أَنْفُسَنَا..».

ويلاحظ إضافة كلمة «بالبشرى»، ولم ترِد في رواية (مصباح المتهجّد) المتقدمة.

والزيارة أوردها المجلسيّان والفيض الكاشاني، على التوالي، في (روضة المتقين:5/343)، و(بحار الأنوار:97/194)، و(الوافي:14/1369)، كلّهم عن (تهذيب) الشيخ الطوسي.

ونقل المجلسيّ الأول عقب إيراد الزيارة، عن الشيخ الطوسي قوله: «هذه الزيارة وجدتها مرويّةً لفاطمة صلوات الله عليها، وأما ما وجدت أصحابنا يذكرونه من القول عند زيارتها عليها السلام، فهو أن تقف على أحد الموضعين اللّذَين ذكرناهما [البيت والروضة] وتقول: السلامُ عليكِ يا بنتَ رسول الله، السلامُ عليكِ يا بنتَ نبيّ الله...». [انظر: مفاتيح الجنان، زيارتها عليها السلام، عقب زيارة النبيّ صلّى الله عليه وآله]

وقد استظهر المجلسي رحمه الله، أن هذه الزيارة «يا ممتحنةُ..»، دعاءٌ بعد الزيارة، فقال في (لوامع صاحبقراني:8/511) -وهو الشرح الفارسي لـ(فقيه) الشيخ الصدوق- ما ترجمته:

«والظاهر أنّ هذا دعاءٌ، يُقرأ بعد الزيارة... والأفضل قراءة الاثنين». أي الزيارة التي تبدأ بعبارة: «السلام عليكِ يا بنت رسول الله..»، وهذه الزيارة: «يا ممتحنةُ..».

وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى نقطتين:

الأولى: أنّ ألفاظ هذا النصّ لا تُشبه ألفاظ الدّعاء، وإن كانت أيضاً تختلف عن صِيَغ الزيارات، إلا أنها إلى الزيارة أقرب.

الثانية: أنّ امتياز النصّ عن صيغ الزيارة والدعاء، فرادةُ صيغةٍ لفرادة الموضوع، ثمّ إنّ تميّز متن الزيارة، يكمنُ -على ما يكشفه التحقيق- في انطباق مضامينها مع المضامين المماثلة المرويّة بأسانيد صحيحة، بل مع الأسس الاعتقادية المستنبطة من القرآن الكريم والحديث الصادر، التي قامت عليها أقوى الأدلة والبراهين.

السنَد

* ساق الشيخ الطوسي في (تهذيب الأحكام)، سند هذه الزيارة على النحو التالي:

«محمّد بن أحمد بن داود، عن محمّد بن وهبان البصريّ، قال: حدثنا أبو محمّد الحسن بن محمّد بن الحسن السيرافي، قال: حدثنا العباس بن الوليد بن العباس المنصوري، قال: حدثنا إبراهيم بن محمّد بن عيسى بن محمّد العريضي، قال: حدثنا أبو جعفر عليه السلام، ذات يوم، قال: إذا صرتَ إلى قبر جدّتك فاطمة عليها السلام، فقُلْ...»،

* وقال المجلسي الأول: «روى الشيخ (الطوسي في التهذيب) في القويّ (سَنَداً) عن إبراهيم بن محمّد العريضي قال: «حدّثنا أبو جعفر الثاني صلوات الله عليه ذات يومٍ، قال: إذا صرتَ إلى قبر جدّتك فقُل: يا مُمتحَنة...». الزيارة

وينبغي، في السياق، ملاحظة التالي:

أ) أن هذه الكنية «أبو جعفر» تنصرف عند الإطلاق إلى الإمام الباقر عليه السلام.

ب) أنّ المجلسيّ الأول استظهر أنّ المراد به هو الإمام الجواد عليه السلام، فأضاف كلمة «الثاني».

ت) أنّ سبب الاستظهار أن نسبة «العُريضي» الواردة في آخر اسم الراوي الذي سمع من الإمام عليه السلام، ترجّح أو تعيّن أن المراد هو الإمام الجواد عليه السلام، فكنية «أبي جعفر» هنا ليست مطلقة لتحمَل على الإمام الباقر عليه السلام.

ث) الدليل على ذلك أنّ «العُريض» اسم منطقة كانت في ضواحي «المدينة المنوّرة»، وصارت الآن منها، وأول من عُرف بهذه النسبة هو جدّ الراوي، والجدّ هو ابن الإمام الصادق عليه السلام، العالم الجليل «عليّ بن جعفر» المشهور أنه مدفون في قمّ، والمرجّح -إن لم يكن الصحيح- أنه مدفون في هذه المنطقة «العُريض» التي نُسِب إليها، لأنه سكنها واشتهر بالنسبة إليها بعد شهادة الإمام الصادق عليه السلام، حيث كان عمره عند شهادة الإمام سنتين.

في المقابل، ثمة من المحدّثين الأجلاء من نسب هذه الزيارة الى الإمام الباقر، والصواب هو ما تقدّم، أي أنها مروية عن أبي جعفر الجواد صلوات الله عليه.

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  شعر

شعر

  تاريخ و بلدان

تاريخ و بلدان

نفحات