اليهوديّة السياسيّة في تهافتها

اليهوديّة السياسيّة في تهافتها

منذ 4 أيام

اليهوديّة السياسيّة في تهافتها

اليهوديّة السياسيّة في تهافتها

محمود حيدر*

لا مناصّ لبنيامين نتنياهو من استعادة اللّاهوت اليهودي كلّما لاح له وهنٌ ما، في الخطاب الإيديولوجي الدِّيني «لِدولة إسرائيل». ربّما وَصَلْنا اليوم، وبعد سلسلة هائلة من التَّحوُّلات، إلى المُنعطف الذي بات يَبعث الخوف لدى كلّ «إسرائيلي»، من خسران الهويّة الدِّينيّة للدَّولة.
والذين يُتابعون وقائع السِّجال الخافت حيناً والمُرتفع حيناً آخر بين النُّخَب الدِّينية والسِّياسيّة، يُدركون عُمْق الفجوة التي تَشقّ النّفْس السّياسيّة «الإسرائيليّة»، جرّاء سوء استخدام اللّاشعور الدِّيني في إدامة وتغذية العَصَب الثّقافي للمشروع الصّهيوني المُعاصِر.
لكن ثمّة سؤالاً يُصاغ الآن على الوجه التّالي: أيّ مسافة مُمكنة تستطيع القيادات «الإسرائيليّة» الحاليّة أن تُنجزها، وهي تمضي في رحلة توظيف اليهوديّة الدِّينيّة لمغادرة مأزقها الاستراتيجي؟
جواب هذا السُّؤال يُحيلنا إلى منطقة معرفيَّة أكثر عُمقاً، وهي معاينة الإشكال الأصلي الذي واجَهتْه المنظومة اليهوديّة، على امتداد قرونٍ مِن تاريخ الحداثة.
لقد أُخِذت اليهوديّة في الزَّمن السِّياسي، حتّى أَوْشكت ألَّا يُنظر إليها كَدِين. ومَنْ يَقرأ المشهد التّاريخي لِسُلوكها، سَيَظهر له المدى الهائل لعمليّة توظيف الدِّين في السِّياسة. ولنا في التّجربة اليهوديّة التّاريخيّة ما يُشير إلى الإنفصال الحادّ بين الدِّيني والدُّنيوي، وبين المُتعالي والوَضعي، حتّى لقد بات الأمران أمراً واحداً لا يقبلان الفصل والتّمايز. ربّما كانت اليهوديّة في ذلك أكثر الدِّيانات استعداداً إلى التَّشيُّؤ، أي إلى تحويل الإيمان الغَيْبي إلى منظومة إيديولوجيّة، تُضفي على المَصالِح والأغراض الآنيّة مشروعيّة أخلاقيّة مُتَعالية.
ولذا فهي حين حلَّت في قلب التّاريخ السِّياسي والإجتماعي، تراءى لنا كيف حُمِّل الدِّيني وِزْر الدُّنيوي. فبَدا سَبْيُ بابل، ورحلات التِّيه، واضطهادات الحداثة، كما لو كانت حاصل ذلك التّحويل الذي لا ينفكّ بعضه أبداً.
هل يعني هذا أن التراجيديا اليهوديّة كانت حتميّة، بسببٍ من الزَّمن الذي أخذها، أو الذي أُخِذَت فيه؟
ليست الصُّورة على هذا النَّحو، فثمّة في المشهد ما هو مُركَّب ومُعقَّد وضَبابي. لكن ينبغي مع كلّ هذا، أنْ نعثر على الفاصِل الطّفيف بين حقيقة اليهوديّة في أصلها الدِّيني، وتوظيفات هذه الحقيقة في حمَّى الإحتدامات الحضاريّة والنِّزاعات السياسيّة. فلو رأينا في شيء من التَّدبُّر إلى ذلك المشهد، لَتبيَّن لنا أنَّ السِّرّ كلّه كامنٌ في الإجراءات الثّقافيّة والإيديولوجيّة التي سُيِّلت اليهوديّة من خلالها كَدِيانة في لعبة التّاريخ.
ثمّ إنّنا لنَجِد حقائق وإضاءات أخرى أيضاً، منها ما يَظهر أساساً في التَّساؤل عن الكيفيّة التي تحوّلت فيها المنافِع لدى اليهوديّة التّاريخية إلى عقائد، والسِّياسة إلى دِين، والمال إلى وَثَنٍ للعبادة. كأنَّ الأمر بالنّسبة إلى أَحْبار اليهوديّة الجارية في الزَّمن، جاء مقلوباً، حيث رُفع الدُّنيوي إلى مقام الدِّيني، وتَسامى الوَضعي على الغَيْبي، حتّى صار كلّ ما في «اللَّوح المحفوظ» عرْضَة للإستحالة والتَّبديد.
ولو كان لنا أن نستذكر ما قدّمه فلاسفة التّاريخ الغربيّون في هذا الشأن، لتَبيَّن لنا بوضوح مقدار «الفضيحة المعرفيَّة» التي ضَربت المنظومة الإجماليّة للَّاهوت السِّياسي «الإسرائيلي».
حين رأى «ماركس» إلى إِله اليهوديّة بوصفه إلهاً علمانيّاً، وإلى حضارتها أنّها حضارة سُوق، فإنّما كان يرمي من وراء ذلك إلى تصويب الرُّؤية، وكشف مقاصد التّحويل الذي أجراه التّلمود السِّياسي في الإيمان اليهوديّ الأوّل. كذلك كان الأمر بالنّسبة إلى فيلسوف الحداثة «إيمانويل كانط». إنَّ هذا الفيلسوف الجريء بعقله النَّقدي، سيُنكر على اليهودي روحانيَّته، وسيَخلع عليه مادِّيّة تاريخيّة صافية. وسيَنظُر إلى ديانته كعقيدة سياسيّة قوميّة، لا شأن فيها للوَحْي البتّة. وحين وَصَف «كانط» المسيحانيّة الممزوجة باليهوديةّ، على أنّها طموح إلى حياة أفضل لِشَعبٍ يعيش الشّتات والنَّفي، فقد أراد أنْ يَمضي بعيداً في استبيان مكامِن الخديعة.
كلّ هذا سيَشقّ مساره بقوّة لمّا حصل الإنفصال المُروّع بين اليهوديّة كَدِينٍ روحاني، وبين كَوْنها ذريعة للإستعمال التّاريخي في مجال السَّيطرة على الغير. فإذا كان للنّصّ التَّوراتي قابليّة التّأويل، فإنّ اليهوديّة السّياسيّة التي أنشأها الغرب على صورته، ستُطيح مصدرها الإلهي، ثمّ لتوظِّفه في حمَّى الزّمان والمكان. حيث سيَكون للجغرافيا العربيّة الإسلاميّة سوء الطّالع في ولادة الفكرة الصّهيونيّة على أرض فلسطين. عند هذا الفصل التّاريخي الذي انتهى إلى الإستيلاء على فلسطين، سوف يَتَجلّى التّوظيف السِّياسي لليهوديّة بأفظع صُوَره منذ أكثر من ستِّين سنة.
والآن نعرف لماذا لم يكن أمام نتنياهو وسائر رفاقه من الجيل الصّهيوني المُتداعي، سوى رفع شِعار يهوديّة «إسرائيل». وسَنَعرف أيضاً السَّبب الذي دَفع هؤلاء لِيَنأوا بأنفسهم عن الخطر الذي يُحيط بمشروعهم القَوْمي، مع انصرام العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين.
لقد ارتَكَبَت عصبيّة الغرب فظائعها [المُفتَرَضة] في حقِّ اليهود، لكنّ الصّهيونيّة ستُفلِح في تحويل تلك الفظاعات [المُفتَرَضة] إلى ملحمة «لاهوتيّة مقدّسة». ولَسَوف تكون «إسرائيل» بعد ذلك بقليل، الوريث الشَّرعي لعصبيّة طَموحة إلى الإستيطان والغلَبة والنّفي. فسنَجِد في أرض فلسطين بعد هُنيهة، محلاًّ خَصيباً للإنتقام ومفارقة مشاعر الإضطهاد. ولقد كانت النّتيجة مع الصّهيونيّة أن صار «الهولوكست» ديناً يُدان به، وعقيدة تُدين العالَم بأسره، وتُشعره بذنبٍ لا شأن له به.
حاصل القَوْل أنَّ «إسرائيل» لم تكن إلَّا حصاد الحداثة الغربيّة وذُنوبها، لكنّها مع التّوظيف الطّارِد لِكلِّ حقيقة، ستُعيد الإضطهاد إلى نشأته الأولى. وفي فلسطين اليوم، يَنفجر الكُمُون العنصري ليأخذ أعلى مدى له، إذ سيولد من تشظّيه كمٌّ هائلٌ من الأفكار المُستعادة لليهوديّة السِّياسيّة، منذ «تراجيديا السَّبي» قبل عشرات القرون، إلى الإستيطان المفتوح الذي يَشقُّ قلب فلسطين لحظةً تِلوَ لحظة.
* رئيس «مركز دلتا» للأبحاث المعمّقة


شيخ الأزهر: مَن يعترف بحصار غزّة ينضمّ إلى سجّانِي العالم

ندَّد شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيِّب بالهجوم «الإسرائيلي» على قوافل الإغاثة الإنسانيّة المتَّجهة إلى قطاع غزّة أثناء عبورها المياه الدُّوليّة، واصفاً ذلك بـ «العمل الإجرامي»، مؤكِّداً أنّ «مَن يَعترف بحصار غزّة يَنضمّ للسَّجّانين الذين يُشرفون على أكبر سجن في العالم».
وقال الطيِّب في بيانٍ أصدره مطلع الشّهر الفائت: «إنّ هذا العمل الإجرامي ليس جديداً في السُّلوك الصُّهيوني الغاشم الذي جرَّبناه، ويعرفه العالَم كلّه».
واعتبر أنَّ مَن يَعترف بحصار غزّة إنّما ينضم إلى «السَّجَّانين الذين يشرفون على أكبر سجن في العالم»، مُستنكراً التّقارير والقوانين الدُّوليّة التي تُجيز الهجوم الدَّموي على قافلة مُسالمة وهي في المياه الدُّوليّة، لا سيَّما ما جاء في تقارير «بالمر» والأُمم المتّحدة التي تُناقض التّصريحات السَّابقة لأمينها العام بان كي مون.
ووجَّه شيخ الأزهر في سياق البيان نداءً إلى الشّعب الفلسطيني المحاصَر في غزّة قائلاً: «غداً سيندم الظَّالمون ومَنْ يُؤيِّد الظّالمين، ويا أهلنا في فلسطين إنَّ دولة الظُّلم ساعة ودولة الحقِّ إلى قِيام السَّاعة».


 

اخبار مرتبطة

  مجلة شعائر الـعدد الثامن عشر-شهر ذو القعدة 1432 - تشرين الأوّل 2011

مجلة شعائر الـعدد الثامن عشر-شهر ذو القعدة 1432 - تشرين الأوّل 2011

نفحات