فكر ونظر

فكر ونظر

08/04/2019

بيان القائد الخامنئي في أربعينية الثورة

 

نستعدّ لبزوغ شمس الولاية العظمى

بيان القائد الخامنئي في أربعينية الثورة

ـــــــــــــــــــــــــــــــ إعداد: شعائر ـــــــــــــــــــــــــــــــ

 

بمناسبة الذكرى السنوية الأربعين لانتصار الثورة الإسلامية ودخول الجمهورية الإسلامية فصلاً جديداً من الحياة، أصدر قائد الثورة الإسلامية المعظّم سماحة آية الله الخامنئي بياناً هامّاً واستراتيجياً، يقع في منزلة القول الفصل الذي يطابق اللحظة التاريخية والمستقبل معاً. فقد كان البيان / الحدث الذي يعني الشعب الإيراني بقدر ما يعني شعوب المنطقة والمسلمين في أنحاء العالم كافة. لقد جمع سماحته في بيانه هذا جملة من المزايا الكبرى التي يتميّز بها القائد الاستثنائي المعتني بولاية أمر المسلمين وسط عالم مليء بالتحديات: مَزية التبصّر، ومزية الصبر، ومزية الاقتدار. وهذه المزايا هي التي ستؤّلف العناصر الجوهرية المطلوبة لنهوض الأمة، وتؤسِّس سبيل الانتصار على أعدائها التاريخيين.

يوجّه الإمام القائد، في هذا المنشور الثقافي العقائدي، خطابه إلى الشباب وبناة المستقبل، موضحاً مستلزمات هذا الجهاد العظيم ضمن سبعة عناوين أساسيّة.

في ما يلي ننشر القسم الأول من هذا البيان، على أن يليه القسم الثاني في العدد التالي من شعائر.

 

من بين الشعوب الرازحة تحت الظلم، قلّما بادر شعب إلى القيام بالثورة، ومن بين الشعوب الناهضة والثورية قلّما تمكّن شعب من الوصول إلى النهاية وحافظ على أهدافه الثورية، ما عدا تغيير الحكومات، إلّا أنّ ثورة الشعب الإيراني المجيدة التي تعدّ أكبر ثورات العصر الجديد وأكثرها شعبية، هي الثورة الوحيدة التي أمضت ربيعها الأربعين الزاخر بالمفاخر دون خيانة أهدافها، وقد صانت أصالةشعاراتها أمام جميع الوساوس التي كانت لا تقاوَم في ظاهر الأمر، والآن دخلت المرحلة الثانية لصنع الحضارة...

 

 

أعلنت الثورة بداية عصر جديد

يوم كان العالم مقسّماً بين الشرق والغرب المادّيين، ولم يكن أحد يتصوّر حدوث نهضة دينية كبرى، ظهرت الثورة الإسلامية الإيرانية في الساحة باقتدار وعظمة، وحطّمت الأطر التقليدية، وأثبتت للعالم فساد التصوّرات المسبقة والمستهلكة، وقدّمت مشروعاً للدّين والدنيا معاً، وأعلنت بداية عصر جديد.

كان من الطبيعي، في المقابل، أن يبدي زعماء الضلال والجور ردود أفعالهم، غير أنّها أخفقت. كلّ ما قام به اليسار واليمين الحداثويّ؛ من التظاهر بعدم سماع هذا الصوت الجديد والمميّز، إلى السعي الواسع والمتنوّع لإخماده، قد قرّبهما إلى أجلهما المحتوم أكثر فأكثر.

والآن بعد مضيّ أربعين حفلاً سنوياً للثورة وأربعين «عشرة الفجر»، زال أحد قطبي العداء المذكورَين، وراح الآخر يتخبّط في مشكلات تنمّ عن قرب احتضاره، أمّا الثورة الإسلامية فلا تزال تواصل تقدّمها إلى الأمام محافِظةً على شعاراتها والالتزام بها.

يمكن افتراض عمر مفيد وتاريخ صلاحية لكلّ شيء، إلّا أنّ الشعارات العالمية لهذه الثورة الدينية استثناءٌ لهذه القاعدة، فهي لن تبقى عديمة الفائدة وعديمة الاستخدام أبداً، لأنّ فطرة الإنسان ممتزجة بها في جميع العصور. فالحرّية والأخلاق والقيم المعنوية والعدالة والاستقلال والعزة والعقلانية والأخوّة، لا تختصّ أيّ منها بأيّ جيل أو مجتمع دون غيره حتى تتألق وتزدهر في حقبة وتأفل في حقبة أخرى. لا يمكن أبداً تصوّر شعب يعرض عن هذه الآفاق المباركة. ومتى ما حصلت حالة إعراض أو تبرّم كان السبب إعراض المسؤولين عن هذه القِيم الدينية، وليس الالتزام بها والسعي لتحقيقها وتطبيقها.

الثورة الإسلامية بوصفها ظاهرة حية وذات إرادة كانت دوماً مرنة ومستعدة لتصحيح أخطائها، لكنّها لا تتقبّل إعادة النظر ولا الانفعال. إنّها تُبدي الحساسية الإيجابية حيال النقد وتعتبره نعمةً من الله، وتحذيراً لأصحاب الكلام من دون عمل، لكنّها لا تبتعد إطلاقاً وبأية ذريعة عن قيمها الممتزجة، والحمد لله، بالإيمان الديني للناس. لم تُمنَ الثورة الإسلامية بعد بنائها للنظام بالركود والخمول والانطفاء ولن تُمنى، ولا ترى تناقضاً أو عدم انسجام بين الحماس الثوري والنظام السياسي والاجتماعي، بل تبقى تدافع إلى الأبد عن نظرية النظام الثوري.

ليست الجمهورية الإسلامية متحجّرة وعديمة الإحساس والإدراك مقابل الظواهر والظروف المتجدّدة، لكنّها ملتزمة أشدّ الالتزام بأصولها ومبادئها، وتتحسّس بشدّة لحدودها الفاصلة بينها وبين منافسيها وأعدائها. ليست عديمة الاكتراث إطلاقاً لخطوطها الأصلية، ومن المهمّ بالنسبة لها لماذا تبقى وكيف تبقى. ولا شكّ في أن البَون -بين ما ينبغي وبين ما هو واقعٌ- أشدّ إيلاماً، ويؤلم الضمائر المبدئية الحرّة دوماً، بَيد أنّ هذا البون ممكنُ الردم والطيّ، وقد تمّ طيه في بعض الحالات طوال الأعوام الأربعين الماضية، ولا شكّ أنّه سيطوى ويردم باقتدار أكبر بفضل حضور ومشاركة جيل الشباب المؤمن المتدين العالِم الزاخر بالحوافز.

الثورة الاسلامية للشعب الايراني مقتدرة، لكنّها عطوفة ومتسامحة، بل حتى مظلومة. ولم ترتكب ممارسات متطرّفة وراديكالية سبّبت العار لكثير من النهضات والحركات. ولم تطلق الرصاصة الأولى في أية معركة حتى مع أمريكا وصدّام، وعملت في كلّ الحالات على الدفاع عن نفسها بعد هجوم العدوّ عليها، وبالطبع فقد سدّدت الضربات في ردودها بقوّة. لم تكن هذه الثورة منذ بداياتها وإلى اليوم عديمة الرحمة ولا سفّاكة، ولم تكن في الوقت ذاته منفعلة ولا متردّدة. وقفت بصراحة وشجاعة مقابل العتاة والمردة، ودافعت عن المظلومين والمستضعفين. هذه المروءة والفتوّة الثورية، وهذا الصدق والصراحة والاقتدار، وهذه المَدَيات من الفعل العالمي والإقليمي إلى جانب مظلومي العالم، لهو مبعث شموخ وفخر لإيران والإيرانيّين، وسيبقى كذلك إلى الأبد.

الآن ونحن في مطلع فصل جديد من حياة الجمهورية الإسلامية أرغبُ أن أتحدّث مع الشباب الأعزاء، الجيل الفاعل في ساحة العمل، من أجل أن يبدأ جانباً آخر من الجهاد الكبير لبناء إيران الإسلامية الكبرى. كلامي الأوّل حول الماضي.

اعرفوا الماضي بشكل صحيح

أعزائي، لا يمكن معرفة المجهول إلّا عن طريق التجربة أو الإصغاء لتجارب الآخرين. الكثير ممّا شهدناه وجرّبناه لم يجرّبه جيلكم بعد، ولم يشهده. لقد خضنا التجربة، وسوف تخوضونها. عقود المستقبل هي عقودكم وأنتم من يجب أن تحموا ثورتكم بخبراتكم وتحفُّزكم، وتقرّبوها أكثر ما يمكن من مبدئها الكبير، ألا وهو بناء حضارة إسلامية حديثة، والاستعداد لبزوغ شمس الولاية العظمى، أرواحنا فداه.

من أجل قطع خطوات راسخة في المستقبل، ينبغي معرفة الماضي بشكل صحيح، واستلهام الدروس والعِبَر من التجارب. وإذا حصلت غفلة عن هذه الاستراتيجية فستحلّ الأكاذيب محلّ الحقيقة، وسيتعرّض المستقبل لتهديدات مجهولة. يعمل أعداء الثورة بدوافع قوية على تحريف الماضي وحتى الحاضر ونشر الأكاذيب، ويستخدمون لأجل ذلك الأموال وكلّ الأدوات والوسائل. لصوص الفكر والعقيدة والوعي كثيرون، ولا يمكن سماع الحقيقة من العدوّ وجنوده.

الثورة غيّرت مسار العالم وأیقظ زلزالُها الفراعنة

لقد انطلقت الثورة الإسلامية والنظام المنبثق منها من نقطة الصفر.

أوّلاً: كان كلّ شيء ضدّنا؛ سواء نظام الطاغوت الفاسد الذي كان بالإضافة إلى تبعيّته وفساده واستبداده ورجعيّته، أوّل نظام ملَكي في إيران يتولّى الحكم على يد الأجانب -وليس بقوة سيفه- أو الحكومة الأمريكية وبعض الحكومات الغربية الأخرى، أو الوضع الداخلي شديد الاضطراب وحالات التخلّف المخجلة في مجالات العلم والتقنية والسياسة والقيم المعنوية وكلّ الفضائل الأخرى.

ثانياً: لم يكن أمامنا أية تجربة سابقة وطريق تمّ سلوكه، ومن البديهي أنّ الانتفاضات الماركسية وأمثالها لا يمكنها أن تُعدّ نموذجاً لثورة نبعت من صميم الإيمان والمعرفة الإسلامية. لقد بدأ الثوّار الإسلاميون مشروعهم من دون نماذج وتجارب، ولم تتأتَّ التركيبة بين «الجمهورية» و«الإسلام» وأدوات تشكيلها وتقدّمها إلّا بالهداية الإلهية، وبفضل القلب النيّر والأفكار الكبيرة للإمام الخميني. وقد كان هذا أوّل تألّق للثورة.

وعندها بدّلت ثورة الشعب الإيراني عالَم القطبين آنذاك إلى عالم ثلاثيّ الأقطاب، ثمّ بسقوط الاتّحاد السوفيتي وأقماره وغيابهم، وظهور أقطاب قوّة جديدة، أضحى التقابل الثنائي الجديد بين الإسلام والاستكبار الظاهرةَ البارزة في العالم المعاصر، ومحطّ اهتمام شعوب العالم. فقد تسمّرت عليه -من ناحية- الأنظارُ الآملة للشعوب الرازحة تحت نير الجور، والتيارات المطالبة بالتحرّر في العالم، وبعض الحكومات التوّاقة للاستقلال، ومن ناحية أخرى تسمّرت عليه الأنظار الحاقدة والسيئة الطوية للأنظمة التعسّفية والعتاة المبتزّين في العالم. وهكذا تغير مسار العالم، وأيقظ زلزال الثورة الفراعنة النائمين بارتياح على أسِرّتهم، فانطلقت حالات العداء بكلّ قوّة، ولولا قوّة الإيمان العظيمة، ودوافع هذا الشعب، والقيادة السماوية المؤيدة للإمام الخميني العظيم لما أمكن المقاومةُ حيال كلّ هذه الأمواج من العداء والتعاسة والتآمر والخبث.

نحن قادرون!

رغم كلّ هذه المشكلات الصعبة، فإنّ الجمهورية الإسلامية قامت بخطوات أكبر وأكثر رسوخاً يوماً بعد يوم. فهذه السنوات الأربعون، شهدت جهاداً كبيراً ومفاخر مشرقة وتقدّماً لافتاً في إيران الإسلامية. وتتّضح عظَمة التقدّم الذي حقّقه الشعب الإيراني خلال أربعين سنة، بشكل صحيح عندما نقارن هذه الفترة مع الفترات المشابهة في الثورات الكبرى، كالثورة الفرنسية، وثورة أكتوبر في الاتحاد السوفييتي، وثورة الهند. فلقد حقّقت الإدارة الجهادية المستلهمة من الإيمان الإسلامي والاعتقاد بمبدأ «نحن قادرون»، والذي علّمه الإمام الخميني رضوان الله عليه لنا جميعا، العزّة والتقدّم لإيران في جميع الميادين.

لقد أنهت الثورة فترة طويلة من الانحطاط التاريخي في البلاد، فلقد أُهينت إيران خلال عهد بهلوي البائد والعهد القاجاري، وبقيت متخلّفة بشدّة، إلّا أنّ الثورة وضعت البلاد على سكّة التقدّم السريع؛ ففي الخطوة الأولى؛ حوّلت النظام الملَكي المستبدّ إلى نظام شعبي، وأدخلت عنصر الإرادة الشعبية التي تعتبر الأساس للتقدّم الشامل والحقيقي، إلى مركز إدارة البلاد، وعند ذاك أشركت الشباب في ميدان إدارة البلاد، ونقلت روح الثقة بالذات إلى الجميع، وعلّمت الجميع الاعتماد على القدرات الداخلية، وذلك ببركة الحظر الذي فرضه الأعداء، والذي أصبح منشأ لبركات عديدة.

بركات الثورة ومنجزاتها

أوّلاً: أنّها ضمنت استقرار البلاد وأمنها ووحدة ترابها وصيانة حدودها، والتي كان الأعداء يستهدفونها بشكل جادّ، وأوجدت معجزة النصر في حرب السنوات الثماني (الحرب التي فرضها نظام صدّام بدعم أميركي غربي على ايران من 1980 الى 1988)، وهزيمة النظام البعثي وداعميه الأميركان والأوروبيين والمعسكر الشرقي.

ثانياً: أنّها تحوّلت إلى المحرّك الدافع للبلاد في الميادين العلمية والتقنية وإيجاد البنى التحتية الحياتية والاقتصادية والعمرانية، والتي تبرز ثمارها يوماً بعد آخر بشكل أكثر شمولاً. إذ إنّ آلاف المؤسسات المعرفية، وآلاف المشاريع البنيوية والضرورية للبلاد في المجالات العمرانية والنقل والصناعة والطاقة والمناجم والصحّة والزراعة والمياه و..، وملايين الخرّيجين أو الطلبة الجامعيين، وآلاف الوحدات الجامعية في أنحاء البلاد، وعشرات المشاريع الكبرى من قبيل دورة الوقود النووي، والخلايا الجذعية، وتقنية النانو، والتقنية الحياتية وغيرها، والتي تبوّأت فيها إيران المراكز الأولى في العالم، وازدياد صادرات السلع غير النفطية 60 مرّة، وقرابة 10 مرّات عدد الوحدات الصناعية، وتحسّن الصناعات عشرات المرّات من حيث الجودة، وتبديل صناعة المونتاج إلى تقنية محلّية، والتطوّر اللافت في مختلف الفروع الهندسية بما فيها في الصناعات الدفاعية، والتألّق في الفروع الطبّية الهامّة والحسّاسة، وتبوّء مكانة مرجعية فيها، وعشرات النماذج الأخرى من التقدّم، إنّما هي نتيجة تلك الروح، وذلك التواجد، وذلك الشعور الجماعي الذي قدّمته الثورة للبلاد. فإيران ما قبل الثورة، كانت صِفراً في إنتاج العلم والتقنية، وفي الصناعة لم يكن لديها إلّا المونتاج، وفي العلم كانت مهارتها الوحيدة في الترجمة.

ثالثاً: أنّها رقَت بالمشاركة الشعبية في القضايا السياسية كالانتخابات، ومواجهة الفتن الداخلية، والمشاركة في الميادين الوطنية ومقارعة الاستكبار إلى الذروة، وفي المواضيع الاجتماعية من قبيل بذل المساعدات والنشاطات الخيرية التي بدأت قبل الثورة، ساهمت الثورة في مضاعفتها بشكل لافت. فبعد الثورة أصبح المواطنون يتنافسون في تقديم الخدمات وتقديم المساعدات لمواجهة الكوارث الطبيعية والنواقص الاجتماعية.

رابعاً: رفعت مستوى البصيرة والوعي السياسي لأفراد الشعب ونظرتهم تجاه القضايا الدولية بشكل باهر، وأخرجت التحليل السياسي وإدراك القضايا الدولية في مواضيع من قبيل جرائم الغرب وخاصة أميركا، والقضية الفلسطينية والظلم التاريخي للشعب الفلسطيني، وقضية إثارة الحروب وتدخّلات القوى الكبرى في شؤون الشعوب وأمثالها من حكر طبقة محدّدة ومنعزلة تسمّي نفسها طبقة المثقّفين؛ لتُجري التنوير الفكري بين عامّة الشعب، وفي أنحاء البلاد، وعلى كل ميادين الحياة، حتّى أصبحت هكذا قضايا واضحة وقابلة للفهم حتى بالنسبة لليافعين.

خامساً: أثقلت كفّة العدالة في تقسيم الإمكانات العامّة بالبلاد. وإنّ استيائي من أداء العدالة في البلاد هو بسبب أنّ هذه القيمة السامية يجب أن تكون جوهرة على جبين الجمهورية الإسلامية، وهذا لم يتحقّق بعد، ولا يعني هذا أنّه لم يتمّ إنجاز شيء لإرساء العدالة. وفي الحقيقة إنّ إنجازات مكافحة الظلم في هذه العقود الأربعة، لا يمكن مقارنتها مع أيّ فترة سابقة أخرى. ففي النظام البائد كانت أكثر الخدمات وعائدات البلاد تحت تصرّف مجموعة صغيرة من ساكني العاصمة أو أمثالهم في بعض النقاط الأخرى بالبلاد. في حين كان أغلب أهالي المدن وخاصّة المناطق النائية والقرى في قعر القائمة، ومحرومين على الأغلب من الاحتياجات الأوّلية البنيوية، ومن الخدمات.

إنّ الجمهورية الإسلامية تُعدّ من بين أنجح الأنظمة السائدة في العالم في إعادة توزيع الخدمات والثروات من المركز إلى جميع أنحاء البلاد، ومن المناطق المرفّهة في المدن إلى المناطق المحرومة. وإنّ الإحصاءات والأرقام الكبرى في شَقّ الطرق وبناء المساكن وإنشاء المراكز الصناعية وإصلاح شؤون الزراعة وإيصال الطاقة الكهربائية والمياه وبناء المراكز الصحّية والوحدات الجامعية والسدود ومحطّات الطاقة وأمثالها في المناطق النائية بالبلاد، يبعث حقّاً على الفخر؛ ولا شكّ أنّ هذا كلّه لم ينعكس في الإعلام الناقص للمسؤولين، ولم يعترف به المناوئون في الخارج والداخل على ألسنتهم، ولكنّه موجود، ويُعتبر حسنة للمدراء الجهاديّين المخلصين، مسجّلة عند الله وعند الناس. وبالطبع فإنّ العدالة التي نتوقّعها في الجمهورية الاسلامية التي ترغب بأن تُعرّف أنّها تتبع الحكومة العلوية، هي أعلى من ذلك بكثير، والأمل معوّل عليكم أنتم الشباب في تنفيذها...

سادساً: أنّها رفعت من مستوى المعنويات والأخلاق في الأجواء العامّة للمجتمع بشكل لافت. وقد روّج هذه الظاهرة المباركة بشكل أكبر سلوك الإمام الخميني رضوان الله عليه وشخصيته طيلة فترة الكفاح وبعد انتصار الثورة؛ لقد تولّى ذلك الإنسان المعنويّ العارف المتعفّف عن الكماليات المادّية، قيادة بلد يتحلّى شعبُه بجذور إيمانية عميقة وراسخة. ورغم أنّ الماكنة الإعلامية المروّجة للفساد والإباحية وجّهت له (هذا الشعب الايماني) ضربات شديدة طيلة عهد البهلوي البائد، لتوجد بين ظهراني الطبقة المتوسّطة وخاصة الشباب مستنقعاً من قذارات الأخلاق الغربية، إلّا أنّ التوجّه الديني والأخلاقي في الجمهورية الإسلامية، استقطب القلوب النورانية المستعدّة وخاصّة لدى الشباب، وقلبت الأجواء لصالح الدين والأخلاق. وقد ترافق جهاد الشباب في الميادين الصعبة بما فيها الدفاع المقدّس، مع الذكر والدعاء ومعنويات الأخوّة والتضحية، لتحيي قصص صدر الاسلام وتجسّدها أمام أعين الجميع. وقد تخلّى الآباء والأمّهات والأزواج انطلاقاً من شعورهم بالمسؤولية الدينية، عن أحبابهم الذين كانوا يسارعون إلى مختلف جبهات الجهاد، وعندما كانوا يعودون بجثامينهم الدامية أو أجسامهم المعاقة، كان أولئك (الآباء والأمهات والأزواج) يُرفقون المصيبة بالشكر. ولقد ازدهرت المساجد والأماكن الدينية بشكل غير مسبوق. وامتلأت الطوابير بآلاف الشباب والاساتذة والنساء والرجال للمشاركة في الاعتكاف، كما امتلأت طوابير المخيّمات الجهادية وجهاد البناء وتعبئة البناء بآلاف المتطوّعين من الشباب المضحّي. وازدهرت الصلاة والحجّ والصيام والمشي للزيارة، ومختلف المراسم الدينية، والإنفاق والصدقات الواجبة والمستحبة في كلّ مكان وخاصّة بين الشباب، وهي في ازدياد كمّاً ونوعاً يوماً بعد آخر، حتى يومنا هذا. وهذا كلّه حصل في فترة كان السقوط الأخلاقي الغربي المتزايد وأنصاره ودعاياتهم المكثّفة تحاول جرّ النساء والرجال إلى مستنقعات الفساد، وفرض العزلة على الأخلاق والمعنويات في العالم، وهذه معجزة أخرى للثورة والنظام الإسلامي الفاعل الرائد.

سابعاً: برز رمز عظمة الصمود بشكل أكبر يوماً بعد آخر، أمام المتغطرسين والمستكبرين في العالم وفي مقدّمتهم أميركا المجرمة. ففي طيلة هذه الأربعين عاماً، كان الإباء وصيانة الثورة وحراستها وعظمتها وهيبتها الإلهية وشموخها أمام الدول المتكبرة والمستكبرة الميزةَ التي عُرفت بها إيران والإيرانيون، وخاصّة شباب هذا الوطن. إنّ القوى الاحتكارية في العالم التي ترى حياتها دوماً في سلب استقلال سائر الدول ونهب ثرواتها الحياتية، من أجل تحقيق مآربها المشؤومة، اعترفت بعجزها أمام إيران الإسلامية الثورية. وقد تمكّن الشعب الإيراني في أجواء الثورة، في البداية من طرد عميل أميركا العنصر الخائن للشعب، وبعد ذلك وحتى اليوم، حال بكلّ قوّة وبشدّة دون عودة هيمنة متغطرسي العالم على البلاد...

 

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

09/04/2019

الموعود

  عربية

عربية

09/04/2019

عربية

نفحات