مشروع جديد في الإحياء الحضاري

مشروع جديد في الإحياء الحضاري

26/09/2011

مشروع جديد في الإحياء الحضاري

مشروع جديد
في الإحياء الحضاري

د.محمّد عليّ آذرشب*

«المهمَّة الأولى لِأُمَّتنا هي "الإحياء الحضاري". بهذا الإحياء نكون قادرين على استعادة وجودنا على ظهر الأرض سياسيّاً واقتصاديّاً وعسكريّاً، وبهذا الإحياء نتجاوز الخلافات الصغيرة والإختلافات المُفتعَلة».
دعوةٌ يوجِّهها المفكِّر د. آذرشب تستحقّ الوقوف عندها، والتمعُّن في دوافعها والأهداف.

لا يَشكُّ أحد في أنَّ الإحياء الحضاري أهمّ مسؤوليّة يتحمّلها العامِلون في السّاحة الإسلاميّة. فكلُّ ما نُعانيه من مظاهِر التَّخلُّف يجب دراسته في إطار تخلُّفنا الحضاري، وجميع ما نَتطلَّع إليه من عودة إلى السّاحة العالميّة ينبغي أن يكون في إطار الإحياء، إحياء النُّفوس المهزوزة المُنهزمة التي لا تَثِق بِرَبِّها ولا بِنفسها.
الإحياء الحضاري يَضع الأمَّة أمام مسؤوليّاتها الكبرى، ويُوجِّهها نحو معرفة ربّها معرفة حقيقيّة لا سطحيّة، ونحو معرفة ما عندها من إمكانات وطاقات، وبذلك يُعيد إليها الثّقة بنفسها، والإيمان بِقدرتها على مواجهة التحدِّيّات، ويُفجِّر في نفسها الطاقات الخلاَّقة البنّاءة.
في هذا السِّياق بدأنا بخطوة نأمل أن تتواصل، وهي تأسيس «مركز أبحاث مستقبل الحضارة الإسلاميّة»، الذي نَهَض به مجموعة من الأساتذة الجامعيّين بالتّعاون مع «وزارة العلوم والأبحاث والتّقانة» في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة. هذا المركز وَضَع خطّة تجري ضمنها دراسات إجتماعيّة ونفسيّة وإعلاميّة وتعليميّة لِبَحث ما يَرتبِط بالهدف الكبير المذكور؛ هدف الإستئناف الحضاري.
الدِّراسات الحضاريّة في جامعاتنا ومؤسَّساتنا العلميّة كثيرة ولكنّها تسير -وفق المنهج الغربي- باتَّجاه تاريخ الحضارة الإسلاميّة، وكأنّها حضارة سادَت ثمّ بادَت مثل سائر الحضارات القديمة، لكنّنا ننطلق في هذا المركز الحديث من فَرَضيّة ترى أنَّ الحضارة الإسلاميّة تستطيع أن تَعود إلى الحياة إذا تمّ تفعيل العناصر الثقافيّة المُنتِجة للحضارة، بل تستطيع أن تقدِّم إلى العالم مشروعاً حضاريّاً متميِّزاً، يَجمع بين الجانبَين الرُّوحي والمادِّي من حياة الإنسان.
العالم الإسلامي أمام فرصة كبيرة يجب أن يَغتنمها وهي التحرُّك السَّريع نحو الإستئناف الحضاري، وهذه الفرصة الكبيرة تَوفّرت بعدما سَقَط أكبر مشروع فكري حضاري غربي مُتمثِّلاً بالماركسيّة، وها نحن نشهد مظاهر تَصدُّع واضح في مشروع غربي حضاري آخر هو الرأسماليّة.
من هنا، لا بد من التّحرُّك السّريع، وأقول السّريع لأنَّ الضُّغوط الدوليّة التي تواجه العودة الحضاريّة الإسلاميّة هائلة، وعلى رأسها محاولات تعميق الشّعور بالإحباط، وعمليّة الإذلال، وتكريس التخلُّف والتمزُّق والصِّراع البَيْني في عالمنا الإسلامي.
لعلّ توصيات الإستراتيجيّين الأميركيّين بشأن ضرورة الوقوف أمام صحوة الأمّة الإسلاميّة بدأت تأخذ طابعاً أكثر جدِّيّة في السنوات الأخيرة، وهي توصيات تأتي في سياق كلّ التّوصيات التي قدّمها خبراء قوَى الهَيْمنة العالميّة، من بريطانيا، والأجهزة الصهيونيّة.
لقد مارسَت هذه القوَى منذ سقوط العالم الإسلامي عمليّات مدروسة في إذلال المسلمين، وإفراغهم من هويّتهم، وزَرْع رُوح الإحباط والهزيمة في نفوسهم، وتعميق حالة الفقر والجهل والمرض في مجتمعاتهم، وفَرْض الأذلّاء القَتَلة على حكوماتهم، ولا تزال هذه العمليّة متواصلة، لكنّها اتّخذَت طابعاً أكثر جديّة وتطوُّراً مع تصاعد الوعي في عالمنا الإسلامي.
في سياق هذه العمليّات يأتي احتلال فلسطين، والحروب البَيْنِيَّة في المنطقة، وتقسيم البلدان، وزرع بُؤر الأزمات الحدوديّة، وإثارة النِّزاعات القوميّة والطائفيّة، بل وفي هذا السياق يأتي تنظيم المجموعات الإرهابيّة لِتَقتل دونما هدف، ولِتُشَوِّه صورة الإسلام والمسلمين أمام العالم.
هذا هو الذي يدعونا إلى أنْ نقول إنَّ المهمَّة الأولى لِأُمَّتنا هي «الإحياء الحضاري». بهذا الإحياء نكون قادرين على استعادة وجودنا على ظهر الأرض سياسيّاً واقتصاديّاً وعسكريّاً، وبهذا الإحياء نتجاوز الخلافات الصغيرة والإختلافات المُفتعَلة، ليتّجه تفكيرنا نحو ما يَخدم «الإنسان»، أي إنسان.

*رئيس تحرير فصليّة «ثقافتنا»


اخبار مرتبطة

  مجلة شعائر الـعدد الثامن عشر-شهر ذو القعدة 1432 - تشرين الأوّل 2011

مجلة شعائر الـعدد الثامن عشر-شهر ذو القعدة 1432 - تشرين الأوّل 2011

نفحات