قراءة في كتاب

قراءة في كتاب

09/04/2019

السيرة المهدوية المباركة في محراب الشعر

(البرهان على وجود صاحب الزمان) للعلامة الأمين

السيرة المهدوية المباركة في محراب الشعر

ـــــــــــــــــــــــــــــــ قراءة: محمود إبراهيم ـــــــــــــــــــــــــــــــ

 

الكتاب: البرهان على وجود صاحب الزمان

المؤلف: الفقيه السيد محسن الأمين العاملي رضوان الله عليه

الناشر: «المطبعة الوطنية»، الشام 1333 هجرية

طبعة إلكترونية حديثة: «مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهديّ عحّل الله فرجه»، 2013م

 

 

 

إذا كان من تصنيف علمي لكتاب (البرهان على وجود صاحب الزمان) للإمام الراحل السيد محسن الأمين الحسيني العاملي رضوان الله عليه، فلا يسعنا إلّا وضعه في منزلة مخصوصة في التراث المعرفي لأتباع أهل البيت عليهم السلام. أمّا هذه الخصوصية فتعود -كما يتناهى لقارئ هذا الكتاب- إلى مزايا ثلاث:

الأولى: إلى فرادة الأسلوب الذي اعتمده المصنِّف، حيث مضى إلى فضاء الأدب من أجل أن يقارب قضيّة إيمانية وعقائدية وعلمية كقضية الإمامة المنتظَرة لدى المسلمين، والشيعة بوجه خاصّ.

الثانية: إلى فرادة المخاطبة واللغة المعتمدة في شرح القصيدة التي وردت من بغداد في شأن الإمام المهديّ عليه السلام.

الثالثة: إلى فرادة الربط الخلّاق بين الجانب الإيماني والعقائدي والجانب المتعلّق بالتوثيق التاريخي. وهذا أمرٌ يحتاج الى إلمام فريد وغير مسبوق بالجانبين معاً، وعلى القدر نفسه من الإحاطة.

 

القصيدة البغدادية وقصّة الكتاب

تشكّل القصيدة التي وردت من بغداد في شأن الإمام المهديّ المنتظَر عليه السلام محورَ الكتاب، وهي التي سعى السيد الأمين إلى شرحها واعتمادها كموضوع لتظهير الحقّانية الاعتقادية والتاريخية على وجود الإمام الثاني عشر المنتظَر عليه السلام.

في مقدّمته يحكي المؤلّف قصّة القصيدة البغدادية فيقول: «..أمّا بعد، فقد وردت إلى النجف الأشرف على ساكنه السلام أيّامَ مُجاورتنا به قصيدةٌ مِن بغداد لم يُسَمَّ ناظمُها، وهي في شأن الإمام المهديّ القائم المنتظَر عجّل الله فرَجَه، أشار قائلُها إلى الخلاف الواقع في أنّه عليه السّلام وُلِد أو سيُولَد، واختار هو الثاني، مستدلّا عليه بأمورٍ ذكَرَها في قصيدته. فأشار جمعٌ من الأصحاب بأن نُعارضها بقصيدةٍ تكون جواباً لها أُسوةً بمَن انتُدِب لذلك من شعراء النجف الأشرف وأدبائه وغيرِهم، فاستخرتُ اللهَ تعالى ونظمتُ في جوابها قصيدةً على وزن أبياتها وقافيتها، وضمّنتُها بعضَ ما يُثْبتُ إمامةَ الأئمّة الإثني عشر عليهم السّلام، ووجودَ قائمهم وغَيبته من العقلِ والنقل القطعيَّين، والأحاديثِ المُجْمَع عليها عند علماء الفريقين. وأوضَحنا عدمَ دلالة ما ذكَرَه ناظمُ القصيدة على امتناع غَيبته، وأشرنا إلى أسماء بعض مَن وافَقَنا على ذلك من علماء أهل السنّة وأسماء كتبهم، فجاءت بحمد الله تعالى وافيةً بالمأمول، وصادفَتْ عند أهل عصرنا أتمَّ القبول، ثمّ عَلَّقنا على القصيدتين شروحاً لطيفةً ضَمَّنّاها فوائدَ كثيرة، وأوردنا ذلك كلَّه في هذا المجموع المسمّى (البرهان على وجود صاحب الزمان)، وعلى الله نتوكّل وبه نستعين وهو حسبنا ونعم الوكيل».

 

بصدد إجماع المسلمين على وجود الإمام

جاءت الأخبار الصحيحة المتواترة عن الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله أنّ الله تعالى سيبعث في آخر الزمان رجلاً من أهل البيت عليهم السلام يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، وجاء أنّ ظهوره من المحتوم الذي لا يتخلّف، حتّى لو لم يبقَ من الدنيا إلّا يوم واحد، لطوّل الله عزّ وجلّ ذلك اليوم حتّى يظهر.

كيف وأنّى يتخلّف وعدُ الله عزّ وجلّ في إظهار دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون؟ وكيف لا يحقّق وعده للمستضعفين المؤمنين باستخلافهم في الأرض، وبتمكين دينهم الذي ارتضى لهم، وإبدالهم من بعد خوفهم أمناً، ليعبدوه لا يشركوا به شيئاً؟

يذكر السيّد محمد القبانجي مدير «مركز الدراسات التخصّصية حول الإمام المهديّ» في النجف الأشرف أنّ المسلمين كلّهم يُجمعون على أنّ المهديّ المنتظَر عليه السلام من أهل البيت عليهم السلام، وأنّه من ولد فاطمة عليها السلام. وأجمع الإماميّة -ومعهم عدد كبير من علماء السنّة- أنّه من ولد الإمام الحسين عليه السلام، وأجمعوا -ومعهم عدد من علماء السنّة- أنّه عليه السلام من وُلد الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام، فأثبَتوا اسمَه ونعْتَه وهوّيته الكاملة.

فقد اعتقد الإمامية -ومعهم بعضُ علماء السنّة- أنّ المهديّ المنتظَر قد وُلد فعلاً، وأنّه حيّ يرزق، لكنّه غائب مستور، وماذا تُنكر هذه الأمّة أن يستر الله عزّ وجل حجّته في وقت من الأوقات؟

وماذا تُنكر أن يفعل الله تعالى بحجّته كما فعل بيوسف عليه السلام، أن يسير في أسواقهم، ويطأ بُسُطهم وهم لا يعرفونه، حتّى يأذن الله عزّ وجلّ له أن يُعرّفهم بنفسه كما أذِن ليوسف ﴿قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي..﴾ يوسف:90.

وهنا نقرأ مجموعة من الروايات حول هذا الاعتقاد، أبرزها استعادة لـ«حديث الثّقلين» المتّفق عليه بين جميع المسلمين، سنّةً وشيعة، وهو يتضمّن الوصية بكتاب الله تعالى وعِترته، حيث أخبر صلّى الله عليه وآله بأنّهما لن يفترقا حتّى يرِدا عليه الحوض، ثمّ أنّه سيكون من بعده اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش، وأنّ عدد خلفائه عدد نقباء موسى عليه السلام.

وإذا كان الله تعالى لم يترك جوارح الإنسان حتّى أقام لها القلب إماماً لتردّ عليه ما شكّت فيه، فيقرّ به اليقين ويبطل الشكّ، فكيف يترك هذا الخلق كلّهم في حيرتهم وشكّهم واختلافهم لا يقيم لهم إماماً يردّون إليه شكّهم وحيرتهم؟ وحقّاً ﴿..فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ الحج:46.

ولا ريب في هذا الصدد من أنّ للعقيدة الشيعيّة في المهديّ المنتظر عليه السلام -وهي عقيدة قائمة على الأدلّة القويمة العقليّة والنقليّة- رجحاناً كبيراً على عقيدة من يرى أنّ المهديّ المنتظَر لم يولد بعد، يقرّ بذلك كلّ من ألقى السمع وهو شهيد إلى قول الصادق المصدّق صلّى الله عليه وآله: «مَن مات ولم يعرفْ إمامَ زمانه، مات ميتةً جاهليّة». ناهيك عن أنّ من معطيات الاعتقاد بالإمام الحيّ أنّها تمنح المذهب غناءً وحيويّة لا تخفى على من له تأمّل وبصيرة.

ولا ريب أنّ إحساس الفرد المؤمن أنّ إمامه معه يعاني كما يعاني، وينتظر الفرج كما ينتظر، سيمنحه ثباتاً وصلابة مضاعفة، ويستدعي منه الجهد الدائب في تزكية نفسه وتهيئتها ودعوتها إلى الصبر والمصابرة والمرابطة، ليكون في عداد المنتظِرين الحقيقيّين لظهور مهديّ آل محمّد عليه وعليهم السلام، خاصّة وأنّه يعلم أنّ اليُمن بلقاء الإمام لن يتأخرّ عن شيعته لو أنّ قلوبهم اجتمعت على الوفاء بالعهد، وأنّه لا يحبسهم عن إمامهم إلّا ما يتّصل به ممّا يكرهه ولا يؤثره منهم.

ثمّ يُعرب عن يقينه بأنّ أحداً لا يماري في فضل الإمام المستور الغائب -غَيبة العنوان لا غيبة المعَنون- في تثبيت شيعته وقواعده الشعبية المؤمنة وحراستها، كما لا يماري في فائدة الشمس وضرورتها وإنْ سترها السحاب. كيف، ولولا مراعاته ودعاؤه عليه السلام لاصطلمها الأعداء ونزل بها اللأواء، لا يشكّ أحد من الشيعة أنّ إمامه أمانٌ لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمانٌ لأهل السماء.

وقد وردت روايات متكاثرة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام تنصبّ في مجال ربط الشيعة بإمامهم المنتظَر عليه السلام، وجاء في بعضها أنّه عليه السلام يحضر الموسم فيرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه، وأنّه عليه السلام يدخل عليهم ويطأ بُسُطَهم، كما وردت روايات جمّة في فضل الانتظار، وفي فضل إكثار الدعاء بتعجيل الفرج، فإنّ فيه فرجَ الشيعة.

منهجية الكتاب

في سياق بيانه للمنهجية التي اعتمدها لتأليف هذا الكتاب يقول العلاَّمة الأمين أنّه وفّق لإتمام هذه القصيدة مع ما علّقه عليها من الشرح من خلال جملة من الترتيبات المنهجية منها: طريقة اعتماد الحاشية الممزوجة مع أبيات القصيدة، وهي الطريقة التي سار عليها الأوّلون من المحقِّقين المسلمين الذين انتهجوا شرح الأرجوزات، سواء في الدروس الفلسفية والمنطقية، أو في المقرّرات الأصولية والفقهية، وذلك لتيسير الفهم على الطلبة أو القراء.

ثمّ يشرح المؤلّف طريقة الإخراج فيقول: «لقد طبعنا منه أوّلّا عدّة كراريس بصفة الحاشية لنسياننا النسخة المشروحة، ثمّ عثرنا عليها فطبعنا الباقي على طريقة المزج، وكان الفراغ من تبييضها بعد ظهر يوم الثلاثاء الخامس عشر من شهر ربيع الثاني سنة ١٣٢٨هـ ثمان وعشرين بعد الألف وثلاثمائة من الهجرة النبوية بدمشق المحروسة بعد أن فرغنا من تسويدها في النجف الأشرف الغرويّ قبل ذلك التاريخ بما يزيد من عشر سنين، وكانت نحواً من مائة وخمسين بيتاً فزدنا عليها ونقّصنا منها حتى بلغت الآن ثلاثمائة بيت وتسعة أبيات على يد ناظمها وشارحها العبد الفقير إلى عفو ربّه الغنيّ، محسن بن المرحوم السيد عبد الكريم بن عليّ بن محمّد الأمين ابن أبي الحسن موسى بن حيدر بن أحمد الحسيني العاملي، نزيل دمشق الشام حامداً مصلّياً مسلّماً».

لا ريب في أنّ خصوصية هذا الكتاب تشكّل إضافة متميّزة في المدوّنات الإسلامية حول الإمام الحجّة عليه السلام، لكنّها تشكّل أيضاً علامة فارقة وسط المؤلّفات الشيعية التي تناولت سيرة الإمام عليه السلام، بما أُلحق فيها من أسانيد قرآنية وأحاديث شريفة وروايات موثوقة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام.

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

09/04/2019

الموعود

  عربية

عربية

09/04/2019

عربية

نفحات