الملف

الملف

11/05/2020

وقائع معركة حنين

وقائع معركة حنين

ثمّ كانت غزاة حنين، استظهر رسول الله صلّى الله عليه وآله فيها بكثرة الجمع، فخرج عليه السلام متوجّهاً إلى القوم في عشرة آلاف من المسلمين، فظنّ أكثرهم أنهم لن يُغلبوا لما شاهدوه من جمعهم وكثرة عدّتهم وسلاحهم، وأَعجب أبا بكر الكثرةُ يومئذٍ، فقال: «لن نُغلب اليوم من قلّة»، فكان الأمر في ذلك بخلاف ما ظنّوه..

فلمّا التقوا مع المشركين لم يلبثوا حتّى انهزموا بأجمعهم، فلم يبقَ منهم مع النبيّ صلّى الله عليه وآله، إلّا عشرة أنفس: تسعة من بني هاشم خاصّة، وعاشرهم أيمن بنُ أمّ أيمن، فقُتل أيمن رحمه الله، وثبت تسعة النفر الهاشميون حتّى ثاب إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله من كان انهزم، فرجعوا أوّلاً فأوّلاً، حتّى تلاحقوا، وكانت الكرّة لهم على المشركين. وفي ذلك أنزل الله تعالى..: ﴿..لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ..﴾ التوبة:25-26، يعني أميرَ المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، ومَنْ ثبت معه من بني هاشم يومئذٍ وهم ثمانية.. وقد ولّت الكافّة مدبرين سوى مَن ذكرناه..

ولمّا رأى رسول الله صلّى الله عليه وآله هزيمة القوم عنه، قال للعباس رضي الله عنه -وكان رجلاً جهورياً صيّتاً: «نادِ في القوم وذكّرهم العهد». فنادى العبّاس بأعلى صوته: «يا أهل بيعة الشجرة، يا أصحاب سورة البقرة، إلى أين تفرّون؟ اذكروا العهد الذي عاهدتم عليه رسولَ الله صلّى الله عليه وآله»، والقوم على وجوههم قد ولّوا مدبرين، وكانت ليلة ظلماء، ورسول الله في الوادي، والمشركون قد خرجوا عليه من شعاب الوادي وجنباته ومضايقه مُصْلتين بسيوفهم وعُمُدهم وقِسيّهم.

قالوا: فنظر رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى الناس ببعض وجهه في الظلماء، فأضاء كأنّه القمر ليلة البدر. ثمّ نادى المسلمين: «أين ما عاهدتُم الله عليه؟» فأسمعَ أوّلَهم وآخرهم، فلم يسمعها رجل إلّا رمى بنفسه إلى الأرض، فانحدروا إلى حيث كانوا من الوادي، حتّى لحقوا بالعدوّ فواقعوه.

قالوا: وأقبل رجل من هوازن على جمل له أحمر، بيده راية سوداء في رأس رمح طويل أمام القوم، إذا أدرك ظفراً من المسلمين أكبّ عليهم، وإذا فاته الناس رفعه لمن وراءه من المشركين فاتّبعوه، وهو يرتجز ويقول:

أنا أبو جرول لا براح           

حتى نبيح القوم أو نُباح

        

       

فصمد له أمير المؤمنين عليه السلام فضرب عجز بعيره فصرعه، ثمّ ضربه فقطره، ثمّ قال:

قد علم القوم لدى الصباح

أنّي في الهيجاء ذو نصاح

     

                  

فكانت هزيمة المشركين بقتل أبي جرول لعنه الله.

ثمّ التأم المسلمون وصفّوا للعدوّ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «اللهمّ إنّك أذقتَ أوّل قريش نَكالاً فأذِقْ آخرَها نوالاً». وتجالد المسلمون والمشركون، فلمّا رآهم النبيّ عليه وآله السلام، قام في ركابي سرجه حتّى أشرف على جماعتهم وقال: «الآن حمي الوطيس:

أنا النبيّ لا كذب          

أنا ابن عبد المطلب»

 

 

فما كان بأسرع من أن ولّى القوم أدبارهم، وجيء بالأسرى إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله مكتّفين.

ولمّا قتل أميرُ المؤمنين عليه السلام أبا جرول وخُذل القوم لقتله، وضع المسلمون سيوفَهم فيهم، وأميرُ المؤمنين عليه السلام يقدُمُهم حتّى قتلَ أربعين رجلاً من القوم، ثمّ كانت الهزيمة والأسر حينئذ "..".

وقسّم رسول الله صلّى الله عليه وآله غنائم حنين في قريش خاصّة، وأجزل القسَم للمؤلّفة قلوبهم كأبي سفيان بن حرب، وعكرمة بن أبي جهل ..

وقيل: إنّه جعل للأنصار شيئاً يسيراً.. فغضب قومٌ من الأنصار لذلك، وبلغ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله عليهم مقالٌ سخطه، فنادى فيهم، فاجتمعوا ثمّ قال لهم: «اجلسوا، ولا يقعد معكم أحدٌ من غيركم». فلمّا قعدوا جاء النبيّ عليه السلام يتبعه أمير المؤمنين عليه السلام حتّى جلس وسطهم، فقال لهم: «إنّي سائلكم عن أمر فأجيبوني عنه.

فقالوا: قل يا رسول الله.

قال: ألستم كنتم ضالّين فهداكم الله بي؟ 

قالوا: بلى، فللّه المِنّة ولرسوله.

قال: ألم تكونوا على شفا حفرة من النار، فأنقذكم الله بي؟

قالوا: بلى، فللّه المنّة ولرسوله.

قال: ألم تكونوا قليلاً فكثّركم الله بي؟

قالوا: بلى، فللّه المنّة ولرسوله.

قال: ألم تكونوا أعداء فألّف الله بين قلوبكم بي؟!

قالوا: بلى، فللّه المنّة ولرسوله.

ثمّ سكت النبيّ صلّى الله عليه وآله هُنيهة، ثمّ قال: ألا تجيبوني بما عندكم؟

قالوا: بمَ نجيبك فداك آباؤنا وأمّهاتنا، قد أجبناك بأنّ لك الفضل والمنّ والطَّول علينا.

قال: أما لو شئتم لقلتم: وأنتَ قد كنت جئتنا طريداً فآويناك، وجئتنا خائفاً فآمنّاك، وجئتناً مكذّباً فصدّقناك.

فارتفعت أصواتُهم بالبكاء، وقام شيوخهم وساداتهم إليه فقبّلوا يديه ورجليه، ثمّ قالوا: رضينا بالله وعنه، وبرسوله وعنه، وهذه أموالنا بين يديك، فإن شئت فاقسمها على قومك، وإنّما قال مَن قال منّا على غير وَغَرِ صدرٍ وغِلّ في قلب، ولكنّهم ظنّوا سخطاً عليهم وتقصيراً بهم، وقد استغفروا الله من ذنوبهم، فاستغفر لهم يا رسول الله.

فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: اللهمّ اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، ولأبناء أبناء الأنصار..».

اخبار مرتبطة

نفحات