الملف

الملف

11/05/2020

مناقب أمير المؤمنين عليه السلام في حنين

مناقب أمير المؤمنين عليه السلام في حنين

انظر الآن إلى مناقب أمير المؤمنين عليه السلام في هذه الغزاة، وتأمّلها وفكّر في معانيها، تجده عليه السلام قد تولّى كلّ فضل كان فيها، واختصّ من ذلك بما لم يشركه فيه أحد من الأمّة، وذلك أنّه عليه السلام، ثبت مع النبيّ صلّى الله عليه وآله عند انهزام كافّة الناس، إلّا النفر الذين كان ثبوتهم بثبوته عليه السلام، وذلك أنّا قد أحطنا علماً بتقدّمه عليه السلام في الشجاعة والبأس والصبر والنجدة، على العباس، والفضل ابنه، وأبي سفيان بن الحارث، والنفر الباقين، لظهور أمره في المقامات التي لم يحضرها أحد منهم، واشتهار خبره في منازلة الأقران وقتل الأبطال، ولم يُعرف لأحد من هؤلاء مقام من مقاماته، ولا قتيل عُزيَ إليهم بالذكر. فعُلم بذلك أنّ ثبوتهم كان به عليه السلام، ولولاه كانت الجناية على الدين لا تُتلافى، وأنّ بمقامه ذلك المقام وصبره مع النبيّ عليه وآله السلام، كان رجوع المسلمين إلى الحرب وتشجّعهم في لقاء العدوّ.

ثمّ كان مِن قتْله «أبا جرول» متقدّم المشركين، ما كان هو السبب في هزيمة القوم وظفر المسلمين بهم، وكان مِن قتله عليه السلام الأربعين الذين تولّى قتلهم الوهنُ على المشركين، وسبب خذلانهم وهلعهم، وظفر المسلمين بهم. "..".

وكان من صلاح أمر الأنصار بمعونته [عليه السلام] للنبيّ صلّى الله عليه وآله في جمعهم وخطابهم، ما قوي به الدين وزال به الخوف من الفتنة التي أظلّت القوم بسبب القسمة، فساهم رسولَ الله صلّى الله عليه وآله في فضل ذلك وشرَكه فيه دون مَن سواه. وتولّى [عليه السلام] مِن أمْر «العباس بن مرداس» ما كان سببَ استقرار الإيمان في قلبه، وزوال الرَّيب في الدين من نفسه، والانقياد إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، والطاعة لأمره، والرضا بحُكمه.

ثمّ جعل رسولُ الله صلّى الله عليه وآله الحُكم على المعترض في قضائه علَماً على حقّ أمير المؤمنين عليه السلام في فِعاله، وصوابه في حروبه، ونبّه على وجوب طاعته وحظر معصيته، وأنّ الحقّ في حَيزه وجَنبته، وشهد له بأنّه خير الخليقة "..".

ولمّا فضّ اللهُ تعالى جمع المشركين بحنين، تفرّقوا فرقتين: فأخذت الأعراب ومَن تبعهم إلى أوطاس، وأخذت ثقيف ومَن تبعها إلى الطائف. فبعث النبيّ صلّى الله عليه وآله «أبا عامر الأشعري» إلى أوطاس في جماعة منهم أبو موسى الأشعري، وبعث «أبا سفيان صخر بن حرب» إلى الطائف.

فأمّا أبو عامر، فإنّه تقدّم بالراية وقاتل حتّى قُتل، فقال المسلمون لأبي موسى: أنت ابن عمّ الأمير وقد قُتل، فخُذ الراية حتّى نقاتل دونها، فأخذها أبو موسى، فقاتل المسلمون حتّى فتح الله عليهم. وأمّا أبو سفيان فإنّه لقيه ثقيف فضربوه على وجهه، فانهزم ورجع إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله، فقال: بعثتَني مع قوم لا يُرقع بهم الدلاء من هذيل والأعراب، فما أغنَوا عنّي شيئاً، فسكت النبيّ صلّى الله عليه وآله عنه.

ثمّ سار [صلّى الله عليه وآله] بنفسه إلى الطائف، فحاصرهم أيّاماً، وأنفذ أميرَ المؤمنين عليه السلام في خَيل، وأمره أن يطأ ما وجد، ويكسر كلّ صنم وجده. فخرج حتى لقيتْه خيل خثعم في جمع كثير، فبرز له رجل من القوم يقال له شهاب، في غبش الصبح، فقال: هل من مبارز؟

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: مَن له؟

فلم يقُم أحد، فقام إليه أمير المؤمنين عليه السلام، فوثب أبو العاص بن الربيع زوج بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقال: تُكفاه أيّها الأمير.

فقال: لا، ولكن إن قُتلتُ فأنت على الناس.

فبرز إليه أمير المؤمنين عليه السلام، وهو يقول:

إنّ على كلّ رئيس حقّاً 

أن يروي الصعدة أو تدقّا

   

              

ثمّ ضربه فقتله، ومضى في تلك الخيل حتّى كسر الأصنام، وعاد إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو محاصِر لأهل الطائف. فلمّا رآه النبيّ عليه وآله السلام كبّر للفتح، وأخذ بيده فخلا به وناجاه طويلاً"..".

ثمّ خرج من حصن الطائف «نافع بن غيلان بن معتب» في خيل من ثقيف، فلقيه أمير المؤمنين عليه السلام ببطن وج [وج: الطائف] فقتله، وانهزم المشركون ولحق القوم الرعب، فنزل منهم جماعة إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله فأسلموا، وكان حصار النبيّ صلّى الله عليه وآله الطائف بضعة عشر يوماً. وهذه الغزاة أيضاً ممّا خصّ الله تعالى فيها أمير المؤمنين عليه السلام، بما انفرد به من كافّة الناس، وكان الفتح فيها على يده، وقُتل مَن قُتل من خثعم به دون سواه، وحصل له من المناجاة التي أضافها رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى الله -عزّ اسمه- ما ظهر به من فضله وخصوصيته من الله عزّ وجلّ بما بان به من كافّة الخلق "..".

 

من مشاهد «يوم حُنين»

* في (كنز العمال: 10/540) للمتّقي الهندي، عن البراء بن عازب، قال: «...فأقبلَ القومُ إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله... فنزل رسولُ الله صلّى الله عليه وآله فاستنصرَ ودعا، وهو يقول: (أنا النبيُّ لا كَذِبْ، أنا ابنُ عبدِ المطّلب، اللّهُمّ أنْزِلْ نصرَك)...وكنّا واللهِ إذا احمرَّ البأسُ نتّقي به، وإن الشجاعَ الذي يُحاذي به».

* وفي (مجمع الزوائد للهيثمي: 6/180)، عن أنَس بن مالك، قال: «لما كان يومُ حنين... قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: الآن حَمِيَ الوطيس، وأخذَ كفّاً من حصًى أبيض، فرمى به وقال: (هُزموا وربِّ الكعبة)، وكان عليّ بن أبي طالب أشدَّ الناسِ قتالاً بين يدَيه».

* (أمالي) الشيخ الصدوق (ص 314)، عن جابر بن عبد الله، قال: استبشرتِ الملائكةُ يومَ بدرٍ وحُنين بكشفِ عليٍّ عليه السلام، الأحزابَ عن وجه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فمَن لم يستبشر برؤية عليٍّ عليه السلام، فعليه لعنةُ الله».

* وفي (كشف الغطاء) عند تعداد غزوات النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «ومنها: غزوة حُنين، وفيها عجب أبو بكر من كَثرتهم، حتّى نزلت فيه الآية. وقد فرّ المسلمون سوى تسعة من بني هاشم، أقدمهم –أي أكثرهم إقداماً وأشدّهم جرأة- عليّ عليه السلام، وهو واقفٌ بين يدَي النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقد قتل فيها من المشركين أربعين رجلًا، فوقع فيهم القتل والأسر».

اخبار مرتبطة

نفحات