صاحب الأمر

صاحب الأمر

منذ أسبوع

الرِّقّة والحزن سِمة المنتظِرين

غَيبتُك نفتْ رُقادي

الرِّقّة والحزن سِمة المنتظِرين

  • المحدّث الشيخ عبّاس القمّي

إنّ الاعتقاد الحارّ بوجود قائد إلهيّ، هو أحد أوصياء رسول الله صلّى الله عليه وآله، ادّخره الله تعالى ليظهر دينه على الدين كلّه، من شأنه أن يبعث الحرارة في كلّ مفردات المعتقد. ومن مظاهر تلك الحرارة الشوق للقاء الامام المهديّ عليه السلام، والحزن لطول غيابه، والتأسّف لما يلاقيه المستضعفون قبل قيام دولته.

بين يدَي القارئ، روايات في هذا السياق، أوردها المحدّث الجليل الشيخ عباس القمّي رحمه الله، في الجزء الثاني من كتابه (منتهى الآمال في تواريخ النبيّ والآل).

«شعائر»

 

على الموالي والمنتظِر لظهور الحجّة بن الحسن عليه السلام، أن يكون مهموماً مغموماً لأجل الإمام عليه السلام في زمن الغَيبة، وذلك لأمور، منها:

* غيابه عليه السلام عنّا بحيث لا نتمكّن من الوصول إليه وإنارة أبصارنا بالنظر إلى جماله، فقد رُوي في (عيون الأخبار) عن الإمام الرضا عليه السلام في ضمن حديث يتعلّق بالحجّة عليه السلام، أنّه قال: «بأبي وامّي سَمِيّ جدّي وشبيهي وشبُيه موسى بن عمران عليه السلام، عليه جيوبُ النور تتوقّد بشُعاع ضياءِ القُدس، كم من حرّى مؤمنةٍ وكم من مؤمنٍ متأسّفٍ حيرانَ حزين، عند فقدان الماء المَعين».

ونقرأ في دعاء الندبة: «عزيزٌ عَلَيَّ أن أرى الخلقَ ولا تُرى، ولا أسمع لك حَسيساً ولا نَجوى، عزيزٌ عَلَيَّ أن تُحيطَ بكَ دونيَ البلوى ولا ينالَك منّي ضجيجٌ ولا شكوى. بنفسي أنتَ من مُغَيَّبٍ لم يخلُ منّا، بنفسي‏ أنت من نازحٍ ما نزحَ عنّا، بنفسي أنت أمنيّةُ شائقٍ يتمنّى؛ من مؤمنٍ ومؤمنةٍ ذكرا فحنّا...»؛ إلى آخر الدعاء الذي هو نموذج لمناجاة من ارتشف من كأس محبّته عليه السلام.

* عدم تمكّنه عليه السلام من إجراء الأحكام والحقوق والحدود، ورؤيته أنّ حقّه في يد غيره، فقد رُوي عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال لعبد الله بن ظبيان: «يا عبدَ الله: ما من عيدٍ للمسلمين -أضحى ولا فطر- إلّا وهو يتجدّدُ فيه لآل محمّدٍ حزنٌ.

قلت: فلمَ؟ قال: لأنّهم يَرونَ حقَّهم في يدِ غيرِهم‏».

* ظهور جمعٍ من لصوص الدين وقطّاع طريق المذهب من كمينهم، وبَثّهم الشكوك والشبهات في أفكار العوامّ، بل والخواصّ، حتّى خرج الناس من الدين أفواجاً وعجزَ العلماء الحقيقيون عن إظهار علومهم، وتحقّقَ ما حدّث الصادقون عليهم السلام بوقوعه:

روى الشيخ النعمانيّ، عن عميرة بنت نفيل أنّها قالت: «سمعت الحسين بن عليّ عليه السلام يقول: (لا يكون الأمرُ الذي تنتظرونه حتّى يبرأ بعضُكم من بعض، ويتفلَ بعضُكم في وجوه بعض، ويشهدَ بعضُكم على بعضٍ بالكفر، ويلعنَ بعضُكم بعضاً.

- فقلت له: ما في ذلك الزمان من خير؟

- فقال الحسين عليه السلام: الخير كلّه في ذلك الزمان، يقوم قائمُنا ويدفعُ ذلك كلّه».

ورُوي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال لمالك بن ضمرة: «يا مالك بن ضمرة: كيف أنتَ إذا اختلفتِ الشيعة هكذا؟ -وشبّك أصابعه وأدخل بعضها في بعض.

- فقلت: يا أمير المؤمنين ما عند ذلك من خير؟

- قال: الخير كلّه عند ذلك يا مالك، عندَ ذلك يقوم قائمُنا فيقدّم سبعين رجلاً يكذِبون على الله وعلى رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فيقتلهم، ثمّ يجمعُهم اللهُ على أمرٍ واحد».

***

وروي أيضاً عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: «لَتُمَحّصُنّ يا شيعةَ آلِ محمّدٍ... يُصبِحُ الرجلُ على شريعةٍ من أمرنا ويُمسي وقد خرجَ منها، ويُمسي على شريعةٍ من أمرِنا ويُصبِحُ وقد خرجَ منها».

وروي أيضاً عن سدير الصيرفيّ، أنّه قال: «دخلتُ أنا والمفضّل بن عمر، وأبو بصير، وأبان بن تغلب على مولانا أبي عبد الله الصادق عليه السلام، فرأيناه جالساً على التراب... وهو يبكي بكاء الواله الثّكلى... قد نال الحزن من وجنتيه، وشاع التغيّر في عارضَيه، وأبلت الدموع مِحجرَيه‏، وهو يقول:

سيّدي غَيبتُك نفتْ رُقادي، وضيّقت عليّ مهادي، وابتزّت منّي راحة فؤادي. سيّدي غَيبتُكَ أوصلتْ مصابي بفجائعِ الأبد...

قال سدير: فاستطارت عقولنا وَلَهاً... فقلنا: لا أبكى اللهُ يا ابن خير الورى عينيك، من أيّ حادثة تستنزف دمعتك وتستمطر عبرتك؟...

فقال الصادق عليه السلام: ... إنّي نظرت في كتاب الجفْر صبيحة هذا اليوم... وتأمّلتُ منه مولدَ قائمنا، وغَيبته، وإبطاءه، وطولَ عمره، وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان، وتولّدَ الشكوك في قلوبهم من طول غَيبته، وارتدادَ أكثرهم عن دينهم، وخلْعهم ربقة الإسلام من أعناقهم التي قال الله تقدّس ذكره: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ...﴾، يعني الولاية، فأخذتني الرقّةُ واستولتْ عَلَيَّ الأحزان...».‏ الاسراء:13

ويكفي هنا هذا الخبر الشريف، فبما أنّ تفرّق الشيعة وابتلاءهم في أيّام الغَيبة، و انقداح الشكوك في قلوبهم كان سبباً لبكاء الإمام الصادق عليه السلام، ونحيبه، وسهره قبل وقوع الغَيبة بسنين، فحريٌّ بالمؤمن المبتلى بهذه الداهية، والغارق في هذا البحر الموّاج الهائل أن يُديم البكاء، والنّوح، والنحيب، والحزن، والهمّ، والغمّ، والتضرّع إلى الله تعالى.

 

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  تاريخ و بلدان

تاريخ و بلدان

منذ أسبوع

تاريخ و بلدان

نفحات