إحذروا الأمريكيين الجدد!

إحذروا الأمريكيين الجدد!

منذ 3 أيام

محاولة جديدة وخطيرة لإشعال نار الفتنة الطائفية في لبنان والمنطقة. مقال نشر هذا اليوم في جريدة السفير المطبوعة ولكنه لم ينشر على موقع الجريدة على الشبكة.

محاولة جديدة وخطيرة لإشعال نار الفتنة الطائفية في لبنان والمنطقة. مقال نشر هذا اليوم في جريدة السفير المطبوعة ولكنه لم ينشر على موقع الجريدة على الشبكة.


وهذا هو النص الحرفي للمقال المذكور الذي  نشر في جريدة "السفير" البيروتية

 بتاريخ 29 أيار 2006 – العدد 10403 - صفحة 5


محليات

 في الأساس

ماذا حدث ل" السمع السياسي " السعودي؟

نهاد المشنوق


جاءني الإتصال في الوقت المناسب. كأن التوقيت مقصود. كنت أتفرج في منتصف الأسبوع الماضي على التلفزيون السعودي يعرض الوفود القبلية والعشائرية والشخصية من حيث حاجتها يخاطبون كل بدوره العاهل السعودي الجالس وحوله عدد قليل من الأمراء والمسؤولين. هذه عادة عند الملك عبد الله كما قبله من الملوك السعوديين بفتح الديوان الملكي يوماً في الأسبوع لحضور الوفود من مختلف المناطق دون مواعيد ودون حاجز للكلام المباشر بين الملك وشعب مملكته. تنتهي الكلمات عادة برسالة خطية تحدد طلبات الوفد القادم من منطقته أو الشخص الملحّ على حاجته.

تقصدت الإبقاء على القناة السعودية الأولى والإستماع لبعض كلمات الوجهاء الذين يتقدمون وفود مناطقهم ويتحدث باسمهم أكثرهم فصاحة وقدرة على المديح بمليكه واختيار الأوصاف التي ترضي سامعه إلى حد الإبتكار. تتوالى الكلمات وتتراكم رسائل الحاجات إلى درجة تتساءل معها هل ما تراه هو ديوان ملكي سعودي نفطي يفيض دخله عن ميزانيته أسبوعياً مع ازدياد أسعار النفط، أم أن أصحاب الحاجات يتبعون دولة أخرى وجدوا في الديوان ملجأ يقصدونه لتلبية حاجاتهم الملحة؟

كنت أفترض إضافة إلى السمع من أصدقاء سعوديين أو لبنانيين يعيشون في السعودية ويعرفون مداخلها الملكية أن الديوان المفتوح ولو ليوم واحد في الأسبوع هو مساحة تقليدية بدويّة للديموقراطية يستطيع ضيفها السعودي قول ما لا يستطيع قوله في أي مكان آخر غير متاح طبعاً. هذا مع الحفاظ على دقة الكلام وعدم تجاوز المحرمات في حضرة الملك.

الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان يحدثني عن مناداة زعماء القبائل للملك باسمه. هكذا تعودوا منذ أيام الملك عبد العزيز مؤسس المملكة وما استمروا عليه من بعده في أولاده من الملوك.

الصورة العامة للملك عبد الله الذي استلم المُلك حديثاً بعد أن كان يمارسه لسنوات طويلة من مرض المغفور له الملك فهد. الصورة العامة لا توحي بأن لدى العاهل السعودي ضعفاً تجاه المديح بل أن قدميه ثابتتان في أرض الوقائع والإشتباكات السياسية والحاجات الإجتماعية التي تعانيها السعودية بعد تراكم سنوات طويلة من انحسار الدور وازدياد الحاجات الإجتماعية لشعب متهم بأن فقيره غني فكيف بصاحب الثروة فيه؟

لكن لا بد من الإعتراف بأن حجم الأزمات التي تحيط بالسعودية داخلياً وخارجياً في السنتين الأخيرتين يفوق بتأثيره وقدرته ما عرفته المملكة في السنوات العشرين الأخيرة بما فيها الحرب العراقية – الإيرانية.

كان الجيش العراقي بقيادة صدام حسين في ذلك الوقت يعطي القيادة السعودية في عهد فهد بن عبد العزيز الإحساس بالقدرة على الفصل بين الثورة الإيرانية وانتشارها وبين استقرار السعودية. لذلك لم يبخل الملك فهد بشيء في يده لدعم صدام إلى حد اعتباره واحداً من العائلة على حد قول أحد المقربين. حتى جاء احتلال الكويت. انتهت هذه المرحلة بحسناتها وسيئاتها ودخلت منطقة الشرق الأوسط والعالم إلى قراءة جديدة لخريطة المنطقة السياسية جعلت كل دولة على حدة تعيد حساباتها السياسية وخريطتها الأمنية. فهل فعلت السعودية؟

صديقي السعودي على الخط بعد غياب طويل دام أكثر من سنتين. وهو صاحب إمارة باللقب إنما لا علاقة له بالإدارة. تصح فيه صفة صاحب رأي. إذ أنه منفتح. متواضع. يحب الحياة. ليبرالي بأسرع من رغبة القيادة السعودية. يكتب ويقرأ بغزارة تجعله متقدماً بين الكتبة والمثقفين وأصحاب الرأي في السعودية. مخلص لعائلته الملكية وللنظام بتفهم لطبيعة مجتمعه. رفض تسميته في هذا الحوار لأسباب احتفظ بها لنفسه.

بادرته بالسؤال: ما الذي ذكّرك بي؟

أجاب وهو يضحك: تريد أن تصف نظامنا بالهرم في مواجهة الأنظمة الشابة ولا تسمع صوتنا.

قلت له هذه عاداتكم أنتم. كتبت مرات ومرات عن الأمير سلطان وكرمه وعن الملك عبد الله وتاريخه. دافعت عن مبادرتكم تجاه لبنان في وجه أعز الأصدقاء. ناصرت موقفكم من المشروع الإيراني قبل حديث الأمير سعود الفيصل في نيويورك وغير ذلك الكثير خلال مدة تقل عن سنة. لم أسمع منكم شيئاً، كلمة واحدة تصف الأمور بما هي عليه تتصل لتعتب وكأنك صاحب حق.

سأجيبك على أسئلتك قبل أن تطرحها. هكذا أسهّل عليك وعليّ الأمور. هل تشك بأن هناك مشروعاً إيرانياً في المنطقة بدأ مع الإحتلال الأمريكي للعراق؟ وأن لهذا المشروع نظاماً متماسكاً في طهران بعد انتخاب الرئيس أحمدي نجاد الشاب المحاط بأهل خبرة ونشاط ورغبة بالإمتداد. والمحمي من آية الله علي خامنئي المرشد العام للثورة. يعتدّ هذا النظام أنه الإتصال المباشر ببداية الثورة أيام آية الله الخميني. وأن ما بينهما من رئاسات وإدارات هو خطأ تاريخي لا يجوز أن يتكرر. تفرجتم على ما يحدث في العراق على أنه أعقد من قدرتكم على التدخل. واعتبرتم أنكم غير مؤهلين على اللعب في ساحة يتداخل فيها الأميركي بالإيراني والشيعي بالسنّي والعربي بالكردي.

ماذا كانت النتيجة؟

شكوى مريرة من الملك عبد الله أمام كل زواره الأجانب من تهريب السلاح عبر الحدود السعودية – العراقية. أنت تعلم أن طولها يبلغ 900 كيلومتر وأن ضبطها بالوسائل التقليدية غير ممكن. الآن بدأت شركة أميركية بتنفيذ أسلاك شائكة ممغنطة على الحدود بعقد قيمته مليارات الدولارات.

هل تعتقد أن هذا هو الحل. إن الإدارة السياسية والأمنية الحكيمة هي التي تقفز إلى منبع الخطر وتجاهد بمالها ورجالها ونفوذها قبل أن يصلها الخطر فتصبح جزءاً من الطاولة العراقية التي تتخذ في كل مرحلة شكلاً مختلفاً. هناك الكثير من أبواب العشائر والقبائل المفتوحة التي يعرفها رجالكم أكثر مني. لماذا انكفأتم عن الإتصال بها. لا ينقصكم شيء من الحق في فعل ذلك. سواء عبر أهل السنّة حيث العلاقات التاريخية أو عبر العشائر المختلطة التي تفتش عن راعٍ لها. فكيف براعٍ سعودي. اعتقدتم أن شكوككم العلنية من إيران تستنهض دولاً غربية. لكن هذه الدول بما فيها واشنطن تفتش عن قاموس غير متوفر للحوار مع طهران أو حتى لتهديدها بعملية عسكرية كبرى. المهم تركتم العراق خطراً يحدد الطرف الإيراني استعماله ودخلتم في محادثات متقطعة وطويلة مع علي أكبر ولايتي وزير الخارجية السابق والمستشار للشؤون الخارجية في مكتب مرشد الثورة.

لم تثمر المفاوضات نتيجة. استبدلتم المحاور الإيراني فصار يلتقي علي لاريجاني المسؤول عن الملف النووي والمفاوض المحنك رئيس المخابرات السعودي الأمير مقرن بن عبد العزيز ومسؤول الأمن القومي الأمير بندر بن سلطان. النتيجة؟

يقول المسؤولان السعوديان أنهما يتوسمان خيراً من المحادثات مع لاريجاني.

مقابل ماذا؟ الدفعة الأولى هي التزام السعودية عدم تسهيل أية عملية عسكرية ضد إيران. وقد أبلغ هذا الإلتزام إلى الإدارة الأميركية.

الموقف من حيث المبدأ سليم. ولكن ماذا أخذتم بالمقابل؟ لا شيء. إذ أن إيران التي تخوض حرب مشروعها لا تملك شيئاً تعطيه لأحد. إلا ربما بعض التطمينات الأمنية.

كل هذا وأنتم مشغولون بثمانية وعشرين سعودياً تعتبرونهم من الأوائل في الخطر على الأمن الداخلي. وكلما وقع منهم واحد أو أكثر في يد الأمن السعودي رحّب كبار المسؤولين السعوديين بالخطوة الأمنية وكأنها آخر الأخطار. لا يجوز التقليل من خطر هذه المجموعة التي اعتقلت كلها أو من بقي منها حياً. ولا شك بأن الترحيب الرسمي المبالغ به يريح المواطنين. ولكن هل هم فعلاً آخر الأخطار؟

جاءت الإنتخابات الفلسطينية. انتصرت حركة حماس الإسلامية بأصوات الناس وجوعهم وقهرهم. أغلقت واشنطن الدنيا عليها. لا مال. لا مرتبات. لا تلبية لأي حاجة فلسطينية. ذهب المسؤولون في " حماس " إلى الدول العربية مستنجدين وإلى طهران أيضاً. هذا مع العلم أن العلاقات بين " حماس " والنظام الإيراني سابقة للإنتخابات التي أثبتت صحة مراهنة الإيرانيين. إيران أعلنت تبرعها بمائة مليون دولار " لحماس " والسعودية تحسبت للقرار الأمريكي فالتزمت الحد الأدنى من المساعدة. اتخذ الهلال الشيعي صفة هلال الأزمات بعد انضمام حماس السنّية إليه.

أنت تعلم يا صاحب السمو أنني لست من المتحمسين للحركات الإسلامية والدينية عموماً ولكن في السياسة ليس هناك من حلال وحرام. هل تجد في الموقف السعودي من حماس سابقاً ولاحقاً حكمة أو تحسباً للمستقبل. ألم تقرأ منذ أيام البيان المصري الذي يقول بأن مفجّري عملية ينبع تدربوا وموّلوا في غزة في مناطق حماس دون أن تكون حماس مسؤولة مباشرة عن العملية على حد قول البيان المصري. إذا قلنا بأن العراق مُكلف ومعقّد فإن فلسطين وأهلها مكان طبيعي وشرعي للمال السعودي. أم أن على العمليات العسكرية والتفجيرية أن تزداد حتى نكتشف أن جزءاً من مكمن الخطر يقع في أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية، فيكون الأوان قد فات كما حدث في العراق.

نأتي إلى لبنان الذي يعيش منذ أربعة عشر شهراً فراغين. الأول اغتيال الرئيس رفيق الحريري وموجة الإستنكار العارمة التي رافقت العملية عربياً ودولياً موجهة الإتهام نحو دمشق. والثاني الإنسحاب السوري العسكري والأمني من لبنان. صارت القوى السياسية بعد الإنتخابات النيابية تموج كما البحر بين مد وجزر دون استقرار.

جاءت المبادرة السعودية لتواجه بالرفض ممن يفترض بهم أنهم أهلها بطلب من السفير الأميركي. تراجعت القيادة السعودية عن دورها في التقريب بين بيروت ودمشق. مرة لأن اللبنانيين بالغوا على عادتهم في رفض هذا الدور ومرة أخرى بسبب عدم ثقة القيادة السعودية بالتجاوب الصادق من الرئيس بشار الأسد.

تراجع الدور السعودي وتراجع معه الدور اللبناني الرافض للدور السوري المتقدم. ولولا أن للسعودية سفيراً متميزاً لم يعرف لبنان مثله من أيام الفريق علي الشاعر هو الدكتور عبد العزيز خوجة لاختفى الحضور السعودي من الساحة اللبنانية. يحتفي السياسيون اللبنانيون بزيارة السفير خوجة ومنطقه الدبلوماسي إلى حد الإعتقاد بأن الدور السعودي مالئ الدنيا وشاغل الناس.

اعتذر سعد الحريري ووليد جنبلاط عن رفض المبادرة سراً وعلانية وبقي الدور في الثلاجة بانتظار الدراسة والتمعّن والأمان.

هل تعلم يا سمو الأمير – وأنا أعلم أنك تعلم – أن هناك عائلات في مناطق سنّية مثل طرابلس وعكار يجري إغراؤها وإقناعها للتشيع سياسياً على الأقل. وأن في فلسطين ومصر حالات مماثلة يعرف عنها الرئيس حسني مبارك. وأن هناك عمليات مماثلة في قرى الشريط الحدودي اللبنانية السنّية أيضاً.

هل وصلك الكتيّب الذي وزّع في الجنوب في عيد تحرير الأراضي اللبنانية من الإحتلال الإسرائيلي يتحدث عن علائم ظهور المهدي المنتظر وأن العلامة الثانية عشرة الكبرى تتحدث عن آخر حكام الحجاز واسمه الملك عبد الله. وفي العلامة التاسعة عشر الأخيرة يسيطر الإمام المهدي المنتظر على مكة وحرمها. هل تعلم أن أستاذاً إيرانياً نقل لأصدقائه اللبنانيين أن الرئيس أحمدي نجاد يوسع الطرقات ويزيد إنارة طهران بانتظار وصول المهدي.

قد يكون الهدف من هذا الكلام والكتيب الذي صدر عن دار نشر غير معروفة التعبئة الشعبية في أوساط المتدينين. ولكنه يبقى حقيقة معبّرة عن مدى استعداد هلال الأزمات لاستعمال كل الإمكانيات لنجاح مشروعهم الشاب. آخر خبر من الأسبوع الماضي وصول خمسمائة مقاتل من الحرس الثوري الإيراني إلى لبنان عبر دمشق. لماذا؟ لا أحد يعرف حتى الآن.

هل تعلم أن السفير الإيراني في الكويت دعا وجهاء الشيعة دون غيرهم من الكويتيين للإجتماع بهم. مصدر الخبر؟ أمير الكويت شخصياً.

أطلت عليك – يا سمو الأمير – إنما أود أن ألفت نظرك إلى أن الخرائط السياسية والأمنية في دول هلال الأزمات غير منفصلة. ما تراه طهران يحدث في العراق، يتجلى في سوريا، يصارع في فلسطين، يزدهر في لبنان.

الدليل على ذلك ما قاله رئيس مصلحة تشخيص النظام في إيران هاشمي رفسنجاني بعد زيارته إلى دمشق أنه بحث مع الرئيس الأسد استمرار التعاون في لبنان والعراق وفلسطين.

الأمر الثاني أن لبنان هو المختبر الحقيقي لكل عمليات الإرهاب التي تدرب عليها اللبنانيون وغيرهم خبرة وقدرة وفعلاً منذ العام 1973 حتى الآن.

هل عليّ أن أذكّرك بأن الرئيس الحريري اغتيل وهو المبادر والقادر والمفاوض، وأن نجله سعد لا يزال يتلمس طريقه، وأن وليد جنبلاط الزعيم السنّي بالإعارة سجين المختارة؟

من يرد أن يعوض ما فاته في العراق، وما لم يجده في سوريا، وما لن يسمعه من طهران، فعليه أن يكون حاضراً في لبنان وإلا فإنه سيفقد السمع السياسي لما يحدث في المنطقة. إنني أستنهض حين أصف المواجهة بين الأنظمة الهرمة والمشروع الشاب وأستنجد حين أصف المغادرة السعودية لمواقعها في العالم العربي.

هل تعودتم فقدان سمعكم السياسي؟

يبدو أن صديقي السعودي هو الذي احتاج إلى معالجة سمعه. إذ أنه أقفل الخط على وعد باتصال ثان لم يحصل حتى الآن.

***

وقد نشر في أخر المقال صوراً منها صورتان للمنشورين اللذين ذكر أنهما وزعا في الجنوب - بوعمه - بعد التحرير، أحدهما رواية حول عبدالله والثانية حول حكم الإمام مكة وحرمها.


***

ملاحظة: ولاحقاً تم تنزيل هذا المقال في موقع السفير على الشبكة. يمكن قراءته على الرابط التالي:

http://www.assafir.com/iso/today/asas/2507.html

اخبار مرتبطة

نفحات