وقعة الطفّ

وقعة الطفّ

26/11/2011

وقعة الطفّ

وقعة الطفّ
رواية أبي مِخْنَف الأَزْدي
___________ قراءة: سلام ياسين__________

 

الكتاب: وقعة الطفّ (مقتل الإمام الحسين عليه السلام).
المؤلّف: لوط بن يحيى الأزدي الكوفي، المتوفّى سنة 157 هجريّة، المكنّى بأبي مِخْنَف.
تحقيق: الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي.
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي، قمّ المقدّسة.

 

يُعدُّ هذا الكتاب الذي دُوِّن في النصف الأوّل من القرن الثاني للهجرة، أوّلَ مؤلَّفٍ يعرض لمُجريات النهضة الحسينيّة، إلّا أنّه لم يصل إلينا على صورته الأصليّة، وإنّما منقولات عنه أثبتها المؤرّخون في موسوعاتهم، لا سيّما الطبري في تاريخه، والشيخ المفيد في (الإرشاد)، وسبط ابن الجوزي في (تذكرة الأُمّة).
إلى ذلك، يمتاز الكتاب بكوْن مؤلّفه شيخ أصحاب الأخبار في الكوفة، حاضرةِ الأحداث الجِسام التي سبقت، وواكبت، وتَلَت وقعة الطفّ الأليمة.
المؤلِّف

لوط بن يحيى بن سعيد بن مِخنف الأزدي الغامدي الكوفي، صاحب المؤلّفات الكثيرة في التاريخ، خصوصاً تاريخ العراق. وُلد -على ما يُستفاد من القرائن- حدود سنة 65 للهجرة، وتوفّي –على الأرجح- سنة 157 أيّام إمامة أبي الحسن الكاظم عليه السلام.
كان جدّه [جدّ أبيه] «مِخْنَف» من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله، ثمّ صحب أمير المؤمنين عليه السلام، وشهد معه «الجمل» و«صِفّين»، وعدّ ابنُ شهرآشوب في (معالم العلماء) وآخرون أباه يحيى من جملة أصحاب أمير المؤمنين والحسنين عليهم السلام.
وصفَ الشيخ النجاشي في (رجاله) [أبا مخنف، لوطاً] بأنّه: «شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ووجهُهم، وكان يُسكن إلى ما يرويه، روى عن جعفر بن محمّد عليه السلام، وقيل إنّه روى عن أبي جعفر عليه السلام ولم يصح». أمّا الشيخ الطوسي فقد صحّحة في (الفهرست) وعدّه في (رجاله) في جملة أصحاب الإمام الصادق عليه السلام.
خلاصة ما في المصادر، أنّ أبا مخنف عاصر الإمام السجّاد، والباقر، والصّادق، والكاظم عليهم السلام، لكنْ لم تصح روايته بلا واسطة عن أحدٍ منهم، ما خلا روايته عن الإمام الصادق عليه السلام.
من كُتبه –فضلاً عن الكتاب الذي نحن بصدده- (المغازي)، (الردّة)، (فتوح الإسلام)، (فتوح العراق)، (صِفِّين)، (النهروان)، (أخبار المختار)، (أخبار الحجّاج بن يوسف الثقفي)، وغيرها.
وعموماً، فإنّ سواد المؤرّخين المتأخّرين كانوا عيالاً على أبي مِخنف، فقد اختصروا كُتُبَه في مؤلّفاتهم في التاريخ: كالواقدي في (فتوح الشام)، وابن قتيبة في (الإمامة والسّياسة)، والأندلسي في (العقد الفريد)، والشهرستاني في (الملل والنّحل)، وابن الأثير في (الكامل)، وأبي الفداء في (تاريخه)، وغيرهم كثير.

متى جُمع الكتاب


يرى المحقّقون أنّ أبا مِخنف بدأ بجمع وقائع السيرة الحسينيّة في أوائل المائة الثانية من الهجرة، وذلك من ألْسِنة مَن شهد الأحداث بنفسه، وممّن سمع منهم مباشرة أو بالواسطة، فكان كتابه أوّلَ مصدرٍ مدوّن للواقعة، وقد رواه عنه تلميذه هشام بن محمّد بن السائب الكلبي الكوفي (ت 206 هجريّة)، الذي ذكره الشيخ النّجاشي في (رجاله) وقال فيه: «..وكان يختصّ بمذهبنا وله الحديث المشهور، قال: اعتللتُ علّةً عظيمةً نسيتُ علمي، فجئتُ إلى جعفر بن محمّد عليه السّلام فسقاني العلم في كأس، فعاد إليّ علمي».

رواة المقتل


يقسّم محقق الكتاب الشيخ الغروي مَن روى عنهم أبو مخنف كتابه في مقتل الحسين عليه السلام إلى ستّ فئات، ثمّ يُورد ترجماتهم.
وعند تعداده الأسماء ضمن الفئة الواحدة يُشير إلى الخبر أو الأخبار المرويّة عن راوٍ بعينِه، الأمر الذي جعل من قائمة الفئات الستّ فهرساً تفصيليّاً بالكتاب.
أمّا تقسيم الفئات، فجاء كالتالي:
* الأولى: تحتوي على أسماء مَن شهد المعركة، وحدّث عنها أبا مِخْنف مباشرةً وبلا واسطة، وهم ثلاثة رجال: ثابت بن هبيرة - يحيى بن هاني بن عروة - زهير بن عبد الرحمن الخَثْعمي.
* الثانية: أيضاً تحتوي على أسماء مَن شهد المعركة، وأبو مِخْنف يروي عنه بواسطة أو واسطتين، وهم خمسة عشر رجلاً [لم نذكر أسماءهم ولا أسماء الرواة في سائر الفئات مراعاة للإختصار].
* الثالثة: تحتوي على أسماء مَن باشر الأحداث من قَبل كربلاء أو بعدها، وحدّث عنها أبا مِخْنف مباشرةً، وهم خمسة أشخاص.
* الرابعة: تحتوي على أسماء مَن باشر الأحداث من قبل كربلاء أو بعدها، وأبو مِخْنف يروي عنه بواسطة أو واسطتين، وهم واحد وعشرون شخصاً.
* الخامسة: تحتوي على أسماء الرواة الوسائط الذين لمْ يشهدوا المعركة ولم يباشروا الأحداث، وإنّما هم وسائط لحديث أبي مِخْنف عن أولئك، وهم تسع وعشرون شخصاً.
* السّادسة: تحتوي على أربعة عشر إسماً من أسماء الرواة العدول من الأئمّة عليهم السّلام، أو من أولادهم أو أصحابهم، وهؤلاء ليسوا ممّن شهد المعركة ولا مَن باشر الأحداث، فهؤلاء أيضاً من الرواة الوسائط، إلاّ أنّهم لمْ يحدّثوا بواسطة، أو لمْ يصرّحوا بالواسطة.

محتوى الكتاب


الكتاب الذي بين أيدينا هو ما نقله الطبري (المجلد الخامس من الطبعة الأحدث) عن هشام الكلبي عن أبي مخنف عن رواته، وهو عبارة عن مجلّد واحد من 227 صفحة، تشتمل على الهوامش بما فيها تحقيقات الشيخ محمّد هادي الغروي، والتي تتضمّن تراجم مختصرة للأعلام الواردة أسماؤهم في المقتل، وتعريفاً بالبلدان، ومقارنة ما في رواية الطبري بما في سائر المصادر.
أمّا أحداث الكتاب، فتبدأ بخبر وصيّة معاوية بن أبي سفيان لِيزيد، ويحذّره فيها ممّن يتوقّع معارضتهم له عندما يتولّى السلطة، وعلى رأسهم الإمام الحسين عليه السلام، ثمّ خبر موت معاوية وتولية يزيد الحكم، وإرساله إلى والي المدينة يأمره بأخذ البيعة من الإمام ولو بالشدّة، إلى سائر مجريات الأحداث في المدينة، والتي أفضت إلى ترك الإمام عليه السلام لها متوجّهاً إلى مكّة المكرمة، وما حدث معه في الطريق إليها، والمكاتبات التي صارت بينه وبين أهل الكوفة لمّا علموا بخروجه، وإرساله عليه السلام ابن عمّه مسلم بن عقيل إليهم، ثم شهادة مسلم وهانئ بن عروة بعد مقدم ابن زياد إلى الكوفة.
بعد ذلك يُورد خبر خروج الإمام عليه السلام من مكّة، والمنازل التي مرّ بها في طريقه إلى العراق، ومن التقاهم خلالها، وخبر التحاق زهير بن القين بالإمام، ثم لقاؤه عليه السلام بالحرّ بن يزيد الرياحي، ثمّ اضطراره للنزول بكربلاء، ووصول جيش ابن زياد بقيادة عمر بن سعد إليها، والمباحثات التي جرت بين الإمام وبينه.
وتمضي أحداث المقتل في سرد تفاصيل دقيقة عما جرى في تلك الأيام، سيّما في يوم العاشر وليلته. وآخر ما ينتهي إليه المقتل هو خبر السبايا وما جرى معهم في الكوفة والشام، وخبر رؤوس الشهداء المحمولة إلى يزيد، ثم عودة الموكب إلى المدينة.
المقتل المزوّر
جرى في العهود المتأخّرة تداولُ كتاب في مقتل الامام الحسين عليه السلام، يُنسب إلى أبي مِخنف، لم يُعلم متى ظهر لأوّل مرّة، ومَن هو واضعه.
وقد صرّح كلٌّ من المحدّث الشيخ عبّاس القمّي والسيد عبد الحسين شرف الدين رضوان الله عليهما بعدم نسبة الكتاب إلى أبي مخنف.
يقول الإمام شرف الدين: «.. الكتاب المتداول في مقتله عليه السّلام، المنسوب إلى أبي مِخْنف، قد اشتمل على كثير من الأحاديث التي لا علم لأبي مِخْنف بها ".." وقد كثُرت عليه الكذّابة».
ويقول المحدّث القميّ: «لأبي مِخْنف كتب كثيرة في التاريخ والسِيَر، منها كتاب (مقتل الحسين عليه السّلام)، ".." وأمّا المقتل الذي بأيدينا وينسب إليه فليس له، بل ولا لأحد من المؤرّخين المعتمدين، ومن أراد تصديق ذلك فلْيُقابل ما في هذا المقتل وما نقله الطبري وغيره عنه حتّى يعلم ذلك».
أمّا أوجُهُ القول بنفي نسبة المقتل المتداول إلى أبي مخنف، فقد عدّ المحقّق الشيخ الغروي عشرين خطأً فاضحاً في هذا المقتل المزوّر، نكتفي بذكر أربعة منها:
1- يُفاجأ القارئ في أوّل صفحة بهذه الغلطة الفاضحة: «قال أبو مِخْنف: حدّثنا أبو المنذر هشام عن محمّد بن سائب الكلبي»! فترى أبا مِخْنف هنا -وهو شيخ هشام- ناقلاً عن هشام تلميذه، فيا تُرى كمْ كان جامع هذا الكتاب جاهلاً بتراجم الرجال.
2ـ يقول في موضع آخر: «وروى الكليني في حديث». فليت شعري مَن هذا الذي يروي عن الكليني المتوفّى سنة 329 هجريّة، وقد توفّي أبو مِخْنف سنة 157 هجريّة؟!
3ـ وينفرد في حديث مقتل مسلم بقوله: «لمّا قُتل مسلم وهاني إنقطع خبرهما عن الحسين عليه السّلام، ".." فجمع أهله وأمرهم بالرحيل إلى المدينة، ".." فأتى قبر رسول الله صلّى الله عليه وآله وبكى بكاءً شديداً ». وليس لهذا الخبر أيّ أصل أو أثر في أيّ كتاب.
4ـ ويذكر في قصّة الحرّ الرياحي أبياتاً هي لعبيد الله بن الحرّ الجُعفي، صاحب قصر بني مقاتل، ولا يتنبّه إلى عدم تناسبها مع حال الحرّ إذ يقول فيه: «وقف على أجسادهم وقبورهم». فواجهلاً من جامع هذا الكتاب!
**
كتاب (وقعة الطّف) للعلّامة المحقّق الكبير الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي، إنجازٌ نوعي، يجدر بخطباء المنبر الحسيني اعتباره مصدراً رئيساً يُمكِّن من حُسنِ التعامل مع مرويّات أبي مِخنف الموثّقة.



اخبار مرتبطة

  أنا قتيلُ هذا الغربِ المُتوحِّش

أنا قتيلُ هذا الغربِ المُتوحِّش

  القلب والحظوظ الدنيويّة

القلب والحظوظ الدنيويّة

  دورياات

دورياات

26/11/2011

دورياات

نفحات