مدينة سامرّاء...

مدينة سامرّاء...

22/02/2012

مدينة سامرّاء...

مدينة سامرّاء...
من عَبَق التاريخ يفوحُ أريجُ الإمامة

______تحقيق: أحمد الحسيني______

هي من المُدُن العراقيّة القديمة والمقدَّسة، تضمّ تربتها الزّكيّة الإمامَين العسكريّين عليهما السلام، وفيها وُلد الإمام الحجّة المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف. عُرفت بطِيب هوائها، وعذوبة مائها، وقلّة دائها. تزخر بالآثار العربيّة والإسلاميّة، وكانت مركزاً مهمّاً للعلوم والفنون الإسلاميّة ثمّ هُجِرت.
ما يلي، تحقيق عن مدينة سامرّاء يلقي الضَّوء على روايات تَسْمِيَة المدينة، ومراحل بنائها، ومحطّات مهمّة من تاريخها.
  

إذا كانت سامرّاء قد اكتَسبت شهرتها السياسيّة في الحاضرة العبّاسية بصفتها عاصمة للخلافة الإسلاميّة زمن المعتصم العبّاسي، فإنّها اكتسَبت قداستها الدِّينيّة ومكانتها العلميّة، لوجود مقام الإمامَين العسكريَّين عليّ الهادي والحسن العسكري عليهما السلام، وعدد مِن المزارات وقبور الأولياء، وازدهار الحركة العلميّة فيها لوجود الحوزة الدِّينية لفترة من الزّمن، فاستطاعت أن تنهض من كبوتها بعدما دمّرها المغول بفضل زوّار العتبات المقدّسة، ما جعل الحياة فيها لا تتوقّف، حيث ازدهرت الحركة العمرانيّة والتجاريّة حول المقام الشريف.

الموقع والحدود


تقع سامرّاء على الضفّة الشرقيّة لنهر دجلة، على خطّ طول 43 درجة و45 دقيقة، وعلى خطّ عرض 34 درجة و35 دقيقة. وتبعد أكثر من 120 كلم إلى الشمال من العاصمة بغداد. يحدّها من الشمال تكريت، ومن الشّرق بعقوبة، ومن الجنوب بغداد، ومن الغرب الرّمادي، ومن الشمال الغربي الموصل، ومن الجنوب الشرقي ديالى. وهي تتبع حاليّاً قضاء تكريت في محافظة صلاح الدّين، علماً أنّها كانت قضاءً يَتبع محافظة بغداد عند تأسيس الدولة العراقيّة الحديثة، ثمّ استَحدث النّظام السابق محافظة صلاح الدّين أوائل السبعينيّات، لتضمّ كلّ المدن التابعة لقضاء سامرّاء ومُدن وقرى أخرى من محافظتَي نينوى وكركوك. وقد بُنيت على أطلال مدينة سُرّ مَن رأى العبّاسيّة.


عدد السّكان


أظهرت التّقديرات السكّانيّة لعام 2007 م أنّ عدد سكان سامرّاء بلغ  نحو 205674 نسمة؛ يشكِّل الذُّكور 50.7% (104337) والإناث 49.3% (101337) من مجموع السكّان. وتشير الإحصائيّات السكّانيّة إلى أنَّ الشباب هم الفئة الأكبر عدداً بين سكّان المدينة في الوقت الرّاهن، ومن المتوقّع استمرار هذه الظّاهرة في السّنوات القادمة. وتعدّ سامرّاء مِن أسرع المدن العراقيّة نموّاً سكّانيّاً حيث يتضاعف عدد سكّانها على نحو كبير، ويُتوقّع بلوغهم المليونين بحلول عام 2020 م.

تبدّل سامرّاء


تقع مدينة سامرّاء الحاليّة على الضفة اليسرى من نهر دجلة على مسافة 130 كيلومتراً شمالي بغداد، وهي تبعد زهاء 175 كيلومتراً عن بغداد بطريق النهر، وقد بُنيت على أطلال مدينة سرّ من رأى العباسيّة، وتمتدّ على طول نهر دجلة إلى أبعاد شاسعة، ولا شكّ أنّ هذه المساحة الهائلة تجعل مدينة (سرّ من رأى) في عداد أكبر مدن العالمَين القديم والحديث. غير أنّ هذا الإزدهار العجيب لم يستمرّ مدّة طويلة لأنّ المدينة تفقد صفة العاصمة التي كانت علّة وجودها وعامل كيانها قبل أن يمضي نصف قرن على نشأتها، فأخذت في الإقفرار والإندراس بسرعة هائلة لا تضاهيها سرعة. وبعد أن كان الناس يسمّونها باسم سر من رأى أضحوا يسمونها ساء من رأى. وبعد أن كان الشعراء يتسابقون في مدح قصورها أخذوا يسترسلون في رثاء أطلالها. وفي الواقع ماتت سامراء ميتة فجائيّة بعد عمر قصير لم يبلغ نصف القرن وأَمْسَت رسوماً وأطلالاً.


 
سامرّاء اليوم

تشتهر سامرّاء بالزراعة، حيث بساتين الحمضيّات، كما أنّها مدينة تجاريّة، وفيها مصنع مهمّ لتصنيع الأدوية، وفيها الصناعات الخفيفة كصناعة الأنسجة القصبيّة من سِلال وحُصُر وغيرها، وتشتهر بثروتها الحيوانيّة.


وسامرّاء هواؤها نقي، وتربتها خصبة، لوقوعها على نهر دجلة، وعن مناخها قال يوماً الإمام عليّ الهادي عليه السلام: «أُخرجتُ إلى سرّ من رأى كُرهاً، ولو أُخرجتُ عنها أُخرجتُ كُرهاً، فقيل له: لمَ يا سيّدي؟ قال: لِطِيب هوائها، وعذوبةِ مائها، وقِلّة دائها».
وتكثر في سامرّاء المساجد، وتنشط فيها الحركة الدينيّة لوجود العتبة العسكريّة المقدّسة [راجع  التحقيق عنها في «شعائر» العدد الحادي عشر]، ونعيد التّذكير أنّ الإمام الهادي عليه السّلام أقام في محلّة العسكر في سامرّاء بعدما استقدمه المتوّكل من المدينة المنوّرة سنة 233 هجريّة/848 م. وابتاع داراً وسكن فيها مدّة 18عاماً، وعندما توفّي دُفن في إحدى حجراتها سنة 254 هجريّة/868 م. كما سكن الإمام الحسن العسكري عليه السلام في هذه الدار مدّة 23 عاماً، ثمّ دُفن بجوار أبيه عليه السلام سنة 260 هجريّة/873 م. وفي هذا العام توفّيت السيّدة نرجس والدة الإمام المنتظر عجّل الله تعالى فرجه ودُفنت خلف قبرَي الإمامين عليهما السلام.
وفي سنة 274 هجريّة/887 م توفّيت السيدة حكيمة بنت الإمام الجواد عليه السلام فدُفنت بجوار أخيها، كما دُفن عدد من أهل بيت العسكريَّين في هذه الدّار.
أمّا «السّرداب»، فهو تابعٌ لهذه الدّار وله قدسيّته بصفته جزءاً من الدّار، وفيه ولد الإمام المنتظر المهديّ عجل الله تعالى فرجه، وليس له مزية عند الشِّيعة إلّا تشرّفه بِسُكنى ثلاثة من أئمّة أهل البيت عليهم السلام.
ونشطت السِّياحة في سامراء لمعاينة الآثار العبّاسية التي ما زالت ماثلة إلى اليوم، كدار الخليفة، واختلف المؤرّخون والكُتّاب حول مُسمّى قصر الخليفة، فذكره بعضهم بأسماءٍ عدّة، كَبَيت الخليفة، أو دار العامّة، أو الجوسق الخاقاني، إلى غير ذلك. أمّا مُسمّى دار الخليفة فذكرته مديريّة الآثار العراقيّة في كتاب (آثار سامرّاء)، وذكرت أنّ التّنقيبات التي قام بها «فيوليه» في سنة 1910، وأعقبه في سنة 1911 العالم «هرتسفلد»، حيث قام بتنقيبات واسعة النّطاق دامت عدّة سنوات، شملت كلّاً من دار الخليفة، وقصر بلكوارا، والمسجد الجامع، وتلّ العليق، مع نحو خمس عشرة داراً مِن دُور السّكنى الخصوصيّة. وهناك المنارة الملويّة التي أقامها المتوكّل للمسجد الجامع الكبير بعد توسعته، ويعدّ اليوم أكبر جامع أثري في العالم، والمئذنة الملويّة تتألّف من خمس طبقات تتناقص سِعتُها بالإرتفاع. والدّرج سعته متران وهو بعكس عقارب السّاعة وعدد درجاته تبلغ حوالي 399 درجة، والإرتفاع الكلّي للمئذنة يبلغ حوالي خمسين متر.
ومِن الآثار المهمّة مسجد أبي الدّلف. وأبو دلف هذا، هو القاسم بن عيسى بن إدريس بن معقل بن عمير، عاش في زمن المأمون والمعتصم وتوفّي سنة 213 هجريّة على الأرجح قبل خلافة المتوكّل.
وهناك قصر العاشق أو المعشوق، وهو القصر الذي بناه المعتمد العبّاسي لكنّه لم يُقم به طويلاً وانتقل أخيراً إلى بغداد.
فعلى الرُّغم من قِصَر الفترة الزّمنيّة التي عاشتها سامرّاء، والتي استمرّت 50 عاماً، إلَّا أنّها تميَّزت بالتّصميم الرائع، والفنّ العجيب، والزّخرفة البديعة، والسّاحات الفسيحة، والأروقة العديدة، والحمّامات والسّراديب، وغير ذلك.

سامرّاء في التاريخ

1-  الإسم: يرجّح الّلغويون المعاصرون أنّ سامرّا إسم آراميّ، وهو في أصله مقصور كسائر الأسماء الآراميّة بالعراق مثل كربلا، ثمّ أضيفت الهمزة في آخرها في مراحل تاريخيّة لاحقة من تاريخ اللّغة العربيّة.
ويشير كتاب (سامراء) لدار الآثار العراقيّة وكتاب هرتسفلد: Geschichte der Stadt Samarra- P:1-3 إلى أنّ اسمها ورد في الكتابات الآشوريّة بصورة «سورمارتا» Su-ur-ma-ta
وقيل إنّ لفظ سامرّاء ارتبط باسم مدينة بناها سام بن نوح، فنُسِبت إليه فقيل: سام رآه، أي طريق سام، بالفارسيّة. 
ووَرد في الصّحاح للجوهري (مادّة رأى) «سامَرّا: المدينة التي بناها المعتصم، وفيها لغات: سُرَّ مَنْ رَأَى، وَسَرَّ مَنْ رَأَى، وَساءَ مَنْ رَأى، وَسامَرّا، عن أحمد بن يحيى ثعلب وابن الأنباري».
يذكر الحموي في غير موضع في (معجم البلدان) أسماء سامرّاء مستشهداً بأشعار لكلِّ إسم، من ذلك: سُرّاء، بضمِّ أوّله وتشديد ثانيه والمدّ، إسم من أسماء سرّ من رأى .... قال الزجّاجيّ: قالوا كان إسمها قديماً ساميرا، سمّيت بسامير بن نوح كان ينزلها لأنّ أباه أقطعه إيّاها، فلمّا استحدثها المعتصم سمّاها سرّ من رأى... وقيل بل هو موضع عليه الخراج، قالوا بالفارسيّة ساء مره أي هو موضع الحساب. أهـ.
وقال حمزة الأصفهاني: كانت سامراء مدينة عتيقة من مدن الفرس تُحمَل إليها الإتاوة التي كانت موظّفة لِملِك الفرس على ملِك الرُّوم ودليل ذلك قائم في إسم المدينة، لأنّ «سا» إسم الإتاوة و«مرّة» اسم العدد، والمعنى أنّه مكان قبض عدد جزية الرُّوم. أهـ.
ويُمكن الإستنتاج أنّ إسم هذه المدينة قديم، فإنْ لم يكن هناك دليل على أنّها بُنيت زمن نوح عليه السلام، فإنّها عُرفَت زمن الآشوريّين والبابليّين، ثمّ حُوّر وعدّل الإسم بحسب اللّغات والأزمان حتى استقرّ نهائياً على سامرّاء في العصر الحديث.

* وكانت تُعرَف أيضاً بالعسكر؛ قال الفيروز آبادي: «عسكر إسم سرّ مَن رأى، وإليه نُسب العسكريَّان أبو الحسن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر وولدُه الحسن، وماتا بها».

إلّا أنَّ تسمية المدينة بسُرَّ من رأى غلبت على جميع التّسميات في الماضي، لأنّ المعتصم أراد التّفاؤل على عادة العرب، فقال: نسمّيها سُرَّ من رأى، بعدما قيل له إنّ إسم هذا المكان سامرّا.
وممّا نظمه الشعراء في الأسماء المتعدّدة لمدينة سامرّاء:
قال السيّد صالح البغدادي في قصيدته الميميّة في مدح الإمام عليّ الهادي عليه السلام:
وعاش بـسامراء عشرينَ حِجةً  يُجَرَّعُ مِن أعـداهُ سـمَّ الأراقمِ
  وسامرا مقصوراً، ومنه قول ابن حمّاد:
وفـي غربيِّ بـغـدادٍ وطوسٍ  وسامـرا نجـومٌ ظـاهـراتُ
ومنه شعر عضد الدولة البويهي:
وفـي أرض بغدادٍ قبورٌ زكيّةٌ  وفي سرّ مَن را معدِنُ البركاتِ

2- بناؤها: بُنيت سامرّاء الحاليّة على أنقاض سرّ من رأى العبّاسيّة التي بنيت بدورها على أنقاض مستوطنة قديمة محاطة بخندق يليه سُور، وممّا يدلّ على ذلك أعمال التّنقيب التي كشفت في تلّ الصّوّان الأثريّ على الضفّة الشرقيّة لنهر دجلة الذي يبعد حوالى 10 كلم عن سامرّاء، ويعود تاريخه إلى الألف السّادس قبل الميلاد. وكشف التنقيب، في الستّينيّات من القرن العشرين، عن قرية كانت عامرة في العصر الحجري الحديث، عاش أهلها على زراعة الحبوب لخبرتهم بالريّ ومدّ القنوات، كما دجّنوا الحيوانات الأليفة، وعرفوا صيد السمك، وصيد الحيوانات البرّيّة. وتضمّ كتب الآثار الشيء الكثير عن أبنية هذه المستوطنة وعن مقابرها؛ والشيء المؤسف أنّ هذا التلّ الأثريّ مُهمَل اليوم، وهو أحد الأمكنة في سامرّاء الذي يقود إلى الماضي السّحيق لهذه المنطقة. ولا بدَّ من الإشارة إلى أنّ منظّمة الأمم المتّحدة للتّربية والعلوم والثقافة «اليونيسكو» أدرجت مدينة سامرّاء إلى لائحة التراث العالمي، في العام 2007 م. هذا، ويبقى قرابة 80% من المدينة الأثريّة مطموراً ويحتاج إلى تنقيب.
أمّا بناؤها زمن النبي نوح عليه السلام، فهذا ما ورد في كُتُب البلدانيّين العرب، من ذلك ما يخبره اليعقوبي في (البلدان)، أنّ المعتصم العباسيّ «صار إلى موضع سرّ من رأى، وهي صحراء من أرض الطيرهان، لا عمارة بها، ولا أنيس فيها، إلّا دير للنّصارى، فوقف بالدَّير وكلّم مَن فيه من الرُّهبان، وقال: ما إسم هذا الموضع؟ فقال له بعض الرهبان: نجد في كتبنا المتقدّمة أنّ هذا الموضع يُسمّى سرّ من رأى، وأنّه كان مدينة سام بن نوح ".."».
وجاء في (معجم البلدان) للحموي: «يقولون إنّ سامرّاء بناها سام بن نوح عليه السلام ودعا أن لا يصيب أهلها سوء».


أما سرّ من رأى العبّاسيّة، فقد بناها المعتصم، بعدما ضاقت بغداد بجنده وجلّهم من الأتراك، الذين عاثوا فيها الفساد، فضجّ الناس وطلبوا منه إخراجهم منها، فبحث عن مكان حتى وقع اختياره على سرّ من رأى، وكانت يومئذٍ أرضاً خالية من العمران إلّا دير للرّهبان، فاستحسن المكان لموقعه المحصّن وطِيب هوائه وكثرة مائه، وحول ذلك يقول المسعودي في (مروج الذهب) أنّه سأل بعض أهل الدّير عن إسم الموضع، فقال: «يُعرَف بسامرّا، قال له المعتصم: وما معنى سامرّا؟ قال: نجدها في الكُتُب السالفة والأمم الماضية أنّها مدينة سام بن نوح، قال له المعتصم: ومن أيِّ بلادٍ هي؟ وإلامَ تُضاف؟ قال: من بلاد طيرهان، وإليها تُضَاف، فنظر المعتصم إلى فَضَاءٍ واسعٍ تسافر فيه الأبصار، وهواء طيِّب، وأرض صحيحة، فاسْتَمْرَاها واستطاب هواءها، ".." فلمّا استطاب الموضع دعا بأهل الدَّيْرِ فاشترى منهم أرضهم بأربعة آلاف دينار، وارتاد لبناء قصره موضعاً فيها، فأسَّس بنيانه، وهو الموضع المعروف بالوزيريّة بسُرَّ من رأى، ".." فارتفع البنيان، وأحضر له الفَعَلَة والصنَّاع وأهل المِهَن من سائر الأمصار، ونقل إليها من سائر البقاع أنواع الغُروس والأشجار، فجعل للأتراك قطائع متحيِّزة، وجاورهم بالفراغنة والأشروسيّة وغيرهم من مدن خراسان على قدر قربهم منهم في بلادهم، وأقطع أشنان التركي وأصحابه من الأتراك الموضع المعروف بكرخ سامرّا، ومن الفراغنة مَنْ أنزلهم الموضِعَ المعروف بالعمري والجسر، واختطَّت الخُطط، واقتُطعت القطائع والشوارع والحروب، وأُفْرِدَ أهْلُ كلِّ صنعة بِسُوق، وكذلك التجّار، فبنى الناس، وارتفع البناء، وشُيِّدت الدُّور والقصور، وكثرت العمارة، واستُنبطت المياه، وجرت من دجلة وغيرها، وتسامع الناس أنَّ دار ملك قد اتُّخذت، فقصدوها وأجهزوا إليها من أنواع الأمتعة وسائر ما ينتفع به الناس وغيرهم من الحيوان، وكَثُر العيش، واتَّسع الرِّزق ".." وكان بَدءُ ما وصفنا في ما فعله المعتصم سنة إحدى وعشرين ومائتين».
وقال اليعقوبي في كتاب (البلدان): «ثمّ خطّ القطائع للقوّاد والكتّاب والناس، وخطّ المسجد الجامع، واختطّ الأسواق حول المسجد الجامع، ووسّعت صفوف الأسواق، وجُعلت كلّ تجارة منفردة، وكلّ قوم على حِدتهم، على مثل ما رُسمت عليه أسواق بغداد. وكتب في إشخاص الفعلة، والبنّائين، وأهل المهن من الحدّادين والنجّارين، وسائر الصناعات؛ وفي حمل الساج، وسائر الخشب، والجذوع من البصرة، وما والاها من بغداد، وسائر السَّواد، ومن أنطاكية وسائر سواحل الشام؛ وفي حمل عَمَلة الرّخام، وفُرش الرّخام، فأقيمت باللّاذقية وغيرها دور صناعة الرّخام. وأفرد قطائع الأتراك عن قطائع الناس جميعاً، وجعلهم معتزلين عنهم....».
وقد بُنيت سرّ من رأى بسرعة قياسيّة، إذ بدأ بناؤها سنة 221 هجريّة واكتمل في نهاية العام التالي، ولم يمضِ إلَّا زمن قليل حتى قصدها الناس وشيّدوا فيها المباني. وعُرفت بالعسكر نظراً إلى كثرة الجنود فيها والنسبة إليه عسكريّ. ووصل عدد سكّانها إلى أكثر من مائة ألف نسمة. وأضحت خلال فترة قصيرة عاصمة الخلافة العبّاسيّة بدلاً من بغداد، وبقيت كذلك في عهد الواثق، والمتوكّل، والمنتصر، والمستعين، والمعتزّ، والمهتدي، والمعتمد (ت: 279 هجريّة) الذي أعاد بغداد عاصمة لحُكمه.
وقال الرحَّالة إبن جبير فقال: «ونزلنا مع الصّباح من يوم الخميس الثامن عشر لصفر على شطِّ دجلة بمقربة من حصنٍ يُعرَف بالمعشوق، ويقال: إنّه كان متفرَّجاً لزبيدة ابنة عمّ الرشيد وزوجه، وعلى قبالة هذا الموضع في الشطِّ الشرقيّ مدينة سرّ من رأى، وهي اليوم عِبرة من رأى: أين معتصمُها، وواثقُها، ومتوكّلُها؟! مدينة كبيرة قد استولى الخراب عليها إلّا بعض جهات منها هي اليوم معمورة. وقد أطنب المسعودي، رحمه الله، في وصفها ووصف طِيب هوائها ورائق حُسنها. وهي كما وصف وإنْ لم يبقَ إلَّا الأثر من محاسنها، والله وارث الأرض ومَن عليها، لا إلهَ غيرُه».
كان يُحيط بالمدينة سُور بُنِيَ بالجصِّ والآجر وصل إرتفاعه إلى 7 أمتار، وكان له 19 برجاً وأربعة أبواب، هي: القاطول، والناصريّة، والملطوش، وبغداد، ولم يبقَ منها إلَّا باب بغداد الذي تحوّل إلى متحف تُعرَض فيه نماذج من الآثار المُستخرجة من الحفريَّات الأثريّة. ولقد هدم باب القاطول سنة 1375 هجريّة/1955 م لبناء دائرة البريد والبرق ومدرسة إبتدائية ودائرة البلديّة، ومستشفى. وهُدم باب الملطوش وبُنِي خارجه مسلخ. وظلَّ هذا السُّور ماثلاً للعيان حتى سنة 1356 هجريّة/1936  م، وقد أخذ الناس يبنون بعض الدُّور بين السُّور وبين شاطئ النّهر.

الساعة الشمسيّة المكتشفة في سامرّاء


في سنة 1972 كان عمّال الهاتف في مدينة سامرّاء يقومون بأعمال الحفر لمدّ الأسلاك، وفجأة ظهرت لهم لوحة مربّعة من الرّخام المعروف في العراق، وأُصيبت ببعض التهشّم عند استخراجها ثمّ جُلبت إلى المتحف الوطني في بغداد، فتمّت معالجتها مخبرياًّ وترميمها فكانت المفاجأة، إذ أنها تمثّل ساعة شمسيّة.
اللوحة مربّعة الشكل تقريباً، طولها 80 سنتم وعرضها 76 سنتم، وفي أعلى اللّوحة مكتوب: «صنعة علي بن عيسى».
وما ورد في هذه الساعة من تقسيمات يُختَصر باثنتي عشرة ساعة من ساعات النهار. ففي أقصى جهة اليسار تبدأ الساعة الواحدة صباحاً وتنتهي في وسط النهار الذي هو وقت الظهر في الساعة السادسة، ثمّ ابتداء الشمس بالزوال ويزداد الظلّ تدريجاً حتّى يأتي وقت العصر، وعندما تغيب الشمس ينتهي النهار، وتكون الساعة حينئذٍ هي الثانية عشرة عندما يحلّ وقت المغرب. وما يزال هذا الأسلوب متَّبعاً حتّى الوقت الحاضر في تحديد أوقات الصلوات اليوميّة.
أمّا تاريخ صناعة ساعة سامرّاء، فيُستَدلّ عليه من صانع الساعة عليّ بن عيسى الذي عاش في سامراء أواسط القرن التاسع الميلادي. وعلى هذا فهي أقدم ساعة من نوعها تعود إلى العصر الإسلامي اكتُشِفت في سامراء وعليها إسم صانعها، ولذلك تُعدّ مفخرة من مفاخر الحضارة المشرقيّة في العصر الإسلامي.


محطات مهمّة في تاريخ سامراء


* عام 333 للهجرة وسّع ناصر الدّولة الحمداني المدينة وأحاطها بِسُورٍ ليأمن ساكنوها أو مَن يريد سُكناها. وناصر الدّولة هذا كان صاحب الموصل وما يليها، وهو الأخ الأكبر لسيف الدّولة الحمداني، وكان بمنصب أمير الأمراء. كما قام بتشييد دار العسكريَّين عليهما السلام من جديد، ورفع جدثَي الإمامَين وكلّلهما بالسُّتور، وبنى عليهما قبّة صغيرة، كما بنى دُوراً حول دار الإمام وأسكنَها جماعة.
* عام 1250 للهجرة جدّد الشيخ زين العابدين السلماسي سُوْر المدينة، على نفقة أحد ملوك الهند.
* عام 1258 للهجرة كلّف الملك أمجد علي شاه، السيّد إبراهيم القزويني ببناء سور المدينة وتجديده.
* في أيلول لعام 1874 م قصد المرجع الميرزا محمّد حسن الشيرازي سامرّاء، وأسَّس  حوزة علميّة انتسب إليها الكثير من الطلَّاب من سامرّاء وخارجها، فأصبحت سامرّاء مركزاً علميّاً ومدينة مكتظَّة بسكَّانها، وشيّد حسينيّة لإحياء شعائر العزاء، وسُوقاً كبيرة ودوراً كثيرة وحمّاماً للرّجال وآخر للنّساء، ونَصَب جسراً من القوارب على دجلة، وبذل المال لسكّان سامرّاء الأصليِّين. ثمّ حدثت فتنة في المدينة فأُقفلت هذه الحوزة.
* عام 1952 م بدأ العمل بتنفيذ مشروع الثّرثار الذي يُعتبر من أهمّ المشاريع المائيّة في العراق، ويقع عند مدخلها إلى الجانب الغربي، وكان الغرض الرئيسي له وقاية بغداد من الفيضان، وتوليد الكهرباء عند سدّ سامرّاء.



اخبار مرتبطة

  قرن الإسلام، وعصرُ الشعوب

قرن الإسلام، وعصرُ الشعوب

  المُشايَعة والمتابَعة

المُشايَعة والمتابَعة

  دوريات

دوريات

22/02/2012

دوريات

نفحات