الإمام الحسن العسكري

الإمام الحسن العسكري

منذ يوم

الإمام الحسن العسكري

الإمام الحادي عشر من أئمّة أهل البيت
الإمام الحسن العسكري

ــــــــــ العلّامة السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي  رحمه الله ــــــــــ



المرحوم المغفور له المربّي والأخلاقي الكبير العلّامة السيّد محمد رضا الشيرازي قدّس سرّه (1959 – 2008 م) شكّل ظاهرة ولائيّة - أخلاقية متميّزة في عصره، وكان على النقيض من بعض إخوته (مجتبى) الذي تجرّأ على الإمام الخميني والمقدّس الشيخ بهجت والمقدّس السيّد علي القاضي كما هو مثبتٌ بالصوت في موقعه الإلكتروني.
وإذ تقدِّم «شعائر» نصّ محاضرة -بتصرّف بسيط- للمقدّس السيّد محمد رضا، تهيب بـ «قناة الأنوار» وكلّ المحافل المخلصة لهذا الفقيد العزيز أن تُعلن براءتها من نهج بعض إخوته الذي يمكن أن يشكّل سدّاً بين المؤمنين وبين هذه المحافل، علماً بأنّ عدم التبرّي منه سيُحتّم على المؤمنين المقاطعة لكلّ مَن يُداري هذا الإنحراف الخطير.
«شعائر»


وُلد الإمام العسكري في العاشر من شهر ربيع الثاني من عام مائتين واثنين وثلاثين للهجرة، واستُشهد الإمام صلوات الله عليه في اليوم الثامن من ربيع الأوّل من عام مائتين وستّين للهجرة. قام بتجهيزه وتغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه ولده خاتمُ الأوصياء المهديّ المنتظر عجّل الله تعالى فرجه وسهّل مخرجه وجعلنا من أعوانه وأنصاره.
نتحدّث حول هذا الإمام كما يلي:
الفصل الأوّل: الظروف

الظروف التي عاشها الإمام العسكري كانت ظروفاً حرجةً جداً؛ كانت حرجةً بالنسبة إلى الإمام صلوات الله وسلامه عليه، وحرجة بالنسبة إلى شيعته والموالين له.
نذكر روايتين. هاتان الروايتان يمكن أن تكشفا لنا جانباً من جوانب الضغط والكبت والإرهاب التي كانت تحيط بالإمام، وكانت تُحيط بشيعته، حتّى نعرف ".." هذه النعمة العظيمة التي نحن الآن متنعِّمون بها لم تصل إلينا مجّاناً، آباؤنا وأجدادنا تحمّلوا الكثير حتى أوصلوا هذه الأمانة إلينا.

الرواية الأولى

هذه الرواية تكشف جانباً من جوانب الضغط الذي كان يعيشه الإمام، وكان يعيش فيه المؤمنون. في يوم من الأيام، كان الإمام في محضر من شيعته ومواليه، فقال حديثاً ربّما يبدو عجيباً، قال عليه السلام: «إنّا أمرناكم بالتختّم باليمين، ونحن الآن نأمركم بالتختّم بالشمال، فإنّه من أدلِّ دليلٍ على ولايتنا أهل البيت».
هذه الرواية نوضحها ضمن نقطتين:
النقطة الأولى: التختّم باليمين سُنّة نبويّة. النبيّ صلّى الله عليه وآله كان يتختّم باليمين. وكأنّه -هكذا يبدو- أنّ الشارع، أنّ الدين نظّم الأعمال، الأعمال الرفيعة جعلها لليمين، والأعمال الوضيعة جعلها للشمال. هذا النوع من أنواع التنظيم في القانون الدّيني كما يبدو. راجعوا كتاب الطهارة في مباحث الإستنجاء، هنالك كلام حول هذا الموضوع.
لاحظوا القرآن الكريم، الله تعالى يقول: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأيْمَنِ..﴾ مريم:52. هذا الأيمن ليس صفة للطُّور. إنّه صفة للجانب.
عندما كان موسى صلوات الله على نبيّنا وآله وعليه يأتي من مديَن، جاءه الخطاب الإلهي من جبل الطور، ولكن من أيّ جانب؟ ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأيْمَنِ..﴾ مريم:52، هذا الجانب ليس ذلك الجانب، كأنّ اليمين له خصوصيّة في الإسلام، وفي معادلات الكون.
على كلِّ حال، النبيّ صلّى الله عليه وآله كان يتختّم باليمين، وأمير المؤمنين صلوات الله عليه كان يتختّم باليمين. وفي الأحاديث، أنّ الإمام الكاظم صلوات الله عليه سُئل: لماذا كان الإمام عليّ يتختّم باليمين؟ فقال لهم: إنّ النبيَّ كان يتختّم باليمين. هذه قبل أن تكون سنّة علويّة، هي سنّة نبويّة.

النقطة الثانية: كان هنالك نوع من التحويل -ككثير من السُّنن النبويّة الأخرى- تمّ تحويلها.
متى تمّ هذا التحويل؟ في قضيّة التحكيم جاء أبو موسى الأشعري وصعد مكاناً عالياً، وقال: إنّي خلعتُ صاحبي، يعني أمير المؤمنين عليه السلام.
بعده جاء الدور لعمرو بن العاص، وقال: «إنّ هذا خلع صاحبَه». وأخرج خاتمه من يده اليمنى. «ولكنّني أثبتُّ صاحبي». وأدخل خاتمه في يده اليسرى.
أبو موسى الأشعري الذي كان رجلاً مغفَّلاً وساذجاً وملعوناً، خلع صاحبه، «ولكنّني أُثبت صاحبي»؛ يعني معاوية، وأَدخل الخاتم في يده اليسرى.
هذه القضيّة صارت بداية لتحويل السنّة النبويّة إلى سُنّة أمويّة. السنّة النبويّة كانت التختُّم باليمين، السنّة الأمويّة أصبحت التختُّم بالشمال، خلافاً لله تعالى، ولِما أمر به، وخلافاً لِما جرت عليه سيرة رسول الله صلّى الله عليه وآله.
هذا ليس فقط في التختّم، بل في كلّ شيء. الأمويّون ومَن قبلهم نقضوا سنّة رسول الله حجراً حجراً. حتّى الوضوء. النبي -عشرة أعوام تقريباً- كان يتوضّأ أمام المسلمين، وكلّ المسلمين كانوا يشاهدون أنّ النبيَّ يتوضّأ من المرفق إلى الأصابع. عشرة أعوام تقريباً، الكلّ كانوا يشاهدونه.
راجعوا كتاباً لطيفاً (وضوء النبي صلّى الله عليه وآله) يُثبت أنّ النبي كان يتوضّأ بهذا المنهج، من مصادرهم، من علمائهم. حتّى مجموعة من علمائهم خالفوا الثالث، كانوا يتوضّأون كما يتوضّأ رسول الله، ولكنّ السنّة النبويّة تبدّلت إلى سنّةٍ أمويّة، راجعوا الكتاب لتروا ما يُورده من مصادرهم.
واحدٌ من علمائهم، قرأ الكتاب، كتب لمؤلّف الكتاب -كما حدّثني المؤلّف- يقول: أنت ماذا فعلت؟ أنا كلّ يوم عندما أتوضّأ يجيء في ذهني هذا الخاطر، أنا كل يوم أتوضّأ ثلاث مرّات أو خمس مرّات، عندما أبدأ بالوضوء يجيء في ذهني هذا الشيء، أنّي إذا أتوضّأ أتوضّأ وضوء النبي أو وضوء فلان؟
على كلِّ حال، أصبح منهج الوضوء أحد الفوارق بين الموالين وغيرهم. ومن الفوارق منهج الصلاة. وكان التختم أحد الفوارق الواضحة: المؤمنون الموالون -إتّباعاً لمنهج النبيّ- يتختّمون باليمين، والآخرون خلافاً لله وخلافاً لرسول الله وخلافاً لأمير المؤمنين كانوا يتختّمون بالشمال، هذه علامة واضحة.

الإمام يقول في مجمع «إنّا أمرناكم بالتختّم باليمين -هكذا أمرناكم من قبل- ولكن الآن نأمركم –هذا الكلام كما يقول الرواة كان في عام 260 هجريّة يعني في السنة التي استُشهد فيها الإمام العسكري- الآن نأمركم بالتختّم بالشمال -لماذا؟- فإنّه من أدلّ دليلٍ عليكم».
يرونكم متختّمين باليمين، يعرفون أنّكم موالون لأهل البيت، يأخذونكم فيقتلوكم. الذي يتختّم باليمين جزاؤه القتل، جزاؤه السجن، جزاؤه التعذيب، هذا جزاء مَن يقتدي برسول الله صلّى الله عليه وآله.
هذه الرواية تبيِّن لنا جانباً من الظروف التي عاشها الإمام وعاشها الشيعة آنذاك.

الرواية الثانية

".." يقول الراوي: «جئتُ أنا وفلان الحلَبي إلى سامرّاء، وأخذنا نترصّد خروج الإمام صلوات الله عليه». يبدو أنّه كان يوم خروج الإمام عليه السلام. يقول الراوي: «فخرج إلينا توقيعُه». أي توقيع الإمام العسكري، يقول الإمام في هذا التوقيع: «إذا خرجتُ فلا تُسلِّموا عليّ».
يعني في ذلك الظرف، ما كان أحد من الموالين لأهل البيت يتمكّن من أن يُسلِّم على الإمام.".." «ولا يُشِرْ إليَّ بيده، ولا يومئ إليّ».
لا يُشِر بأنّ هذا هو الإمام. «فإنّكم -لاحظوا التعليل- لا تأمنون على أنفسكم». إذا واحد سلّم على الإمام، أو أشار بيده إلى الإمام، أو أومأ بعينه إلى الإمام، فإذا رآه واحد من الجنود في تلك الثكنة العسكريّة -مدينة سامرّاء- فإنّه لا يأمن على نفسه، يعني يمكن أن يأخذوه ويقتلوه. والسبب: لماذ أشرتَ إلى هذا الإمام؟!!
يقول هذا الراوي: «وكان بجنبي شاب، فقلتُ له: مَن أنت؟ قال: أنا فلان من وُلد أبي ذرّ الغفاري». يعني من أحفاده.
«فقلت له: ولماذا جئتَ إلى هنا في مدينة سامرّاء؟ فقال: أردتُ أن أرى الإمام، يمكن أن أرى  منه دلالة تُطمئن قلبي». أريد أن أطمئنّ أنّ هذا هو الإمام.
يقول: «فجاء الإمام ومرَّ ووصل إلينا في الطريق، فالتفت إلى هذا الرجل». ولعلّه بقدرته، بالقدرة الغيبيّة، بقدرة الإمامة، صرف أنظار الناس عن هذا المشهد السريع. قال له الإمام: «أَغفاريٌّ أنت؟» يعني من أولاد أبي ذرّ، أو من قبيلة غفار؟
قال: «نعم». قال الإمام: «ما فعلتْ أمّك حمدويه؟»، يعني كيف حال أمّك؟ وسمّاها.
فقال: «بخير». ومرَّ الإمام. هذان السؤالان ربّما استغرقا بضع ثوان.
«فمرَّ الإمام، فقلتُ لهذا الشاب: هل رأيتَ هذا من قبل؟ قال: لا. قلت: هل عرفته من قبل؟ قال: لا». كيف عرف أنّه من أولاد أبي ذرّ؟ وكيف عرف أنّ أمّه إسمها حَمْدَويه.
«قلت له: أوَ يكفيكَ هذا؟». هل هذا المقدار كافٍ حتّى يثبت لك إمامة هذا الإمام؟ «قال: نعم، ويكفيني دون هذا». أقلّ من هذا يكفيني لكي يثبت لي أنّ هذا هو الإمام."..".


اخبار مرتبطة

  قرن الإسلام، وعصرُ الشعوب

قرن الإسلام، وعصرُ الشعوب

  المُشايَعة والمتابَعة

المُشايَعة والمتابَعة

  دوريات

دوريات

منذ يوم

دوريات

نفحات