تحقيق

تحقيق

19/04/2012

مقام السيّدة نفيسة...


 
مقام السيّدة نفيسة...
شجرة باسقة في الدّوحة العلويّة

مقام السيدة «نفيسة»


______تحقيق: أحمد الحسيني______

وكأنَّ رياح العناية الإلهيّة حملتها إلى أرض الكنانة لِتنبت حُبّاً وولاءً لأهل البيت عليهم السلام، فيفوح الحبّ أريجاً وعطراً يتنسّمه الطيّبون من النّاس في مشارق الأرض ومغاربها، فينتعشون وتثلج أفئدتهم.
إنّها السيّدة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليهم، التي قصدت مصر، فبقيت فيها إلى أن توفّاها الله فدُفنت هناك. فمَن هي هذه المرأة الشّريفة؟ وما الذي حملها على الذهاب إلى مصر؟ وكيف تعامل أهلها معها؟ وأين هو مقامها؟
 


لُقِّب والد السيّدة نفيسة بالأنوَر، وكُنّي بأبي محمّد، وكان معروفاً عند العامّة والخاصة، وُلد في المدينة المنوّرة عام 83 للهجرة، وأضحى فيها من الأشراف النابهين الأجواد، واحتلّ موقعاً مرموقاً حتّى قيل له شيخ بني هاشم، وكان يتنقّل بين مكّة والمدينة، يقصد المسجد الحرام والمسجد النّبويّ، حيث يتحلّق حوله النّاس للإستماع إلى ما له علاقة بأمور دينهم ودنياهم. وعندما ذاع صيته استعمله المنصور العباسي على المدينة خمس سنين، ثمّ عزله، وخافه على نفسه فحبسه ببغداد. فلمّا ولي المهديّ أخرجه، واستبقاه معه. توفّي بالحاجر (على خمسة أميال من المدينة) في طريقه إلى الحجّ مع المهدي عام 168 للهجرة.
له من الأولاد: القاسم، وإسماعيل، وعبد الله، وإبراهيم، وزيد، وإسحاق، وعليّ رضي الله عنهم أجمعين، أمّهم أمّ سلمة بنت زينب بنت الحسن بن الحسن إبن الإمام عليّ عليهم السلام، أمّا أمّ نفيسة فهي أمّ ولد (أي أمة).

مولدها


في الحادي عشر من ربيع الأوّل عام 145 للهجرة، كان الحسن بن زيد جالساً في المسجد الحرام للفقه وعلوم القرآن، إذ أقبلت أمَة تزفّه البشرى بولادة طفلة يشعّ من وجهها نوراً وصفاء، فخرّ ساجداً لله شاكراً لِما وَهبه، وسمّى مولودته «نفيسة» تيمّناً باسم أخته نفيسة بنت زيد، الذي تزوّجها الوليد بن عبد الملك فتوفّيت أثناء الولادة (وقيل إنّه فارقها بعد مدّة من زواجهما) ودعا الله تعالى أن تكون هذه المولودة «نفيسة».


نشأتها


أَوْلى أبو محمّد الحسن بن زيد إبنته نفيسة عناية خاصّة، فكان يزقّها العلم زقّاً، وكانت شديدة الذّكاء، تحفظ ما يتلو عليها من علوم القرآن والفقه، حتى أنّها حفظت القرآن الكريم وهي في الثامنة من عمرها، وكانت العائلة انتقلت إلى المدينة المنوّرة ونفيسة في الخامسة من عمرها، فكانت تلازم مسجد النّبيّ صلّى الله عليه وآله للعبادة والعلم حتى لُقّبت بـ«نفيسة العلم»، ولم تكن تفارق أباها الذي تفرّس فيها الإيمان والعلم، وكثيراً ما أمسك بيدها في الحضرة النّبويّة، وقال: يا سيّدي يا رسول الله، إنّي راضٍ عن ابنتي نفيسة! فرأى في المنام الرّسول صلّى الله عليه وآله يقول له: إنّني راض عن نفيسة برضاك عنها، والحقّ سبحانه راضٍ برضائي عنها...
وقد حجّت إلى بيت الله الحرام ثلاثين حجّة، أدّت معظمها ماشية، وكانت تتعلّق بالكعبة وتبكي بكاءً شديداً وهي تقول: إلهي وسيّدي ومولاي متعتي وفرحتي برضاك، فلا تسبّب لي سبباً به عنك تحجبني.
وورد في طبقات الشعراني أنّ الشيخ أبا المواهب الشاذلي رأى النّبيَّ صلّى الله عليه وآله فقال له: إذا كان لك إلى الله تعالى حاجة، فانذُرْ لنفيسة الطّاهرة ولو بدرهم، يقضي اللهُ تعالى حاجتك.


زواجها

 شباك الضريح
تقدّم لخطبة السيّدة نفيسة العلماء والعبّاد، وسادات القوم وكبراؤهم، لكنَّ أباها كان يردّهم، وعندما سئل عن ذلك قال -بحسب بعض الرواة-: «إنّي أريد أن أؤدّي الأمانة إلى أهلها، وأردّ القطرة إلى بحرها، وأغرس الوردة في بستانها». فإذا سمع النّاس منه ذلك أمسكوا عن الكلام، وقالوا: لعلّ في الأمر سرّاً لا ندركه ولا ندريه. حتى أنّه ردَّ إسحاق إبن الإمام جعفر الصادق عليه السلام في بادىء الأمر، فتوجّه إسحاق إلى المسجد النّبويّ، وتوسّل بالنّبيّ صلّى الله عليه وآله إلى الله تعالى أن يشرح صدر الحسن بن زيد ويقبل به زوجاً لابنته.
وفي اليوم التالي، أرسل والد نفيسة بطلب إسحاق المعروف بإسحاق المؤتمن لكثرة أمانته، ووافق على الخطبة، وتعجّب إسحاق من الأمر، فأخبره الحسن أنّه رأى الليلة جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله في أحسن صورة يُسلّم عليه، ويقول له: «يا حسن، زوّج نفيسة ابنتك من إسحق المؤتمن». فتمّ زواجها يوم الجمعة في الأوّل من شهر رجب سنة
إحدى وستين ومائة للهجرة.
وكان إسحاق من أهل الفضل والإجتهاد، والورع والصّلاح، كيف لا وهو إبن الإمام الصادق، وقد أخذ عن أبيه الكثير من علومه وآدابه وأخلاقه، حتى أصبح له شأن ومقام ووثاقة لا تخدش.
وهكذا كان في هذا الزّواج المبارك إنسجاماً يتوافق مع ما نشأت عليه السيّدة نفيسة من حبّ الله والإنصراف إلى طاعته جلَّ جلاله. وقد ولدت له أبا القاسم وأم كلثوم، وهكذا اجتمع في هذا البيت نور الحسن ونور الحسين، وكان من عقبهم السّادة (بنو زهرة) في حلب وأطرافها.

                                                                                                                                                 

الرّحلة إلى مصر

في حجّتها الثلاثين، إلتقت بكثير من أهل مصر الذين دعوها لزيارة بلدهم، إذ ذاع صِيتها وصِيت آبائها في التّقوى والسُّؤدد والشّرف، فوعدَتْهم خيراً، وهناك دعت الله تعالى أن يوفّقها لزيارة قبر النّبيّ إبراهيم عليه السلام في فلسطين، فكان لها ما أرادت، فتوجّهت نحو بلاد الشّام مع زوجها إسحاق، فمرّت على دمشق ونواحيها لزيارة قبور ومشاهد آل النّبيّ صلوات الله عليهم الذين دفنوا هناك، ثمّ قصدت فلطسين التي تعجّ بقبور الأنبياء والصالحين، ومن هناك توجَّهت إلى مصر التي وصلتها في شهر رمضان المبارك عام 193 للهجرة.
علم أهل مصر بقدومها، فتلقّاها الرجال والنساء عند مدينة العريش بالخيول والهوادج، رافعين المصاحف والمشاعل، مكبِّرين ومهلِّلين، وفرحين بآل النبيّ صلّى الله عليه وآله.
وأنزلوهما في دار سيّدة تدعى أم هاني، وقيل نزلا في دار أحد التّجّار، وفي هذا قال  السّخاوي في كتاب (المزارات) عن وصول السيّدة نفيسة إلى مصر: «إنّها نزلت أولاً عند كبير التجّار بمصر وهو جمال الدين عبد الله بن الجصّاص، وكان من أصحاب المعروف والبرّ، فأقامت عنده شهوراً يأتي إليها النّاس من سائر الآفاق للتبرّك، ثمّ تحوّلت إلى مكانها المدفونة به وَهَبه لها أمير مصر السري بن الحكم (توفي عام 205 للهجرة)، وسبب ذلك أنّ بنتاً يهودية زمنة [مشلولة] تركتها أمّها عندها وذهبت إلى الحمّام، فقدَّر الله شفاءها على يد السيّدة نفيسة رضي الله عنها، وعند ذلك أسلمت البنت وأبواها وجماعة من الجيران يبلغ عددهم نحو السّبعين نفراً، ولمّا شاع ذلك لم يبقَ أحد في مصر إلَّا قصد زيارتها، وكثر الناس على بابها، فطلبت الرّحيل إلى بلاد الحجاز، فشقّ على أهل مصر ذلك وسألوها الإقامة فأبَت، فركب إليها السريّ بن الحكم وسألها الإقامة، فقالت: إنّي امرأة ضعيفة وقد شغلوني عن عبادة ربّي، ومكاني قد ضاق بهذا الجمع الكثيف. فقال لها السري: أمّا ضيق المكان فإنَّ لي داراً واسعة بدرب السِّباع فأُشهد الله أنِّي قد وهبتُها لك، وأسألك أن تقبليها مني، وأمّا الجموع الوافرة فقرّري معهم أن يكون ذلك يومين في كلّ أسبوع وباقي أيّامك في خدمة مولاك، فجعلت لهم السبت ويوم الأربعاء إلى أن توفّيت».

السيّدة نفيسة وحبّها الناس

ورد في (الكشكول) للشيخ البهائي: «لمّا ظَلم أحمد بن طولون قبل أن يعدل إستغاثه الناس من ظلمه، توجَّهوا إلى السيّدة نفيسة، فشكوه إليها، فقالت لهم: متى يركب؟ فقالوا: في غد، فكتبت رقعة ووقَفَت في طريقه، وقالت: يا أحمد بن طولون! فلمّا رآها عرفها وترجّل عن فرسه وأخذ الرّقعة منها وقرأها، فإذا فيها مكتوب: ملَكتُم فأَسرتُم، وقدرتُم وقهرتُم، وخُوِّلتم فعسفتم، ودرّت عليكم الأرزاق فقطعتم، هذا، وقد علمتُم أنّ سهام الأسحار نافذة لا سيّما من قلوبٍ أوجعتموها، وأجساد أعريتموها، إعملوا ما شئتم فإنّا صابرون، وجُوروا فإنّا مستجيرون، واظلِموا فإنّا متظلِّمون ﴿..وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون﴾ الشعراء:227، قال: فعدل من وقته وساعته».
وهذه الرواية يتناقلها الرُّواة، إلَّا أنَّ ولادة أحمد بن طولون بإجماع المؤرِّخين كانت بعد وفاة السيّدة نفيسة، ولم يكن على زمانها. ولد عام 220 للهجرة وتوفي 270 للهجرة. ولعلّ تشابه الإسم هو السّبب في هذا الخطأ في النّقل الذي نبَّه عليه الشيخ البهائي قدّس سرّه.جامع السيدة «نفيسة » من الداخل
خصَّصت السيّدة نفيسة رضي الله عنها يومين من الأسبوع لاستقبال النّاس، والدّعاء لهم، والإجابة عن أسئلتهم واستفساراتهم. وكان يَفِد عليها أئمّة الفقه الإسلامي وكبار العلماء، كما كان يَفِد عليها أهل الخاصّة والعامّة.
وكان إمام الشافعيّة محمّد بن إدريس بن العبّاس بن عثمان بن شافع (توفّي 204 للهجرة) قد زار مصر عام 199 للهجرة وبقي فيها إلى أن توفّي، وعلم بوجود السيّدة نفيسة في تلك الدّيار، فكان يقصدها ويسألها الدّعاء، وكان إذا مرض يرسل لها رسولاً من عنده، كالرّبيع الجيزي أو الرّبيع المرادي، فيُقرئها سلامه ويقول لها: إنّ ابن عمّك الشّافعي مريض، ويسألك الدّعاء فتدعو له، فلا يرجع إليه رسوله إلَّا وقد عوفي من مرضه.
فلمّا مرض الشافعي مرضه الأخير، أرسل لها على عادته رسوله يسألها الدّعاء له، فقالت لرسوله: متّعه الله بالنّظر إلى وجهه الكريم. وعندما توفّي أُدخلت جنازته دار السيّدة نفيسة فترحّمت عليه..

                                                                                                                    
وقد أورد المقريزي في خططه حكاية مفادها أنّه أُسِر ابن لامرأة ذمّيّة في بلاد الرُّوم، فأتت إلى السيّدة نفيسة وسألتها الدّعاء أن يردّ الله ابنها عليها، فلمّا كان اللّيل لم تشعر الذمّية إلّا بابنها وقد هجم على دارها، فسألته عن خبره، فقال: يا أمّاه، لم أشعر إلّا ويد قد وقعت على القيد الذي كان في رجلي، وقائل يقول: أطلقوه، قد شفعت فيه نفيسة بنت الحسن عليه السلام، فوالذي يُحلف به يا أمّاه لقد كُسر قيدي، وما شعرت بنفسي إلاّ وأنا واقف بباب هذا الدار. فلمّا أصبحت الذمّيّة، أتت إلى السيّدة نفيسة، وقصّت عليها الخبر وأسلمت هي وابنها، وحسن إسلامها.

وفاتها

كانت السيّدة نفيسة قد حفرت قبرها بيدها في بيتها، وكانت تنزل فيه وتصلّي كثيراً، كما قرأت فيه القرآن الكريم 190 مرّة. وعنها تقول السيّدة زينب إبنة أخيها يحيى: «خدمتُ عمّتي السيّدة نفيسة أربعين عاماً، فما رأيتُها نامت بليل، ولا فطرت بنهار، إلّا العيدَين وأيام التّشريق، فقلت لها: أمَا ترفقين بنفسك؟ فقالت كيف أرفق بنفسي وقدّامي عقبات لا يقطعها إلَّا الفائزون». وكانت زينب تقول: عمّتي تحفظ القرآن وتفسيره.

باحة المسجد

 

وزاد عليها المرض في أوّل جمعة من شهر رمضان وهي صائمة، وقد أشار عليها الأطبّاء بالإفطار، فقالت: «واعجباه! لي ثلاثون سنة أسأل الله أن يتوفّاني وأنا صائمة، أأفطر الآن؟! معاذ الله».
وعندما هدأ الليل، ووصلت إلى آية ﴿لَهُمْ دَارُ السّلاَمِ عِندَ رَبّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ الأنعام:127 فاضت روحها الطاهرة، وكان ذلك عام 208 للهجرة وكان عمرها 63 عاماً.
وجاء في (البداية والنهاية) لابن كثير: «لمّا توفّيت عزم زوجها إسحاق بن جعفر أن ينقلها إلى المدينة النّبويّة فمنعه أهل مصر من ذلك، وسألوه أن يدفنها عندهم، فدُفنت في المنزل الذي كانت تسكنه بمحلّة كانت تعرف قديماً بدرب السّباع».
وعن ذلك قال إسحاق زوج السيّدة نفيسة: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله في المنام يقول: يا إسحاق، لا تعارض أهل مصر في نفيسة، فإنّ الرّحمة تنزل عليهم ببركاتها.
وكان يوم دفنها يوماً عظيماً مشهوداً، فقد هرع أهل مصر من أقصى البلاد وأدناها فصلُّوا عليها، وأوقدت الشموع تلك الليلة في جميع الأرجاء والنّواحي، وسُمع البكاء والترحّم في كلّ دار. ودُفنت بدارها بدرب السِّباع بين القطائع والعسكر.
وعاد إسحاق المؤتمَن بعد موت زوجته السيّدة نفيسة إلى المدينة المنورة، ومعه ولداه منها القاسم وأمّ كلثوم، ولمّا ماتوا دُفنوا بالبقيع.

المشهد الشّريف

يقع مشهد السيّدة نفيسة في منطقة السيّدة نفيسة التي عرفت قديماً بدرب السّباع، ويقع في بداية الطّريق المسمّى طريق أهل البيت فيكون المشهد النّفيسي هو المحطّة الثانية في هذا الطريق بعد مشهد الإمام زين العابدين (مقام رأس زيد بن عليّ).
وطريق أهل البيت طريق شهير يبدأ بمقام زين العابدين وينتهي بمشهد السيّدة زينب، مروراً بالسيّدة نفيسة، والسيّدة سكينة بنت الحسين، والسيّدة رقيّة بنت عليّ بن أبي طالب، وسيدي  محمّد بن جعفر الصّادق، والسيّدة عاتكة عمّة الرسول محمّد صلوات الله عليهم أجمعين.

عمارة المشهد

جاء في خطط المقريزي أنّ أوّل مَن بنى ضريح السيّدة نفيسة هو عبيد الله بن السري والي مصر من قبل الدّولة العبّاسيّة، ثمّ أعاد بناء الضّريح في عهد الدّولة الفاطميّة المستنصر بالله (توفي 487 للهجرة) حيث أُضيفت له قبّة، ودُوّن تاريخ العمارة على لوح من الرّخام وُضعت على باب الضريح، وتُبيِّن اسم الخليفة الفاطمي المستنصر بالله وألقابه.
وفي عهد الفاطميّين أعاد تجديد هذه القبّة عبد المجيد بن المستنصر بالله العبيدي المعروف بالحافظ لدين الله (توفّي 544 للهجرة)، بعد أن حدثت فيها بعض التّصدّعات والشّروخ. كما كُسِي المحراب بالرّخام عام 532 للهجرة/1138م.
وكان للمشهد زمن الفاطميّين محراب شهير وهو نوع من المحاريب الذي يعرف باسم العنزة أو المحاريب الخشبيّة المتنقِّلة، صُنع بين عامي 532-541 للهجرة، وهو الآن محفوظ بمتحف الفن الإسلامي بالقاهرة.
وكان الملك الناصر محمّد بن قلاوون، وهو من كبار ملوك الدولة القلاوونية (توفي 741 للهجرة/1341م)، وله آثار عمرانيّة ضخمة، قد أمر بتشييد مسجد بجوار المشهد عام 714 للهجرة، وجدد قبّة الضريح. مكان خلوة السيدة «نفيسة »
وتعهَّد المشهد الحاكم بأمر الله الثاني أحمد بن المستكفي بالله العباسي الذي بويع بالخلافة عام 724 للهجرة وتوفّي عام 753 للهجرة، وهو من سلالة العبّاسيّين الذين هربوا إلى مصر بعد سقوط بغداد بيد المغول.
في سنة 1170 للهجرة/1756م، أُقيمت بوّابة على السّاحة أمام المسجد، وهي باقية إلى الآن وسط الميدان، ونُقش عليها أبياتاً من الشِّعر حول بركات السيّدة نفيسة.
وفي عهد العثمانيّين جرى ترميم المشهد النّفيسي والعناية به، وكان الأمير عبد الرحمن كتخدا (توفّي 1190 للهجرة/1776م) قد بنى الضّريح عام 1173 للهجرة على هذه الهيئة الموجودة عليه الآن، وجعل لزيارة النّساء طريقاً بخلاف طريق الرجال. وكان هذا الأمير واحداً من أعظم الرّاعين للحركة المعماريّة خلال العصر العثماني.
في العام 1310 للهجرة/1892م أتى حريق على قسم كبير من المسجد أتلف نصفه الشرقي، فأمر الخديوي عباس باشا الثاني بإعادة بنائه وبناء الضريح، واكتمل البناء عام 1314 للهجرة/ 1897م.
          


وللمشهد مدخلان أحدهما للرجال وآخر للنّساء، وحديثاً جرى تجديد المدخل وفرشه بالرّخام الفاخر.
وفي داخل مسجد السيدة نفيسة ممرّ طويل يصل بالزّائر إلى المقام الشّريف، وفي هذا الممرّ يوجد لوحات رائعة نُقشت عليها أشعار في مدح أهل البيت عليهم السلام.
وتقوم منارة مع واجهة على الطّراز المملوكي، أمّا في الدّاخل فيتوسّط جدار القبلة محرابٌ مكسوٌّ بالقاشاني الملوَّن البديع، وعلى يمين المحراب باب يؤدِّي إلى ردهة مسقوفة، ومن هذه الرّدهة يصل الإنسان إلى الضّريح بواسطة فتحة معقودة، وهناك مقصورة نحاسيّة أُقيمت فوق قبر السيّدة نفيسة، ويعلو الضّريح قبّة.
وفي العصر الحديث، قامت وزارة الأوقاف بتجديده، وراعت في ذلك أصول فنّ العمارة الإسلاميّة.
.

وصف الرّحالة المغربي خالد البلوي للمقام

في سنة 737 للهجرة/1336م، زار الرّحالة المغربي أبة البقاء خالد بن عيسى البلوي (توفّي بعد 767 للهجرة) مشهد السيّدة نفيسة في مصر، فوصفه وصفاً دقيقاً في كتاب (الأقطار)، وممّا جاء فيه:
«شاهدتُ المشهد العظيم، مشهدة السيّدة نفيسة رضي الله عنها، فرأيتُ مسجداً عظيماً غاية في الحُسن، فيه من الذّهب وأنواع النحاس ما لا يحصيه العدّ ولا يجمعه، وفي جدار قبلة المسجد باب بديع يؤدِّي إلى قبّة عجيبة تتوقّد ذهباً وتتلألأ جمالاً، وتحت القبّة، الضّريح المبارك، وحوله الرّخام البديع المجزَّع الغريب التّرصيع، وثريّات الفضّة والذّهب وقناديل التِّبر الخالص والإبريز».

المؤمنون في المشهد النّفيسي

يزدحم المصريّون على زيارة السيّدة نفيسة في مشهدها، ولا سيّما في أيّام الآحاد، ويقيمون الصّلاة فيه، وطلب الحوائج من الله تعالى، بعد أن تسالموا على استجابة الدعاء في المرقد الشّريف منذ عصور، فعن ذلك قال المقريزي: وقبر السيدة نفيسة أحد المواضع المعروفة بإجابة الدعاء بمصر. وقال السخاوي: إنّه مجرّب بإجابة الدّعاء. وغير ذلك ممّا قيل عن بركة الدّعاء عند مرقدها الطّاهر.
ويتداول النّاس الكثير من كراماتها في الماضي والحاضر، من ذلك ما يخبرونه أنَّ النّيل توقّف عن الزّيادة في زمنها، فحضر الناس إليها، وشكوا ما حصل من توقُّف النيل، فدفعت قناعها إليهم وقالت لهم: ألقوه في النّيل، فألقوه فيه، فزاد حتى بلغ الله به المنافع.
ويؤمن النّاس باستجابة الدُّعاء بحضرتها، وينذورن لله تعالى في مقامها لقضاء حوائجهم، هذا وأنَّ حبّ أهل البيت عليهم السلام في نفوس المصريّين صادق وعميق، ولم تستطع أصوات الحقد والكراهية من ثَنْيِهم عن حبِّهم الكبير لهم، والتّوجُّه إلى مقاماتهم في القاهرة التي سيكون لنا حولها أكثر من تحقيق في الأعداد القادمة إن شاء الله تعالى.

اخبار مرتبطة

  ملحق شعائر 7

ملحق شعائر 7

  أيها العزيز

أيها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ 6 أيام

دوريات

نفحات