الملف

الملف

منذ 5 أيام

روايةُ الولادة، وخطورةُ «المنهج» السّائد

روايةُ الولادة، وخطورةُ «المنهج» السّائد
ليس الخلافُ في السَّنَد، بل في المعتقَد!
ـــــــــ الشيخ حسين كوراني ـــــــــ

في العالم الإسلامي (ومنه إيران، والعراق، ولبنان، ومصر، والشّام) طَيْفٌ ينطلق من الحديث المحرّف المُبتَسر عن «بشريّة المعصوم»، فإذا تتبّعتَ  خطواتِه، وجدتَه يحارب «التوسّل» و«الشفاعة» و«كرامات المعصومين»، وكلَّ بُعدٍ غيبيٍّ مستغرَبٍ عندَه.
يُوصل التدبّر في «ثقافة» هذا الطّيف المستلَب إلى يقينٍ بتشكُّل «ظاهرة الوهّابيّة المقنّعة»، التي تشترك مع الوهّابيّة المكشوفة، وأجهزة الكفر في قواسم مشتركة، أبرزُها «إنزالُ المعصوم عن مرتبتِه التي رتّبَه اللهُ بها».
في هذا السِّياق كتب الشيخ حسين كوراني مقاربة منهجيّة حول النّظرة المختلفة بين منهجين إلى رواية مولد الصدِّيقة الكبرى عليها السلام، كنموذجٍ يُضيء على الخلاف في المنطَلقات.
«شعائر» 

***



يتحدّث الإمام الصادق عليه السلام عن مولد الصِّدِّيقة الكبرى، وأنّها عليها السلام، كانت تحدّث أمّها وهي جنين، بالإضافة إلى العديد من الغرائب الغيبيّة، التي يقرأ المسلمون في القرآن الكريم أمثالها ويعتقدون بها، إلّا أنّ الغزو الثقافي واستلابَه الخفيّ لعُمق الإيمان بالغيب عند الكثيرين -في مختلف البلاد الإسلامية إنْ لم يكن كلّها- أنتجَ حالةً مَرَضيّةً تُدعى «الحداثة الواهمة» و«العقلانيّة المُدّعاة» فتنكرُ من مضامين الرّوايات، ما ثبتَ في القرآن الكريم، وصار جزءاً من المعتقَد، أجمع عليه مراجعُ الدّين وعلماءُ الأمّة عبر الأجيال، ولا يُثنيهم عن هذا الإنكار قوّةُ السّند، فهم يعتبرون «عقلانيّتهم» حاكمة على الدنيا والآخرة، والسّند والغيب.
ولأنّ هذه الرّواية حول مولد الصّدِّيقة الكبرى الزّهراء عليها السلام، تصلح نموذجاً بارزاً لتطبيق المنهج العلمي السّليم، وتطبيق ما يسمّيه الوهّابيّون القُدامى والجدُد «منهجاً»، فقد اخترتُ هذه الرّواية –في أجواء ذكرى مولد سيّدتنا ومولاتنا الزّهراء عليها السلام- لتسليط الضوء على المَنْحَيَين وبعض النتائج، وقد اقتضى ذلك تقديم مدخلٍ يُضيء على القواسم المشتركة بين المنهج العلمي العقلي، الحضاري، والآخر المُدِّعي للعلميّة والعصريّة والعقلانيّة.

* إضاءة موجَزة على المُشترَكات
تشترك ظاهرة «الوهابيّة المقنَّعة» مع الوهّابيّة المعروفة والمكشوفة، في ادّعاء صيانة التوحيد في القلوب، وفي ادِّعاء عدم الإضرار بخالص عبادة الله تعالى –بزعمهم- من خلال بناء العلاقة القلبيَّة برسول الله وأهل البيت عليهم السلام، والتوسّل بهم أو الرّكون إلى شفاعتهم وغير ذلك.
يَعمى أتباعُ كلتي الوهّابيّتين عن صريح المبدأ القرآني في حُسن التوحيد، وسلامة التوحيد، والصّدق في حبّ الله تعالى الذي ينادي بعدم الفصل بين الله تعالى وبين عبدِه ورسولِه صلّى الله عليه وآله، لا في الطّاعة ولا في الحبّ، ولا في الفعل ولا في القول. إنّ معرفة حُسن التّوحيد الخالص الصافي متوقّفٌ على العلاقة القلبيّة برسول الله صلّى الله عليه وآله، إلى حدِّ أنّ مَن أراد أن يتوب إلى الله تعالى يجب أن يأتي إلى رسول الله ويستغفر الله تعالى ويستغفرَ له الرسول ليَحظى بالمغفرة منه سبحانه. والآيات الصّريحة بذلك كثيرة جدّاً كما هو واضح لكلّ مؤمن.
وبهذا العَمى يخرج الوهّابيّون القُدامى والجُدُد على إجماع العلماء الشّيعة والسّنة عبر القرون، في باب وجوبِ حبِّ رسول الله صلّى الله عليه وآله حبّاً هو كما أمر رسولُ الله صلّى الله عليه وآله أكثرَ من كلّ القائمة الطويلة والشّاملة التي تضمَّنَتْها الآية الرابعة والعشرون من سورة التوبة، وبالتالي أكثر من حبِّ النّفْس والولد، والسبب في هذا الحبّ، هو توحيد الله تعالى. فالرسول صلّى الله عليه وآله يجب حبُّه بما أنّه رسول الله، وأهل البيت يجب حبُّهم بما أنّهم «أهلُ بيت رسول الله»، فليس حبّ الرّسول والآل قسيماً مساوياً أو غير مساوٍ لحبّه سبحانه، بل هو متفرّعٌ على مَقْسم الحبّ الأوحد، حبِّ الله تعالى الواحد الأحد الذي لا يملك غيرُه -وإنْ كان الرّسول الأعظم وآله الأطهار هم الحقيقة المحمّدية- لنفسه نفعاً ولا ضرّاً، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً.
عَمِيت قلوبُ عتاة الوهّابيَّتَين عن رؤية «وحدة الحبّ» التي تجعلُ الحبَّ للرّسول الأعظم وآله الأطهار، تجلِّي حبّ الله تعالى ومُقتضاه، والطّريق الحصري إلى خالص التوحيد الذي لم يُلبَس بظلم، ولم يُشَب بشرك، فإذا بهذا العَمى يُظهرُهم على حقيقتِهم في خندقٍ واحد مع الشيطان الأكبر الإنكليزي بالأمس والأميركي اليوم، وكلّ المُتصهينين.
اتّفقت كلمةُ الجميع على ضرب قدسيّة رسول الله وأهل البيت صلّى الله تعالى عليه وعليهم وعلى جميع النبيّين.
وفي هذا المسار كان دعم المخابرات الإنكليزيّة في سالف الأيّام للوهّابيّة والوهّابيّين، ودعم أميركا والغدّة السرطانيّة الرّاهن والمستمرّ لهم. وفي هذا المسار كانت فتنة عميلهم «رشدي» في آياتهم الشيطانيّة، وكذلك ما نسمعه بين الحين والآخر، سواء عبر «الرسوم المسيئة» أم محاولات حرق القرآن الكريم، وغير ذلك.
تصبُّ جهود الوهّابيّتَين في محاولة  فصل الأمّة عن رسول الله، ويتركَّز دور الوهّابيّة المُقنّعة في هذا الخِضَمِّ برفع  شعار «بشريّة الرّسول» عبر تبنّي فهمٍ منْكر يقوم على «انعقاد الظّهور قبل اكتمال البيان»، أي إنّهم لا يُكملون الآية فيقرأون ﴿..يُوحى إليّ..﴾ الكهف:110؛ فصّلت:6.
والبشر الذي يُوحى إليه، ليس مثل سائر البشر إلّا في أصل البشريّة، لا مطلقاً. وللتفصيل مقام آخر. [يراجع للكاتب: (في المنهج: ألمعصوم والنصّ) - بشريَة الرّسول] 
تقوم «الوهابيّة» المكشوفة والمعروفة على فكر «إبن تَيْمِيَّة»، ولدى التَّدبُّر في فكر هذا الذي جاهر بانحرافه العديدُ من كبار الحُفّاط والفقهاء -كابن حَجر العسقلاني، وابن حَجر الهيثمي- نجد أنّه يقوم على دَعامتين إلحاديّتَين:

الأولى: فصلُ الأمّة عن العلاقة برسول الله صلّى الله عليه وآله بحجّة توحيد الله وعدم جواز العلاقة القلبيّة بغيره عزّ وجلّ.

الثانية: التجسيد، أنّ الله تعالى -والعياذ بالله تعالى– جسمٌ مُتحيِّز، كما ثبت في محلّه بالدّليل العلمي القاطع المستنِد إلى الصّريح من كلمات ابنِ تيميّة في التجسيم والتشبيه، ومن إنكار عددٍ من كبار الأئمّة السُّنة والشيعة عليه.

ممّا يدلُّ على الأولى:
أن ابن تيميّة يُحرِّم السفر إلى المدينة المنوّرة بنيّة زيارة قبر الرسول صلّى الله عليه وآله، وينبغي أن تكون النيّة زيارة المسجد النبويّ والصلاة فيه، ثمّ إذا دخل المسافر أو غير المسافر إلى المسجد النبوي (غير المرة الأولى) فإنّه يكره أن يلتفت إلى القبر ويقول: السلام عليك يا رسول الله!! ويتبنّى الوهابيّون ذلك ويُكثِرون من التصريح به في فتاواهم.
وعلى هذا الأساس فإنَّ مفتي الوهابيَّة السّعودي السابق «إبن باز» يفتخر -على ما نُقل عنه- بأنّه زار المدينة المنوّرة مراراً وتكراراً خلال أكثر من أربعين سنة، ولم يزُر قبرَ رسول الله صلّى الله عليه وآله.
وعلى هذا الأساس أيضاً يُبادر «المطوّعون» والحرس إلى كلمة «شرك.  شرك» كما يسمعهم الحجّاج يقولون لمَن سألهم عن قبر الرّسول، أو أراد أن يتبرّك بضريحه صلّى الله عليه وآله، وفي كُتب الوهّابيّين تصريحٌ بالنَّهي عن ذلك.
بديهيٌّ أنّ ابن تيمية وابنَ عبد الوهاب وعتاةَ الوهّابيّين،  يحرصون على التكتّم الشّديد على هاتين الدَّعامتَين، وربّما كان أكثر أتباعهم لا يعلمون أنّ فكر ابن تيميَّة يقوم عليهما، إلّا أنّ التتبّع الدّقيق يكشف عّما تقدّم بما لا مزيد عليه، ولا سبيل إلى إنكاره أو تأويله، ولستُ الآن بصدد ذلك، على أمل أن تكون إليه عودةٌ وافية بحوله تعالى.

* روايةُ مولد الزهراء عليها السلام
وردت رواية مولد الزهراء عليها السلام، في أمّهات المصادر مُسندةً عن الإمام الصادق عليه السلام، بطريقين أحدُهما معتبَر، وهو سندُ الشّيخ الصّدوق في (الأمالي)، ويأتي مزيدُ إيضاح.
 والمضمون، لا يتعارض مع القرآن الكريم، ولا الأُسس الإعتقادية، وقد أورد الحرّ العاملي هذه الرواية في كتابه (إيقاظ الهجعة) مستدلّاً بها على الرّجعة؛ لأنّها تضمَّنت الحديث عن رجوع النّساء الأربع إلى الدنيا، كما أورد هذه الرواية «الطبري» في (دلائل الإمامة) بسندٍ آخر -غير سند الشيخ الصّدوق- وقد وردت بنفس سند (الدلائل) في (مصابيح الأنوار) كما نقله عنه المجلسي في (بحار الأنوار).
 وتصلُح هذه الرواية المعتبرَة نموذجاً بارزاً للرّوايات التي يُغيِّبها المتنكِّبون للمنهج العلمي والعقلي، بذريعة عرض الإسلام بما «ينسجم مع روح العصر»! وهي ذريعة «حداثويّة» برّاقةٌ، إلّا أنّها سراب، فالإسلام يجب أن يُعرَض كما هو، وعلى روح العصر وكلّ العصور أن تنسجمَ معه، ليتحقَّقَ بذلك الخروج من عبادة الهوى والمزاج و«ما يحلو لنا» ونتصوّر أنّه «عصريّ»!
جاء في (أمالي) الشيخ الصَّدوق ما يلي:
«المجلسُ السابع والثمانون، مجلس يوم الجمعة الثامن والعشرين من رجب سنة ثمان وستّين وثلاثمائة.
حدّثنا الشيخ الجليل أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويّه القمّي رضِيَ الله عنه، قال: حدّثنا الحسين بن علي بن أحمد الصّائغ، قال: حدّثنا أبو عبد الله أحمّد بن محمّد الخليلي، عن محمّد بن عليّ بن أبي بكر الفقيه، عن أحمد بن محمد النّوفلي، عن إسحاق بن يزيد، عن حمّاد بن عيسى، عن زرعة بن محمّد، عن المفضَّل بن عمر، قال:
قلتُ لأبي عبد الله الصّادق عليه السلام: كيف كان ولادة فاطمة عليها السلام؟
فقال:
نعم، إنّ خديجة عليها السلام لمّا تزوّج بها رسولُ الله  صلّى الله عليه وآله هَجَرَتْها نسوةُ مكّة، فَكُنَّ لا يدخُلنَ عليها، ولا يُسَلِّمنَ عليها، ولا يترُكنَ امرأةً تدخلُ عليها، فاستوحَشتْ خديجةُ عليها السلام لذلك، وكان جَزَعُها وغمُّها حذراً عليه صلّى الله عليه وآله.
فلمّا حملت بفاطمة، كانت عليها السلام تُحدِّثها من بطنِها وتُصبِّرُها، وكانت تكتمُ ذلك من رسول الله صلّى الله عليه وآله، فدخل رسولُ الله يوماً فسمع خديجة تُحدِّث فاطمة عليها السلام، فقال لها: يا خديجة، مَن تُحدِّثين؟ قالت: الجنين الذي في بطني يُحدِّثُني ويُؤنِسُني.
قال: يا خديجة، هذا جبرئيل يُخبرني أنّها أُنثى، وأنَّها النَّسلة الطّاهرة المَيمونة، وأنّ الله تبارك وتعالى، سيجعل نَسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمّةً ويجعلهم خلفاءَه في أرضه بعدَ انقضاءِ وحيِه.
فلم تزَل خديجة عليها السلام على ذلك إلى أن حضرت ولادتُها، فوجّهت إلى نساء قريش وبني هاشم: أنْ تعالَين لِتَلِين منّي ما تلي النِّساءُ من النساء، فأرسلنَ إليها: أنتِ عصيتِنا، ولم تقبلي قولَنا، وتزوّجْتِ محمّداً، يتيمَ أبي طالب فقيراً لا مالَ له، فلسنا نَجيءُ ولا نلِي من أمرك شيئاً، فاغتمّت خديجةُ عليها السلام لذلك، فبَينا هي كذلك إذْ دخلَ عليها أربعُ نِسوة سُمر طِوال، كأنّهنَّ من نساء بني هاشم، ففزعت منهنّ لمّا رأتهن، فقالت إحداهنّ: لا تحزني يا خديجة، فإنّا رُسلُ ربِّك إليك، ونحن أخواتُك، أنا سارة، وهذه آسية بنت مزاحم، وهي رفيقتُك في الجنّة، وهذه مريم بنت عمران، وهذه كلثوم أختُ موسى بنِ عمران، بعثنا اللهُ إليك لِنَلي منك ما تلي النّساءُ من النّساء، فجلست واحدةٌ عن يمينِها، وأُخرى عن يسارِها، والثالثة بين يدَيها، والرّابعة من خَلْفها، فوضعت فاطمة عليها السلام طاهرةً مطهّرة.
فلمّا سقطت إلى الأرض أشرقَ منها النّور حتّى دخل بيوتاتِ مكّة، ولم يبقَ في شرقِ الأرض ولا غربِها موضعٌ إلّا أشرقَ فيه ذلك النّور، ودخل عشرٌ من الحور العين؛ كلُّ واحدةٍ منهنّ معها طستٌ من الجنّة، وإبريقٌ من الجنّة، وفي الإبريق ماءٌ من الكوثر، فتناولَتها المرأةُ التي كانت بين يدَيها فغسلتها بماء الكوثر، وأخرجت خُرقتين بيضاوين أشدَّ بياضاً من اللّبن، وأطيب ريحاً من المِسك والعنبر، فلفَّتها بواحدة وقنَّعتها بالثّانية، ثمّ استنطَقَتْها فنطقتْ فاطمة عليها السلام بالشّهادَتَين، وقالت: أشهدُ أنْ لا إله إلّا الله، وأنّ أبي رسول الله سيِّدُ الأنبياء، وأن بَعْلي سيِّدُ الأوصياء، ووُلدي سادةُ الأسباط، ثمّ سلَّمت عليهنّ وسَمَّتْ كلَّ واحدةٍ منهنَّ باسمها، وأقبَلْنَ يَضحكنَ إليها، وتباشرت الحورُ العين، وبشّرَ أهلُ السّماءِ بعضَهم بعضاً بولادة فاطمة عليها السلام، وحدَثَ في السماء نورٌ زاهرٌ لم ترَه الملائكةُ قبل ذلك، وقالت النِّسوة: خُذِيها يا خديجة، طاهرةً مطهَّرةً ميمونة، بورِكَ فيها وفي نسلِها، فتناولتْها فَرِحَةً مُستبشِرة، وألقمَتها ثَدْيَها فدرَّ عليها. فكانت فاطمة عليها السلام تَنمى في اليوم كما يَنمى الصبيُّ في الشّهر، وتَنمى في الشّهر كما يَنمى الصبيُّ في السّنة
».  (الشيخ الصدوق، الأمالي، ص 690)

* الغرائب
تتضمّن هذه الرواية الكثير من الغرائب، وأبرزُها ما يلي:
1- فلمّا حملت بفاطمة كانت عليها السلام تحدِّثها من بطنِها وتصبِّرُها.
2-  فدخل رسول الله صلّى الله عليه وآله يوماً فسمع خديجة تحدِّث فاطمة عليها السلام.
3- قال: يا خديجة، هذا جبرئيل يُخبرني أنّها أُنثى، وأنّها النَّسلة الطّاهرة الميمونة، وأنّ الله تبارك وتعالى سيجعل نسلِي منها، وسيجعل من نسلِها أئمّة، ويجعلهم خلفاءَه في أرضه بعد انقضاءِ وحيِه.
4-  دخل عليها أربع نسوة سُمْر طِِوال. إلخ.
5- فوضعت فاطمة عليها السلام طاهرة مطهّرة، فلمّا سقطت إلى الأرض أشرق منها النّور حتّى دخل بيوتاتِ مكّة، ولم يبقَ في شرق الأرض ولا غربها موضعٌ إلّا أشرق فيه ذلك النّور.
6-  ودخل عشرٌ من الحور العين كلُّ واحدةٍ منهنّ معها طستٌ من الجنّة، وإبريقٌ من الجنّة. إلخ.
7-  ثمّ استنطقَتْها فنطقتْ فاطمةُ عليها السلام بالشّهادتين، وقالت: أشهدُ أنْ لا إله إلّا الله، وأنّ أبي رسول الله سيّدُ الأنبياء، وأنّ بعلي سيّدُ الأوصياء، وولدي سادةُ الأسباط، ثمّ سلّمت عليهنّ، وسمَّت كلّ واحدةٍ منهن باسمِها، وأقبلنَ يضحكنَ إليها.
8-  وتباشرت الحور العين، وبشّر أهل السماء بعضَهم بعضاً بولادة فاطمة عليها السلام.
9-  وحدث في السماء نورٌ زاهرٌ لم ترَه الملائكةُ قبل ذلك.

* المنهج العلمي في التعامل مع هذه الرّواية، وأمثالها
1- عدم قبول الغرائب الواردة فيها وعدم رفضها، بانتظار نتيجة البحث، ويتلخّص ما تقدّم بعدم الحكم عليها بالمُسبَقات.
2-  دراسة السَّند، وهي تشمل البحث عن ورود الرّواية بأكثر من طريق (وسند هذه الرواية معتبَر).
3-  دراسة المضمون، وهل يتنافى مع القرآن الكريم وسائر الثّوابت المرتبطة (وتنسجم غرائبُ هذه الرواية مع مبدأَين قرآنيّين هما إمكانيّة حديث المولود عند الولادة، ووقوع ذلك لنبيّ الله عيسى عليه السلام، وبمستوى: قال إنّي عبدُ الله آتاني الكتاب وجعلني نبيّاً..، وإمكانيّة رجوع أمواتٍ إلى الدّنيا).
وحيث إنّ الخلاف مع «الوهّابيّة المُقنَّعة» ليس في السَّند، ولا في عدم معارضة المضمون للقرآن الكريم، بل في أصلِ فهمِ الغَيب والإيمان بالغَيب، فسأُورد نموذجاً لاعتماد العلماء هذا المنهج العلمي العقلي السليم في التعامل مع الرّوايات التي تتضمّن بعض الغرائب الشديدة، والهدف هو دعوةُ هؤلاء بصدق إلى وجوب إعادة النّظر في فهمِهم للغَيب، الذي يجعلُهم يعتبرونه النقيض «للواقع الموضوعي»! في حين أنّ الواقع الموضوعي غيبٌ أكثر منه شهادة.
وقد اخترتُ هذا النموذج المنهجي من كلمات الشيخ المفيد الذي كان بعضُهم يُكثِرُ من الإنتصار له على الشيخ الصّدوق الذي يعبِّر عنه الإمام الخميني: «الصّدوق الذي يتصاغر أمامَه أعاظمُ العلماء». 
هذا النّموذج هو التالي:

* روايات «الأشباح» كما يراها الشيخ المفيد
خصّص الشيخ المفيد قدّس سرّه، المسألة الثانية من كتابه (المسائل السّرويّة) للحديث عن «الأشباح  والذَّرِّ، والأرواح»، فأوردَ سؤالاً وُجِّه إليه، ثمّ أجاب عليه. وهذا نصُّ السّؤال والجواب مع إضافة عناوين فرعيّة:
«المسألة الثانية: في الأشباح والذّرّ والأرواح. ما قولُه -أدام الله تأييدَه- في معنى الأخبار المرويّة عن الأئمّة الهادية عليهم السلام في الأشباح، وخلْق الله تعالى الأرواحَ قبل خلقِه آدمَ عليه السلام بألفَي عام، وإخراج الذريّة من صلبِه على صور الذرّ؟ و(ما قوله في) معنى قول رسول الله صلّى الله عليه وآله: الأرواحُ جنودٌ مُجنّدة، فما تعارفَ منها ائتلَف، وما تناكَر منها اختلف.

*أباطيلُ الغُلاة
*الجواب: وبالله التوفيق. إنّ الأخبار بذكر الأشباح تختلفُ ألفاظُها وتتباينُ معانيها، وقد بنَت الغلاةُ عليها أباطيلَ كثيرة، وصنَّفوا فيها كُتباً لَغَوْا فيها وهَذَوْا في ما أثبتوه منه في معانيها، وأضافوا ما حوَته الكُتب إلى جماعةٍ من شيوخ أهل الحقّ، وتَخَرَّصوا الباطلَ بإضافتِها إليهم، من جملتِها كتابٌ سمَّوه: (كتاب الأشباح والأظِلَّة)، ونسبوا تأليفَه إلى «محمّد بن سنان». ولسنا نعلم صحّة ما ذكروه في هذا الباب عنه، فإنْ كان صحيحاً فإنّ ابنَ سنان قد طُعِن عليه، وهو متَّهمٌ بالغُلُوّ. فإنْ صدقوا في إضافة هذا الكتاب إليه فهو ضالٌّ بضلاله عن الحقّ، وإنْ كذبوا فقد تحمّلوا أوزارَ ذلك.

* الصّحيحُ من حديث الأشباح

 والصّحيح من حديث الأشباح، الرّوايةُ التي جاءت عن الثُّقاة: بأنّ آدم عليه السلام رأى على العرش أشباحاً يلمعُ نورُها، فسأل الله تعالى عنها، فأوحى إليه: أنّها أشباحُ رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين صلواتُ الله عليهم وأعلَمَه أنْ لولا الأشباحُ التي رآها ما خَلَقَه ولا خلق سماءً، ولا أرضاً.

* وجهُ الحكمة في ذلك
 والوجه في ما أظهرَه الله تعالى من الأشباح والصّور لآدم عليه السلام أنْ دَلّه على تعظيمِهم وتبجيلِهم، وجعل ذلك إجلالاً لهم، ومقدِّمةً لما يفترضُه من طاعتِهم، ودليلاً على أنّ مصالح الدّين والدّنيا لا تتمّ إلّا بهم. ولم يكونوا في تلك الحال صوراً مُحياةً، ولا أرواحاً ناطقة، لكنَّها كانت صُوَراً على مثلِ صورِهم في البشريّة تدلُّ على ما يكونون عليه في المستقبل من الهيئة. والنُّورُ الذي جعله عليهم يدلُّ على نورالدِّين بهم، وضياء الحقِّ بحُجَجِهم.
* أسماؤهم مكتوبةً على العرش
 وقد رُوي أنّ أسماءهم كانت مكتوبةً إذْ ذاك على العرش، وأنّ آدم عليه السلام لمّا تابَ إلى الله عزّ وجلّ وناجاه بقبول توبتِه سألَه بحقّهم عليه، ومحلِّهم عندَه، فأجابه. وهذا غيرُ منكَرٍ في العقول ولا مضادٌّ  للشَّرع المعقول، وقد رواه الصّالحون الثّقاة المأمونون، وسلم لروايته طائفةُ الحق، ولا طريقَ إلى إنكاره. واللهُ وليُّ التوفيق». (برنامج مكتبة أهل البيت - الشيخ المفيد، المسائل السرويّة: ص 37 - 40)

***



وأنت ترى كيف تعامل هذا العالم العَلَم مع الرّوايات التي لم تثبت صحّتُها، الّتي بنى الغُلاة عليها «لَغوا، وهَذَوْا فيها» ليَخْلُص إلى التأكيد على الصّحيح من روايات «الأشباح»، ثمّ أدرجَ عنوانَي محورَين بالغَي الأهميّة: أنّ أسماء الرّسول وأهل البيت عليهم السلام، كانت مكتوبةً على العرش قبل خلْق آدم عليهم وعليه السلام، وأنّ توبة النّبيّ آدم عليه السلام قد قُبِلت بالتوسّل بهم عليهم صلوات الله تعالى.
ومن الواضح أنّ تغييب مثل هذه المحاور لدى دراسة سيرة المعصوم، يؤسِّس لِفتح بابِ كثيرٍ من الشُّبهات التي تبقى حائرة نتيجة اجتزاء معرفة المعصوم، واعتماد منهجيّةٍ للتعريف به لا تختلف عن منهجيّة دراسة سيرة غير المعصوم.
وهذا هو بالتحديد ما يقعُ في مغالطاته، المتظاهرون بالحداثة الموهومة، و«العقلانية المدّعاة» التي هي في الحقيقة «الشّوهاء، والنّكراء» كما وصفَها الإمام الصادق عليه السلام، وفي ما يأتي مزيدُ إيضاح.

* كيف تتعامل ظاهرة «الوهّابيّة المقنَّعة» مع هذه الرواية؟
يعتمدون «آلية» يسمُّونها منهجيّة، ويعتبرونها عقلانيّة، وما هي من المنهجيّة والعقلانيّة بشيء، وذلك عبر الخطوات التالية:
1-  يقفون فقط عند المفاصل الغريبة في هذه الرّواية، وغيرها.
2- يزِنُونها بميزان مسبقاتٍ مزاجيّة يظنُّونها عقلاً، وما هي إلّا نتاج الثقافة المادّية وغزوها الثقافي المُستَشري.
3- يستنتجون أنّ العقل يحكم بردِّها والتبرّؤ منها، ولا يتنبّهون إلى أنّ العقل الحجّة ليس عقلَ الفرد، بل هو عقلُ العقلاء، أي «ما تسالمَ عليه العقلاء».
4-  فإذا واجهوا أثناءَ استعراضهم النَّصّ، غريبةً ترتبط بأهل البيت عليهم السلام، اعتبروا هذا  دليلاً على «الغلُوّ الشِّيعي» -الذي يُحاربونه دون تحديد مفهومِه فيخلطون الحقّ بالباطل والغلوَّ بالوهابيّة- وتتحرّك فيهم روح «الصّدم» -كما عبّر بعضُهم- المبنيّة على ثقافة: «إشهدوا لي عند الأمير» الذي هو الآن «العصر».
 إنّهم يرون أنّ «روحَ العصر» حاكمة ومقدَّمة على دراسة السَّند والمضمون، وحتّى على الثّوابت التي أجمع عليها العلماء المختصّون. ولذلك فهم يحكمون على هذه الرّواية وأمثالها بأنّها «لا تنسجم مع روح العصر».

***


ليست المشكلة في أنّ هذه الأمور الغيبيّة لم ترِد في القرآن فلذلك لا نقبلها، هناك حُسن نيّة عند البعض يقترن بخلَلٍ منهجيّ فاضح، يصل إلى حدّ الخَجل من ذكر الغَيب بدعوى الواقعيّة والعقلانيّة!!
إمّا أن ننسجم مع عنواننا القرآني «المؤمنين بالغيب» الموقنين بأنّه واقعٌ موضوعيّ، بل الواقع الموضوعي، وما الشّهادة إلّا ظلُّه، وإمّا الرّوح الإنهزاميّة التي تستقوي بالخارج (الثّقافي)، وتداهنُه إلى حدِّ الغزْل بمغزلِه، والنَّسجِ على منواله، لتَحظى بإطرائه.

***

من النتائج الثقافيّة السلبيّة التي نتجت عن عبادة صنم «العصر» كمفردة من مفردات «الهوى» و«المزاج» أن يصبحَ «الإستغرابُ» دليلاً على البُطلان، في حين أنّ حكم الإستغراب و«الإستحسان» واحد. «دينُ الله، لا يُصاب بالعقول».
ولقد بلغ الأمر بأصحاب هذا المَنحى أنْ تبلورت في أوساطهم «وهابيّةٌ مقنَّعة» تلتقي مع «الوهّابيّة المكشوفة» في أكثر المنطلقات «الماديّة» التي تضرب عصبَ الإيمان؛ وهو «الإيمان بالغيب». والمفارقة أنّ هولاء وأولئك يتذرّعون بالمحافظة على «نقاء التوحيد»!
إنّهم يصرّون مثلاً على  تفسيرٍ سطحيٍّ لبشريّة الرّسول، ويؤسّسون عليه أنّ  إخلاص التوحيد رهنُ الإعراض عمّا عدا الله تعالى، ناسينَ -في أحسن حالاتِهم- أنّ معرفة الله تعالى وما يحبُّه سبحانه ويرضاه، رهنُ اتّباعِ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله. ﴿قلْ إنْ كنتم تحبّون الله فاتّبعوني..﴾ آل عمران:31، ﴿..ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله..﴾ النساء:64، فكيف يُمكن الإعراض عن رسول الله والإنقطاع إلى الله تعالى دون تعلُّم هذه المعرفة، وهذا الإنقطاع من رسول الله صلّى الله عليه وآله.
وما ينطبق –عند هولاء المستغرِبين- على رسول الله صلّى الله عليه وآله، ينطبق عندهم على سائر المعصومين عليهم السلام، بل إنّهم أكثر جرأة في الحديث عنهم.
يلحق بهذه الجرأة شطبُ أو تغييبُ كثيرٍ من الرّوايات عن المعصومين عليهم السلام، لأنّ أفهام هؤلاء موصدَة -في عَمَدٍ حداثويّ مدّعاةٍ ممدّدة- بالإضافة إلى أنَّ هذه الروايات ليست قرآناً لا يجرؤون على التنكُّر له.
عنيتُ بذلك الرّوايات التي تتضمّن من الغرائب والجرعات الغيبيّة ما تزيغُ منه أبصارُ هؤلاء، كروايات  معاجز المعصومين وكراماتِهم، وروايات الثّواب الكثير جدّاً على أعمالٍ غالباً ما تكون يسيرة، وروايات خصائص المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام، من «الخَلْق قبل الخلق» وروايات «الطّينة» و«النّور» و«الأشباح»، وغير ذلك ممّا أثبتَه البحث العلمي الإجتهادي، وتبنَّاه كبار العلماء كالشّيخ المفيد والطّوسي وغيرهما. أي ليس الخلاف مع هؤلاء في وجود روايات لم تثبُت، بل الخلاف في ردّهم الرّوايات الثابتة لمجرّد غرابتِها، ولأنّها عندهم «لا تنسجم مع روح العصر». لقد بنَوا على معتقداتٍ تتنافى مع المعتقد الحقّ.
بكلمة: ليس الخلافُ في السَّند، بل في المعتقَد! وأكثر الرّوايات حول الزهراء عليها السلام، لا يمكن أن تفهَم بناءً على هذا «المنهج» السّائد. [للتوسّع في ذلك يراجع: (في المنهج: ألمعصوم والنَّصّ)، و(رؤية المهديّ المنتظَر) للكاتب]

صدَرت -في الآونة الأخيرة في لبنان- بعضُ الكلمات والأقوال من عدّة أشخاص، من قبيل «ولماذا تتبرّكون بتربة كربلاء ".."!!»، ولن أُشير إلى أكثر من ذلك إفساحاً في المجال للإقلاع عن طرح مثل هذه الشُّبهات الشيطانيّة المُمعِنة في الجُرأة على الله تعالى والمعتقَد -ولا نقوِّم النّوايا، بل النتائج- والتي شغلت المشهد الثّقافي الإسلامي في لبنان طيلةَ فترة سابقة مؤلِمَة.
إنْ سكتَ «القوم» عن المسِّ بأهل البيت عليهم السلام، سَكَتْنا عن الأشخاص واقتصَرْنا على البحث المنهجي العام -دون تسميات وباجتنابِ ذكرِ الشّواهد من كلماتِهم إلى أقصى حدٍّ مُمكن- لأنّ البحث المنهجي كفيلٌ بإراحة السّاحة، ونقْلِ الخلاف من الشخصانيّة إلى الفكرة، وهو يحقّق المحافظة على روح الوحدة والبحث العلمي، ليكون هذا البحث الفكريّ، متمِّماً للأبحاث التاريخيّة والفقهيّة الرائدة التي تولّاها سماحة العلّامة الكبير المحقّق السيّد جعفر مرتضى دام حفظُه.
وإنْ لم يسكتوا، فإنّ الواجب يقضي بمعاودة الكرّة مجدّداً، وبطريقة مختلفة هذه المرّة، تعتمد منهجيّة التحليل العلمي للمُنطلقات الفكريّة للرّمز الذي يظنُّ هؤلاء أنّهم يمثّلون استمراراً لموقعِه الإصلاحي التَّجديدي الكبير، مع ذكر الشّواهد الكثيرة بالتفصيل، وإضافة الحوارات الخاصّة في مجالات عديدة وطيلة فترة مديدة، مع من لا ننكر دوره الرّيادي في دعم المقاومة الإسلامية أعزّها الله تعالى، ولا ننكر أنّ له الفضلَ على أجيال الإسلام الحركي في لبنان، إلّا أنّ الأمر وصل إلى ما لم نكن نحبُّه من دَوران الأمر بين أهل البيت عليهم السلام وبينَه.
ما تقدّم بمثابة تحذير لبعض المُبتدئين بحملةٍ جديدة تضرُّ ولا تنفع، وقد تُدخِل السّاحة في دوّامةٍ شبيهةٍ بسابقتِها، مع اليقين بأنّ النتيجة هذه المرّة مختلفة جذريّاً.
 

اخبار مرتبطة

  ملحق شعائر 7

ملحق شعائر 7

  أيها العزيز

أيها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ 5 أيام

دوريات

نفحات