موقف

موقف

منذ أسبوع

الشّهَوات

الشّهَوات
بين الإشباع والإعراض
________الشّهيد السيّد محمّد صادق الصّدر*_______


يمكن أن نقسِّم إشباع الشَّهوات إلى قسمين :
القسم الأوّل: إشباع الشَّهوات التي تكون حاجاتُها ضروريّة أو شبه ضروريّة، كالمستوى الاعتيادي من الطَّعام والشَّراب واللِّباس والمنام ونحو ذلك .
القسم الثّاني: إشباع الشَّهوات التي لا تكون ضروريّة تماماً، بل هي مجرَّد بذْخ ورفاه زائد في الحياة، بالشّكل الذي قد يشمل أحيانا الشَّهوات المحرَّمة أي ذات الإشباع المحرَّم .
والإعراض عن الشَّهوات وإهمالها والصَّبر على ترك إشباعها، مطلوبٌ في الشَّريعة بلا إشكال. إلَّا أنَّ مستوى التّركيز على المطلوبيّة يختلف من ناحية، والمكلَّف الذي تطالبه الشَّريعة بذلك يختلف أيضاً حسب القسمَين السَّابقَين .
فالإعراض عن الشَّهوات المحرَّمة مطلوبٌ عامٌّ من كلِّ أحد، لوضوح أنَّ التّورُّط فيها تورُّطٌ في محرَّم. وكذلك بشكل وآخر، فإنَّ الإعراض عن شهوة التّوسُّع في العيش وزيادة المال والرَّفاه أيضاً مطلوب في الشَّريعة. ويدلّ عليه عدّة آيات من القرآن الكريم، منها قوله تعالى: ﴿..ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب﴾ الشورى:20. وهي واضحة في أنَّ الطلب المتزايد للدُّنيا يوازي ويستلزم عدم دخول الجنّة .
وكذلك تدلّ عليه الآية: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهوات مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا. وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ آل عمران:14. وهي واضحة في التّنافي (التّقريبي) بمعنى التّوسُّع في دار الدُّنيا وحسن المآب. ولذا يقول سبحانه بعد ذلك مباشرة: ﴿قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ﴾ آل عمران:15، وفي الآية دلالة على التّنافي بين الطَّلب المتزايد للدُّنيا والحصول على الرِّضوان .
ومعه يتَّضح أنَّ المراد من النِّساء والبنين -أعني في هذه الآية- ليس هو مجرَّد الزَّواج، بل هو الاستكثار منهنّ، بقرينة ما ذُكر بعد ذلك من الإستكثار من البنين والأموال المعدودة في الآية. ومعه يكون الاستكثار من النِّساء -بصفته مصداقاً لكثرة طلب الدُّنيا- أمراً مرجوحاً شرعاً. وهذا لا يستلزم أن يكون مطلق الزّواج ولو بواحدة أو اثتَين أمراً مرجوحاً. فما دلَّ على رجحانه من الأدلّة يبقى في محلّه .
وأمَّا الإعراض عن الشَّهوات من القسم الأوّل، يعني للحاجات المتعارفة لجميع النّاس، فهو من أقسام الزُّهد. وهو خاصٌّ بمَن التَفَتَ إليه وأصبح له همَّة نحوه. طبقاً لقوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا..﴾ العنكبوت:69، وليس هذا الأمر عامّاً بين النّاس، كما هو معلوم.
هذا ولا يبعد أن يكون الإعراض عن الزَّواج أو تأخيره ونحو ذلك، نحواً من الزُّهد.. مع الوثوق بالنّفس في عدم الوقوع في أيّ حرام أو مرجوح. لكن لا بدّ من الاعتراف أنَّ هذا صعبٌ جداً على الشَّاب. ولا يبعد أن تكون هذه الصُّعوبة هي التي قلَّصت الوضوح الشَّرعي في النُّصوص المنقولة في استحباب الزُّهد لبعض النّاس في النِّكاح، لأنَّه بلا شكّ أصعب من الزُّهد في الطَّعام والشَّراب. فلم يكن من الحكمة بيانُه والتَّركيز عليه.

_______________
* من كتابه (ما وراء الفقه)

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ أسبوع

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات