أحسن الحديث

أحسن الحديث

منذ 5 أيام

﴿.. وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ..﴾


﴿.. وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ..﴾
نظرة في آراء المفسّرين
ـــــ إعداد: «شعائر» ـــــ

قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا الله وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ المائدة:35.
جولة في عددٍ من أبرز آراء المفسّرين حول تفسير معنى «الوسيلة» مستهلّة بوقفة متأنّية مع ما ذكرَه العلّامة الطّباطبائي في تفسير (الميزان).
تجدر الإشارة إلى أنّ جميع هذه الآراء تلتقي على أنّ معنى «الوسيلة» هو الأصل اللّغوي لها، والذي يعني «ما يُتقرَّب به»، ويُجمع المسلمون على أنَّ أساس تقرُّب المؤمن بالله تعالى ورسوله هو «المودّة في القربى».

`يفتتح العلّامة السيّد محمّد حسين الطباطبائي الحديث عن تفسير قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا الله وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ المائدة:35، بنقل عبارة الراغب الأصفهاني في (المفردات): «الوسيلة التوصّلُ إلى الشيء برغبة، وهى أخصُّ من الوصيلة لتضمُّنها لمعنى الرغبة، قال تعالى: ﴿..وابتغوا إليه الوسيلة..﴾ المائدة:35، وحقيقة الوسيلة إلى الله تعالى مراعاة سبيلِه بالعلم والعبادة، وتحرّي مكارم الشريعة، وهي كالقُربة».
ثم يعلّق السيّد الطباطبائي قدّس سرّه: وإذ كانت نوعاً من التوصّل -وليس إلّا توصُّلاً واتّصالاً معنويّاً بما يوصِل بين العبد وربّه، ويربط هذا بذاك، ولا رابط يربط العبد بربّه إلّا ذلّةُ العبوديّة- فالوسيلة هي التحقّقُ بحقيقة العبودية، وتوجيه وجه المَسكنة والفقر إلى جنابه تعالى، فهذه هي الوسيلة الرابطة، وأمّا العلم والعمل فإنّما هما من لوازمها وأدواتها كما هو ظاهر، إلّا أن يُطلق العلم والعمل على هذه الحالة نفسِها.
ومن هنا يظهر أنّ المراد بقوله: ﴿..وجاهدوا في سبيله..﴾ المائدة: 35، مطلق الجهاد، الذي يعمّ جهاد النفس وجهاد الكفّار جميعاً، إذ لا دليل على تخصيصه بجهاد الكفّار مع اتّصال الجملة بما تقدّمها من حديث ابتغاء الوسيلة ".." وعلى هذا، فالأمر بالجهاد في سبيل الله بعد الأمر بابتغاء الوسيلة إليه، من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ اهتماماً بشأنه، ولعلّ الأمر بابتغاء الوسيلة إليه بعد الأمر بالتقوى أيضاً من هذا القبيل.
يُضيف العلّامة مفسّراً الآية التالية، وهي قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ المائدة:36، معتبراً إيّاها تعليلاً لمضمون الآية السابقة فيقول:
والمحصّل: أنّه يجب عليكم أن تتّقوا الله، وتبتغوا إليه الوسيلة، وتجاهدوا في سبيله، فإنّ ذلك أمر يهمّكم في صرف عذاب أليم مقيم عن أنفسكم، ولا بدَل له يحلّ محلّه، فإنّ الذين كفروا فلم يتّقوا الله، ولم يبتغوا إليه الوسيلة، ولم يجاهدوا في سبيله، لو أنّهم ملكوا ما في الأرض جميعاً -وهو أقصى ما يتمنّاه ابن آدم من المُلك الدنيوي عادة- ثمّ زِيد عليه مثله ليكون لهم ضعفا ما في الأرض، ثمّ أرادوا أن يفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تُقُبِّل منهم، ولهم عذاب أليم، يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها لأنّه عذاب خالد مقيم عليهم لا يفارقهم أبداً.
وفي الآية إشارة أوّلاً إلى أنّ العذاب هو الأصل القريب من الإنسان، وإنّما يصرفُه عنه الإيمان والتقوى كما يشير إليه قوله تعالى: ﴿وإنْ منكم إلّا واردها كان على ربّك حتماً مقضيّاً * ثمّ ننجّي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيّاً﴾ مريم:71-72، وكذا قوله سبحانه: ﴿إنّ الإنسان لفي خسر* إلّا الذين آمنوا وعملوا الصالحات..﴾ العصر:2-3. ".."

تأويل الآية

ينقل العلّامة الطباطبائي عن تفسير علي بن إبراهيم القمّي ما رواه عن الإمام الباقر عليه السلام في تفسير قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا الله وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ..﴾ المائدة:35، قال عليه السلام: «تقرّبوا إليه بالإمام».
ثمّ يعلّق: أي بطاعته، فهو من قبيل الجري والانطباق على المصداق. ونظيره ما عن ابن شهرآشوب، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام في قوله تعالى: ﴿..وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ..﴾ المائدة:35: «أنا وسيلتُه».
وقريبٌ منه ما في (بصائر الدرجات) للصفّار بإسناده عن سلمان، عن عليٍّ عليه السلام. ويمكن أن تكون الروايتان من قبيل التأويل فتدبّر فيهما.
وفي (مجمع البيان) للطبرسي: رُوي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله: «سَلوا الله ليَ الوسيلة فإنّها درجةٌ في الجنّة لا ينالها إلّا عبدٌ واحد، وأرجو أن أكون أنا هو».
وفي (معاني الأخبار) للشيخ الصدوق بإسناده، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «إذا سألتم الله فاسألوا لي الوسيلة». فسألنا النبي صلّى الله عليه وآله عن الوسيلة، فقال: «هي درجتي في الجنّة..» (الحديث) وهو طويل معروف بحديث الوسيلة [ورد في: معاني الأخبار، ومن لا يحضره الفقيه، وعلل الشرائع للصدوق؛ وفي روضة الواعظين للفتال النيسابوري؛ وغيرها]
وأنت إذا تدبّرت الحديث وانطباق معنى الآية عليه، وجدت أنّ الوسيلة هي مقام النبي صلّى الله عليه وآله من ربّه الذي به يتقرّب هو إليه تعالى، ويلحق به آلُه الطّاهرون، ثمّ الصّالحون من أمّته.
وقد ورد في بعض الروايات عنهم عليهم السلام: «أنّ رسول الله آخذٌ بحُجزة ربّه، ونحن آخذون بحُجزته، وأنتم آخذون بحُجزتنا». وإلى ذلك يرجع ما ذكرناه في روايتَي القمّي وابن شهرآشوب أنّ من المحتمل أن تكونا من التأويل "..".
ومن الملحق بهذه الروايات، ما رواه العيّاشي عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «عدوّ عليٍّ هم المخلّدون في النار قال الله: ﴿..وما هم بخارجين منها..﴾ المائدة:37». ".."
(تفسير الميزان: ج 5 ص 333)

التقرّب أو النتيجة المرجوّة منه

ورد لفظ «الوسيلة» في موضعين من كتاب الله العزيز؛ في الآية 35 من سورة المائدة التي سبقت الإشارة اليها، وفي الآية 57 من سورة الإسراء في قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾. الإسراء:57
وفي (التفسير الأمثل) يمهّد آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي لتفسير هذه الآية الأخيرة بطرح سؤالٍ مباشر: «ما هي الوسيلة؟»، لتأتي الإجابة عليه كما يلي:
«الوسيلة» تعني التقرّب، أو الشيء الذي يبعث على التقرّب، أو النتيجة التي يمكن الحصول عليها من التقرّب.
على هذا الأساس، فإنّ هناك مفهوماً واسعاً جدّاً لكلمة «الوسيلة» يشمل كلَّ عملٍ جميلٍ ولائق، وتدخل في مفهومها كلّ صفة بارزة أخرى، لأنّ كلّ هذه الأمور تكون سبباً في التقرّب من الله، كما في الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: «إنَّ أفضل ما توسّل به المتوسّلون إلى الله سبحانه وتعالى، الإيمان به وبرسوله، والجهاد في سبيلِه، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وصوم شهر رمضان، وحجّ البيت واعتماره، وصِلة الرَّحِم، وصدقة السّر، وصدقة العلانية، وصنائع المعروف..».
كذلك، فإنّ شفاعة الأنبياء والأئمّة والأولياء الصالحين تُقرّب إلى الله وفق ما نصّ عليه القرآن الكريم، وهي داخلة في المفهوم الواسع لكلمة «الوسيلة»، وحتّى عندما نُقسم على الله بمقام الأنبياء والأئمّة والصّالحين، فإنّه يدلّ على حبّنا لهم والاهتمام بالدِّين الذي دعوا إليه. هذا القَسم يعتبر -أيضاً- واحداً من المعاني الداخلة في المفهوم الواسع لكلمة «الوسيلة». والذين خصّصوا هذه الآية وقيّدوها ببعض هذه المفاهيم لا يمتلكون في الحقيقة أيّ دليل على هذا التخصيص، لأنّ كلمة «الوسيلة» تُطلق في اللّغة على كلّ شيء يؤدّي إلى التقرّب.

(تفسير الأمثل: ج 3 ص 695؛ ج 9 ص35 بتصرّف)

في تفاسير المسلمين السنّة

نكتفي بإيراد ثلاثة نماذج من أهمّ تفاسير المسلمين السنّة، وهي عموماً تدور على فكرة واحدة عند مقاربتهم لمعنى «الوسيلة».
1- تفسير الثعلبي: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا الله وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ..﴾ المائدة:35، أي: واطلبوا إليه القربة. وهي في الأصل ما يُتوصّل به إلى الشيء ويُتقرّب به، يقال: وَسَلَ إليه وسيلةً وتوسَّل، وجمعُها وسائل.
قال عطاء: قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: «الوسيلة أفضل درجات الجنّة». وقال صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: «سَلوا الله لي الوسيلة، فإنّها أفضل درجة في الجنّة، لا ينالها إلّا عبدٌ واحد، وأرجو أن أكون أنا هو».
وروى سعيد بن طريف عن الأصمعي عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: «في الجنّة لؤلؤتان إلى بطنان العرش، إحداهما بيضاء والأخرى صفراء، في كلّ واحد منهما سبعون ألف غرفة؛ أبوابها وأكوابها من عرق واحد، فالبيضاء واسمُها الوسيلة لمحمّد صلّى الله عليه وآله وأهل بيتِه، والصفراء لإبراهيم عليه السلام وأهل بيتِه».
(تفسير أبي إسحاق الثعلبي: ج 4 ص 59)


2- تفسير الرازي: الوسيلة من وسلَ إليه إذا تقرّب إليه. ".." إنّه تعالى إنّما أمر بابتغاء الوسيلة إليه بعد الإيمان به، والإيمانُ به عبارة عن المعرفة به، فكان هذا أمراً بابتغاء الوسيلة إليه بعد الإيمان وبعد معرفتِه، فيمتنع أن يكون هذا أمراً بطلب الوسيلة إليه في معرفته، فكان المراد طلب الوسيلة إليه في تحصيل مرضاته وذلك بالعبادات والطاعات. ".."
(التفسير الكبير للفخر الرازي: ج 11 ص 220)

3- تفسير القرطبي: قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا الله وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ..﴾ المائدة:35، الوسيلة هي القربة ".." ويقال: هما يتساولان، أي يطلب كلُّ واحدٍ من صاحبه، فالأصلُ الطلب، والوسيلة القربة التي ينبغي أن يُطلَب بها، والوسيلة درجة في الجنة، وهي التي جاء الحديث الصحيح بها في قوله عليه الصلاة والسلام: «فمَن سألَ لي الوسيلة حلّتْ له الشفاعة».
(تفسير أبي عبد الله القرطبي - الجامع لأحكام القرآن: ج 6 ص 159)


من فتاوى الفقهاء حول «ابتغاء الوسيلة»
في الكتاب الفقهي (صراط النّجاة) فتاوى للمرجعَين الكبيرَين الرّاحلَين السيّد الخوئي والميرزا جواد التبريزي قدّس سرّهما، اختارت منها «شعائر» ما يلي:
• سؤال 1306: هل يجوز طلب الولد أو الرّزق أو الحفظ والأمان إلخ.. من المعصومين عليهم السلام مباشرةً -لا لأنَّهم يَخلقون أو يَرزقون- وإنَّما لأنَّهم الوسيلة إلى الله تعالى والشُّفعاء إليه بقضاء الحاجات، ولأنَّهم لا يفعلون شيئاً إلَّا بإذنه جلَّ شأنُه، فهُم يَسألونه فيَخلق ويَسألونه فيَرزق، ولا تُرَدُّ لهم مسألة أو دعاء لِمنزلتهم منه جلَّ شأنه ولِولايتهم علينا، وقد قال تعالى: ﴿..وابتغوا إليه الوسيلة..﴾ المائدة:35 و﴿..يبتغون إلى ربهم الوسيلة..﴾ الإسراء:57؟
-الخوئي: لا بأس بذلك القصد .
• سؤال 1313: المُتَعارَف حال النّهوض أو القيام أو حال أيّ عمل، الاستنجاد بالنّبيّ صلّى الله عليه وآله أو الإمام عليّ أو أحد الأئمّة عليهم السلام، فهل يجوز ذلك عن قصد، علماً أنَّ الاعتقاد هو أنّهم الباب إلى الله تعالى؟
-الخوئي: لا بأس بتوسيطهم والاستشفاع بهم إلى الله تعالى كوسيلة في قضائه هو حوائج المتوسِّلين، لأنَّه تعالى رغَّب في التّوسل بقوله تعالى ﴿..وابتغوا إليه الوسيلة..﴾ المائدة:35.
• سؤال 996: ما حُكم قول «أدركنا يا عليّ»، و«يا أبا الغَيْث أَغثنا»، وغير ذلك؟
-الخوئي: قول القائل: «أدركنا يا عليّ» لا مانع منه وهو يقصد التّوسُّل به إلى الله، وهل هناك مانع من قول الغريق أو الحريق ومَن إليهما حين يستغيث بمَن يُنقذه فيقول: يا فلان أَنقذني؟!
وهناك آية في القرآن الكريم تؤيِّد ذلك، وهي قوله تعالى:
﴿..ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم، جاؤوك فاستغفروا الله، واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما﴾ النساء:64.
-التبريزي: يُضاف إلى جوابه قدس سره: ويُزاد على ذلك قوله تعالى: ﴿..وابتغوا إليه الوسيلة..﴾ المائدة:35.

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

منذ 4 أيام

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات