الجهاد الأكبر. -27- ثمرات الذكر

الجهاد الأكبر. -27- ثمرات الذكر

منذ 3 أيام

كما أن للروح الحيوانية التي يقوم بها الجسد غذاءها وقوْتَها من الطعام والشراب وسائر احتياجاته وبذلك تبقى في قيد الحياة، فكذلك للروح الإنسانية غذاؤها وقوْتها، وإذا حُرِمَته ماتت الروح الإنسانية، وظل الإنسان جسداً...

كما أن للروح الحيوانية التي يقوم بها الجسد غذاءها وقوْتَها من الطعام والشراب وسائر احتياجاته وبذلك تبقى في قيد الحياة، فكذلك للروح الإنسانية غذاؤها وقوْتها، وإذا حُرِمَته ماتت الروح الإنسانية، وظل الإنسان جسداً يحمل نفساً، وروحاً حيوانية أما روحه الإنسانية التي تميزه عن الحيوان فقد ماتت. وموت الروح موت صاحبها، فمن فقد الإنسانية مات ولو ملأ الدنيا ضجيجاً. غير أن هذا الموت يختلف عن الموت المعروف، فإن صاحبه لايحمل إلى القبر، بل يقبر وهو يروح ويجيء، وينام ويستيقظ، فهو قبر متجول! ومن خصائص كرامة الإنسان أن هذا الميت الذي تحول إلى قبر، يمكن أن تبعث فيه الروح الإنسانية مجدداً: * أوَمن كان ميتاً فأحييناه، وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس، كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها، كذلك زُيِّن للكافرين ماكانوا يعملون* الأنعام 122


بعد أن عرفنا في حلقات سابقة أهمية الذكر، وأن المطلوب الإكثار منه، هذه وقفة مع ثمرات الذكر:

* أولاً: قوت الأرواح:

الإنسان جسد وروح، والروح في الإنسان على قسمين: روح حيوانية، يشترك بها مع الحيوان، وروح إنسانية قوامها العقل، هي روح الإدراك والوعي، وبها يمتاز الإنسان عن الحيوان ليبدأ رحلة الإنسانية التي تقع نقطة انطلاقتها الأولى فوق تحكم الغرائز وعندتحكم العقل.

وكما أن للروح الحيوانية التي يقوم بها الجسد غذاءها وقوْتَها من الطعام والشراب وسائر احتياجاته وبذلك تبقى في قيد الحياة، فكذلك للروح الإنسانية غذاؤها وقوْتها، وإذا حُرِمَته ماتت الروح الإنسانية، وظل الإنسان جسداً يحمل نفساً، وروحاً حيوانية أما روحه الإنسانية التي تميزه عن الحيوان فقد ماتت.

وموت الروح موت صاحبها، فمن فقد الإنسانية مات ولو ملأ الدنيا ضجيجاً.

غير أن هذا الموت يختلف عن الموت المعروف، فإن صاحبه لايحمل إلى القبر، بل يقبر وهو يروح ويجيء، وينام ويستيقظ، فهو قبر متجول!

ومن خصائص كرامة الإنسان أن هذا الميت الذي تحول إلى قبر، يمكن أن تبعث فيه الروح الإنسانية مجدداً:

* أوَمن كان ميتاً فأحييناه، وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس، كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها، كذلك زُيِّن للكافرين ماكانوا يعملون* الأنعام 122

ويتوقف بعث هذه الحياة فيه بعد الموت على استجابته للعقل، والدين الحق هو منهج العقل، ومقتضاه:

* يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم..* الأنفال24

وبديهي - في ضوء الفطرة التي هي المرتكزات الأم - أن هذه الإستجابة تنبه بعد غفلة، وتذكر بعد نسيان، وبديهي أن المحور في التنبه والتذكر هو البلاغ والذكر.

والدين بلاغ: * هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولوا الألباب* إبراهيم 52

والدين أيضاً ذكر: * إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون* الحجر9

وليس انبعاث هذه الروح الإنسانية من قبرها الذي هو الحيوان في صورة إنسان، انبعاثاً نهائياً يلازم صاحبه مالم يحن وقت انتقاله إلى الدار الآخرة، بل هو انبعاث قائم مادام الذكر - بمعنى التذكر - قائماً، فإذا زال الذكر، عاد الموت من جديد، فالروح الإنسانية تميتها الغفلة، ويحييها التذكر، فهو غذاؤها والرواء، ودمها والهواء.

***


هذه الروح التي تتغذى بالذكر- بمعناه العام- والمداومة عليه، هي التي يخسرها أولئك الذين يقول عنهم تعالى:

* أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً* الفرقان 44

* والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام، والنار مثوى لهم* محمد12

ذكر الله تعالى للروح كالقوت بالنسبة للجسد، بل كالهواء الذي يحتاج إليه القوت إن لم نردبالقوت هنا ما هو أعم من الطعام.

بمقدار ما تكون الروح الإنسانية وفية للعقل أي للحق ، يكون قوَّتها واستمرارها، والحياة. وبمقدار انفصالها عن ذلك يكون موتها والهباء.


***


* ثانياً: الذكر مفتاح الصلاح:

أرأيت إلى من يملك بيتاً كبيراً وافر السعة والتجهيز، يقف أمامه حائراً لأنه أضاع المفتاح؟

بدون المفتاح لا يمكن الدخول إلى البيت لينعم بالراحة فيه.

ولئن كان الدخول إلى البيت العادي ممكناً بأكثر من طريقة، فإن الدخول إلى الصلاح ليس ممكناً إلا بمفتاح الذكر.

وقد أضاف علي عليه السلام ما يوضح هاتين الحقيقتين: القوت والمفتاح، بقوله عليه السلام: مداومة الذكر قوت الأرواح ومفتاح الصلاح.

كما روي عنه عليه السلام: أصل صلاح القلب اشتغاله بذكر الله. [1]

***


بلى، عندما نقف حائرين في أنفسنا، نبحث عن سبل التحليق في آفاق الرضوان الإلهي، نريد بناء هذه الأنفس لتصبح مطمئنة، ترجع -حين ترجع- إلى ربها راضية مرضية.

وحين نجد حجب الذنوب ظلمات بعضها فوق بعض، وأنّنا نظل نراوح مكاننا، إذا تقدمنا خطوة تقهقرنا خطوات.

وحين نجد أن لسان حال كل منا:

"ما لي كلما قلت قد صلحت سريرتي، وقَرُبَ من مجالس التوابين مجلسي، عرضت لي بلية أزالت قدمي، وحالت بيني وبين خدمتك، سيدي لعلك عن بابك طردتني، وعن خدمتك نحّيتني، أو لعلك رأيتني مستخفاً بحقك فأقصيتني".[2]
عندها ينبغي أن نتذكر أن مفتاح الصلاح الذي يخرجنا من صحراء نفوسنا إلى ظل الله تعالى، هو مداومة الذكر، ولا بأس أن يكون في البداية قليلاً، ثم ينمو، تدريجياً، كما سيأتي في آداب الذكر إن شاء الله تعالى،

أيها العزيز: من المبشرات في هذا المجال ما في الحديث القدسي:

أيما عبد أطلعت على قلبه فرأيت الغالب عليه التمسك بذكري توليت سياسته وكنت جليسه ومحادثه وأنيسه.[3]

فالذي يغلب عليه ذكر الله تعالى في قلبه، فقط، أو قلبه ولسانه، يتولى الله تعالى إدارته وتسيير أموره، وهذا يعني، أن علينا أن نذكره عز وجل على كل حال والباقي عليه وليس علينا.

كذلك من المبشرات ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام:

من عمر قلبه بدوام الذكر حسنت أفعاله في السر والجهر.[4]

كثيراً ما يرى أحدنا أن هناك ثغرات في أفعاله، ويبذل جهده ليتخلص منها فلا يستطيع، فماهو الحل؟

يضعنا هذ التوجيه العلوي أمام حلٍّ محمدي يؤكد لنا أن مبدأي التسديد الإلهي والخذلان هما الأساس، وذكر الله تعالى، التزاماً بخط الطاعة كفيل بسد هذه الثغرات، والدخول في دائرة من تولى الله تعالى سياستهم.

اللهم اجعل ألسنتنا بذكرك مولعة، وقلوبنا بحبك متيَّمة برحمتك يا أرحم الراحمين.

***

--------------------------------------------------------------------------------
[1] - الريشهري، ميزان الحكمة 2/969
[2] من دعاء السحر للإمام السجاد عليه السلام، المعروف بدعاء أبي حمزة الثمالي.
[3] الريشهري، ميزان الحكمة2/969
[4] المصدر.

اخبار مرتبطة

نفحات