بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

آداب شهر شعبان

 

 

***

 

 

 

 

 

الإهداء

إلى حرس الثورة الإسلامية في إيران

جند الإمام الحسين, والعباس, والمهدي المنتظر

الذين هبوا لنجدة المسلمين في لبنان حين تخاذل الكثيرون

فبارك الله في جهودهم وانطلقت المقاومة الإسلامية أعزها الله

وتصاعدت فكانت الإنتفاضة المباركة في فلسطين.

كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز.  المجادلة 21

 

***


 

 

المقدمة

لشهر شعبان موقع مميز في النصوص الإسلامية, فهو من الشهود على الناس أو لهم في يوم القيامة بما عملوا فيه.

وفضائله كثيرة جداً إلى حد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يوليه عناية خاصة ويحث المسلمين على المزيد من العبادة وأعمال البر فيه، ومقتضى واجب الإقتداء بالمصطفى الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم، أن نهتم بهذا الشهر الشريف فنعرف آدابه ونحرص على الإتيان بها، لما في ذلك من فوائد جليلة تحصن النفس والمجتمع من الشيطان وأوليائه.

* لقد حددت الشريعة الغراء خصوصيات الأزمنة المختلفة وأمكنة كثيرة مختلفة مما يكشف عن أن إهمال هذه الخصوصيات يحرم المسلم من نعم وخيرات قد تكون سبباً في استحقاقه التأييد والتسديد.

* ومن هذه الأزمنة بل في طليعتها – بعد شهر الله تعالى – هذا الشهر المبارك كما سنرى.

وما بين يدي القاريء الكريم أوراق تتشرف بشعبان, فضائله, مناسباته, أعماله لتذكير نفسي وإخواني ببعض ما تزخر به كتب علمائنا الأبرار رضوان الله عليهم

أسأل الله تعالى أن يتقبل هذا القليل بكرمه ويجعله ذخراً ليوم المعاد إنه ولي الإحسان والنعم

بيروت –  حسين كوراني

1 شعبان 1411 هجرية


 

* الفصـل الأول

*فضل هذا الشهر

 

فضل شهر شعبان كبير جداً، ويكفي للدلالة على ذلك أنه يسمى " شهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " كما سيأتي.

ولو لم يكن فيه إلا ليلة النصف منه التي يشبه فضلها فضل ليلة القدر, لكفى.

إن جوار شعبان لشهر الله تعالى، وكونه مدخلاً إليه يوحي بأهمية خاصة وأعمال خاصة.

أراد الله تعالى لهذا الشهر أن يحتضن عباد الله الصالحين الذين ارتقوا مدارج الكمال التي أتاحها لهم شهر رجب فأصبحوا مهيئين للتحليق في آفاق العبادة بقلوب أكثر تحرراً، ونفوس أكثر تزكية، ليصِلوا خلال شهر شعبان إلى الدرجة التي تجعلهم بمجرد انقضائه في طليعة " ضيوف الرحمن " فتكون أنفاسهم تسبيحاً، ونومهم عبادة، تُفتح لهم أبواب الجنان ليزدادوا تخلصاً من كل علائق الدنيا، وتتعلق قلوبهم بالملأ الأعلى فيتوّجون بتيجان القرب والإخلاص والإصطفاء، وبذلك يصبحون من أهل الفوز العظيم،ويحق لهم أن يعيشوا بكل جوارحهم فرحة العيد.

* ولأولياء الله تعالى مع هذا الشهر حديث ذو شجون.

إنهم يرون فيه محطة كبرى في الطريق إلى الله تعالى، ومنزلاً مميزاً لا بد من النزول فيه والتزود من بركاته لمن أراد الوصول.

* قال آية الله المرحوم التبريزي:

" وهذا المنزل من منازل العمر للسالك إلى الله تعالى له شأن عظيم وفضل كثير, وفيه ليلة من ليالي القدر, وقد ولد فيه مولود وعد الله به الإنتصار لكل مظلوم من أوليائه وأنبيائه وأصفيائه، مذ هبط أبونا آدم على نبينا وآله وعليه السلام على الأرض وأن يملأ به الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً ".

" وكفى في شأنه أنه شهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

" شعبان شهري رحم الله من أعانني على شهري ".

وأضاف:

ومن عرف أهمية هذه الدعوة العظمى من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " رحم الله من أعانني على شهري " فلا بد أن يهتم ويعمل جاهداً لتشمله دعوة المصطفى ويكون من أهلها.

وقد كان أمير المؤمنين عليه السلام شديد الإهتمام لتشمله هذه الدعوة المباركة فقد روي عنه أنه قال:

" ما فاتني صوم شعبان مذ سمعت منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينادي في شعبان فلن يفوتني صوم شعبان في حياتي إن شاء الله "[1].

* منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

الحديث المتقدم عن أمير المؤمنين عليه السلام يذكر منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو ما نجد توضيحه في ما رواه السيد ابن طاووس عليه الرحمة:

* عن صفوان الجمال قال:

قال لي أبو عبد الله ( الإمام الصادق ) عليه السلام: حثَّ من بناحيتك على صوم شعبان.

 فقلت: جعلت فداك ترى فيه شيئاً؟

 فقال: نعم, إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا رأى هلال شعبان أمر منادياً أن ينادي في المدينة:

" يا أهل يثرب إني رسول الله إليكم، ألا إن شعبان شهري فرحم الله من أعانني على شهري "[2].

* دلالات هذا النص:

نفهم من هذا النص مدى اهتمام المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الشهر المبارك بحيث أنه لا يكتفي بما يقوله للمسلمين من خلال الخطبة, والموعظة، والتوجيه في اللقاءات المتتالية بل يعمد إلى هذا الأسلوب الملفت لينبههم على أهمية اغتنام هذه الفرصة الثمينة.

ويدلنا النص أيضاً على أسلوب إعلامي يعتمد على الإثارة والإلفات وشد الإنتباه لنعتمده في عملنا الإعلامي الذي نحرص على تفاعل الناس معه.

كما يدلنا على واجبنا تجاه شهر شعبان وكيف يجب أن تركز وسائل الإعلام الإسلامي – بشكل خاص – على هذا الشهر وفضيلته وأعماله والمطلوب من ذلك أن يصل المسلمون إلى حالة متقدمة من التفاعل مع شهر شعبان فينتظرون قدومه وينعمون بفيض بركاته.

* قال السيد ابن طاووس عليه الرحمة:

" واعلم أن شهر شعبان شهر عظيم الشأن، فيه ليلة أغاث الله جل جلاله بمولودها ما كاد أن يطفيه أهل العدوان من أنوار الإسلام والإيمان وهو منزل من المنازل ومرحلة من المراحل يسعد أهل التصديق والتوفيق بالظفر بفوائده والجلوس على موائده والورود على موارده.

وكفاه شرفاً أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اختاره لنفسه الشريفة بصريح مقاله ودعا لمن أعانه على صيامه, فمن شاء أن يدخل تحت ظل هذه الدعوة المقبولة والرحمة الموصولة فليساعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على شهره ويكون ممن شرَّفه لسان محمد صلى الله عليه وآله وسلم "[3].

*وروى الحر العاملي رحمه الله:

  " عن ابن عباس قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد تذاكر أصحابه عنده فضائل شعبان:

شهر شريف وهو شهري وحملة العرش تعظمه وتعرف حقه وهو شهر تزاد فيه أرزاق المؤمنين, كشهر رمضان، وتزين فيه الجنان، وإنما سمي شعبان لأنه تتشعب فيه أرزاق المؤمنين، وهو شهر العمل تضاعف فيه الحسنة بسبعين والسيئة محطوطة والذنب مغفور والحسنة مقبولة والجبار جل جلاله يباهي فيه بعباده وينظر إلى صوامه وقوامه فيباهي بهم حملة العرش "[4].

* ومما يدل على عظمة شهر شعبان ما روي أنه وشهر رجب وشهر رمضان شهود في يوم القيامة على الناس بما عملوا فيها, فقد ورد في حديث طويل عن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم حول الشهود:

" فإن من عرف حرمة رجب وشعبان ووصلهما بشهر رمضان - شهر الله الأعظم - شهدت له هذه الشهور يوم القيامة، وكان رجب وشعبان وشهر رمضان شهوده بتعظيمه لها وينادي مناد:

يا رجب ويا شعبان ويا شهر رمضان: كيف عمل هذا العبد فيكم؟ وكيف كانت طاعته لله عز وجل؟ فيقول رجب وشعبان وشهر رمضان: يا ربنا ما تزود منا إلا استعانة على طاعتك واستعداداً لمواد فضلك ولقد تعرض بجهده لرضاك وطلب بطاقته محبتك ". [5]

* مر أمير المؤمنين عليه السلام على قوم من المسلمين ليس فيهم مهاجري ولا أنصاري، وهم جالسون في بعض المساجد في أول يوم من شعبان، يخوضون في أمر القدَر وغيره مما اختلف الناس فيه، وقد ارتفعت أصواتهم واشتد في ذلك جدالهم، فوقف عليهم وسلم فردوا عليه وأوسعوا له وقاموا طالبين منه الجلوس إليهم، فلم يحفل بهم ثم كلمهم بكلام طويل جاء فيه:

" يا معشر المبتدعين:

هذا يوم غرة شعبان الكريم سماه ربنا شعبان لتشعب الخيرات فيه, قد فتح ربكم فيه أبواب جنانه وعرض عليكم قصورها وخيراتها بأرخص الأثمان وأسهل الأمور فأبيتموها، وعرض عليكم إبليس اللعين تشعب شروره وبلاياه فأنتم دائباً تنهمكون في الغي والطغيان تتمسكون بشعب إبليس، وتحيدون عن شعب الخير المفتوح لكم أبوابه ". [6]

*وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

" كم من سعيد في شهر شعبان، وكم من شقي هنالك، ألا أنبئكم بمَثل محمد وآله؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: محمد في عباد الله كشهر رمضان في الشهور، وآل محمد في عباد الله كشهر شعبان في الشهور، وعلي بن أبي طالب عليه السلام في آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، كأفضل أيام شعبان ولياليه، وهو ليلة نصفه ويومه، وسائر المؤمنين في آل محمد ( أي بالنسبة إليهم ) كشهر رجب في شهر شعبان، وهم درجات عند الله وطبقات فأجدّهم في طاعة الله أقربهم شبهاً بآل محمد ".[7]

*وهكذا يتضح من خلال هذه الجولة السريعة في الروايات وبعض أقوال العلماء مدى فضل شهر شعبان، وأننا مدعوون فيه للتزود من خيراته و " بأرخص الأثمان ".

أللهم قوِّ على خدمتك جوارحنا، وأشدد على العزيمة جوانحنا، وهب لنا الجد في خشيتك ودوام الإتصال بساحة قدسك، برحمتك يا أرحم الراحمين.


 

 

 

* الفصـل الثـاني

* أهم المناسبات

 

في هذا الشهر الشريف مناسبات كثيرة, أقف عند أهمها:

 

1 – ذكرى ولادة الإمام الحسين عليه السلام في الثالث من شعبان:

* ولد عليه السلام بالمدينة المنورة في الثالث من شعبان – على المشهور – من السنة الرابعة للهجرة.

* ولكثرة الأحاديث التي يرويها المسلمون جميعاً شيعة وسنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في فضائله عليه السلام فإن الإجماع قائم على حبه والبراءة من قاتليه.

شأنه عليه السلام في هذا الإجماع على حبه شأن أبيه وأمه وأخيه الحسن المجتبى عليهم جميعاً صلوات الرحمن.

* والواقع أن حب أهل البيت عليهم السلام أحد الأعمدة الأساسية التي يجب أن تبنى عليها الوحدة الإسلامية، حيث إن حبهم مبدأ قرآني نطقت به آية المودة في القربى كما نص على ذلك علماء الفريقين بالإضافة إلى حشد كبير جداً من الروايات عن المصطفى، يكشف أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان قد حدد ضمن أولوياته بيان فضائل أهل البيت عليهم السلام.

وللإمام الحسين عليه السلام من بين أهل البيت موقع فريد.

 إنهم جميعاً عظماء إلا أن لشهادة أبي عبد الله وقعاً في نفوسهم حرصوا أن يظهروه لنا بكل وضوح لما في حبه عليه السلام والبكاء عليه من إحياء للدين وتطهير للقلوب وإنارة للنفوس.

* استقبل المصطفى الحبيب ابنه الحسين حين ولادته بالبكاء، تتحدث أسماء بنت عميس عن ذلك فتقول:

" فدفعته إليه في خرقة بيضاء ففعل به كما فعل بالحسن ( أذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى ) وبكى رسول الله ثم قال: إنه سيكون لك حديث. أللهم العن قاتليه، لا تعلمي فاطمة بذلك.

قالت أسماء:

فلما كان يوم سابعه جاءني النبي فقال: هلمي ابني فأتيته به إلى أن تقول:

ثم قال: عزيز علي ثم بكى

وتسأله أسماء متعجبة عن سبب بكائه فيقول صلى الله عليه وآله وسلم:

 أبكي على ابني هذا تقتله فئة باغية كافرة من بني أمية لعنهم الله لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة يقتله رجل يثلم الدين يكفر بالله العظيم.

ثم قال: أللهم إني أسألك فيهما ( الحسنين ) ما سألك إبراهيم في ذريته. أللهم أحبهما وأحب من يحبهما، والعن من يبغضهما ملء السماء والأرض ". [8]

* وعندما نستعرض الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حول الحسين نجد أنه كان دائم الحديث عن شهادته عليه السلام وأن هذه الشهادة طبعت حياة المصطفى بالحزن الدائم المقيم، مما يجعل لزاماً على المسلم الحريص على واجب التأسي بنبيه العظيم أن يكون " حسينياً " يعقد قلبه على حب الحسين حتى يردد القلب قبل أن يلهج اللسان:

يا ليتنا كنا معك فنفوز فوزاً عظيماً

* " حسين مني وأنا من حسين " :

تناقل المسلمون عبر الأجيال هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وهو وحده كافٍ في الدلالة على عظيم منزلة أبي عبد الله عند الله تعالى, وأهمية آثار شهادته في استمرار شريعة سيد المرسلين.

لقد وجد سيد الشهداء نفسه وجهاً لوجه أمام محاولة إطفاء نور الله والقضاء على كل جهود المصطفى والمرتضى والحسن السبط والصحابة الأبرار بل وجهود كل الأنبياء والصلحاء فوقف ذلك الموقف الذي ألهب ضمير الأمة وفتح عيونها على الأخطار الكبرى المحدقة بهذا الدين، معتمداً – في ضوء تعاليم جده المصطفى الحبيب – مبدأ انتصار الدم على السيف فإذا بكل قطرة دم كربلائية ثورة في وجه الطواغيت.

وتلاحقت الثورات وما تزال حسينية محمدية تصحح المسار وتكشف زيف الطغاة وتخرج الحق من خاصرة الباطل وتصيخ في مسمع الدنيا أن تحتضن الإسلام وتحوطه بحبات القلوب والمُهج. إن الحسين محمدي الهوى والمعتقد والجهاد والنهج.

ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم من الحسين ( حسينيٌّ ) وما ندركه من ذلك بيسر أن استمرار شريعة سيد المرسلين مرتبط جذرياً بجهاد أبي عبد الله، وما أثمره هذا الجهاد عبر أدوار التاريخ الإسلامي وما يزال.

 

* ملمح آخر في عظمة أبي عبد الله:

 

لدى استعراض سِيَرِ أنبياء الله جل جلاله، نجد أنهم جميعاً عليهم صلوات الرحمن حملوا الهم الحسيني وبكوا على سيد الشهداء من آدم إلى نوح إلى إبراهيم إلى إسماعيل صادق الوعد فموسى وعيسىعليهم جميعا السلام، مما يكشف أن حب الحسين عليه السلام معلم من معالم دين الله تعالى عبر مراحله المختلفة.

ولا تتسع هذه العجالة لإيراد النصوص في هذا المجال.

 ويمكن على سبيل المثال الرجوع إلى البحار الجزء السابع والأربعين " باب إخبار الله بشهادته ".

وقد أجاد العالم الجليل ابن قولويه ( من علماء القرن الرابع الهجري ) في استعراض ذلك – وغيره – في كتابه القيم " كامل الزيارات " الذي يعتبر مرجعاً أساسياً ومهماً.

كما تجد في هذا الكتاب فصولاً حول بكاء الملائكة على سيد الشهداء وتبركهم به وبزيارته ودعائهم لزواره.

وأذكر منه في هذا السياق أن ملَكاً هو فطرس كان من الحملة ( حملة العرش ) ثم كسر جناحه في حادثة، وكان بعد ذلك مقيماً في جزيرة في البحر، فلما ولد الحسين عليه السلام بعث الله تعالى جبرائيل عليه السلام في ألف من الملائكة لتهنئة المصطفى فمر جبرائيل بفطرس الذي طلب منه أن يصحبه لعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو له " فحمله، فلما دخل جبرائيل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهنأه من الله وهنأه منه و أخبره بحال فطرس فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا جبرائيل أدخله ".." فدعا له النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال له:

تمسح بهذا المولود وعد إلى مكانك.

 قال " الراوي":

فتمسح فطرس بالحسين عليه السلام وارتفع وقال:

 يا رسول الله أما إن أمتك ستقتله، وله علي مكافأة أن لا يزوره زائر إلا بلغته عنه، ولا يسلم عليه مسلِّم إلا بلغته سلامه، ولا يصلي عليه مصل إلا بلغته صلاته عليه ثم ارتفع ". [9]

وقد أشار أحد الشعراء المتأخرين هو الشيخ عبد المنعم الفرطوسي رحمه الله إلى هذه الحادثة فقال:

بمهـدك آيات ظهـرن لفطرس     وآية عيسى أن تكلم في المهـد

فإن ساد في أم فأنت ابن فاطم    وإن ساد في مهد فأنت أبو المهدي

 

* طلب الحوائج ببركة الحسين:

 

عندما نستحضر ما تقدم من ملامح عظمة شخصية أبي عبد الله عليه السلام ونستحضر موقفه في ربى الطفوف نستطيع أن ندرك أن الله تعالى لن يخيب آمالنا عندما نتوسل إليه بسيد الشهداء عليه السلام.

إن علينا أن لا نستكثر ما نجده في الروايات حول الثواب الكبير للبكاء عليه وإحياء ذكراه فإن ذلك طبيعي جداً حين يكون محوره عطاء أكرم الأكرمين إكراماً لأبي عبد الله، رزقنا الله الشهادة على دربه تحت راية المهدي المنتظر أرواحنا فداه

وقد سأل أحد علمائنا الأعلام عالماً آخر عن رأيه في رواية " من بكى أو تباكى على الحسين فله الجنة " فأجاب المسؤول بما حاصله:

إن الله تعالى مطلق لا تحد قدرته في مختلف المجالات بحد, والحسين عليه السلام مخلوق فهو إذن محدود وليس مطلقاً وقد بلغ كرم المحدود إلى حد أنه أعطى الله تعالى كل شيء فلماذا لا يعطيه الله تعالى كل شيء وهو المطلق الذي لا ينقص خزائنه شيء.[10]

* تبقى الإشارة إلى أن كثرة العطاء لا تدل على بقاء هذا العطاء لأن الذنوب تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.

من هنا فإن أهم طلب نتوجه به إلى الله تعالى ببركة سيد الشهداء عليه السلام أن يُخرج سبحانه حب الدنيا من قلوبنا ويعيننا على أنفسنا فنجتث شجرة المعصية من هذه القلوب، فيصبح القلب حرم الله تعالى كما أراد سبحانه، ونؤهَّل للشهادة فنقف في المحشر تحت راية سيد الشهداء عليه السلام.

* الحسنـان:

لا يستطيع المسلم أن يفصل بين حبه للحسن وحبه للحسين عليهما السلام فهما حقيقة واحدة ومن هنا عُرفا بين المسلمين باسم واحد " الحسنين " وما ذلك الإقتران إلا لإصرار المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم على التحدث عنهما معاً " ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا " " اللهم أحبهما " إلخ  بحيث إن الطابع العام لأحاديثه صلى الله عليه وآله وسلم عن سبطيه الحديث عنهما معاً.

ولا شك أن هذا يوضح لنا بما لا مزيد عليه أنهما عليهما السلام جوهر واحد وحقيقة واحدة جزء من الحقيقة المحمدية المباركة، إلا أن الإمام الحسن عليه السلام علمنا أن نولي اهتماماً خاصاً بيوم أبي عبد الله حين قال له فيما روي عنه:

" لا يوم كيومك يا أبا عبد الله ".

وتجد دعاءً خاصاً بيوم مولد سيد الشهداء عليه السلام في كتاب " مفاتيح الجنان" وغيره من كتب الأدعية.

***

ولم أذكر ولادة الإمام السجاد عليه السلام في عداد هذه المناسبات رغم وجود قول معتبر بولادته في الخامس من شعبان لأني وجدت أن أكثر الآراء تتبنى غير هذا التاريخ في ولادته عليه السلام.

***

2 – يوم تأسيس حرس الثورة الإسلامية:

يوم ذكرى ولادة سيد الشهداء, هو يوم ذكرى تأسيس حرس الثورة الإسلامية في إيران فهم جنوده عليه السلام وشعارهم المركزي " يا لثارات الحسين " استعداداً للحاق بمعسكرات الإمام المنتظر الذي يحمل جنوده نفس الشعار.

 ولا يمكننا أن ندرك الإنجازات الكبرى التي وفق الله تعالى هؤلاء المجاهدين لتحقيقها إلا إذا أدركنا أن بقاء الثورة الإسلامية والجمهورية الإسلامية رهن بتوفيق الله تعالى لهم لحراسة أمل الأنبياء والأوصياء وجهاد العلماء والمجاهدين ودمائهم ودماء سائر الشهداء.

لولا توفيق الله تعالى لهم لم تصمد الثورة الإسلامية أمام التحديات الداخلية فضلاً عن التحدي الخارجي الكبير الذي كان من شأنه أن يطوي صفحة دولة الإسلام ويعيدنا إلى ظلمات ما قبل انتصار الإسلام وبداية العصر الخميني.

فها هي أمريكا وكل حلفائها يقفون حائرين يبذلون قصارى جهدهم لخوض معركة برية مع السلاح الذي زودوا به صداماً بالأمس لمواجهة الجمهورية الإسلامية في حين كانت كل هذه الدول الحليفة تدعمه وتعززه وتزوده بالمعلومات والخطط ومختلف وسائل إضعاف إيران اقتصادياً وأمنياً وسياسياً.

ورغم ذلك كله منَّ الله تعالى بحفظ دولة الإسلام فاستمرت الثورة.

 ولئن كان الجيش في الجمهورية الإسلامية قد أسهم في المعركة بفاعلية, إلا أن العبء الأكبر في بداية الحرب، كان على عاتق حرس الثورة الإسلامية والتعبئة الجماهيرية وظل العبء الكبير على عاتقهم حتى وضعت الحرب أوزارها.

وقد سطر هؤلاء الحسينيون في جبهات الحرب ملاحم بطولية تكشف عن الروح الكربلائية والعزيمة البدرية التي تنطلق من مدرسة انتصار الدم على السيف بإذن الله تعالى: " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة.."

إن لهؤلاء المجاهدين حقوقاً في عنق كل مسلم، وببركات جهودهم كانت المقاومة الإسلامية والإنتفاضة الإسلامية، وكان انبعاث روح الجهاد في كل أرجاء الوطن الإسلامي الكبير.

 إنهم التجربة الأولى في عصرنا التي أعادت إلى واقعنا حقائق معارك المسلمين في صدر الإسلام فجعلتنا نعيش مجدداً أجواء بدر وخيبر وحنين.

ومن الوفاء لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسيد الشهداء عليه السلام أن نهتم بذكرى تأسيس حرس الثورة الإسلامية ونجدد العهد على المضي في هذا الدرب الذي عبّدوه بالجماجم والأشلاء قربة إلى الله تعالى وإعلاءً لكلمته

جزاهم الله تعالى عن الإسلام وأهله خير الجزاء.

3 – ذكرى ولادة أبي الفضل العباس بن علي أمير المؤمنين عليهما السلام:

* ولد عليه السلام في الرابع من شعبان سنة 26 للهجرة. [11]

*كان أمير المؤمنين عليه السلام يكثر من الحديث عن كربلاء وشهادة الإمام الحسين في السفر والحضر وعلى المنبر ومع الناس وفي البيت، إلى حد أن أصحابه عليه السلام كانوا يعرفون أن عمر بن سعد هو قاتل الحسين فكانوا إذا رأوه دخل مسجد الكوفة قالوا جاء قاتل الحسين وذلك قبل أن يقتل بزمن طويل. [12].

* وإلى جانب تحذير أمير المؤمنين الناس من الخروج لحرب الحسين وحثهم على نصرته كان من الطبيعي أن يفكر بوجود عضد له من أخوته ليكون حامل لوائه في هذا اليوم العصيب.

لذلك طلب عليه السلام من عقيل أخيه أن يختار له امرأة من بيت معروف بالشجاعة – لتأثير الخؤولة في الولد – فاختار له فاطمة بنت حزام العامرية أم العباس عليه السلام. [13].

* رأت فاطمة ( أم البنين ) أمير المؤمنين ذات يوم وقد " أجلس أبا الفضل ( العباس ) على فخذه وشمر عن ساعديه وقبلهما وبكى "!

 وعندما سألته عن ذلك بدهشة أخبرها بما يجري في كربلاء فبكت، ثم أخبرها بعظيم منزلة أبي الفضل عند الله تعالى ". [14].

* وقد أثبتت سيرة العباس عليه السلام أنه كان الساعد الأيمن لأبي عبد الله عليه السلام.

ويكفي للدلالة على أهمية مواقفه في كربلاء وسمو منزلته عليه السلام ما روي عن الإمام السجاد عليه السلام:

" رحم الله عمي العباس فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه فأبدله الله بجناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة، كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وإن للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة ". [15].

* وقد استظهر عدد من العلماء المحققين من هذه الرواية أن " لفظ الجميع يشمل مثل حمزة وجعفر الشاهدين للأنبياء بتبليغ وأداء الرسالة ". [16]

* وهذه منزلة جليلة عظيمة تكشف أن أبا الفضل العباس عليه السلام في المرتبة التي تلي المعصومين مباشرة.

*  يقول العالم الجليل آية الله الشيخ محمد حسين الأصفهاني في مدحه عليه السلام:

وكيف لا وذاتـه القدسية         مجموعــة الفـضـائل النـفسيـة

له من العليـــاء والمآثر       مـا جــل أن يخطر في الخواطـر

وكيف وهو في علو المنزلة      كالروح من نقطــة باء البسمــلة

وهو قوام مصحف الشهادة       تمـــت بـــه دائرة السعــادة

ليس يـــد الله سوى أبيه      وقــــــدرة اللـــه تجلت فيه

فهو يــد الله وهذا ساعده      تغنيــك عـن إثباتـه مشاهـــده

يمثــل الكرار في صولاتــه         بل المعاني الغـر من صفاتـه[17]

* وقد أثبتت الكرامات الجليلة التي ظهرت له عليه السلام، سواء في مرقده الطاهر أو بشكل عام، مدى قربه من الله تعالى، الأمر الذي جعله عليه السلام في أذهان محبيه ومواليه باب الحوائج إلى الله تعالى لما لمسوه من سرعة استجابة الدعاء في حرمه ولدى التوسل به.

* من كراماته الكثيرة التي لا تكاد تحصى، ما حدث به أحد تلامذة الشيخ الأنصاري أستاذ الفقهاء حيث يقول:

زرت الإمام الشهيد أبا عبد الله الحسين ثم قصدت أبا الفضل العباس، وبينا أنا في الحرم الأقدس، رأيت زائراً من الأعراب ومعه غلام مشلول جاء به إلى الضريح الطاهر وربطه به وأخذ بالتوسل والتضرع وإذا بالغلام قد نهض سليماً معافى كأنه لم يكن أصيب بشيء،  وتكاثر الناس عليه ومزقوا ثيابه تبركاً به

وكنت قد طلبت منذ مدة طلبين من العباس ولم أحصل على شيء، والطلبان هما شراء بيت وحج بيت الله الحرام.

فلما رأيت ما رأيت إعتصرني الألم وتقدمت نحو الشباك وعاتبت أبا الفضل عتاباً مراً وقلت:

يأتي " المعيدي " ( البدوي ) ويطلب منك حاجته فتقضيها له، وأنا أرجع خائباً مع ما أنا عليه من العلم والمعرفة. لن أزورك بعد هذا أبداً!

 وسرعان ما ندمت على ما قلت، وتألمت لفجاجة عتبي فاستغفرت ربي من إساءتي لعباس الهداية واليقين.

ولما وصلت إلى النجف الأشرف جاءني الشيخ الأنصاري قدس الله روحه الزاكية وأخرج صرتين وقال:

هذا ما طلبته من أبي الفضل العباس اشتر داراً، وحج البيت الحرام.

وقد نظم الشيخ محمد السماوي شعراً في هذه الكرامة لأبي الفضل عليه السلام والشيخ الأنصاري عليه الرحمة فقال:

وما عجبت مـن أبي الفضل كما          عجبت من أستاذنا إذ علمـا

لأن شبل المرتضى لـم يُغـرب           إذ أتى بمعجـز أو معجـب

بكل يـوم بـل بكل ساعـــة           لمن أتاه قاصـداً رباعــه

وهـو مـن الشيخ عجيـب بيّنُ          لكن بنور الله يرنو المؤمن[18]

 

4 - ذكرى ولادة الإمام المهدي أرواحنا له الفداء:

* تقدم في الحديث عن فضائل هذا الشهر أن أفضل لياليه ليلة النصف منه التي تشرفت باحتضانها ولادة بقية الله في الأرضين الذي يملأ الله على يديه الأرض قسطاً وعدلاً فيحقق بذلك آمال الأنبياء ويظهر دينه على الدين كله

* ولد عليه السلام بسامراء سنة 256 للهجرة وهناك أقوال أخرى في سنة الولادة.

*الأحاديث عن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم حول خليفته المهدي المنتظر بلغت حد التواتر ويجمع عليها المسلمون شيعة وسنة.

ولدى الرجوع إلى مؤلفات العلماء السنة نخرج بنتيجة واضحة تظهر أن كل ما لدى الشيعة من روايات حول المهدي عن المصطفى وأهل البيت عليهم السلام، قد ورد بطرق السنة، بحيث تقودنا المقارنة إلى التطابق حتى في التفاصيل، وهو أمر جدير بالإهتمام، سيما وأن من شأنه أن يزيد من وحدة الأمة المنتظرة لقائدها المهدي المنتظر، فتنطلق في رحلة التمهيد له والإستعداد لاستقباله والسير تحت رايته الإلهية المحمدية بخطى توحيدية أكثر ثباتاً وأشد تماسكاً وإصراراً.

ورغم كل ما أنجز على طريق توحيد الأمة الوسط أعزها الله تعالى فإننا ما زلنا نعاني أثقال تراكمات القرون التي تجعلنا نشعر بإلحاح الحاجة إلى " البنيان المرصوص " الذي يؤهلنا لحب الله تعالى لنا، وعندها لن يستطيع الأعداء أن يحققوا أي نصر، لأن الأمة تصبح إلهية يدخلها الله تعالى في حصنه الحصين.

وما أروع أن تحدث النقلة النوعية في المسار التوحيدي من نقطة المهدي المنتظر

* وهذا يستدعي أن نطلع بشكل وافٍ على ما روي في المهدي وعلى كلمات العلماء الأعلام من الفريقين عندها سنجد ما يلي:

1 – التطابق التام بين الروايات كما تقدم.

2 – أن الشيعة يقولون بأنه ولد وأنه ابن الإمام العسكري كما يتبنى ذلك عدد كبير من علماء السنة.

3 – إن الذين لا يقولون بأنه ولد لا يستندون إلى رواية تؤيد رأيهم وإنما ينطلقون من مواقع التعصب ضد الشيعة فيقولون " ويزعم الرافضة إلخ ".

4 – أن هؤلاء أنفسهم ما بين مصرح بولادة ابنٍ للإمام العسكري هو " محمد بن الحسن " وما بين ساكت عن الأمر لا ينفيه والذين يقولون بولادته لا يقدمون ما يثبت موته.

وأنا على يقين أننا سنصل بالبحث العلمي الموضوعي إلى أن هذه الروايات في المهدي المنتظر لا تنطبق إلا على الإمام المهدي ابن الإمام العسكري عليهما السلام، وأن الخلاف في هذا الأمر طاريء نتيجة الخلط بين التعصب والعلم،

ولست أدري كيف تحوَّل أحد أهم أعمدة الوحدة الإسلامية إلى مادة للتفريق والخصومة.

بدأ ذلك عندما طرحت شبهة لا أساس لها على الإطلاق تقول إن المهدي الذي يعتقد به السنة لم يولد بعد، بينما المهدي الذي يعتقد به الشيعة قد ولد وبدأ نسج الخيال ولم ينته.[19]

والصحيح أن عدداً كبيراً من العلماء المسلمين السنة الكبار يصرحون بولادته ويدافعون عن ذلك وعن طول عمره الشريف دفاعهم عن أي معتقد ديني..، بينما لم أجد عالماً واحداً يصرح بعدم ولادة المهدي المنتظر، أو أورد رواية واحدة ولو ضعيفة تدل أنه يولد آخر الزمان.

* ولإثبات ما ذكرته من كثرة العلماء السنة القائلين بولادته عليه السلام أذكر:

1 – أورد المحدث صاحب مستدرك الوسائل في كتابه " كشف الأستار عن وجه الغائب عن الأبصار " أسماء أربعين عالماً سنياً من القائلين بولادته عليه السلام وذكر أقوالهم الصريحة في ذلك وللتدليل على الموقع العلمي لكل منهم فقد أورد أقوال بعض العلماء السنة في كل منهم ليتضح أنهم من كبار العلماء[20].

2 – وقال المحدث في هذا الكتاب " ولعل من وقف على جلّها ( كتب العلماء السنة ) يجد أضعاف ما جمعناه "[21]

* وقد ذكر السيد علي الميلاني في مقدمة الكتاب نفسه أنه تتبع ذلك فأضاف أسماء ثلاثة وأربعين عالماً سنياً آخرين فيكون عدد العلماء السنة القائلين بولادة الإمام المهدي عليه السلام والمذكورين فقط في كتاب " كشف الأستار " ومقدمته ثلاثة وثمانين عالماً.

3 – وفي مقدمة كتاب " موسوعة الإمام المهدي " أن ولادة الإمام المهدي عليه السلام في القرن الثالث الهجري يدافع عنها " أكثر من مائة وعشرين شخصاً من أعلام أهل السنة في آثارهم حول الحديث والتاريخ والأدب ". [22]

* وإليك نموذجاً من كلمات هؤلاء العلماء السنة حول المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف:

قال الشيخ أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد الكنجي في كتابه البيان في أخبار صاحب الزمان:

" من الأدلة على كون المهدي حياً باقياً بعد غيبته وإلى الآن، وأنه لا امتناع في بقائه, بقاءُ عيسى بن مريم والخضر وإلياس من أولياء الله تعالى، وبقاء الأعور الدجال وإبليس اللعين من أعداء الله تعالى وهؤلاء قد ثبت بقاؤهم بالكتاب والسنة ". [23]

وأنت ترى أن النص يدافع بوضوح عن حياة الإمام المهدي وطول عمره الشريف، وأن المسلم لا يمكن أن يقول بامتناع عمره الطويل ما دام يعتقد بطول عمر الذين وردت أسماؤهم من أولياء الله تعالى، وحتى لا يعترض عليه بأن هذا خاص بالأنبياء أو بهم وبالأولياء، ذكر المثالين الآخرين إبليس والدجال ليثبت أن طول العمر بإذن الله تعالى ممكن لكل أحد فكيف بوليه العظيم خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذي قضت حكمته تغييبه إلى آخر الزمان.

* المستقبل للإسلام:

عندما ينطلق المسلمون من عقيدتهم في المهدي فإنهم سيعيشون الأمل الباسم بشمول الإسلام للعالم, وزوال كل الأديان المحرفة والإتجاهات المبتدعة، واندثار كل القوى المتجبرة التي تعيث في الأرض فساداً.

ومن شأن هذا الأمل أن ينفض عن الأمة كل تداعيات الضعف ويبدد سحب التشاؤم، ويشحذ الهمم، لتندفع الأمة في ميادين الجهاد ضد الكفر بأقصى طاقاتها واثقة بالنصر الإلهي.

شتان بين حالتين:

1-    أن نخوض حرباً ضد أمريكا من موقع أن المستقبل للإسلام وأن هذا الطاغوت إلى زوال فهو حلقة في سلسلة شيطانية سينفرط عقدها لأن الشيطان سيندحر وسيجر أولياؤه أذيال الخيبة.

2-    وبين أن يكون المستقبل غامضاً لا ندري هل يحمل لنا النصر أم لا. ولنفترض أن جيلنا لن يشهد تحقق النصر للإسلام إلا أن جهدنا في النتيجة حلقة في سلسلة إلهية تنتهي بنصر دين الله تعالى.

وهذا كاف في بعث العزيمة وتَوَقُّدِ جذوة الجهاد، ومواجهة كل التحديات بروح يحدوها الأمل ولا يعرف الوهن إليها سبيلاً.

وعندما تخوض الإنتفاضة الإسلامية في فلسطين العزيزة صراعها المرير من هذا المنطلق، فإنها قادرة على الإستخفاف حقيقةً بكل غطرسة الصهاينة وتبجحهم بآلتهم العسكرية التي سيكون مآلها الهزيمة النكراء والإندثار.

 ذلك وعد الله تعالى ومن أصدق من الله قيلاً، فلا بد وأن ينزل نبي الله عيسى ليصلي خلف المهدي المنتظر بعد استتباب الأمن الحقيقي في هذه المنطقة وزوال " الغدة السرطانية " المسماة " إسرائيل ".

والمقاومة الإسلامية، عندما يحتضن قلبها هذه الحقيقة وتتحرك على أساسها ستبقى مدركة أن النصر حليفها مهما كانت الظروف والمستجدات، وإذا فرض عليها استبدال معين فسيكون دون شك استبدالاً في الأسلوب لا يصل على الإطلاق إلى الضعف والتراجع.

إن كل عمل جهادي في أي مكان من الأرض، لا يمكنه في ضوء هذه الحقيقة إلا أن يصر على المضي في طريق الجهاد المدمِّى ضد قوى الكفر التي ارتقت مرتقى صعباً حين سمحت لنفسها استعباد الناس.

 ومهما طال ليل الكفر فسيطلع فجر الإسلام ويعم الكون سناه:

" ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ".

* واجبنا في غيبة الإمام:

أهم واجباتنا في عصر الغيبة انتظار الإمام عليه السلام والإنتظار عمل وليس قعوداً " أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج ".

 إنه انتظار المجاهدين لقائدهم، انتظار الذين يخوضون الصراع ضد قوى الكفر في ساحاته المختلفة للقائد الذي تكون الجولة الكبرى على يديه وتحت رايته،

وما عدا هذا ليس انتظاراً بل هو بالتأكيد وهم انتظار.

 ما ظنك بمن لا يحمل هماً من هموم المسلمين، ولم يحدّث نفسه بغزو ولا يريد أن يحدّثها بعد، ولا خفق قلبه بحب مجاهد أو شهيد فضلاً عن الجهاد والشهادة، هل سينتقل بمجرد الظهور إلى مجاهد في الرعيل الأول؟!

وما ينطبق على الجهاد الأصغر ينطبق على الجهاد الأكبر، فمسيرة المهدي المنتظر مسيرة الملائكة والعُبَّاد، والذين يبايعونه بين الركن والمقام كلهم ممن تطوى لهم الأرض[24] وهم قادته والحكام من قِبَله على الناس.

فهل يستطيع من لا يحمل هم بناء نفسه أن يعتبر نفسه منتظراً وماذا ينتظر؟

وقد أوردت في كتيب " آداب عصر الغيبة " مفردات من واجبنا في غيبته عليه السلام أذكر هنا قائمة بأكثرها:

1 – معرفة الإمام.

2 – معرفة علامات الظهور.

3 – البيعة.

4 – الإنتظار وهو يعني:

التقوى, المرابطة والجهاد, العزم على الجهاد بين يديه.

5 – البراءة من أعدائه.

6 – الشوق والحنين إليه.

7- الدعاء له.

8 – زيارته.

9 – طلب التشرف بلقائه.

10 – إحياء أمره بين الناس.

وما يناسب الحديث عن مناسبة ذكرى ولادته هو الأمر الأخير.

 إن من واجبنا أن نهتم اهتماماً كبيراً بإحياء نفوسنا بذكراه عليه السلام، وأشير هنا إلى أمرين:

الأول: إحياء ليلة النصف من شعبان ومن أعمالها التوسل إلى الله تعالى به عليه السلام وهو أمر على جانب كبير من الأهمية كما سيأتي في " الأعمال " إن شاء الله تعالى.

الثاني: تعميم مظاهر الفرح والإبتهاج والزينة في ليلة النصف ويومه والعمل الجاد لنصل إلى مستوى من التفاعل مع هذه الذكرى تصبح معه مناطقنا وأسواقنا وأحياؤنا في هذا اليوم تكتسي حلة بهيجة من خلال مراسم الزينة الجماهيرية العفوية القائمة على تعاون أهل كل شارع أو حي فيما بينهم للإحتفاء بذكرى مولد قائدنا ونور الأبصار خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

ومن الطبيعي أن يبادر العلماء والخطباء أعزهم الله تعالى إلى حث المسلمين على ذلك، وأن تولي وسائل إعلامنا هذا الأمر عناية خاصة وذلك قبل حلول الذكرى بعدة أيام ليتسنى الإستعداد المناسب لإحيائها بما يتناسب مع إكرام قائد المسلمين أرواحنا له الفداء.


 

 

 

 

* الفصـل الثالـث

* الأعمـال

 

1 – الصيام:

للصوم في شهر شعبان فضل كبير لا تدرك أبعاده، وتتحدث الروايات عن فضل صوم الشهر كله, وعن أيامه الأولى وأيامه الأخيرة وأي يوم منه، مما يدل بوضوح على أن الروايات تريد أن تقول لنا:

 لا تحرموا أنفسكم من هذه البركة العظيمة ومن لم يستطع أن يصوم إلا يوماً واحداً فإنه غنيمة فليحرص عليها.

 

* صوم الشهر كله:

 

1 – عن أمير المؤمنين عليه السلام:

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

" شعبان شهري، ورمضان شهر الله عز وجل، فمن صام شهري كنت له شفيعاً يوم القيامة ".." فآخذ بيده حتى أنتهي به إلى الصراط، فأجده زحفاً زلقاً لا يثبت عليه أقدام الخاطئين، فآخذه بيده فيقول لي صاحب الصراط:

 من هذا يا رسول الله؟

 فأقول:

 هذا فلان - باسمه -  من أمتي كان قد صام في الدنيا شهري ابتغاء شفاعتي

 ".."  فيجوز الصراط بعفو الله حتى ينتهي إلى باب الجنة، فأستفتح له فيقول رضوان ذلك اليوم: أُمرنا أن نفتح اليوم لأمتك ".

ثم قال علي عليه السلام: " صوموا شهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكن لكم شفيعاً ". [25].

2 – عن الإمام الصادق عليه السلام: سمعت أبي قال:

كان أبي زين العابدين عليه السلام إذا دخل شعبان جمع أصحابه فقال: معاشر أصحابي أتدرون أي شهر هذا هذا شهر شعبان وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: شعبان شهري ألا فصوموه محبة لنبيكم وتقرباً إلى ربكم فوالذي نفس علي بن الحسين بيده لسمعت أبي الحسين بن علي عليه السلام يقول: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول:

من صام شعبان محبة نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم وتقرباً إلى الله عز وجل أحبه الله وقربه من كرامته يوم القيامة وأوجب له الجنة. [26]

3 – وقد وردت روايات طويلة تتحدث عن ثواب صيام الشهر كله بالتفصيل فتذكر ثواب كل يوم أذكر فقرة منها:

 

" ومن صام ستة أيام من شعبان صُرف عنه سبعون لوناً من البلاء.

ومن صام سبعة أيام من شعبان عُصم من إبليس وجنوده دهره وعمره.

ومن صام ثمانية أيام من شعبان لم يخرج من الدنيا حتى يسقى من حياض القدس.

ومن صام تسعة أيام من شعبان عطف عليه منكر ونكير عندما يسائلانه.

ومن صام عشرة أيام من شعبان وسع الله عليه قبره سبعين ذراعاً ". [27]

 

4 – صوم الشهرين معاً:

 

وتوضح لنا بعض الروايات ثواب صوم الشهرين معاً إذ قد يصوم شخص شعبان ويسافر فلا يوفق لصيام شهر الله تعالى، أو يصوم شهر رمضان ولا يصوم شعبان.

عن الإمام الصادق عليه السلام: صوم شهر شعبان وصوم شهر رمضان توبة من الله ولو من دم حرام. [28]

وعنه عليه السلام: "  ومن صام الشهر كله ووصله بشهر رمضان، كان ذلك توبة له من كل ذنب صغير أو كبير ولو من دم حرام ". [29]

 

5 – صوم ثلاثة أيام من آخر شعبان وشهر رمضان = صيام شهرين:

 

1 – عن الإمام الصادق عليه السلام:

" من صام ثلاثة أيام من آخر شعبان ووصلها بشهر رمضان، كتب الله له صوم شهرين متتابعين ".  [30]

2 –  وعن الإمام الرضا عليه السلام:

من صام ثلاثة أيام من آخر شعبان ووصلها بشهر رمضان إيماناً واحتساباً، خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه ". [31]

* وسيأتي إن شاء الله في الحديث عن " الصلاة " الحث على صوم ثلاثة أيام من شعبان مع صلاة خاصة.

6 – علاج للوسواس والهموم:

عن أمير المؤمنين عليه السلام:

" صوم ثلاثة أيام من كل شهر أربعاء بين خميسين، وصوم شعبان يذهب بوسواس الصدر وبلابل القلب ". [32]

* صوم اليوم الأول:

عن الإمام الصادق عليه السلام:

" من صام أول يوم من شعبان وجبت له الجنة البتة ". [33]

* صوم الأيام البيض:

والمراد بها اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر ولم أجد في حدود ما رجعت إلى المصادر نصاً في خصوص الأيام البيض من شعبان غير ما في الروايات الطوال التي أشرت إليها إلا أن النصوص كثيرة في استحباب صومها مطلقاً ومن الطبيعي أن لصومها في شعبان امتيازاً على غيرها:

1 – عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

" من صام ثلاثة أيام من الشهر فقيل له: أصائم أنت الشهر كله فقال: نعم فقد صدق, وقرأ " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ". [34]

2 – وعنه صلى الله عليه وآله وسلم:

" من صام ثلاثة أيام من كل شهر كان كمن صام الدهر لأن الله عز وجل يقول:

" من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ". [35]

*صوم الإثنين والخميس:

في كتابه المرجعي، الإقبال،  قال السيد ابن طاووس عليه الرحمة:

وجدت في رواية عن النبي صلى الله وآله وسلم أن من صام ".." يوم الإثنين والخميس من شعبان قضى الله له عشرين حاجة من حوائج الدنيا وعشرين حاجة من حوائج الآخرة.

 

* صوم يوم الخميس من شعبان:

 

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

 

" تتزين السماوات في كل خميس من شعبان فتقول الملائكة: إلهنا اغفر لصائميه وأجب دعاءهم ". [36]

وستأتي صلاة خاصة بالخميس من شعبان في " الصلاة " إن شاء الله تعالى.

 

* صوم يوم واحد من شعبان:

 

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

 

"  من صام فيه يوماً واحداً حرَّم الله جسده على النار ".[37]

 

*قال آية الله التبريزي رحمه الله:

 

ومن مهمات هذا الشهر أن يصوم المسلم فيه بقدر ما يناسب حاله, والأفضل إن لم يمنعه مانع أن يصومه كله إلا يوماً أو يومين في آخره، يفصل بذلك بينه وبين شهر رمضان، المهم أن يكثر من الصوم فيه بحيث يكون ممن أعان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على صوم هذا الشهر، فتشمله دعوته المقدسة ولا أظن ذلك يتحقق بصيام يوم أو يومين ". [38]

 

حول الفصل بين الشهرين:

 

ما تقدم في كلام آية الله التبريزي رحمه الله من الفصل بين شعبان وشهر رمضان بإفطار يوم أو يومين، مبني على ما ورد في بعض الروايات.

 من ذلك ما أورده السيد ابن طاوس عن الإمام الباقر عليه السلام:

" كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم شعبان وشهر رمضان ويصلهما وينهى الناس أن يصلوهما ".

قال السيد: " لعل المراد بذلك التخفيف عن الناس من موالاة شهرين متتابعين فيراد منهم أن يفصلوا بينهما بيوم أو يومين ".

ثم روى عن الإمام الصادق عليه السلام:

" صوم شعبان حسن، ولكن افصل بينهما بيوم وفي حديث آخر: بيوم أو اثنين ". [39]

*ويظهر من كلام السيد ابن طاوس رحمه الله أنه يرى التخيير بين وصل شعبان بشهر الله تعالى وبين فصلهما بيوم أو يومين من باب التخفيف.

* وأختم الحديث عن الصيام في شعبان برواية عن الإمام الصادق عليه السلام:

" صيام شعبان ذخر للعبد يوم القيامة، وما من عبد يكثر الصوم في شعبان إلا أصلح الله له معيشته وكفاه شر عدوه, وإن أدنى ما يكون أن يصوم يوماً من شعبان أن تجب له الجنة ". [40]

 

2 – الصـلاة:

 

الصلوات المستحبة في شهر شعبان كثيرة ولا يتسع المجال هنا لإيرادها حيث إن لكل ليلة منه صلاة خاصة، لا بد لمعرفتها من الرجوع إلى المصادر المختصة كالإقبال والبلد الأمين وغيرهما.

والثواب الوارد في الروايات على هذه الصلوات عظيم جداً، الأمر الذي يحمل على مزيد اهتمام بأدائها.

وسيأتي في أعمال " ليلة النصف " بعض الصلوات الخاصة بتلك الليلة وأقتصر هنا على ذكر بعض الصلوات:

 

صلاة الليلة الأولى:

 

1 – عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

 

" من صلى أول ليلة من شعبان مائة ركعة، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وقل هو الله أحد مرة، فإذا فرغ من صلاته قرأ فاتحة الكتاب خمسين مرة ".." رفع الله عنه شر أهل السماء وشر أهل الأرض ".." ويرفع عنه عذاب القبر، ولا يروعه منكر ونكير، ويخرج من قبره ووجهه كالقمر ليلة البدر، ويمر على الصراط كالبرق ويعطي كتابه بيمينه ". [41]

عنه صلى الله عليه وآله وسلم:

" من صلى أول ليلة من شعبان ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وثلاثين مرة قل هو الله أحد فإذا سلم قال: أللهم هذا عهدي عندك إلى يوم القيامة،  حفظ من إبليس وجنوده وأعطاه الله ثواب الصديقين". [42]

*صلاة ثلاث ليالٍ:

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

" من صام ثلاثة أيام من أول شعبان، ويقوم لياليها، وصلى ركعتين في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة و قل هو الله أحد إحدى عشرة مرة، رفع الله تعالى عنه شر أهل السماوات وشر أهل الأرضين وشر إبليس وجنوده، وشر كل سلطان جائر والذي بعثني بالحق نبياً أنه يغفر الله له سبعين ألف ذنب من الكبائر فيما بينه وبين الله عز وجل، ويدفع الله عنه عذاب القبر ونزعه وشدائده ". [43]

 

* صلاة كل خميس من شعبان:

 

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

قال السيد ابن طاوس عليه الرحمة:

وجدنا هذه الرواية العظيمة الشأن عن مولانا علي بن أبي طالب عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

" تتزين السماوات في كل خميس من شعبان فتقول الملائكة:

إلهنا اغفر لصائميه وأجب دعاءهم فمن صلى فيه ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وقل هو الله أحد مائة مرة فإذا سلم صلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم مائة مرة قضى الله له كل حاجة من أمر دينه ودنياه ". [44]

 

3 – ليلة النصف من شعبان:

 

*هذه الليلة جليلة القدر, عظيمة المنزلة, ويومها مثلها، وهما أفضل أوقات شعبان على الإطلاق.

 

1 – عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

" إن لله خياراً من كل ما خلقه, فأما خياره من الليالي فليالي الجُمع، وليلة النصف من شعبان، وليلة القدر، وليلتا العيدين ". [45]

2 – وقد تقدم قوله صلى الله عليه وآله وسلم:

" علي بن أبي طالب في آل محمد كأفضل أيام شعبان ولياليه وهو ليلة نصفه ويومه ".

3- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم:

 

" من أحيى ليلة العيد وليلة النصف من شعبان لم يمت قلبه يوم تموت القلوب ". [46]

4 – أورد الشيخ الطوسي والعلامة المجلسي رحمهما الله تعالى، عن الإمام الباقر عليه السلام:

وقد سئل عن فضل ليلة النصف من شعبان فقال:

" هي أفضل ليلة بعد ليلة القدر، فيها يمنح الله تعالى العباد فضله، ويغفر لهم بمنه, فاجتهدوا في القربة إلى الله فيها، فإنها ليلة آلى الله تعالى على نفسه أن لا يرد سائلاً له فيها، ما لم يسأل معصية، وإنها الليلة التي جعلها الله لنا أهل البيت، بأزاء ما جعل ليلة القدر لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم، فاجتهدوا في الدعاء والثناء على الله تعالى عز وجل، فإنه من سبَّح الله تعالى فيها مائة مرة، وحمده مائة مرة، وكبره مائة مرة، غفر الله تعالى له ما سلف من معاصيه، وقضى له حوائج الدنيا والآخرة، ما التمسه منه، وما علم حاجته إليه وإن لم يلتمسه منه، كرماً منه تعالى وتفضلاً على عباده ". [47]

5 – عن الإمام الصادق عليه السلام:

" أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يعجبه أن يفرغ الرجل أربع ليالٍ من السنة أول ليلة من رجب، وليلة النحر، وليلة الفطر، وليلة النصف من شعبان ". [48]

* والروايات كثيرة في فضل هذه الليلة، وفي ما تقدم دليل واضح على عظمتها وأهمية إحيائها.

** برنامج لإحياء هذه الليلة:

أعمال هذه الليلة المباركة كثيرة، بحيث إنها تشكل كتاباً، وهذه الأعمال مذكورة في كتب الأدعية والأعمال، ولذلك فسأحاول تنظيم برنامج لإحياء هذه الليلة بشكل جَماعي في المساجد أو غيرها.

فقد ورد الحث على إعمار المساجد، كما ورد الحث على المظاهر العبادية الجَماعية، كما يتضح من الرجوع إلى الروايات وكلمات العلماء، فإن مجلساً يدعو فيه جمع من الناس قد يستجاب لهم بسبب استحقاق شخص واحد منهم للإجابة.

 من هنا كان من الطبيعي أن نحرص على إحياء هذه الليلة بشكل جَماعي, وذلك - بعد الغسل في البيت لأنه يخفف الذنوب- كما يلي:

1 – زيارة الإمام الحسين عليه السلام وفضل زيارته في هذه الليلة كبير قال الشيخ الطوسي في المصباح:

أفضل الأعمال فيها زيارة الحسين[49] وظاهره الزيارة عن قرب، ومنه يظهر فضل خاص لزيارته عن بعد لمن كان عاجزاً عن غيره ثم إن الزيارة في أول الليلة تجعلنا أكثر أملاً باستجابة الأدعية وقبول الأعمال. وتختم الزيارة بمجلس عزاء.

2 – الدعاء الخاص بليلة ولادة الإمام المنتظرعجل الله تعالى فرجه الشريف.

3 – الدعاء الذي علمه الإمام الصادق عليه السلام، ليدعى به في هذه الليلة.

4 – الدعاء الذي كان يدعو به النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

5 – الدعاء الذي يدعى به كل يوم من شعبان عند الزوال ، حيث ورد إنه يستحب أن يقرأ في ليلة النصف.

*  هنا تكون فترة استراحة يؤتى خلالها بما يلي:

أ – مائة مرة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.

فقد ورد في ثوابها " يغفر الله له ما سلف من معاصيه ".

ب – صلاة ركعتين:

تقرأ في الأولى الحمد وقل يا أيها الكافرون وفي الثانية:

سبحان الله 33 مرة.

الحمد لله 33 مرة.

الله أكبر 34 مرة.

8 – ثم يواصل الجميع معاً فيقرأون دعاء:

يا من إليه يلجأ العباد.

وهو مرتبط بالصلاة المتقدمة.

9 – دعاء كميل الذي ورد الحث كثيراً عليه خصوصاً في هذه الليلة.

10 – صلاة عشر ركعات في كل ركعة الحمد مرة وقل هو الله أحد أحد عشرة مرة يقول المصلي في سجوده:

اللهم لك سجد سوادي وجناني وبياضي يا عظيم يا عظيم.

اغفر ذنبي العظيم وإنه لا يغفره غيرك يا عظيم. [50]

11 – دعاء:  إلهي تعرض لك في هذا الليل المتعرضون.

بعدها ينصرف كلٌّ لما تيسر له من الصلوات والأعمال إما في المسجد أو في المنزل وأذكر في هذا السياق:

12 – صلاة مائة ركعة ورد التأكيد عليها كثيراً.

يقرأ في كل ركعة الحمد مرة وقل هو الله أحد عشر مرات.

13- صلاة جعفر الطيار:

فقد ورد الحث عليها في رواية عن الإمام الرضا عليه السلام[51].

وتجد هذه الصلاة في مفاتيح الجنان بين أعمال نهار الجمعة.

14 – السجود والدعاء فيه بما رواه السيد ابن طاوس في الإقبال وتجد ذلك في مفاتيح الجنان أيضاً.

وأوله: سجد لك سوادي وخيالي وآمن بك فؤادي.

15 – صلاة الليل بطريقة خاصة تختلف عن سائر الليالي وقد أوردها السيد ابن طاوس في الإقبال / 716 عن الشيخ الطوسي رحمه الله في  مصباح المتهجد / 765.

 

* أهم الأعمال العامة في شعبان:

 

عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل تقدم بعضه في فضائل شعبان:

" هذا غرة شعبان، وشعب خيراته الصلاة والصوم والزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبر الوالدين, والقرابات والجيران وإصلاح ذات البين والصدقة على الفقراء والمساكين "[52].

 

* الإستغفار:

 

1 – عن الإمام الرضا عليه السلام:

" من استغفر الله تبارك وتعالى في شعبان مرة غفر الله ذنوبه ولو كانت مثل عدد النجوم "[53].

2 – وعنه عليه السلام:

" من قال في كل يوم من شعبان سبعين مرة أستغفر الله وأسأله التوبة كتب الله له براءة من النار وجوازاً على الصراط وأدخله دار القرار "[54].

3 – عن الإمام الصادق عليه السلام:

" من قال في كل يوم من شعبان سبعين مرة أستغفر الله الذي لا اله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه " يكتب في الأفق المبين، قال الراوي:

قلت: وما الأفق المبين قال: " قاع بين يدي العرش فيها أنهار تطرد فيه من القدحان عدد النجوم "[55].

 

* الصلاة على النبي وآله:

 

في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

" وأكثروا في شعبان من الصلاة على نبيكم وأهله "[56].

*لا إله إلا الله:

1 – عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

" من قال في شعبان ألف مرة لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره المشركون كتب الله له عبادة ألف سنة "[57].

 2 – وفي حديث طويل ورد قوله صلى الله عليه وآله وسلم:

" واستكثروا فيه من التهليل والتكبير والتحميد والتمجيد والتسبيح وهو ربيع الفقراء "[58].

 

*الدعاء في كل يوم عند الزوال:

وهو الصلوات المروية عن الإمام السجاد عليه السلام، ورد الحث عليها في أوقات مختلفة من شعبان منها وقت الزوال في كل يوم ، وأوله: أللهم صل على محمد وآل محمد شجرة النبوة.

 

*الصدقة:

 

عن الإمام الصادق عليه السلام:

" من تصدق بصدقة في شعبان رباها الله عز وجل له كما يربي أحدكم فصيله حتى توافي يوم القيامة وقد صارت له مثل جبل أحد "[59].

 

* المناجاة الشعبانية:

 

 كان الإمام الخميني رضوان الله عليه شديد التعلق بهذه المناجاة يكثر من الإستشهاد في خطبه وكتبه ببعض فقراتها ويحث على قراءتها.

ويقول آية الله التبريزي مبيناً أهميتها:

"  وهي مناجاة عزيزة على أهلها، يحبونها ويأنسون بشعبان لأجلها، بل ينتظرون قدومه ويشتاقون إليه لأجلها، وفيها علوم جمة في كيفية تعامل العبيد مع الله جل جلاله "[60].

وأولها: " أللهم صل على محمد وآل محمد واسمع دعائي إذا دعوتك، واسمع ندائي إذا ناديتك، وأقبل عليَّ إذا ناجيتك.."[61]

 

*قائمة بأهم الأعمال في هذا الشهر:

 

في ضوء النصوص المختلفة، يتضح أن المراد بالإضافة إلى الصلاة والصوم وإحياء ليلة النصف الإهتمام بما يلي:

 

1 - التوبة الصادقة إلى الله تعالى.

2 – الإكثار من الإستغفار طيلة الشهر: أستغفر الله وأسأله التوبة أو بعض الصيغ الأخرى الواردة.

3 – الذكر بشكل عام, وأهمه لا إله إلا الله, وكذلك: اللهم صل على محمد وآل محمد.

4 – الصدقة، فصدقة شعبان تختلف عن غيرها كما تقدم في رواية الإمام الصادق عليه السلام.

5 – إزالة الأحقاد من القلوب وهذا ما يتضح من قول الأمير عليه السلام " إصلاح ذات البين " ويأتي في حديث الإمام الرضا عليه السلام عن آخر شعبان.

وهذا يعني مسامحة الناس والتسامح منهم وإرضاءهم وصلة الأرحام والجيران والإصلاح بين المتنازعين، ومن الطبيعي جداً أن يكون اهتمامنا كبيراً بإزالة الغِل والحقد من النفوس قبل أن يأتي شهر رمضان لنصبح بحلوله أهلاً لضيافة الرحمن جلت عظمته.

 

* العشر الأواخر:

 

إذا لم يوفق أحدنا لخيرات شعبان المباركة فلا أقل من اغتنام فرصة العشر الأواخر التي يمكن فيها تدارك ما فات.

عن أبي الصلت من أصحاب الإمام الرضا: قال: دخلت على الرضا عليه السلام في آخر جمعة من شعبان فقال: يا أبا الصلت إن شعبان قد مضى أكثره وهذا آخر جمعة فيه، فتدارك في ما بقي منه تقصيرك فيما مضى منه:

1- وعليك بالإقبال على ما يعنيك.

2 - وأكثر من الدعاء والإستغفار.

3 - وتلاوة القرآن.

4 - وتب إلى الله من ذنوبك ليقبل شهر الله إليك وأنت مخلص لله عز وجل.

5 - ولا تدعن أمانة في عنقك إلا أديتها.

6 - ولا في قلبك حقداً على مؤمن إلا نزعته.

7 - ولا ذنباً أنت مرتكبه إلا قلعت عنه.

8 - واتق الله.

9 - وتوكل عليه في سر أمرك وعلانيته ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً.

10 - وأكثر من أن تقول في ما بقي من هذا الشهر " أللهم إن لم تكن غفرت لنا في ما مضى من شعبان، فاغفر لنا في ما بقي منه " فإن الله تبارك وتعالى يعتق في هذا الشهر رقاباً من النار لحرمة شهر رمضان "[62].

***

اللهم وفقنا لما تحب وترضى، واجعل عواقب أمورنا خيراًً، ولا تفرق بيننا وبين نبيك المصطفى وآله الأطهار صلواتك وسلامك عليهم أجمعين.


 

[1] - المراقبات – 75 بتصرف.

[2] - الإقبال – 683 ومصباح المتهجد للشيخ الطوسي / 757.

[3] - الإقبال – 683 بتصرف يسير.

[4] - وسائل الشيعة 4 / 370.

[5] - بحار الأنوار 7 / 316.

[6] - البحار 97 / 55 – 56.

[7] - المصدر السابق / 65.

[8] - البحار – 44 / 250 – 251.

[9] - كامل الزيارات – 66.

[10]  أنظر: آية الله الملكي التبريزي، المراقبات.

[11] - العباس للمقرم – 74.

[12] - إثبات الهداة للحر العاملي 2 / 479.

[13] - المقرم – 72.

[14] - المصدر السابق / 75.

[15] - المصدر السابق / 124.

[16] - لاحظ المصدر / 124 والأنوار النعمانية 3 / 228.

[17] - من قصيدة طويلة – المقرم – 229.

[18] - المقرم – 134 – 135 وتجد في الهامش توثيق هذه القصة فقد نقلها عن صاحبها جماعة من أكابر العلماء والثقاة.

[19]  ينبغي التنبه إلى أن المروي عن أهل البيت عليهم السلام من أن الناس يقولون عنه إنه لم يولد، إنما هو حديث عن حال الناس بعد استحكام هذه الشبهة، بسبب أدوات البلاط من  وعاظ السلاطين وغيرهم.

[20] - كشف الأستار – 40 – 95.

[21] - المصدر نفسه / 98.

[22] - مقدمة الموسوعة – 17.

[23] - نور الأبصار للشبلنجي / 383 ( صورة الكتاب في موسوعة الإمام المهدي ).

[24]  تشير إلى ذلك بوضوح الروايات التي تتحدث عن أنهم يقتقدون من فرشهم.

[25] - البحار 97 / 83.

[26] - البحار 97 / 82.

[27] - البحار 97 / 69 ولاحظ 66 – 68 وروضة الواعظين 403 وثواب الأعمال وعقاب الأعمال للشيخ الصدوق.

[28] - البحار 97 / 71.

[29] - المصدر السابق / 81.

[30] - البحار 97 / 72.

[31] - البحار 97 / 80.

[32] - البحار 97 / 72.

[33] - المصدر نفسه / 74.

[34] - البحار 97 / 107.

[35] - المصدر نفسه / 108.

[36] - المراقبات – 78.

[37] - نفس المصدر.

[38] - المصدر نفسه – 77 بتصرف.

[39] - الإقبال – 684 وقد أورد الشيخ الطوسي عليه الرحمة الرواية السابقة عن الإمام الباقر " كان رسول الله إلخ " ولم يورد فيها فقرة " وينهى الناس أن يصلوهما " المصباح 757 – 758.

[40] - جوامع الدعاء / 104 عن الوسائل ج 7 / 375 والإقبال / 684 وفيه " يكثر الصيام ".

[41] - الإقبال 683.

[42] - نفس المصدر.

[43] - الإقبال / 684.

[44] - نفس المصدر / 688.

[45] - البحار 97 / 87.

[46] - المصدر / 86.

[47] - البحار 97 / 85 ومصباح المتهجد 762.

[48] - البحار 97 / 84.

[49] - المصباح / 761

[50] - البحار 97 / 90.

[51] - البحار 97 / 84.

[52] - البحار 97 / 56.

[53] - نفس المصدر / 90.

[54] - نفس المصدر.

[55] - الإقبال – 685 والبحار 97 / 91.

[56] - البحار 97 / 77.

[57] - الإقبال – 685.

[58] - البحار 97 / 78.

[59] - البحار 97 / 91 وروضة الواعظين / 403.

[60] - المراقبات / 75 بتصرف.

[61]  تجدها وما تقدم من الأدعية في مفاتيح الجنان للمحدث الجليل الشيخ عباس القمي رضوان الله تعالى عليه.

[62] - البحار 97 / 73 والمراقبات 89 / 90.