كلمة سواء

كلمة سواء

15/11/2012

رؤيةُ الغَير كَنظيرٍ وجوديّ


رؤيةُ الغَير كَنظيرٍ وجوديّ
الحوار بنظرة رحمانيّة، لا إقصائيّة
________إبراهيم محمود_________


يبدو وكأنَّ القرن الحادي والعشرين الذي وُصف بأنَّه قرن التّوحيد العالمي، هو الأكثر استدعاءً للحوار والتّواصل مِمَّا كانت عليه حال القرن المنصرم. وثمَّة مَن يذهب إلى أنَّ الصورة لم تلبث إلَّا قليلاً على شائعة التَّوحيد، حتى يعود العالم ليسكنَ أحياءَه المغلقة. ثمَّ لِيَتبيّن لكثيرين كيف استيقظ عَصَبُ التَّحيُّز، ليغدو في خلال وقت قصير، الفاعلَ الأعظم في إعادة تشكيل نظام القِيَم.
تَفترض الصُّورة إذاً، مقاربةً للحوار بوصف كونه مسعًى لتعرِفَ الذاتُ صورتَها، وفي الآن عينه، لكي تتعرَّف إلى صورة الآخر كنظيرٍ لها في الأخوَّة الإنسانيّة.
ولأمرٍ يعود إلى تعدُّد أوْجُه استعمال مصطلح الحوار، وبسببٍ من سوء توظيفه في حقول النّزاعات السّياسيّة والثّقافيّة والاجتماعيّة والعقائديّة، فقد لَحق بالمفهوم التباساتٌ شتّى. فالآليّات العامّة التي ينبغي توافرها لكي يمضي المتحاورون إلى غاياتهم، ينبغي لها أن تلحظ مبدأ الإعتراف، والتَّكافؤ، والرِّضى، والتَّوازن في ما بينهم.
لعلَّ الإنطلاق من هذا المبدأ سوف يُنجِز أكثر المسافة المؤدِّية إلى الصِّيغة الفُضلى للاتّفاق المُفترَض. وبالتّالي فمِن البداهة ألَّا يكون الحوار حقيقيّاً وسويّاً في حال الغَلَبة وعدم التّكافؤ، وإلَّا صارت كلّ صيغة تنتجها مجالات التحّاور، أدنى إلى عملية استلاب.


شروط وقواعد الحوار الإنساني
ي
ُفترض مراعاة جملة من الشُّروط والقواعد والآليّات، والتي يمكن إجمالها على النّحو التالي:

أوَّلاً
: يجب أن يكون اللّقاء مباشراً بين المتحاورين. وعلى هذا، فإنّ العلاقة الأفقيّة والمباشرة بين ضفَّتي التَّحاوُر هي التي ينبغي توفيرها أوّلاً لكي يجري تلاقيهما على نحوٍ سويّ.

ثانياً
: يفترضُ الحوارُ السويّ وجودَ لغة مشتركة وواضحة لسائر أطرافه، تنأى -تلك اللّغة- من الغموض والكمون والرّيبة، ما يفسد على التّحاور بلوغَ غايته الفُضلى.

ثالثاً
: النَّظر إلى الغير بما هو غير، له وجوده وشخصيّته، وله ميِّزاته السَّالبة والمُوجبة. وبمعنًى محدَّد، أن يكون لديّ القناعة الكاملة بأنَّ الغير الّذي يشاطرني تبادل الكلمات، هو كيانٌ كاملٌ منفصلٌ عنّي. ولَئن لم أستطع النَّظر إليه من هذه الزّاوية، فسأكون كَمَن يحاور كائناً أَبتَكرُه وفْق ما أريد، وليس طِبقاً لكينونته.

رابعاً
: اجتناب إسقاط ما تمتلىء به «ذواتنا» على «ذوات» الغير من مسلَّمات. فلو فعلنا ذلك، لاستحال التّحاور مجرّد صدًى للمتكلِّم الأوَّل، في حين يصبح مَن يناظرنا الكلام مجرَّد سامعٍ للأصداء. فالحقيقة التي نتغيَّا أمرها سوف تأتينا حين نقترب منها على مبدأ النَّظر إلى الغير بعينٍ رحمانيّة، لا بعين الاختصام والإقصاء والعدوان.

خامساً
: الاحترام. ونقطة البداية هنا، تكمن في أنْ أَقبَل مَن أراه أمامي انطلاقاً من حيث هو، لا مِن حيث أُريد له أن يكون. أن أحترم الآخر، يعني أنْ أَقْبَلَ له الحياة التي أُعطِيت لي من دون زيادة أو نقصان، فألتقيه حيث هو، وبهذا أكون قد دعوتُه لكي يَنظر إليّ من حيث أقف، لا من حيث هو يريد لي الوقوف.
سادساً
: الفردانيّة، لا نستطيع القول بأنَّنا نتحاور كطرفَين، إن نحن نظرنا إلى الغير انطلاقاً من تعميمٍ يُخرجه من فرادته. فإنَّ هذا الغَيْر هو كائنٌ له هويّته الشّخصيّة الكاملة، من قبل أن يكون مجرَّد كائن في جماعة، أحاوره لأبلغَ وإيّاه حقل الاشتراك.
***
على أرض رؤية الغير كنظيرٍ وجوديٍّ لذاتنا، بل كشبيهٍ لنا في الخَلْق، سوف يتأسَّس معنًى جديد للحوار يقوم في آنٍ على الواجبيّة الأخلاقيّة، مثلما يقوم على الضّرورة التّاريخيّة. حتى إذا امتدَّت أرض الرّؤية تلك، واتّسع فضاؤها، ‌أفلحنا بتلك المقولة المتسامية، من أنّ الغير هو حقيقةُ ذاتنا من وجهٍ مختلف. (مختصر)

اخبار مرتبطة

   أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

15/11/2012

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات