بسملة

بسملة

16/12/2012

مَدرسةُ السّيِّد «القاضي»، قُدوَة


مَدرسةُ السّيِّد «القاضي»، قُدوَة

• الشيخ حسين كوراني
«في هذا الصِّراط المستقيم (العلميّ، الفقهيّ، الحِكميّ في الحوزات العلميّة)،
تيّارٌ هو سِياقُ خاصِّ الخاصّ، يُمكن أن يكون قُدوةً للجميع..».
الإمام الخامنئي

صدر عن الإمام الخامنئي نصٌّ ثقافيّ، سيكون له أبعد الآثار على المشهد الثّقافي الإسلاميّ العامّ، وخاصّةً في سياق ما عُرف بـ «خطّ الإمام». جاء هذا «المنشور» الثقافيّ المَفصليّ في رسالة الإمام الخامنئي إلى المؤتمر التّكريمي للفقيه العارف الرّاحل السيّد علي القاضي.

من هو السيّد علي القاضي؟
عرَّفه الإمام القائد، بقوله: «إنّ تكريم المرحوم السيّد علي القاضي عملٌ مناسبٌ جدّاً، وهو إن شاء الله تعالى من الأعمال المفيدة جدّاً، والكبيرة. لقد كان المرحوم السيّد القاضي ".." إحدى حسنات الدّهر، وكان بحقّ من الشخصيّات العلميّة والعمليّة نادرة النّظير، إنْ لم نقل إنّها منقطعةُ النّظير.
فهو مضافاً إلى مقاماتِه المعنويّة والعرفانيّة قام بتربية الكثير من الطلّاب، وهذا أمرٌ على مستوىً كبيرٍ من الأهميّة. لقد كان طلّابُه من الشخصيّات الكبيرة، التقيتُ ببعضِهم، كالمرحوم السيّد الطّباطبائي، والمرحوم السيّد محمّد حسن إلهي -شقيق المرحوم الطّباطبائي-، والمرحوم الميرزا السيّد إبراهيم شريفي -صهرِ المرحوم السيّد القاضي-، الذي كان في مدينة "زابُل"، وهو أحد أبرز طلّابه، والمرحوم الحاج الشيخ عباس قوچاني، وفي أيّامنا الأخيرة هذه، المرحوم الشيخ بهجت، وآخرين من الأكابر كالمرحوم الحاج الشيخ محمّد تقي آملي، والمرحوم الحاج الشيخ علي محمّد بروجردي، وشخصيّات عديدة غيرهم.

أهمّ مسألة في هذا الباب أنّ لدينا بين سِلسلتِنا العلميّة الفقهيّة والحِكميّة في الحوزات العلميّة -في هذا الصّراط المستقيم- ممرّاًً وتيَّاراً لخاصّ الخاصّ، يمكن أن يكون قدوةً للجميع. قدوةً للعلماء -العلماء الكبار والصِّغار-، وقدوةً لآحادِ النّاس، وكذلك للشّباب. إنّهم واقعاً يُمكنهم أن يكونوا قدوة».

السيّد القاضي -إذاً- علَمٌ أبرز في سلسلة القادة الكبار، القُدوة في العلم والعمل من فقهاء «الصّراط المستقيم»، وهو وطلّابه النّوعيّين كالسيّد الطّباطبائي، صاحب (تفسير الميزان)، والمرجع الرّاحل شيخ الفقهاء العارفين الشيخ بهجت، كانوا قُدوةً حفظوا للأمّة أصالتَها الفكريّة والثّقافيّة والأخلاقيّة، من خلال مكانتِهم العلميّة والمعنويّة والعرفانيّة الرّفيعة.
***


لقد مهّدت «الحملات الثّقافيّة» التي شُنّت على الأمّة وما تزال للحملات الصّليبيّة التي تتوالى فصولاً من الحملة الأولى، وإلى «باتريوت» «النّاتو» إلى تركيا - «أوردوغان».
ولَئِن كانت طبيعةُ العمل الأمني المتخفّية، تحجبُ عن الجمهور، تَقَدُّمَه على العمل العسكريّ في إحراز النّصر، فإنّ طبيعةَ العمل الثَّقافي تجعلُ فهمَ بالغِ آثارِه بعيدَ المنال، فكيف إذا تعمّدَ الغزو الثّقافي اعتمادَ السّواتر الأمنيّة من «قِصّة ورواية» أو سينما، ومسلسلات، ومسرحٍ وإعلان، و«فايسبوك»، و«يو تيوب»، وأخواتهما، فضلاً عن ترويج الفحشاء، والمخدِّرات، وتسويق «علم الإدارة» و«علم النّفس» و«التّربية والتّعليم».
تمكّنت أجيالُ الأمّة -عموماً، وبدرجاتٍ متفاوتة- من فَهم مسار الغزو العسكريّ الغربيّ، ومحطّاته، واختزنت ذاكرتُها ملاحمَ المواجهة والممانعة -رغم أنّ هذا الفهمَ والإختزان قد تختلُّ فيهما الرّؤية فتُجانبُ الإنصاف- إلّا أنّ الأجيال لم تعرف جيّداً حقيقةَ المهمّة التي أنجزها الجنودُ المجهولون، بل القادةُ التّاريخيون الذين أداروا عمليّات المواجهة الأمنيّة، ولم تعرف أبداً -في الأعمِّ الأغلب- الموقعَ الرّيادي لـ «حصون الإسلام» العلماءِ الفقهاء -نظراء طلّاب السيّد القاضي- على مساحة العالم الإسلامي كلِّه، في مواجهة «الغزو الثّقافي».

***


كانت «إيران» -وما تزال- سبّاقةً في قيادة «الحملات الثّقافيّة» المضادّة للغزو الثّقافي الغربي.
بالإمكان بموضوعيّة، تقريبُ هذا السّبق الإيراني إلى الذّهن، بمقايستِه بالموقع الطّليعيّ الرِّياديّ الفريد لإيران في ساحات الجهاد العريق المتصاعد لتحرير «فلسطين».
باستشرافٍ تخصُّصيّ، قاد الفقهاءُ في العالم الإسلاميّ -وبخاصّةٍ في إيران- المواجهة الثّقافيّة.
تكشف الشّهاداتُ المعاصرة الموثّقة -لمراحل المرجعيّة الدّينيّة في كربلاء والنّجف، ثمّ في سامرّاء و«قمّ»- عن الأولويّة التي كانت تحتلُّها مواجهة الغزو الثّقافي و«التّبعيّة الرّوحيّة» للغرب، في اهتمام المراجع الدِّينيّين وسائر الفقهاء، وتخطيطِهم والتّنفيذ، وكان للسيّد القاضي ومدرستِه ونظيراتها الرّيادة المطلَقة بلا منازع في تحصين الأمّة، حيث كانت تقدِّمُ النّماذجَ العمليّةَ للعمل بالفقه ولا تكتفي باستنباط الأحكام.
لا فصل في هذه المدارس بين العلم والعمل «وإلّا ارتحَل». ذلكم هو جوهرُ خطّ الإمام الخميني والرّوح.
تكشف نصوص الإمام أنّه نذرَ حياته لمواجهة ما يُسمّيه «الإحتلال الفكري».
الإنجازُ الخمينيّ الأهمّ: إعادةُ طرح الإسلام كما هو، علمٌ وعمل، عقيدةٌ وثقافةٌ وأخلاق. جهادٌ أكبر يلازمُه جهادٌ أصغر. لا ينفصلُ عنه في المنطلَقات والأهداف والنّتائج.
ما أشدّ الحاجة للعودة إلى هذه الثّوابت، والتّحذير من خطورة تجاوزها، ولو عن حُسن نيّة قد تودي بصاحبها إلى أجواء «العرفان الكاذب»، أو «الوهّابيّة المعروفة»، أو «المُقَنَّعة»، أو إلى «الحداثويّة المدّعاة»، وهي -جميعاً- أمضى أسلحة «الإستعمار الجديد».

***


إن أحسنّا التّدبُّرَ في نصّ الإمام القائد، تَمكّنّا من تلافي الخسائر الفادحة التي تكبّدناها فبلغت بنا قلبَ الخطر.
يمتازُ المنهجُ الأكملُ في صراط «حصون الإسلام» -حسب الإمام الخامنئي- بالآتي:
أوّلاً: البُعد العلمي التّخَصُّصي، وفق «منهج الإستنباط الحوزوي» الذي هو بحقّ أرقى المناهج العقليّة التي عرَفَتها البشريّة.
ثانياً: التقيّدُ التّامُّ بصافي أحكام الشريعة «صِرف الشَّرع» واجتناب البِدَع، و«تَقوُّل الأقاويل» و«الرّأي المخترع»، فضلاً عن المتاجرة بالمكاشفات والإدّعاءات العريضة الواهية، حتّى أمثال ما قد يصدرُ من صادقٍ «شُبِّه له» وتخيّلَ فصدّقَ فتاجر. كما صرّح السيّد القائد -في مكانٍ آخر- بوجود هذا التّخيُّل.
ثالثاً: البُعد العملي في خطّ «المراقبات» الذي هو التّجسيدُ الحصريُّ لحُسن الإقتداء بالنّبيّ الأكرم وأهل بيته المعصومين صلّى الله عليهم أجمعين. يعني البُعد العملي بالتّحديد الجمعَ بين العلم والعمل، لتتّحد المعرفةُ بطالبِها فيصبح «عارفاً» بالله تعالى موحّداً حقيقياً قُدوةً للقليل المستَثنى بقوله تعالى: ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ يوسف:106.

***

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  إصدارات

إصدارات

منذ أسبوع

دوريات

نفحات