الملف

الملف

منذ 0 ساعة

ملامحُ من سيرة الإمام السجّاد عليه السلام


قالَ له الحسينُ عليه السلام: «ضاهيْتَ إبراهيمَ الخليل»!!
ملامحُ من سيرة الإمام السجّاد عليه السلام
ـــــ الشيخ حسين كوراني ـــــ


المحمّديّةُ البيضاء التي تجلَّت في رابعِ أئمّة المسلمين-الإثنَي عشر- أتاحتْ له أن يكون مَهوى الأفئدة، وحبيبَ القلوب الموحِّدة، ومرجعَها في مناجاة الله تعالى والتوجُّه إليه سبحانه، والحاكم والمَلاذ، لا في عصره عليه السلام، وحسب، بل في كلِّ عصر.
هل تعرف يا قلبُ شيئاً من ملامح العظَمة الإلهيّة النبويّة، العلويّة الفاطميّة، الحَسنيّة الحُسينيّة في القائد الإلهيّ العظيم، الإمام السجّاد، عليِّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام؟


* يُمرِّغ القلبُ جبهتَه، والشِّغاف على أعتاب «أبي حمزة الثّمالي» -الّذي كان من السجّاد بمنزلة سلمان من عليٍّ عليهما السلام- علَّ وعسى أن يتعرَّف على شعاعٍ من عظَمة «زين العابدين» و«سيِّد السّاجدين»، فيُتمتِم:
* القائد الإلهيّ العظيم، الذي جدَّد اللهُ تعالى به البعثةَ النبويّة بعد أن ظنَّ الأمويّون أنّهم قضوا على الرّسالة ورسول الله صلّى الله عليه وآله.
* ادَّخرَه اللهُ تعالى لوراثة سرِّ سيّد النبيّين الحسينيّ، ووراثةِ عاشورائه وجميعِ النبيّين والمرسلين.
* اختارَه اللهُ تعالى ليكونَ من صُلبه الثّمانية الذين هم بقيةُ سلسلة الأسباط الأئمّة النّقباء الإثنَي عشر، وآخرُهم المهديُّ المنتظَر عليهم جميعاً الصّلاةُ والسّلام.
* قال له الإمام الحسين عليه السلام: «ضاهيتَ إبراهيمَ الخليل»!!
* أشرقَ نورُه الإلهيُّ المحمديُّ على البشريّة في أحلكِ ظروف الأمّة والعالم، وحَفِظَ للأجيال، ونشرَ فيها علومَ الوحي والرّسالة، وتولّى سياسةَ القلوب والنّفوس والأرواح، طيلةَ أربعٍ وثلاثين عاماً، هي مدّة إمامتِه عليه السلام. 
 

أمُّه عليه السلام
* قال الشيخ المفيد في (الإرشاد): سأل أميرُ المؤمنين صلوات الله عليه «شاه زنان» بنت كسرى حين أُسِرَت: ما حفظتِ عن أبيك بعدَ وقعة الفيل؟ [القادسيّة]
قالت: حفظتُ عنه أنّه كان يقول: إذا غلبَ اللهُ على أمرٍ ذلِّتِ المطامعُ دونَه، وإذا انقضتِ المدّةُ كان الحَتفُ في الحيلة، فقال عليه السلام: ما أحسنَ ما قال أبوك، تذلُّ الأمورُ للمقادير حتّى يكون الحَتفُ في التّدبير.
** وفي (بحار الأنوار) للعلّامة المجلسي (ج 46، ص 11 - 12):
يُروى أنّها ماتت في نفاسها به، وإنّما اختارت الحسينَ عليه السلام لأنّها رأت فاطمة عليها السلام، وأسلمتْ قبل أن يأخذَها عسكرُ المسلمين، ولها قصّة، وهي أنّها قالت: رأيتُ في النّوم قبلَ ورودِ عسكر المسلمين، كأنّ محمداً رسول الله صلّى الله عليه وآله دخلَ دارَنا وقعدَ مع الحسين عليه السلام، وخطَبني له وزوّجَني منه، فلمّا أصبحتُ كان ذلك يؤثر في قلبي وما كان لي خاطرٌ غير هذا، فلمّا كان في اللّيلة الثّانية رأيتُ فاطمة بنت محمّد صلّى الله عليه وآله قد أَتَتني وعرضت عليَّ الإسلام فأسلمْتُ، ثمّ قالت: إنَّ الغَلبةَ تكونُ للمسلمين، وإنّك تَصِلينَ عن قريبٍ إلى ابني الحسين سالمةً لا يُصيبك بسوءٍ أحد. قالت: وكان من الحال أنّي خرجتُ إلى المدينة ما مسَّ يدي إنسان.

مراحلُ عمرِه عليه السلام
كان مولدُ عليِّ بن الحسين عليه السلام بالمدينة سنةَ ثمان وثلاثين من الهجرة.
فبَقي مع جدّه أمير المؤمنين عليه السلام سنتَين.
ومع عمّه الحسن عليه السلام عشرَ سنين.
ومع أبيه الحسين عليه السلام إحدى عشرة سنة.
وبعد أبيه أربعاً وثلاثين سنة.
وتوفِّي بالمدينة سنة خمس وتسعين للهجرة، وله يومئذٍ سبعٌ وخمسون سنة.
وكانت إمامتُه أربعاً وثلاثين سنة.
ودُفن بالبقيع مع عمّه الحسنِ بن عليّ عليهما السلام.
(الشيخ المفيد، الإرشاد: ج 2، ص 137 - 138)


عصرُه عليه السلام

رغم الأهوال الشّديدة والعقبات الكَؤود التي اعترضت المعصومين الأربعة عشر جميعاً عليهم السلام، فإنّ عصرَ الإمام السجّاد عليه السلام كان أشدَّ وأصعبَ من تلك العصور.
كانت خطّة قريش عبرَ بني أمية، تقضي بمسح الإسلام، واستئصال الوحي والنبوّة والقرآن وأهل البيت، لترجع دورة الزّمنِ إلى الجاهليّة الأولى، وتُزال نهائيّاً آثارُ هزائمِ «دار النّدوة» وأبي سفيان، وتُلغى مفاعيلُ انتصاراتِ الإسلام من «بدر» إلى «فتْح مكّة».
كان حملُ رأس الحسين عليه السلام على الرّمح بمثابة حمْلِ رأسِ رسول الله صلّى الله عليه وآله على الرُّمح!
في هذا الجوّ بدأ عصرُ الإمام السجّاد عليه السلام، ولم تمضِ سنتان على عاشوراء حتّى استكملت قريشُ على يد بني أميّة محاولةَ الإستئصال والمسح عبر استباحة المدينة في «وقعة الحَرَّة»، ثمّ رَمْي الكعبة بالمنجنيق وإحراقها!
وهلك «يزيد»، وتتالت الأحداثُ العاصفة، وتمزّق جسدُ العالم الإسلامي لتدخلَ الأطرافُ في صراعاتٍ مريرة، لم يخمد أوارُها إلّا في السّنوات الأخيرة من عمر الإمام السجّاد عليه السلام.
بدأ الإمامُ عصرَ إمامتِه بخطابه التّاريخي في الشّام، وثنَى باستنفارِه أهلِ المدينة المنوّرة الذين هبّوا لاستقباله في تظاهرةٍ تُشبِهُ خروجَهم إلى «قبا» لاستقبال جدِّه رسول الله صلّى الله عليه وآله، وألقى فيهم خطبتَه التّاريخيّة التّأسيسيّة، وسرعانَ ما تمكَّنَ عليه صلواتُ الرّحمن من رعاية حركة المختار الثَّقَفي للأخذِ بالثّار، في تتبُّع قتَلَةِ سيّد الشّهداء عليه السلام دون أن يتمكَّنَ النّظامُ من رصدِ أيِّ علاقةٍ للمختار بالإمام السجّاد عليه السلام.
استطاعَ وارثُ الحسين والنبيّين أن يُبطلَ كلَّ مفاعيل النّظام الأموي، ليجدّد بعثةَ سيّدِ النبيّين في خطِّ حفظ الذِّكر الذي هو وعدُ الله تعالى. وَلَئِن كانت مرحلتُه عليه السلام تُشبه مرحلةَ النبوّة في مكّة، فإنّها أسّست لما يُشبهُ مرحلةَ النبوّة في المدينة على يدِ ولدَيه الإمامين الباقر والصّادق عليهما السلام.

«ضاهيتَ إبراهيمَ الخليل»
قال السيّد محسن الأمين رحمه الله: «روى "الرَّاوندي" في (دعواته) عن الباقر عليه السلام أنَّ "عليَّ بن الحسين" قال: مرضتُ مرضاً شديداً، فقال لي أبي، ما تشتهي؟
فقلت: أشتهي أن أكونَ ممّن لا أقترحُ على الله ربّي ما يُدبِّرُ لي.
فقال لي: أحسنت، ضاهيتَ إبراهيمَ الخليل صلوات الله عليه حيث قال له جبرئيل: هل من حاجة؟ فقال: لا أقترحُ على ربّي، بل حسبيَ اللهُ ونِعمَ الوكيل
».

(السيّد محسن الأمين، أعيان الشيعة: ج 1، ص 635)

هيبةُ الإمام السجّاد عليه السلام
تميّز الإمام السجّاد عليه السلام بـ «الهيبة والعظَمة في صدور النّاس»، وهذه بعضُ النّماذج:
1- قال عبد الملك بن مروان لمّا دخلَ عليه: «وَاللهِ لقد امتلأَ ".." قلبي منه خِيفةً».
وقال «مُْسرِف بنُ عَقبة» الّذي هاجمَ المدينة المنوّرة في وقعة «الحَرّة»: «لقد مُلِئ قلبي منه رعباً».
(السيّد محسن الأمين، أعيان الشيعة: ج 1، ص 634)
وحيث إنَّ التقاء الإمام السجّاد عليه السلام بهذا الفرعون الجزَّار الأمويّ قد تعرّض للتّحريف، فَسأُوردُ هنا نصَّ المؤرّخ الثَّبْت «المسعودي» في (مروج الذَّهب) حيث قال:
«ونظرَ النّاسُ إلى عليِّ بن الحسين السجّاد وقد لاذَ بالقبرِ وهو يدعو، فأُتِيَ به إلى "مُسْرِف" وهو مغتَاظٌ عليه، (وقد) تبرّأَ منه ومن آبائه، فلمّا رآه وقد أشرفَ عليه ارتعد، وقامَ له، وأقعدَه إلى جانبِه، وقال له: سَلْنِي حوائجَك، فلم يسأله في أحدٍ ممّن قُدِّم إلى السّيف إلّا شَفَّعه فيه، ثمّ انصرفَ عنه، فقِيل لعليّ: رأيناك تحرّك شفتَيك، فما الذي قلت. قال: قلتُ: أللّهمّ ربَّ السّماوات السَّبعِ وما أظْلَلن، والأرَضين السّبع وما أَقلَلن، ربّ العرش العظيم، ربّ محمّدٍ وآله الطّاهرين، أعوذُ بك من شرِّه، وأَدرأُ بك في نَحْرِه، أسألُك أن تؤتيَني خيرَه، وتكفيَني شرَّه.
وقيل لمسلم (مُسرِف): رأيناك تسبُّ هذا الغلام وسَلَفَه، فلمّا أُتِيَ به إليك رفعتَ منزلتَه، فقال: ما كان ذلك لرَأي منّي، لقد مُلِىءَ قلبي منه رعباً».
2- روى «البرقي» في (المحاسن) أنّه بلغَ عبد الملك أنّ سيفَ رسول الله صلّى الله عليه وآله عند عليِّ بن الحسين، فبعثَ يستوهبُه منه ويسألُه الحاجة، فأَبى عليه، فكتبَ إليه عبد الملك يهدِّده وإنّه يقطعُ رزقَه من بيت المال. فأَجابه عليه السلام: أمّا بعد، فإنّ الله ضَمن للمتّقين المخرجَ من حيث يكرهون، والرّزقَ من حيث لا يحتسبون، وقال جلَّ ذكرُه: ﴿..إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ الحج:38، فانظُر أيُّنا أَولى بهذه الآية.
(السيّد محسن الأمين، أعيان الشيعة: ج 1، ص 635 - بتصرّف)

«مريضُ كربلاء»؟!
شاء اللهُ تعالى أن يكون مرضُ الإمام السجّاد عليه السلام في كربلاء ساتراً أمنيّاً إلهيّاً بحسب قاعدة ﴿..كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ..﴾ يوسف:76، وكان الهدفُ هو استمرارُ خطِّ الإمامة الّتي حدَّدَ رسولُ الله صلّى الله عليه وآله استمرارَها إلى يوم القيامة، كما أجمعَ المسلمون على مضمون: «لا تخلو الأرضُ من حجّةٍ من أهل البيت» ومضمون «النّجوم أمانٌ لأهل السّماء، وأهلُ بيتي أمانٌ لأهل الأرض..».
وقد أبلغَ الإمامُ الحسين عليه السلام الأجيالَ حقيقةَ ادّخار الله تعالى الإمام السجّاد عليه السلام لهذه المهمّة الإلهيّة حين منعه من النّزول إلى ساحة المعركة، وقال لمولاتنا زينب عليها السلام: «أرجعيه، لئلّا تخلو الأرضُ من نسلِ آل محمّدٍ صلّى الله عليه وآله».
يجبُ الحذرُ من أن يتركَ خبرُ مرضِه عليه السلام في كربلاء أثرَه في ذهن المسلم، ولو بشكلٍ ضعيف، على صورة الإمام السجّاد الربّانيّة، وموقعه القياديّ الرّيادي، ومهمّته الإلهيّة الفريدة، في استثمار النّصر الإلهيّ الذي مثَّلَته عاشوراء لصالح تحقيق حُلم الأنبياء، في مسار﴿.. لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ..﴾ التوبة:33.
ويظهر من النّصوص التّاريخيّة أنّ هذا المرض -الذي كانت مدّتُه قصيرة- كان السَّببَ في عدم تقدير النّظام الأمويّ لعمرِه عليه السلام، فنجدُ التّعبيرَ عنه بأنّه «غلام» أو: «هل بلغَ الحُلم»؟ في حين أنّ ابنَه الإمام الباقر عليه السلام كان بين الأسرى من أهل البيت عليهم السلام.
وبديهيٌّ أن يستمرَّ «السّاترُ الأمنيّ» ما دامت الحاجةُ إليه قائمّة، ولعلَّها ظلّت قائمّةً إلى قريبِ زمن صعودِه عليه السلام المنبرَ في الشّام، فلا يوجَد في النّصوص -في هذه المرحلة، وما بعدها إلى خطبتِه عليه السلام في المدينة، وحتّى ما بعدها- ما يشيرُ إلى مرضه سلام الله عليه، سوى أنّه كان ناحلَ الجسم، وهو أمرٌ قد يتلازمُ مع فترةِ النّقاهة، كما قد يكون في بعض الأَصحّاء.
وعليه فينبغي اجتنابُ الإكثار من تعبير «مريض كربلاء» أو «عليل كربلاء»، وينبغي تعمُّدُ الإكثار من تعبير «سيّد السّاجدين»، و«زين العابدين»، و«وارث الحسين»، أو «وارثِ وارثِ النّبيّين».
كما ينبغي لدى الحديث عن أيّام السّبي التّنبُّه والإشارة إلى أنّه عليه السلام كان إمامَ زمان عمّتِه، مولاتنا الصّدَّيقة الصغرى، السَّيّدة زينب عليه وعليها السّلام.

ثلاثُ محاولاتٍ لقتلِه عليه السلام
المحاولة الأولى في كربلاء، والثّانية في الكوفة، والثّالثة في الشّام، وهي أخطرُها على الإطلاق رغم أنها ليست معروفة كسابقَتَيها.
كانت نجاتُه عليه السلام من القتل من أوضحِ المعاجز الإلهيّة. يتّضحُ ذلك بكلِّ جلاء لدى التّدبُّر بعمق في الذُّعر الأمويّ من هول أن يبقى من أهل البيت أحدٌ يُمكنه أن يحملَ راية «يا لثارات رسول الله والحسين»، كما يدلّ عليه سياقُ أحداث كربلاء، وخصوصاً النّصوص التي وردت في المصادر السُّنيّة، ومنها (تاريخ دمشق) لابن عساكر
. [أنظر: المادة التّالية من هذا الملف]

«مَن الغالب»؟
عندما دخلَ الإمام السجّاد عليه السلام إلى المدينة المنوّرة بعد الرّجوع من الشّام، لَقِيَه إبراهيمُ بنُ طلحة، فقال للإمام مستهزءاً: مَن الغالب؟ فقال له عليه السلام: «إذا دخلَ وقتُ الصّلاة، فَأَذِّنْ وأَقِمْ، تعرفْ مَن الغالب»!

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  إصدارات

إصدارات

منذ 0 ساعة

دوريات

نفحات