يزكّيهم

يزكّيهم

08/03/2013

بابي مفتوحٌ لمن دعاني


في الحديث القدسيّ: ما لي أراهُ لاهياً عنّي؟
بابي مفتوحٌ لِمَن دعاني
ـــــ الملكي التّبريزي قدّس سرّه ـــــ
 

موعظةٌ بليغة للشيخ الملَكي التبريزي قدّس سرّه، مقتطفة بتصرّف يسير من كتاب (المراقبات)، أوردها تعليقاً على الحديث القدسيّ المرويّ عن الإمام الصّادق عليه السلام -في باب التّوكّل على الله وتفويض الأمر إليه تعالى- في كلٍّ من (الكافي) و(الوسائل) و(أمالي) الشيخ الطوسي، وغيرها.

عن أبي عبد الله، الإمام الصّادق عليه السلام: «إنّ اللهَ تبارك وتعالى يقول: وعزَّتي وجلالي ومَجدي وارتفاعي على عرشي، لَأَقطعنَّ أملَ كلِّ مؤمّلٍ غيري باليَأس، ولَأَكْسُوَنّه ثوبَ الذُّلِّ عند النّاس، ولَأُنَحِّينّه عن قُربي، ولَأُبعِّدنَّه عن وَصْلي، أيُؤمِّلُ غيري في الشَّدائدِ والشَّدائدُ بيدي، ويَرجو غيري ويَقرعُ بالفِكرِ بابَ غيري وبِيَدي مفاتيحُ الأبواب وهي مغلَقة، وبابي مفتوحٌ لِمَن دعاني.
فمَنْ ذا الَّذي أمَّلَني لِنَوائبِه فقطعْتُه دونَها؟ ومَنْ ذا الَّذي رجاني لعظيمةٍ فَقَطَعْتُ رجاءَه منّي؟ جَعلْتُ آمالَ عبادي كلِّها عندي محفوظةً فلم يَرضوا بحِفظي، ومَلأْتُ سماواتي مِمَّن لا يَملُّ من تسبيحي، وأَمَرْتُهم أنْ لا يُغلِقوا الأبوابَ بيني وبين عبادي. فلم يَثِقوا بقولي.
أَلَمْ يَعلم مَنْ طَرَقَتْهُ نائبةٌ مِن نوائبي أنَّه لا يَملكُ كَشْفَها أحدٌ غيري إلَّا مِن بعد إذني، فمَا لي أَراهُ لاهياً عنّي؟ أَعطيْتُه بِجُودي ما لمْ يَسألني ثمّ انتزعتُه عنه فلم يسألني ردَّه وسَأَلَ غيري، أفَيَراني أبدأُ بالعطاء قبل المسألةِ ثمّ أُسأَلُ فلا أُجيبُ سائلي؟
أبخيلٌ أنا فيُبخِّلُني عبدي؟ أَوَليسَ الجودُ والكرمُ لي؟ أَوَليسَ العفوُ والرَّحمة بِيَدي؟ أَوَليسَ أنا محلُّ الآمال، فَمَن يَقطعُها دوني؟ أفَلا يَخشى المؤمِّلون أنْ يؤمِّلوا غيري؟ فلو أنّ أهل سماواتي وأرضي أمّلوا (أمّلوني) جميعاً ثمّ أعطيتُ كلَّ واحدٍ منهم مثلَ ما أمَّلَ الجميع، ما انتَقَصَ من مُلْكي مثل عضو ذرّة، فكيف يَنْقُصُ مُلْكٌ أنا قيِّمُهُ؟ فيا بُؤساً للقانِطين من رحمتِي، ويا بؤساً لِمَن عَصاني ولم يُراقبني
».



هل أخْلَصْتَ الدُّعاءَ، فَخَيَّبك؟

أقول [الملَكي التبريزي]: أنظُر -يا أيّها المسكين- في مواعيد هذا الحديث واستدلالاتِه وعَظَمتِه، وحدِّث نفسَك في مضامينِه، واستَفْهِم عقلَكَ، وانظُر هل تَقدرُ أن تُنكِرَ شيئاً ممّا أُثبت فيه من قدرتِهِ تعالى وسُلطانه ومُلكِهِ، ومن كَوْن الشَّدائد ومفاتيح الأبواب بيده، ومن كَوْن بابه مفتوحاً لِمَن دعاه؟
أَوَلَمْ يُنزِل في ذلك قرآناً، ودَعاكَ فيه إلى دُعائه؟ أوَلَمْ يُخبركَ أنّه قريبٌ مِمَّن دَعاهُ ومُجيبٌ لِمَن ناداه؟ هل رأيتَ أحداً أمَّله لِنوائبِه فَقَطَعَهُ دونَها، ورجاهُ لعظيمةٍ فَقَطَع رجاءَه، فَلا تظُنَّنّ أنّك تؤمّلُ اللهَ لنَوائبك فيَقطع أمَلَك، وتَرجوهُ لِحوائجك فيُخيّبك، إلّا إذا كنتَ كاذباً في أَمَلِك منه، وغيرَ صادقٍ في رجائك إيّاه.
ومتى كنتَ راجياً إيّاه كنتَ طالِباً رضاه وهارباً من سخطِه، لأنّ الرَّجاء والأملَ عملان للقلبِ ينشآن من العلوم الثّلاثة: العلمِ بالقدرةِ، والعلم بالكرمِ والعلم بالعناية، فما يحصلُ من هذه العلوم الثّلاثة للقلبِ من الظنِّ بالكَرَم، وانتظارِ الخَير يُسمّى رجاءً، والظنُّ في الرَّجاء أقوى منه في الأمل.
ومَن اعتَقَد مِن قادرٍ عنايتَه، وظنّ كَرَمَه، لا بدّ أن يُراقبَه، ويَخضعَ له ويَتَملّق كلّما زاد الرَّجاء، وكلّما كان المَرجوُّ من الخيرِ جليلاً عند الرَّاجي، لا سيّما إذا كان غير مُنحَصرٍ في [غير مقتصِرٍ على] خيرٍ وسعادةٍ [بعينِها]، وغيرَ محصور [محدود]، وكان من جملتِه ما يضطرُّ إليه الرَّاجي في وجودِه وبقائه وسلامتِه، وجميعِ أنحاء تعيُّشِه، [فإذا كان ذلك] زادت المراقبة والتملُّق والخضوع، والجِدُّ في طلبِ مرضاتِه، والهَرَبُ من سخطِه. والإنسانُ مجبولٌ على ذلك، كيف وهو عبد النَّعيم [المُنعِم]، وهذا هو المعمولُ به في ما تَرتجيه العامّةُ من ملوك الدُّنيا وأربابِ الجُود. مع أنّهم [عامّة النّاس] يعتقدون بِحُكم الإيمان، ويَرَون بِحُكم التَّجربة أنّ قلوبَ هؤلاء المخلوقين إنّما هي بِيَدِ الله تعالى، يُقلِّبُها كيف يشاء، ولذلك قِيل: النّاسُ عبيدُ الإحسان، إذا أمّلوا من أحدٍ إحساناً يخضعون له خضوعَ العبيد ويُطيعونه.
وبالجملة، لو تَيَقَّنَ أحدٌ في موردٍ قدرةً وكرماً وعنايةً، خَضَع له بالفطرة، ولم يعصِهِ بالاختيار، فهذه المخالفاتُ لله تعالى من جهةِ [منشأُها] ضَعف الإيمان، وفَقْد الإيقان.

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

نفحات