كلمة سواء

كلمة سواء

08/03/2013

هل الإسلام دين الإكراه والسيف؟


﴿..فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا..﴾ النمل:37
هل الإسلام دينُ السَّيفِ والإكراه؟
______ العلّامة السيّد محمّد حسين الطّباطبائي رحمه الله ______


زعمَ بعضُ المبلّغين من النّصارى، وغيرُهم من المناوئين، بأنّ الإسلام دينُ السّيف والدّم، ودينُ الإجبار والإكراه، متذرّعين بأنّه يمثّلُ خروجاً عن منهج الأنبياء السّالفين، في توسُّلِهم القولَ والحوار عند الدّعوة إلى الإيمان برسالاتِهم، دون الإكراه عليه بالقتال.



يُبَيِّنُ القرآنُ الكريمُ أنَّ الإسلامَ مبنيٌّ بمقتضى الفطرة الإنسانيّة، والتي ينبغي ألّا يُرتاب في أنَّ كمالَ الإنسان في حياته هو ما قَضَت به وحَكَمَت بموجبه ودَعَت إليه، وهي [الفطرة] تقضي بأنَّ التَّوحيدَ هو الأساسُ الّذي يجبُ بناء القوانين الفرديّة والاجتماعيّة عليه، وأنَّ الدِّفاع عن هذا الأصل -بِنَشره بين النّاس وحِفظه من الهلاك والفساد- حقٌّ مشروعٌ للإنسانيّة يجب استيفاؤه بأيِّ وسيلةٍ مُمْكنة. وقد رُوعِيَ في ذلك طريقُ الاعتدال؛ فبدأ [رسول الله صلّى الله عليه وآله] بالدَّعوة المجرَّدة، وبالصَّبر على الأذى في جنبِ الله، ثمَّ الدّفاع عن بيضة الإسلام ونفوسِ المسلمين وأعراضِهم وأموالِهم، ثمَّ القتال الابتدائيّ الذي هو دفاعٌ عن حقِّ الإنسانيّة وكلمة التَّوحيد. ولم يبدأ بشيءٍ من القتال إلَّا بعد إتمام الحُجَّة بالدَّعوة الحَسَنة كما جرت عليه السُّنَّةُ النّبويّة، قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..﴾ النحل:125، والآية مطلقة، وقال تعالى: ﴿..لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ..﴾ الأنفال:42.
وأمّا ما ذكروه من استلزامه الإكراه عند الغَلَبة، فلا ضَيْرَ فيه بعد توقُّفِ إحياءِ الإنسانيّة على تحميل الحقِّ المشروع على عدَّة من الأفراد، بعد البيان وإقامة الحُجَّة البالغة عليهم. وهذه طريقةٌ دائرةٌ بين المِلَلِ والدُّوَل؛ فإنَّ المُتمرِّد المُتخلِّف عن القوانين المَدنيَّة يُدعى إلى اتّباعها، ثمَّ يُحمَل عليه بأيِّ وسيلةٍ أَمكنَت -ولو انْجَرَّ إلى القتال- حتّى يُطيعَ ويَنقاد طَوْعاً أو كَرْهاً. على أنَّ الكُرْهَ إنّما يَعيش ويَدوم في طبقةٍ واحدةٍ من النّسل، ثمَّ التّعليم والتّربية الدّينيّان يُصلِحان الطّبقات الآتية بإنشائها على الدِّينِ الفطريّ وكلمةِ التّوحيد طَوْعاً.

من تجاربِ الأنبياء السّابقين
وأمَّا ما ذكروه من أنَّ سائر الأنبياء جَرُوا على مجرَّد الدّعوة والهداية فقط، فالتّاريخُ الموجود عن حياتِهم -كَنوحٍ وهودٍ وصالحٍ عليهم السلام- يدلُّ على عدم اتِّساع نطاقِ سلطانهم، بحيث يجوز لهم القيامُ بالقتال، فقد أحاطَ بهم القهرُ والبطشُ من كلِّ جانبٍ، وكذلك كان عيسى عليه السلام أيَّام إقامته بين النّاس واشتغاله بالدّعوة، وإنَّما انتَشَرت دعوتُه وقُبِلَت حُجَّتُه في زمانٍ دخول النَّسْخِ على شريعته، وكان ذلك أيَّام ظهور الإسلام.
على أنَّ جَمْعاً من الأنبياء قد قاتلوا في سبيل الله عزَّ وجلَّ. قال تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا..﴾ آل عمران:146، وقال تعالى -يَقُصُّ دعوةَ موسى قومَه إلى قتال العمالقة-: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ..﴾ المائدة:20، إلى أنْ قال: ﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ المائدة:21، إلى أنْ قال تعالى: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ المائدة:24، وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ..﴾ البقرة:246، إلى آخر قصَّة طالوت وجالوت.
وقال تعالى في قصَّة سليمان عليه السلام: ﴿أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ النمل:31، إلى أن قال تعالى: ﴿..فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ النمل:37، ولم يكن هذا الذي كان يهدِّدهم به بقوله: ﴿..فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ..﴾ النمل:37 إلَّا قتالاً ابتدائيّاً عن دعوةٍ ابتدائيّة.

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

نفحات