أيها العزيز

أيها العزيز

08/03/2013

اجتهادٌ لا وَرَعَ فيه

اجتهادٌ لا وَرَعَ فيه!

إنَّ الوَرَع عن المحرَّمات الإلهيّة أساسُ جميعِ الكمالاتِ المعنويّة، والمقاماتِ الأُخرويّة، ولا يحصلُ لأحدٍ مقامٌ إلَّا بالوَرَع عن محرَّمات الله تعالى. إنَّ القلبَ الذي لا يَتَحلّى بالوَرَع، يَصْدأ، ويبلُغ به الأمر إلى مستوًى لا يُرجى له النَّجاة.
الوَرَعُ يُوجِبُ صفاءَ النَّفوس وجلاءَها، وهو من أهمِّ المنازل ".." ويُعتبَر من أفضلِ زادِ المسافر نحو الآخرة. وقد وردَ في فضلِه حسبَ أحاديث أهل بيت العصمة عليهم السلام الكثير. ".." عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «أُوصيكَ بِتَقْوَى اللهِ وَالْوَرَعِ وَالاجْتِهَادِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ يَنْفَعُ اجْتِهَادٌ لاَ وَرَعَ فِيه». ".." وهذا شاهدٌ على أنَّ العبادات تسقُط عن الاعتبار، إذا كانت خاليةً من الوَرَع.
ومن المعلوم أنَّ الغايةَ المنشودة من العبادات - التي هي ترويضُ النّفْسِ، ولَجْمُها، وقَهْرُ المَلكوتِ للمُلكِ والطَّبيعة- لا تحصلُ إلَّا بواسطةِ الوَرَع الشَّديد، والتَّقوى الكاملة. إنَّ النُّفوس المُدَنَّسةَ بالمعصية، لا تقبلُ صورةً ولا رسماً إلَّا بعد تنظيفِها من الكَدَر، وتطهيرِها من القذارة، حتَّى يتمكَّنَ الرسّامُ من الرَّسمِ فيها. العباداتُ التي هي الصُّوَرُ الكماليّةُ للنَّفس، لا تَنفعُ من دون صَقْلِها من غبار المَعصية، بل تكون صورةً من دون لُبّ، وظاهراً من دون رُوح. ".."
عن يزيد بن خليفة، قال: وَعَظنا أبو عبد الله [الصّادق] عليه السلام فأَمَرَ وزَهَّد، ثمّ قال: «عَلَيْكُمْ بِالوَرَعِ، فَإِنَّهُ لاَ يُنالُ مَا عِنْدَ اللهِ إلّا بِالوَرَع».
بموجب هذا الحديث الشَّريف، إنَّ الإنسانَ الذي لا وَرَعَ له، يكون محروماً من الكَرامات التي وَعَدها اللهُ تعالى لعبادِه. وهذا الحرمانُ من أعظَم الخِذلان والشَّقاء. ".." وفي روايةٍ أخرى عن الإمام الصّادق عليه السلام:
«..لَيْسَ مِنَّا وَلا كَرامَة، مَنْ كانَ فِي مِصْرٍ فِيه مائَةُ ألْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ، وَكانَ في ذَلكَ المِصْر أحَدٌ أوْرَعُ مِنْه».
لا بدَّ من معرفة أنَّ المقياسَ في كمال الوَرَع ".." هو الاجتنابُ عن محرَّماتِ الله تعالى، وأنَّ كلَّ مَنْ يبتعدُ عن المحرَّمات الإلهيّة أكثر، يُعَدُّ مِن أَوْرَعِ النَّاس طُرّاً. فيَنبغي أن لا يَستغلَّ الشَّيطانُ هذا الموضوع - لَيْسَ مِنَّا، مَنْ كانَ فِي مِصْرٍ فِيه مائَةُ ألْفٍ، وَكانَ في ذَلكَ المِصْر أحَدٌ أوْرَعُ مِنْه- ويعظِّمَه، ويُلقي اليأسَ في القلب، لأنَّ مِن طبيعةِ هذا المَلعون دفعَ الإنسان إلى الشَّقاء الأبديّ من خلال اليَأس، بأنْ يقوَل له في المَقام مثلاً: كيف يُمكنُ أن تكونَ أَوْرَعَ إنسانٍ في بلدٍ يحتضنُ مائةَ ألفٍ أو يزيدون من النّاس؟ فإنَّ هذا من أساليب كيدِ هذا اللّعين، ووَساوسِ النَّفس الأمَّارة. ولكنّ جوابَه هو أنَّ مَن ابتعدَ عن المحرّمات الإلهيّة يندرجُ في هذه الرّوايات -حسبَ ما يُستفاد من الأحاديث المباركة- ويُعتَبر من أَوْرَع النّاس.
إنَّ الابتعادَ عن المحرَّمات الإلهيّة، لا يستدعي جُهداً جبّاراً، بقليلٍ من التَّرويض النَّفسي والعمل، يستطيعُ الإنسان أن يتركَ جميعَ المحرَّمات، شريطةَ إرادتِه أن يكونَ من أهل السَّعادة والنَّجاة، ومن أهل الولاية للأئمَّة الأطهار وكرامة الحقِّ المتعال.
إذا لم يكن له صبرٌ عن المعصية بهذا المقدار، لا يتحقَّقَ له البُعْدُ عن المعصية. يجبُ أن يتمتّعَ بِقَدْرٍ من الإصرار، وترويض النّفس. 


اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

08/03/2013

دوريات

نفحات