الملف

الملف

07/06/2013

تفضيلُ الأئمّة على سائر الأنبياء، لمُحمَّديّتِهم

 ( 2 )

تفضيلُ الأئمّة على سائر الأنبياء، لمُحمَّديّتِهم

النّورُ الذي خلقَ اللهُ تعالى منه محمّداً وعليّاً

 

في (الكافي) الشّريف، عن أحمد بن عليّ بن محمّد بن عبد الله بن عمر بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، عن أبي عبد الله، عليهم السلام، قال:

«إنّ الله كان إذْ لا كان، فخلقَ الكانَ والمَكان، وخلقَ الأنوار، وخلقَ نورَ الأنوارِ الذي نُوِّرت منه الأنوار، وأَجرى فيه من نورِه الذي نُوِّرَت منه الأنوار، وهو النّورُ الذي خلقَ منه محمّداً وعليّاً. فلم يزالا نورَين أوّلَين، إذ لا شيءَ كُوِّن قبلَهما. فلم يزالا يَجريان طاهرَين مُطهَّرَين في الأصْلَاب الطّاهرة حتّى افترقا في أطهَر طاهرَين؛ في عبد الله وأبي طالب». صدق وليُّ الله، صَلواتُ اللهُ عليه.

 

أضاف الإمام الخمينيّ قدّس سرّه: ولسنا بصددِ شرح الحديث الشّريف؛ فإنّ شرحَه مع عدم كونِه في عُهدة مثلي طويلُ الذّيل؛ ولكن نشير إلى بعض إشاراته التي تشيرُ إلى مقصودِنا.

فنقول، وبالله التوفيق:

* لعلّ قولَه عليه السلام: «كانَ إِذْ لا كان» إشارةٌ إلى تقدُّمه تعالى شأنُه بالحقيقة على الموجودات، والآن كما كان؛ كما قال جُنيد البغداديّ حين سمع «كان اللهُ ولم يكن معه شيء»: «الآن كما كان». وفي توحيد صدوق الطّائفة: «إنّ الله تبارك وتعالى، كان لم يزل بلا زمان ولا مكان؛ وهو الآن كما كان».

* وقوله: «فخلقَ الكانَ والمكان» إلى قوله: «منه الأنوار» إشارةٌ إلى ترتيب أمّهات مراتب الوجود من النّازل إلى الصّاعد.

فإنّ «الكان» و«المكان» هو الكائناتُ والمكانيّاتُ الطّبيعيّة والأجرامُ السّماويّة والأرضيّة، أو مُطْلَق ما ظهرَ في عالَم الطّبيعة وكان طالعاً من بحر الهَيولى المُظلمة حتّى يشملَ النّفس التي هي بذاتِها من عالَم الأنوار ولكنّها طالعةٌ من مطلَع المادّة، ظاهرةٌ في الكائنات النّازلة.

و«الأنوار» هي العالَم التّعقّليّ بقضِّها وقضيضِها؛ أو هو مع العالم النّفسيّ باعتبار أصلِ حقيقتِها التي هي الأنوار.

و«نور الأنوار» هو الفيض المُنبَسِطُ والوجودُ المُطلَق الذي منه الحقائقُ العقليّةُ وغيرها والعَوالِمُ الصّاعدةُ والنّازلة. وتخصيصُ خَلْقِ «الأنوار» منه بالذّكر، مع أنّ جميع مراتب الوجود منه، للتّناسب الواقع بينهما؛ أو لِكَون العقل أوّلَ ظهور المشيئة المُطلَقة؛ أو لأنّ صدور الكائنات لا يحتاج إلى الذِّكر بعد ذِكرِ صدور الأنوار منه؛ فإنّ صدورَ الأنوار إذ كان من شيء، كان صدور الأكوان منه أيضاً بحسب ترتيب سلسلةِ الوجود وقَوْسَي النّزول والصّعود.

والضّمير المجرور في قوله: «وأجرى فيه» إمّا راجعٌ إلى «الكان والمكان»، وفيه إشارةٌ لطيفةٌ إلى ظهور نورِه في السّماوات والأرض كما قال تعالى: ﴿اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ..﴾ النور:35، وإمّا راجعٌ إلى الأنوار إشارةً إلى أنّ المقيّدات التي هي الأنوار عينُ المُطلَق الذي هو «نورُ الأنوار».

ويمكن أن يكون راجعاً إلى نور الأنوار. فعلى هذا، يكون المراد من نور الأنوار هو العقل المجرّد الأوّل؛ ومن الأنوار النّفوس الكلّيّة؛ أو هي مع سائر العقول غير العقل الأوّل. ويكون المراد من نورِه الذي نُوِّرت منه الأنوار هو الفيضُ المُنبَسط. وهذا مناسبٌ للعبارة من جهتَين:

الأولى: نسبةُ الخَلق إلى نورِ الأنوار. وقد عرفتَ مراراً أنّه من عالَم الأمر، لا الخَلْق، وإنْ أُضِيفَ إليه أحياناً كما في الحديث الشّريف المتقدّم ذِكرُه.

الثّانية: إضافة «النّور» إلى ذاته تعالى في قوله: «وأجرى فيه من نورِه». فإنّها إشارةٌ إلى اتّحادِ الظّاهر والمظهر؛ وإنْ جازَ إضافةُ نور سائر الأنوار إلى ذاته تعالى أيضاً باعتبار، لكنّ الأنسب ذلك. وإيّاك وأن تفهمَ من «الإجراء» ما هو المتفاهم العرفيّ منه، كجَريان النّور الحسّيَ في المستَنير! بل هو بمعنى الظّهور والإحاطة القيّوميّة؛ كما لا يكون «النّور» هو النّور الحسّيّ.

* وقولُه عليه السلام: «وهو النّورُ الذي خلقَ منه محمّداً وعليّاً صلّى الله عليهما وآلهما»: أي من نور الأنوار الذي هو الوجودُ المُنبَسط -الذي قد عرفتَ أنّه الحقيقةُ المحمّدِيّةُ والعَلَويّةُ بنحو الوحدة واللّاتَعَيُّن- خلق نورَهما المقدّس، وهذا صريحٌ فيما ذكرنا. فتفكّر فيه حتّى تنفتحَ عليك الأسرار.

* وقولُه عليه السلام: «فلم يزالا نورَين أوّلَين إذ لا شيءَ كُوِّنَ قبلَهما»: يعني به أنّ نورَهما المقدّس المُنشَأ من نورِه، هو العقلُ المجرّدُ المقدّمُ على العالم الكون.

* وقولُه عليه السلام: «فلم يزالا..» إلى آخره، إشارةٌ إلى ظهورِه في العوالم النّازلة، من صُلْب عالَم الجَبروت إلى بطنِ عالَم المَلكوت العُليا؛ ومن صُلْبِه إلى بطنِ عالَم الملكوتِ السُّفلى؛ ومن صُلْبِه إلى بطنِ عالَم المُلك؛ ثمّ ظهرَ في خلاصة العوالم ونسختِها الجامعة، أي الإنسان الذي هو أبو البشر؛ وانتقل منه إلى أن يفترقَ في أطهرِ طاهرَين، عبد الله وأبي طالب عليهما السلام.

والسِّرُّ في التّعبير عن كلّ عالَمٍ صاعدٍ بالنّسبة إلى الهابط منه بـ «الصُّلْب» وعن كلّ عالَمٍ نازلٍ بالنّسبة إلى الصّاعد منه بـ «البَطن» ظاهرٌ لا يحتاج إلى التّفصيل. (مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية: ص 105 - 108، المشكاة الثّانية، المصباح الثّاني، مطلع 2)

***

وأمّا الذي يشاهدُ الكَثرةَ بلا احتجابٍ عن الوحدة، ويرى الوحدةَ بلا غفلةٍ عن الكَثرة، يُعطي كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، فهو مظهر «الحَكَم العدل» الذي لا يتجاوز عن الحدّ، وليس بظلّامٍ للعَبيد، فحكمَ تارةً بأنّ الكثرةَ متحقّقةٌ وتارةً بأنّ الكثرةَ هي ظهورُ الوحدة. كما نُقِلَ عن المُتَحقِّقِ بالبرزخيّة الكُبرى والفقير الكَلّ على المولى والمُرتقي بـ ﴿..قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى النجم:9، المُصطفى المُرتضى المُجتبى، بلسانِ أحدِ الأئمّة: «لَنا معَ الله حالاتٌ هوَ هو، ونحنُ نحن، وهوَ نحن، ونحنُ هوَ». (مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية: ص114، المشكاة الثّانية، المصباح الثّاني، مطلع 6)

***

وممّا يُرشِدُك إلى ما ذَكرنا حقَّ الإرشاد ويهديك كمالَ الهداية إلى طريق السّداد، ما حدّثه صدوق الطّائفة، رضوان الله عليه، في (عيون أخبار الرضا عليه السلام) بأسناده عن مولانا وسيّدنا عليّ بن موسى الرّضا، عليه آلاف التّحية والثّناء، عن آبائه عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قال:

«قال رسولُ الله صلّى الله عليه وآله: ما خلقَ اللهُ أفضلَ منّي، ولا أكرمَ عليه منّي. قال عليٌّ عليه السلام: فقلتُ: يا رسولَ الله، فَأَنتَ أفضلُ أم جبرئيل؟

فقال صلّى الله عليه وآله: يا عليّ، إن الله تبارك وتعالى، فضَّلَ أنبياءَه المُرسلين على ملائكتِه المقرّبين، وفضّلَني على جميعِ النّبيِّين والمُرسَلين. والفضلُ بعدي لكَ يا عليّ، وللأئمّة من بعدِك. وإنّ الملائكةَ لَخُدّامُنا وخُدّامُ مُحبّينا.

يا عليّ، ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا..﴾ غافر:7  بولايتِنا. يا عليّ، لولا نحنُ ما خلقَ اللهُ آدمَ عليه السلام ولا حوّاء ولا الجنّة والنّار، ولا السّماء والأرض، فكيفَ لا نكون أفضلَ من الملائكة وقد سَبقناهم إلى معرفةِ ربّنا وتسبيحِه وتهليلِه وتقديسِه. لأنّ أوّلَ ما خلقَ اللهُ عزّ وجلّ أرواحَنا فأنطقَها بتوحيدِه وتمجيدِه، ثمّ خلقَ الملائكة، فلمّا شاهدوا أرواحَنا نوراً واحداً استَعظمتْ أمرَنا، فسبَّحنا لِتَعلمَ الملائكةُ أنّا خَلْقٌ مخلوقون، وأنّه منزَّهٌ عن صفاتِنا، فَسَبَّحتِ الملائكةُ بتسبيحِنا ونَزَّهَتْهُ عن صفاتِنا.

فلمّا شاهدوا عِظَم شأننا هلَّلنا، لتعلمَ الملائكةُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ، وأنّا عبيدٌ وَلَسنا بالآلهة يجبُ أن نعبدَ معَه أو دونَه، فقالوا: "لَا إِلَهَ إلّا اللهُ".

فلمَا شاهدوا كِبَرَ محلِّنا، كبّرنا، لِتَعلمَ الملائكةُ أنّ الله تعالى أكبرُ من أن يُنال عِظَمُ المحلِّ إلّا به.

فلمّا شاهدوا ما جعلَه اللهُ لنا من العزِّ والقوّة، قُلنا: "لا حولَ ولا قوّةَ إلّا بالله" لتعلمَ الملائكةُ أنْ لا حولَ لنا ولا قوّةَ إلّا بالله.

فلمّا شاهدوا ما أنعمَ اللهُ به علينا وأوجبَه لنا من فَرْضِ الطّاعة، قُلنا: "الحمدُ لله" لِتعلمَ الملائكةُ ما يحقُّ للهِ تعالى ذِكرُه علينا من الحَمد على نِعَمِه، فقالت الملائكة: "الحمدُ لله".

فبنا اهتَدوا إلى معرفة توحيدِ الله عزّ وجلّ وتسبيحِه وتهليلِه وتحميدِه وتمجيدِه. ثمّ، إنّ اللهَ تبارك وتعالى، خلقَ آدم عليه السلام فأودَعنا صُلْبَه؛ وأمر الملائكةَ بالسّجود له تعظيماً لنا وإكراماً. وكان سجودُهم لله عزّ وجلّ عبوديّةً، ولآدمَ إكراماً وطاعةً لكوننا في صُلْبِه. فكيفَ لا نكونُ أفضلَ من الملائكة وقد سَجدوا لآدمَ كلُّهم أجمعون؟

وإنّه لمّا عُرِجَ بي إلى السّماء، أذّنَ جبرئيلُ عليه السلام مَثنًى مَثنى، وأقام مَثنًى مثنى. ثمّ قال لي: تقدّم، يا محمّد. فقلتُ له: يا جبرئيل، أتقدّمُ عليك؟ فقال: نعم. إنّ الله تبارك وتعالى فضَّلَ أنبياءَه على ملائكتِه أجمعين، وفضّلَك خاصّة. قال: فتقدّمتُ، فصَلّيتُ بهم، ولا فَخر.

فلمّا انتهيتُ إلى حُجُبِ النّور، قال لي جبرئيل: تقدّم، يا محمّد. وتَخَلَّفَ عنّي. فقلتُ: يا جبرئيل، في مثل هذا الموضعِ تُفارقني؟ فقال: يا محمّد، إنّ انتهاءَ حدّي الذي وضعَني اللهُ عزّ وجلّ فيه إلى هذا المكان، فإنْ تجاوزتُه احترقَتْ أجنحتي بتَعَدِّيَّ حدودَ ربّي جلّ جلالُه. فَزَخَّ بي في النّور زخّةً (فَزَجّ بي في النّور زجّةً) حتّى انتهيتُ إلى ما شاء الله من علوِّ مُلْكِه. فنُوديت: يا محمّد. فقلتُ: لبّيكَ ربّي وسعدَيكَ، تباركتَ وتعاليت. فنُوديت: يا محمّد، أنت عبدي، وأنا ربُّك، فإيّاي فاعبُد؛ وعليَّ فتوكَّل. فإنّك نُوري في عبادي، ورَسولي إلى خَلقي، وحُجّتي على بَرِيَّتِي. لكَ ولِمَن تَبِعَكَ خلقتُ جنّتي؛ ولِمَن خالفَك خلقتُ ناري؛ ولأوصيائك أوجبتُ كَرامتي؛ ولشِيعَتِهم أوجبتُ ثوابي.

فقلتُ: يا ربّ ومَن أوصيائي؟ فنُوديت يا محمّد، أوصياؤك المكتوبون على ساقِ العَرش. فنظرتُ، وأنا بين يدَي ربّي جلّ جلالُه، إلى ساق العرش؛ فرأيتُ اثنَي عشر نوراً، في كلِّ نورٍ سطرٌ أخضرُ عليه اسمُ وصيٍّ من أوصيائي، أوّلُهم عليُّ بنُ أبي طالب وآخرُهم مهديُّ أُمّتي.

فقلتُ: يا ربّ، هؤلاء أوصيائي بعدي؟ فنُوديت: يا محمّد، هؤلاء أوليائي وأحبّائي وأصفيائي وحُجَجي بعدَك على بريّتي، وهم أوصياؤك وخُلفاؤك وخيرُ خَلقي بعدَك. وَعِزَّتي وجَلالي، لَأُظْهِرَنَّ بهم ديني، ولَأُعْلِيَنَّ بهم كَلِمَتي، وَلَأُطَهِّرنَّ الأرضَ بآخرِهم من أعدائي. وَلَأُمَلِّكَنَّه مشارقَ الأرض ومغاربَها، وَلَأُسَخِّرَنّ له الرّياح، وَلَأُذَلِّلَنّ له السَّحابَ الصِّعاب، وَلَأرقّينَّه في الأسباب، وَلَأَنصُرَنَّه بجُندي وَلَأُمِدَّنَّه بملائكتِي حتّى يُعلنَ دعوتي ويجمعَ الخلقَ على توحيدي. ثمّ، لَأُدِيمَنَّ مُلْكَه، وَلَأُداوِلَنَّ الأيامَ بين أوليائي إلى يومِ القيامة».

اخبار مرتبطة

  أيُّها العزيز

أيُّها العزيز

  دوريات

دوريات

07/06/2013

دوريات

نفحات