كلمة سواء

كلمة سواء

07/06/2013

الحوار مع الآخَر

 

 

الحوار مع الآخَر*

لا مُداهنة، ولا افتئات

ــــ إعداد: «شعائر» ــــ

 

يُعدُّ الحوار من الوسائل المفضَّلة في أداء مسؤوليّة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، فَبِهِ يتمُّ إيقاظُ العقول والقلوب، وتحريكُ العواطف والمشاعر، وخصوصاً لِمَن يَبحث عن الحقيقة، فهو يساعد على معرفة مستويات المشاركين في الحوار، وما يَطرحونه من شُبُهاتٍ فكريّة وسلوكيّة، فيُطالب المُحاوِر غيرَه بالحُجَّة والدّليل، ويعلِّمه في الوقت نفسه طريقة الاستدلال الصَّحيح، ويأخذ عليه طريق الادِّعاء بلا بيِّنة، أو ببيِّنةٍ مضطربة.

وينبغي أن يكون الحوار في مفهومٍ أو موقفٍ واقعيٍّ، لا في الألفاظ والتّعاريف، وأنْ يبدأ من القضايا المشتركة، ثمَّ إلى القضايا المُختلَف فيها.

والحوارُ وسيلةٌ استخدَمَها جميعُ الأنبياء والمرسَلين في مسيرتهم، كَحوارِ نوحٍ عليه السلام مع قومه، وإبراهيم عليه السلام مع النُّمرود، وموسى عليه السلام مع فرعون، وعيسى عليه السلام مع بني إسرائيل، ورسول الله صلّى الله عليه وآله مع المشركين من قريش ومن أهل الكتاب، ومع المسلمين أنفسهم، وأهل البيت عليهم السلام مع حكَّام زمانهم، ومع أئمّة المذاهب الأخرى.

وقد دعا القرآنُ الكريم رسولَ الله صلّى الله عليه وآله إلى الحوار مع الآخرين بطريقة ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.. النّحل:125.

والحوارُ يَختلف حَسَب اختلافِ المعتقدات، فهو يتركَّز على المفاهيم والأفكار مع غير المسلمين كالتّوحيد والنّبوّة واليوم الآخِر، وعلى الممارسات العمليّة مع المسلمين، بتذكيرِهم

وإثارة عواطفهم اتِّجاه الأفكار والمفاهيم الإسلاميّة لتجسيدها في الواقع العمليّ.

ثمّ إنّه ينبغي رعاية التّوازن في الحوار، ذلك أنّ المحاوِر قد تستبدّ به رغبةٌ للتّماهي مع الآخر، فيَتعامى عن نقاط الاختلاف، وقد يقعُ بذلك من حيث لا يَعي في شَرَك المُداهنة، ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ القلم:9. وهذه المُداهنة هي ما نجدُ بعضَ تعبيراتها في القول السّائد: «الأديان واحدة» أو أنّها «تنهلُ من مَعينٍ واحد»، وهذا مخالفٌ لصَريح القرآن الكريم: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ..﴾ آل عمران:19. فلا معنَى لعبارة الأديان، وإنّما هو دينٌ واحد، وعقيدةٌ واحدة ومنظومةُ قِيَم وفضائل واحدة، نادى بها ودعا إليها جميع الأنبياء؛ من لَدُن آدمَ إلى عيسى عليهم جميعاً صلوات الله تعالى، ثمّ كان كمالُها وتَتميمُها مع بعثة رسول الله صلّى الله عليه وآله. فالدّينُ واحدٌ لا غير، وهو الإسلام، والآخرون تفرّقت بهم السُّبُل، وتقتضي مهمّة المحاور المسلم أن يدعو الآخر إلى الإسلام، وفي سياق الدّعوة يستمع إلى استفساراته، ويُجيبُ على أسئلته.

في المقابل، وكما لا تجوز المداهنة، يجبُ على المحاور المسلم أن يُراعي جانب الإنصاف، فلا يتّهم الآخر بما ليس فيه، ولا ينسب إليه ما لا يقول به، لأنّ من شان ذلك أن ينفِّر المحاوَر، ويصدّه عن الاستماع إلى كلمة الحقّ. يجبُ إذاً، التّحلّي بأخلاق رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأهل بيتِه عليهم السلام، في حواراتهم مع الآخرين.

يُروى أنّ المفضّل بن عمر، وهو من أصحاب الإمام الصّادق عليه السلام، سمع ذات يوم ابنَ أبي العوجاء الدّهريّ يُنكر الخالق، فقام المفضّل وردَّ -لشدّة غضبه- على ابن أبي العوجاء بكلامٍ فيه حدّة. فقال له الدّهريّ: «يا هذا، إن كُنتَ مِن أصحابِ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّد الصّادِقِ فَما هكَذا يُخاطِبُنا، ولا بِمِثلِ دَليلِكَ يُجادِلُنا! ولَقَد سَمِعَ مِن كَلامِنا أكثَرَ مِمّا سَمِعتَ، فَما أفحَشَ في خِطابِنا، ولا تَعَدّى في جَوابِنا. وإنَّهُ لَلحَليمُ الرَّزينُ العاقِلُ الرَّصينُ؛ لا يَعتَريهِ خُرقٌ ولا طَيشٌ ولا نُزقٌ. ويَسمَعُ كَلامَنا، ويُصغي إلَينا، ويَستَعرِفُ حُجَّتَنا، حَتَّى إذا استَفرَغنا ما عِندَنا وظَنَنّا أنّا قَد قَطَعناهُ أدحَضَ حُجَّتَنا بِكَلامٍ يَسير وخِطابٍ قَصير، يُلزِمُنا بِهِ الحُجَّةَ، ويَقطَعُ العُذرَ، ولا نَستَطيعُ لِجَوابِهِ رَدّاً، فَإِن كُنتَ مِن أصحابِهِ فَخاطِبنا بِمِثلِ خِطابِهِ..».

 

____________________________

*نقلاً عن كتاب (الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر) من إعداد (مركز الرسالة) – بتصرّف وإضافات.

 

 

 

 

اخبار مرتبطة

  أيُّها العزيز

أيُّها العزيز

  دوريات

دوريات

07/06/2013

دوريات

نفحات