كتاب شعائر 6 - القسم الثاني

كتاب شعائر 6 - القسم الثاني

19/07/2013

كتاب شعائر 6 - القسم الثاني

14

شهر رمضان

 

 

* ولادة الإمام الحسن عليه السّلام

   * عشيّة استشهاد الأمير عليه السّلام

      * حراجة الظَّرف

         * تجرُّع الغُصص

             *ملامح من سيرته عليه السّلام
                  * أجـواء الشّهـادة

                        * دعاء اليوم الرّابع عشر
                               * أعمال اللّيلة الخامسة عشر


 

ولادة الإمام الحسن عليه السّلام

واسطةُ العقد من شهر رمضان المبارك ذكرى ولادة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه، فإلى المولى صاحب العصر والزّمان أرواحنا فداه، نرفع آيات التّهاني.

والكريمُ المُستجارُ المُلتجا              غيرُ محتاجٍ إلى بَسْطِ السُّؤال[1]

 وحبُّ المولى أبي محمّد الإمام الحسن عليه السّلام من الأمور الّتي أجمع عليها المسلمون، شأنُه في ذلك شأنُ أبيه وأمّه وأخيه، وأهل البيت جميعاً عليهم السّلام، وقد صرّح بذلك القرآن الكريم ﴿..قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى.. الشورى:23.

كما طال تأكيدُ المصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله على ذلك، بحيث إنّا عندما نستعرض سيرةَ رسول الله صلّى الله عليه وآله، نجد أنّه كان قد وَضع ضمن أولويّاته التّأكيد على طاعة أهل البيت عليهم السّلام، ووجوب حبّهم واتِّباعهم والاقتداء بهم.

نجد في هذا المضمار تأكيداً مركَّزاً جداً على أمير المؤمنين عليه السّلام بخصوصه، وعلى الزّهراء عليها السّلام بخصوصها، وعلى الحسنَين معاً وعلى كلٍّ منهما على حدة، إلى جانب التّأكيد على أهل البيت عامّةً ودون تحديد.

وبالإضافة إلى التّأكيد بالقول الّذي كان يصدر عنه صلّى الله عليه وآله باستمرار، فطالما رأى المسلمون أعمالَ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله التي تدلُّ على تكريم أهل البيت، والرّوايات كثيرةٌ جدّاً ومستفيضةٌ لدى المسلمين جميعاً حول تكريم رسول الله صلّى الله عليه وآله للحسنين وحُنوِّه عليهما، بالإضافة إلى الوصيّة بهما والتّأكيد على عظيم منزلتهما عند الله تعالى.

من هنا كان من الطبيعيّ أن يُجمع المسلمون على أنَّ الإمام الحسن عليه السّلام كان خليفة رسول الله صلّى الله عليه وآله ، حتّى الّذين قد يبدو منهم تأييدٌ مَّا لمعاوية، فإنّهم لا يخالفون إجماعَ المسلمين حول شرعيّة خلافة الإمام الحسن المُجتبى عليه السّلام، كما أنّ من الدِّين عند الجميع أن تكون علاقةُ المسلمين بالإمام الحسن عليه السّلام علاقة حبٍّ ومودّة.

* وُلد عليه السّلام في ليلة الخامس عشر من شهر رمضان في السّنة الثالثة للهجرة، وهناك رأي في أنّ ولادتَه كانت في السّنة الثّانية.

أمضى الإمامُ الحسن عليه السّلام مع جدّه المصطفى صلّى الله عليه وآله حوالي سبع سنوات، ومع أمِّه الزّهراء حوالي سبع سنوات وأشهر، وبَقِي بعد أمير المؤمنين عليه السّلام في حدود عشر سنوات.

عشيّة استشهاد الأمير عليه السّلام

 

تولّى الإمام الحسن عليه السّلام خلافةَ رسول الله صلّى الله عليه وآله في ظروفٍ بالغة التّعقيد، كانت المعركةُ الّتي دارت بين أمير المؤمنين عليه السّلام ومعاوية قد حُسِمت لصالح معاوية منذ أن وَضعت حربُ صفِّين أوزارَها، وكان الضّعفُ في معسكر أمير المؤمنين عليه السّلام قد حَسَم المعركة سلفاً، ورغم أنّ المخلصين من جيش أبي الحسن عليه السّلام كادوا يقتلون معاوية، ولكن في اللحّظات الأخيرة الحاسمة تدخّل الأشعث بن قيس وأضرابه من شيوخ العشائر في الكوفة، الّذين كانوا في الواقع من المنافقين إلى جانب أعدادٍ كبيرة من القرّاء الّذين صاروا هم الخوارج فيما بعد. تدخّل هؤلاء ليحسموا نتيجة المعركة بالطّريقة التي نعرف.

وَضعت الحربُ أوزارَها وكانت مسألة التّحكيم، ثمّ كان من خداع عمرو بن العاص والأشعث ما كان، وفيما كان أمير المؤمنين عليه السّلام يستعدُّ لمعاودة الكرّة والقضاء على محاولات التّحريف للإسلام ومصدرها، تحرَّكت فتنة الخوارج ثمّ استُشهد أمير المؤمنين عليه السّلام.

 وبويع الإمام الحسن عليه السّلام بالخلافة في هذه الظُّروف المعقّدة.

وإذا أردنا أن نعرف الظُّروف السّياسيّة التي عاشها الإمام المجتبى عليه السّلام، فيجب أن نَستحضر المحاولات الّتي كان يبذلها أمير المؤمنين عليه السّلام لإصلاح الوضع داخل الكوفة، ثمّ اضطراره إلى السّكوت، والجهود المُضنية الّتي كان يضطرّ لبذلها عندما كان يريد استنفار أهل الكوفة للحرب.

من الواضحات الّتي أصبحت معروفة لدى الجميع، أنَّ الإمام عليّاً عليه السّلام كان يصعد المنبر فيُحرِّض على الجهاد وبتحريضٍ من نوع نهج البلاغة، أو يكتب الخطبة فيلقيها أحدٌ عنه كما هو الحال في خطبة الجهاد التي ألقاها الشّهيد الكربلائيّ سعد مولى أمير المؤمنين عليه السّلام، وبمجرّد أن ينزل عن المنبر، أو ينتهي الخطيبُ مما كَتب الأمير عليه السّلام، يجدهم قد جلسوا حلقاتٍ حلقاتِ، وكأنّهم لم يسمعوا الحثّ على الجهاد.

إذا استَنفرَهم عليه السّلام في الصّيف تذرّعوا بالحرّ، وإذا استَنفرَهم في الشّتاء تعلّلوا بالبرد، كما هو معروف.

لأهل الكوفة قال عليه السّلام: «ملأتُم قلبي قَيحاً»، ولأهل الكوفة قال عليه السّلام: «أما والّذي نفسي بيدِه ليظهرنّ هؤلاء القوم عليكم، ليس لأنّهم أوْلى بالحقّ منكم، ولكن لإسراعِهم إلى باطلِ صاحبهم وإبطائِكُم عن حقّي. ولقد أصبَحتِ الأممُ تخاف ظلمَ رُعاتِها، وأصبحتُ أخاف ظُلمَ رعيّتي. استنفرتُكم للجهاد فلم تَنفروا. وأسمعْتُكُم فلم تَسمعوا، ودعوتُكُم سرّاً وجهراً فلم تَستجيبوا، ونصحتُ لكم فلم تَقبلوا. أَشهودٌ كغُيّاب وعبيدٌ كأرباب؟ أتلو عليكم الحِكَم فتنفرون منها. وأعِظُكم بالموعظة البالغة فتتفرَّقون عنها. وأحثُّكُم على جهاد أهل البَغي فما آتي على آخر القول حتى أراكم متفرِّقين أيادي سبأ، ترجعون إلى مجالسكم وتتخادَعون عن مواعظكم. أُقَوِّمُكم غدوة وترجعون إليّ عشية كظهر «الحنية» عجز المقوِّم وأعضل المقوَّم، أيّها الشّاهدة أبدانهم، الغائبة عقولهم، المختلفة أهواؤهم، المبتلى بهم أمراؤهم. صاحبُكم يطيع الله وأنتُم تعصونه. وصاحب أهل الشّام يعصي اللهَ وهم يُطيعونه. لَوددْتُ والله أنّ معاوية صارفني بكم صرف الدّينار بالدّرهم، فأخذ منّي عشرة منكم وأعطاني رجلاً منهم. يا أهلَ الكوفة، مُنيتُ بكم بثلاثٍ واثنتين: صمٌّ ذوو أسماع، وبُكْمٌ ذوو كلام، وعُميٌ ذوو أبصار. لا أحرار صدقٍ عند اللّقاء، ولا إخوان ثقةٍ عند البلاء. تَرِبَتْ أيديكم. يا أشباه الإبل غاب عنها رُعاتهُا كلّما جمعت من جانب تفرّقت من جانبٍ آخر»[2].

طالما تمنّى عليه السّلام فراقَهم، موضحاً أنّه لولا حبّه للشّهادة لمضى عنهم وما طلبهم ما اختلف جنوب وشمال.[3]

كان أهل الكوفة قد ركنوا إلى الدّنيا وأصبح لا يحرّكهم إلّا المال، وقد عرف معاوية كيف يضرب على هذا الوتر، وكان أبو الحسن عليه السّلام يعرف ذلك إلّا أنّه كان المخطّط المبدئي الّذي يحمل لواء التشريع الذي أرسى دعائمه رسولُ الله صلّى الله عليه وآله.

وفي صفِّين يقول الإمام عليه السّلام: وقد دَخل في هذا المُعسكر طمع من معاوية [4]، وكان هذا الطّمع موجوداً حتّى عندما كانوا في الكوفة، فكانت أموال معاوية مَهوى أفئدتهم، وقد ذكر عليه السّلام أسماءَ عددٍ مَن وَصَفهم بأنّهم باعوا الآخرة بالدّنيا[5]، وكان داخل الكوفة عددٌ كبيرٌ من المُتظاهرين بالإسلام، إلّا أنّهم كانوا طليعةَ المنافقين، وفي الرّعيل الأوّل من هؤلاء يأتي الأشعث بن قيس الّذي عُرف عنه أنّه لا يرى شرّاً إلّا ويَدخل فيه، كما وَصَفه أبو بكر بعد أن زوَّجه أخته أمّ فروة، وقد كان دور الأشعث بن قيس في صفّين مفصليّاً باتّجاه إفراغ الحرب من محتواها، وإتاحة الفرصة لمعاوية للقيام بمناورة ما عُرِفَ بالتّحكيم.

ذات مرّة أراد أميرُ المؤمنين عليه السّلام أن يعزل الأشعث بن قيس من رئاسة «كِنْدة»، ونصّب بدلاً منه «حسّان بن مخدوج»، إلّا أنّ «كِنْدة» لم تطع الإمام واضطُرّ عليه السّلام أن يُعيد الأمر إلى ما كان[6].

ما أريد بيانَه هو أنّ وضعَ الكوفة السّياسيّ كان في زمن أمير المؤمنين عليه السّلام غايةً في التّعقيد، وكانت شخصيّة الإمام عليّ عليه السّلام هي التي تفرض مساراً معيّناً يؤجّل إعلان الإنهيار.

فماذا سيواجه الإمام الحسن عليه السّلام بمجرّد تولّيه الخلافة؟

أليسَ من الطبيعيّ أنّ كلّ مراكز الثّقل السّياسيّ التي كان معاوية قد اشتراها، والّتي كانت قد ضاقت ذَرعاً بمبدئيّة عليٍّ أمير المؤمنين عليه السّلام، الّتي هي استمرارٌ لمبدئيّة المصطفى صلّى الله عليه وآله -أليس من الطّبيعيّ- أن تتحرّك مراكز الثّقل السّياسيّ هذه لتثبيط النّاس عن الإمام الحسن عليه السّلام؟

من هنا قلتُ إنّ المعركة كانت قد حُسِمت في صفّين عند رفع المصاحف، وكانت شخصيّة أمير المؤمنين عليه السّلام تمنع من إعلان الإنهيار الكبير الّذي كاد أن يقع في صِفّين، حيث كادت النّتيجة تبلغ أن يرجع أمير المؤمنين عليه السلام ومعه –ربّما- عددٌ قليل من النّاس يشكّلون مجموعة صغيرة، وفي المقابل «الأمّة» المُجمعة على الباطل أو معاوية، لا فرق.

أصبح غاية همّ الإمام أبي الحسن عليه السلام أن يَحولَ دون ذلك ويُبقي خطَّين ولو في الظّاهر. وكان صلوات الله عليه يَتحيَّن الفرصة لتغيير المعادلة، إلّا أنّه استُشهد قبل ذلك وتولّى الإمامُ الحسن عليه السّلام الخلافة.

ولا يمكن إطلاقاً فصلُ الأحداث بعد بَيْعة الإمام الحسن عليه السّلام عن مسارِها في زمن الأمير عليه السّلام، ومن المفيد جدّاً التّأمّل في النّصوص الّتي تتحدَّث عن عشيّة استشهاد أبي الحسن صلوات الله عليهما، وسأكتفي هنا بأحَدِها.

أورَدَ الشّيخ الطّوسيّ في (أماليه)، الآتي:

«لمّا وجّه معاوية بن أبي سفيان، سفيان بن عوف الغامدي إلى الأنبار للغارة ".." استَنفر أميرُ المؤمنين عليه السّلام النّاس َوقد كانوا تقاعدوا عنه، واجتمَعوا على خذلانه، وأمَر مُناديه في النّاس فاجتمعوا، فقام خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه وصلَّى على رسول الله صلّى الله عليه وآله، ثمّ قال: أمّا بعد، أيّها النّاس، فوالله لَأهلُ مصركم في الأمصار أكثر في العرب من الأنصار، وما كانوا يوم عاهدوا رسول الله صلّى الله عليه وآله، أن يمنعوه ومَن معه من المهاجرين حتى يبلّغ رسالات الله إلَّا قبيلتين صغيرٌ مولدهما، ما هما بأقدم العرب ميلاداً، ولا بأكثره عدداً، فلمّا آوَوْا رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأصحابَه، ونصروا الله ودينه، رَمَتهم العرب عن قوس واحدة، وتحالفت عليهم اليهودُ، وغزتهم القبائلُ قبيلة بعد قبيلة، فتجرّدوا للدِّين، وقطعوا ما بينهم وبين العرب من الحبائِل، وما بينهم وبين اليهود من العُهود، ونَصبوا لأهل نَجد وتهامة وأهل مكّة واليمامة وأهل الحَزَن وأهل السّهل قناة الدّين والصّبر تحت حماس الجِلاد، حتّى دانت لرسول الله صلّى الله عليه وآله العرب، فرأى فيهم قرّة العين قبل أن يقبضه اللهُ إليه، فأنتُم في النّاس أكثر من أولئك في أهل ذلك الزّمان من العرب. فقام إليه رجلٌ آدم طوال فقال: ما أنت كمحمّدٍ، ولا نحن كأولئك الّذين ذَكَرت، فلا تُكلِّفنا ما لا طاقة لنا به. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أحسِنْ مسمعاً تُحسن إجابة، ثكلتكُم الثّواكلُ ما تزيدونني إلّا غمّاً، هل أخبرتُكم أنّي مثل محمّد صلّى الله عليه وآله، وأنكم مثل أنصاره، وإنّما ضربتُ لكم مثلاً، وأنا أرجو أن تَأَسَّوْا بهم. ثمّ قام رجل آخر فقال: ما أحوَج أمير المؤمنين ومَن معهُ إلى أصحابِ النّهروان! ثم تكلّم النّاس من كلّ ناحية ولَغطوا، فقام رجلٌ فقال بأعلى صوته: استَبان فقْدُ الأشتر على أهل العراق، لو كان حيّاً لقَلَّ اللّغط، ولَعَلِمَ كلُّ امرئٍ ما يقول: فقال لهم أمير المؤمنين صلوت الله عليه: هَبَلتكُم الهوابل، لأنا أوْجبُ عليكم حقّاً من الأشتر، وهل للأشتر عليكم من الحقّ إلّا حقّ المسلم على المسلم؟ وغضب، فنزل. فقام حُجر بن عَدِيّ وسَعد بن قيس، فقالا: لا يسوؤك الله يا أمير المؤمنين، مُرْنا بأمرك نتّبعه، فوالله العظيم ما يعظمُ جَزَعُنا على أموالنا أنْ تفرّق، ولا على عشائرنا أن تُقتل في طاعتك، فقال لهم: تجهّزوا للسَّير إلى عدوّنا. ثمّ دخل منزله عليه السّلام، ودخل عليه وجوهُ أصحابه، فقال لهم: أشيروا عليّ برجل صليبٍ ناصح يَحشر النّاس من السّواد. فقال سعد بن قيس: عليك يا أمير المؤمنين بالنّاصح الأَريب الشُّجاع الصّليب معقل بن قيس التميمي، قال: نعم، ثمّ دعاه فوجَّهه وسار، ولم يَعُد حتّى أصيب أمير المؤمنين عليه السلام»[7].

حراجةُ الظّرف

وإذا أردنا أن نجري قراءةً في الوضع السّياسيّ بعد شهادة الأمير، وحتّى لو صرفنا النّظر عن عصمة الإمام الحسن عليه السّلام، لإثبات أنّ التّحليل الموضوعيّ يقودنا إلى فرادة موقفه عليه صلوات الرّحمن، فسنجد التّالي:

 كانت الأعباء الّتي واجهت الإمام المجتبى عليه السّلام بمستوى استحالة أن يتمّ انتزاع موقفٍ من «الأمّة» أفضل ممّا كان، ويسلّط ما تقدم الضّوء على بعض ملامح ذلك.

لم يكن من السّهل أبداً أن يستنفر الإمام الحسن عليه السّلام جيشاً من الكوفة، الّتي كان يصعب جداً على أمير المؤمنين عليه السّلام أن يستنفر جيشاً منها، من هنا فإنّ الإمام الحسن عليه السّلام قد بذل جهداً جبّاراً وأثبت كفاءةً منقطعة النّظير، فلم يسمح بانهيار الوضع في الكوفة بمجرّد شهادة أمير المؤمنين عليه السّلام، ومنع مراكز الثّقل السّياسيّ وهي فاعلة أن تفرض موقفها وتوجّه مسارَ الأمور في الكوفة، وإنّما واجه ذلك كلّه ووظّف أجواء التّعاطف مع شهادة المولى أبي الحسن عليه السّلام، وسار باتّجاه المواجهة مع باطل معاوية وبقي مصرّاً على هذا الطّريق، رغم كلّ الإحباط الّذي رآه من حوله.

كان يرسل جيشاً بقيادة مَن يختاره من بين أفضل الموجودين، وبعد أيّامٍ يأتيه الخبر أنّه لحق بمعاوية، ويرسل الثّاني ويأتيه الخبر كذلك، ويرسل ابن عمّ أبيه عبيدالله بن العباس فيشتريه معاوية رغم أنّ أحد جلاوزة معاوية كان قد ذَبحَ طفلَي عبيدالله بن العباس الصّغيرين، وقد جرت بعض المحاولات لاغتياله عليه السّلام، ويبدو –والله العالم- أنّ سوء العاقبة قد تسلّل إلى الدّائرة الخاصّة التي يفترض فيها أنّها عصيّة على معاوية.

هذه الظّروف هي الّتي ينبغي أن تُدرس جيداً عند مقاربة ما سُمِّي صلح الإمام الحسن عليه السّلام مع معاوية، فلقد بقي عليه السّلام مُصِرّاً على مواجهة الباطل إلى أن لم يَعُد ممكناً أن يواجَه هذا الباطل إلّا بالشّروط التي اشترطها سلام الله عليه على معاوية، لتحقيق أمرَين:

الأوّل: عدم إعطائه أيّ شائبة شرعيّة، ولو تلك النّاشئة من عدم وجود من يشترط عليه شيئاً.

الثّاني: تسجيل موقفٍ واضحٍ أمام النّاس في عصره والأجيال القادمة أنّ وصول معاوية إلى موقع الحاكم حالةٌ استثنائيّة فرضها تخاذل النّاس، وليس لمعاوية أن يعهد بالأمر إلى أحدٍ من بعده.

والحقيقة الصّراح هي أنّ الإمام الحسن عليه السّلام لم يُصالِح معاوية، وإنّما كشَفَ استباحة حبّ الدّنيا للأمّة بقيادة الشّيطان ومعاوية.

والّذي سوَّغ له عدم اعتماد الخيار الاستشهاديّ، هو أنّ غمرات موجة الباطل كانت من الضّراوة إلى الحدّ الّذي تذهب فيه شهادة الإمام ومَن يَقف معه هدراً، دون أن تقوى على إحداثِ تغييرٍ في وجدان الأمّة المريض، والمندفع بضراوة في متاهات الانحراف.

وبكلمة: لقد سوَّغ له ذلك ما سوَّغ لأبيه -مِن قبلُ- أن يصبر، فيقول: «فصبرْتُ وفي العينِ قذًى، وفي الحلق شجًى، أرى تراثي نهباً..».

تجرُّع الغُصَص

سُئل الإمام الحسن عليه السّلام ذات مرّة: «ما العقل؟ فقال عليه السّلام: تجرُّع الغُصَص، ومداراة الرجال»[8].

كانت كلّ الفترة التي أمضاها مع أبيه وبعده بالخصوص، مرحلة تجرُّع الغُصص، ولقد جرّبنا وتذوّقنا شيئاً من هذه الغُصص إثر القرار 598 الصّادر عن الأمم المتحدة بإعلان وقف الحرب بين العراق وإيران، والّذي وصفه الإمام الخمينيّ بأنّه أشدّ من تجرّع السّمّ -ولا قياس- ومن هنا يمكننا أن نقدّر أيّ غصصٍ تَجرّعها المولى الحبيب الإمام المُجتبى عليه السّلام.

وتجدر الإشارة إلى أنّه وَرد في بعض الرّوايات أنّ سيرة الإمام الحسن عليه السلام رحمةٌ للأمّة، كما أنّ سيرة الإمام الحسين رحمة للأمّة، فالأمّة بحاجة إلى النّهج المحمّديّ الّذي يُفترض الاقتداءُ حيناً بسيرة الإمام الحسن عليه السّلام وحيناً آخر بسيرة الإمام الحسين عليه السّلام، وتقع سيرتهما معاً عليهما صلوات الرّحمن في منهجٍ واحد، ولذلك صالح الإمامُ الحسين عندما صالح أخوه وسيِّدُه وإمامُه الإمام الحسن عليه السّلام. وعندما طلب أهل الكوفة من الإمام الحسين عليه السّلام في زمن معاوية أنْ يثور على معاوية رفَضَ عليه السّلام، ولو أنّ الإمام الحسن عليه السّلام كان موجوداً حين بويع يزيد، لَكان موقفه بالتّأكيد نفس موقف أبي عبد الله الإمام الحسين عليه السّلام، إنَّهما مشكاةٌ واحدة.

إنّ صلحَ الإمام الحسن عليه السّلام كَجهادِ الإمام الحسين عليه السّلام، وكربلاء الإمام الحسين عليه السّلام كَصُلح الإمام الحسن من حيث الالتزام بما هو مصلحة الإسلام والمسيرة المؤمنة، ولعلّ الأحاديث الواردة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، والّتي تقرن بين الحسنَين تريدنا أن نفهم ذلك بعمق «ابنايَ هذان إمامان قاما أو قَعدا».

ملامح من سيرته عليه السّلام

 1- «ما بلغ أحدٌ من الشّرف بعد رسول الله ما بلغ الحسن، ولقد رأيتُه في طريق مكّة ماشياً فما مِن خَلْقِ الله أحدٌ رآه إلّا نزل ومشى، حتّى رأيتُ سعد بن أبي وقاص يمشي»[9].

2- عُرف عنه عليه السّلام أنّه كان كثير المشي إلى بيت الله تعالى. قال عليه السلام: «إنّي لأستحي من ربِّي أنْ ألقاه ولم أمْشِ إلى بيته»، فمشى عشرين مرّة من المدينة إلى بيت الله، وفي روايةٍ أخرى: «ولقد حجّ الحسنُ بن علي خمسةً وعشرين حجة ماشياً وإنَّ النّجائب تُقاد معه»[10].

3- كان عليه السّلام إذا توضّأ ارتعدت مفاصله واصفرّ لونه، فقيل له في ذلك فقال: «حقٌّ على مَن وَقف بين يدي ربّ العرش أن يصفرَّ لونُه وترتعد مفاصلُه»[11].

4- وكان عليه السّلام إذا بلغ باب المسجد رفع رأسه وقال: «إلهي ضَيْفك ببابِك. يا مُحسنُ قد أتاك المُسيء، فتجاوز عن قبيح ما عندي بِجَميلِ ما عندك يا كريم»[12].

5- عن الإمام الصّادق عليه السّلام: «إنّ الحسن بن عليّ عليهما السّلام كان أعبد النّاس في زمانِه، وكان إذا حجَّ حجَّ ماشياً وربّما مشى حافياً، وكان إذا ذُكر الموت بكى، وإذا ذُكر القبر بكى، وإذا ذُكر البعث أو النّشور أو الممرّ على الصِّراط بكى، ".." وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصُه بين يدي ربِّه عزَّ وجلَّ، وكان إذا ذَكرَ الجنّة أو النّار اضطربَ اضطرابَ السّليم، وسأل اللهَ الجنّة، وتعوّذ به من النّار»[13].

6- وإذا قَرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿يا أيُّها الّذين آمَنُوا قال: «لبَّيْكَ اللَّهُمَّ لبَّيْكَ»[14].

أجـواء الشّهـادة

1- دخل عليه جُنادة ابن أبي أميّة في مرض شهادته فقال له: «يا ابن رسول الله عِظني: فقال عليه السّلام : «..استعدّ لِسفرك، وحصِّل زادك قبل حلول أجلِك، واعلم أنّك تطلب الدّنيا والموتُ يطلبك، ولا تحملْ همَّ يومك الّذي لم يأتِ على يومِك الّذي أنتَ فيه، واعلم أنّك لا تَكسب من المال شيئاً فوق قوْتك إلَّا كنتَ فيه خازناً لغيرك. واعلم أنّ في حلالِها حساباً، وفي حرامِها عقاباً، وفي الشّبهات عتاباً، فأَنزِل الدّنيا بمنزلة المِيتة، خُذ منها ما يكفيك، فإنْ كان ذلك حلالاً كنتَ قد زهدْتَ فيها، وإنْ كان حراماً لم يكن فيه وِزر فأخذت كما أخذت من المِيتة، وإن كان العتاب فإنّ العتابَ يسيرٌ. واعمَل لِدنياك كأنّك تعيش أبداً، واعمل لآخرتِك كأنّك تموت غداً، وإذا أردْتَ عزّاً بلا عشيرة، وهَيبةً بلا سلطان، فاخرُج من ذلّ معصية الله إلى عزّ طاعة الله عزَّ وجلَّ، وإذا نازعَتْكَ إلى صحبةِ الرّجال حاجةٌ فاصْحَب من إذا صَحبْتَه زانكَ، وإذا خدمْتَه صانك، وإذا أردْتَ منه معونةً أعانك، وإنْ قلتَ صدّق قولك، وإن صلْتَ شدَّ صَولك، وإن مددْتَ يدَك بفضلٍ مدَّها، وإن بدت عنك ثَلْمَةٌ سدّها، وإن رأى منك حَسنةً عدّها، وإن سألتْهُ أعطاك، وإن سكتّ عنه ابتداك، وإن نَزلت إحدى الملمَّات به ساءك [15]. مَن لا تأتيكَ منه البَوائق، ولا يَختلفُ عليك منه الطّرائق، ولا يخذلك عند الحقائق، وإن تنازعتما منقسِماً آثَرَك. قال: ثمّ انقطع نفَسه واصفرّ لونه، حتّى خشيتُ عليه، ودخل الحسين عليه السلام والأسود بن أبي الأسود فانكبّ عليه حتى قبّل رأسه وبين عينيه، ثمّ قعد عنده فتسارّا جميعاً، فقال أبو الأسود: إنّا لله، إنّ الحسن قد نُعِيت إليه نفسُه. وقد أوْصى إلى الحسين عليه السلام وتوفّي يوم الخميس في آخر صفر سنة خمسين من الهجرة، وله سبعة وأربعون سنة ودُفن بالبقيع»[16].

2- وكان سبب مفارقة أبي محمّد الحسن عليه السّلام دار الدُّنيا وانتقاله إلى دار الكرامة على ما وَرَدت به الأخبار، أنَّ معاوية بَذل لِجعدة بنت محمّد بن الأشعث زوجة أبي محمّد عليه السّلام عشرة آلاف دينار وإقطاعاتٍ كثيرة من «شِعب سورا»، وسواد الكوفة، وحمل إليها سُمّاً فجَعلتْه في طعامٍ، فلمّا وَضَعَتْه بين يدَيه قال: إنّا للهِ وإنّا إليه راجعون، والحمدُ للهِ على لقاء محمَّد سيِّد المرسلين، وأبي سيِّد الوصيِّين، وأمِّي سيّدة نساء العالمين، وعمّي جعفر الطّيّار في الجنّة، وحمزة سيّد الشّهداء صلوات الله عليهم أجمعين[17].

3- ودخل عليه أخوه الحسين صلوات الله عليهما، فقال: كيف تَجِدُ نفسك؟ قال: أنا في آخِرِ يومٍ من الدّنيا وأوّل يوم من الآخرة، على كُرهٍ منّي لفراقك وفراق إخوتي. ثمّ قال: أستغفرُ الله، على محبّة منّي للقاء رسول الله صلىّ الله عليه وآله وأمير المؤمنين وفاطمة وجعفر وحمزة عليهم السّلام. ثمّ أوصى إليه وسلَّم إليه الاسم الأعظم، ومواريث الأنبياء عليهم السّلام التي كان أمير المؤمنين عليه السّلام سَلّمها إليه، ثمّ قال: يا أخي إذا [أنا] متّ فغسّلني وحنّطني وكفّنّي واحملني إلى جدّي صلّى الله عليه وآله حتّى تُلحدني إلى جانبه، فإنْ مُنِعْتَ من ذلك، فبِحَقِّ جدّك رسول الله، وأبيك أمير المؤمنين، وأمّك فاطمة الزّهراء، عليهم السّلام أن لا تخاصم أحداً، وارْدُدْ جنازتي من فَوْرِك إلى البقيع. ".." فلمّا فَرغ من شأنِه وحمَلَه ليَدفنهُ مع رسول الله صلّى الله عليه وآله ، رَكب مروان بن الحكم طريدُ رسول الله صلّى الله عليه وآله بَغلةً وأتى عائشة فقال لها: يا أمّ المؤمنين، إنّ الحسين يريد أن يدفن أخاه الحسن مع رسولِ الله صلّى الله عليه وآله ، والله إنْ دُفِن معه لَيَذهبنّ فخرُ أبيك وصاحبه عمر إلى يوم القيامة. قالت: فما أصنع يا مروان؟ قال: الحقي به وامنَعيه من أنْ يُدفَن معه. قالت: وكيف ألحقُه؟ قال: اركَبي بغلتي هذه. فنزل عن بغلتِه وركِبَتْها، وكانت تَؤزُّ النّاسَ وبني أميّة على الحسين عليه السلام وتُحرّضهم على مَنعِه ممّا هَمَّ به. فلمّا قَربَت من قبرِ رسول الله صلّى الله عليه وآله وكانت قد وَصَلت جنازةُ الحسن، فرَمَت بنفسها عن البغلة، وقالت: والله لا يُدفَن الحسنُ ههنا أبدا أو تُجَزّ هذه -وأوْمَت بيدِها إلى شعرِها- فأراد بنو هاشم المجادلة فقال الحسين عليه السلام: ألله الله لا تُضيِّعوا وصيّة أخي، واعدلوا به إلى البقيع، فإنّه أقسم عليّ إنْ أنا مُنِعتُ من دفنِه مع جدّه صلّى الله عليه وآله أن لا أخاصِم فيه أحداً وأنْ أدفنه بالبقيع ".." فعَدَلوا به ودَفَنوه بالبقيع "..". فقام ابن عبّاس رضي الله عنه، وقال: يا حُمَيراء ليس يومنا منك بواحدٍ، يومٌ على الجمل ويومٌ على البغلة، أمَا كفاكِ أن يُقال «يوم الجمل» حتّى يُقال «يوم البغل» يومٌ على هذا ويومٌ على هذا، بارزة عن حجاب رسول الله صلّى الله عليه وآله تُريدين إطفاءَ نورِ الله، واللهُ متمٌّ نورَه ولو كَرِهَ المشركون، إنّا لله وإنّا إليه راجعون فقالت له: إليك عنّي وأُفٍّ لك ولِقَومك[18].

دعاء اليوم الرّابع عشر

أللَّهُمَّ لا تؤاخِذْنِي فِيْهِ بِالعَثَراتِ، وَأَقِلْنِي فِيْهِ مِنَ الخَطايا وَالهَفَواتِ، وَلا تَجْعَلْنِي فِيْهِ غَرَضاً لِلْبَلايا وَالآفاتِ، بِعِزَّتِكَ يا عِزَّ المُسْلِمِينَ.

إلهي طالما تبْتُ إليك وأَنَبْتُ، وعُدْتُ في معصيتك وتَوَثّبْت، فلست أدري أقبِلْتَ توبتي لأُهنّأ، أم رَدَدْتَها عليّ لِجرأتي لأُعزّى.

وعزَّتِك وجلالِك ما أردتُ بمعصيتي مخالفتَك، ولا عصيْتُك إذ عصيْتُك وأنا بِربو بيتِك جاحدٌ، وإنّما غَلَبَتني شقْوَتي، فلا تؤاخذني بعثراتي فإنِّي عبدُك الضّعيف، وأقِلني من الهَفَوات، وأعِنِّي على نفسي فلا أكون للبلاء غرضاً، فأسقط أمام سَوْرة الغريزة وصَوْلة النّفس الأمّارة بالسّوء، وسَطْوة الشّيطان. خُذ بيدي يا إلهي، واهدِني الصّراط المستقيم، صراط الطّاعة والعزّة، فللَّهِ العزّةُ ولِرسوله والمؤمنين، اجعَلني منهم يا عزَّ المسلمين.

أعمال اللّيلة الخامسة عشرة

مستحبّات ليلة النّصف من شهر رمضان المبارك، كما يلي:

الأوّل: الغسل.

قال الشّيخ المفيد: «وفي ليلة النّصف منه يُستحبّ الغسل»[19].

قال الشّيخ الطّوسي: «وإن اغتَسَل ليالي الأفراد كلّها وخاصّة ليلة النّصف، كان له فيه فضلٌ كثير»[20].

وهو صريحٌ في خصوصيّة للغسل في هذه الليلة هي غير استحباب الغسل في ليالي الإفراد.

الثّاني: زيارة الإمام الحسين عليه السّلام.

قال السّيّد ابن طاوس: «زيارة الحسين عليه السّلام في أوّل ليلةٍ من شهر رمضان، وليلة النّصف منه، وآخر ليلةٍ منه»[21].

عن الإمام الصّادق عليه السّلام: «زُوروه صلّى الله عليه في كلِّ وقتٍ وفي كلِّ حينٍ، فإنَّ زيارته عليه السّلام خيرُ موضوعٍ، فمَن أكثَر منها فقد استَكْثَر من الخير، ومن قلَّل قُلِّل له، وتحرُّوا بزيارتكم الأوقات الشّريفة، فإنَّ الأعمال الصّالحة فيها مُضاعفةٌ، وهي أوقات مَهبط الملائكة لزيارته. قال: فسئل عن زيارته في شهر رمضان؟ فقال: مَن جاءَهُ عليه السّلام خاشعاً مُحتسباً مُستقيلاً مُستغفراً، فشهد قبره في إحدى ثلاث ليال من شهر رمضان: أوّل ليلةٍ من الشّهر، أو ليلة النّصف، أو آخِر ليلةٍ منه، تَساقَطَت عنه ذنوبُه وخطاياه الّتي اجتَرَحها، كما يَتساقط هشيمُ الورق بالرّيح العاصِف، حتّى أنَّه يكون من ذنوبه كهيئةِ يوم ولَدَتْه أمُّه، وكان له مع ذلك من الأجر مثل أجر مَن حجَّ في عامه ذلك واعتمَر، ويُناديه مَلَكان يَسمعُ نداءهما كلُّ ذي رُوح إلَّا الثّقلين من الجنِّ والإنسِ، يقول أحدُهما: يا عبدَ الله طَهُرْتَ فاستَأنِف العمل، ويقول الآخَر: يا عبد الله أحسنْت فأَبْشِرْ بمغفرةٍ من الله وفضلٍ»[22].

ويُستحبُّ لِمَن زاره عليه السّلام ليلة النّصف من شهر رمضان أن يصلّي عشر ركعات ورد الحثُّ عليها، تُضاف إلى أعمال ليلة النّصف لِمَن كان في كربلاء.

«عن الإمام الصّادق عليه السّلام أنّه قيل له: فما تَرى لِمَن حَضَر قبرَه -يعني الحسين عليه السّلام- ليلة النّصف من شهر رمضان؟ فقال: بخٍ بخٍ، مَن صلّى عند قبره ليلة النّصف من شهر رمضان عشر ركعات مِن بعد العشاء مِن غيرِ صلاة اللّيل، يَقرأ في كلّ ركعة بـ(فاتحة الكتاب) و(قل هو الله أحد) عشر مرّات، واستَجار بالله من النّار، كَتَبه اللهُ عتيقاً من النّار، ولمْ يَمُت حتّى يرى في منامِه ملائكةً يبشِّرونه بالجنّة وملائكةً يؤمِنونه من النّار»[23].

ومن الواضح أنَّ مصبَّ الحديث هو الزّيارة من قُرب، ولكن لا يَصحّ أبداً تركُ الزّيارة من بُعد، كما تقدّم في أعمال أوّل ليلةٍ من شهر رمضان.

وأمّا زيارة الحسين في ليلة مَولد المجتبى، فهُم جميعاً عليهم السلام نورٌ واحد. وزيارة الأمير عليه السلام يوم المَبعث، أو زيارة الإمام الحسين ليلة مولد الإمام الحسن عليه السلام، لا تعني تفضيلاً، بل تعني خصوصيّة ترتبطُ باستمرار نورِ التّوحيد، واعتبار ولاية عليٍّ عليه السلام المحوَر في هذا الاستمرار، وكذلك هي شهادة سيِّد الشّهداء، الّذي أكّد إمامُ زمانه المُجتبى ج على تعلُّق القلوب بها، ويكفي قولُه عليه السّلام: «..لا يومَ كَيومِك يا أبا عبد الله..»[24].

الثّالث: صلاة اللّيالي البيض، وهي في هذه اللّيلة، ستّ ركعاتٍ بـ(الحمد) و(يس) و(تبارك) و(التّوحيد)، كلّ ركعتّين بتسليمة، تقرأ في كلِّ ركعةٍ (الحمد) مرّة، و(يس) و(تبارك) و(التّوحيد) مرّة.

الرّابع: صلاة مائة ركعة هي غير الألف ركعة، وقد تقدّم الحديثُ عنها في عملِ أوّل ليلةٍ لدى التّفصيل في نوافل شهر رمضان. كلّ ركعتّين بتسليمة، تقرأ في كلّ ركعة بعد الفاتحة التّوحيد عشر مرّات.

قال الشّيخ المفيد: «ويُستحبُّ أن يصلّي الإنسانُ في ليلة النّصف من شهر رمضان مائة ركعة زيادةٌ على الألف، فقد رُوِيَ عن الصّادق عليه السّلام أنّه قال: قال مَن صلّى ليلة النّصف من شهر رمضان مائة ركعة، يقرأ في كلّ ركعة منها (فاتحة) الكتاب و(قل هو الله أحد) عشر مرّات، أهبطَ اللهُ إليه من الملائكة عشرة، يَدْرَؤون عنه أعداءه من الجنِّ والإنس، وأهبطَ إليه عند موتِه ثلاثين ملَكاً يؤمّنونه من النّار»[25].

الخامس: صلاة أربع ركعات. عن أمير المؤمنين عليه السلام في الرّواية التي تضمّنت صلوات ليالي شهر رمضان، صلاة هذه المائة ركعة في ليلة النّصف، ثمّ تضيف إليها صلاة أربع ركعات، كما يلي:

«ومَن صلّى ليلة النّصف منه مائة ركعة، يقرأ في كلِّ ركعة (الحمد) مرّة، وعشر مرّات (قُل هو الله أحد)، وصلّى أيضاً أربع ركعات يقرأ في الأُولتين مائة مرّة (قل هو الله أحد) والثّنتَين الأخيرتَين خمسين مرّة (قل هو الله أحد)، غَفَر اللهُ له ذنوبَه ولو كانت مثل زبد البحر ورمل عالج»[26].

السّادس: حصّة هذه اللّيلة من الألف ركعة، وهي عشرون ركعة، ثمانٍ منها بعد المغرب، والباقي بعد العشاء، بالتّرتيب الّذي عَرَفت.

السّابع: الصّلاة الّتي يُؤتى بها كلّ ليلة وقد تقدّم أنَّ سبب إيرادها -في عمل كلّ ليلة في هذا الكتاب- أن لا يُحرم مِن النّافلة مَن لا يساعده ظرفُه على أداء حصّة اللّيلة من الألف ركعة.

قال الكفعميّ: «ويُستحبُّ أن يصلِّي في كلِّ ليلةٍ من شهر رمضان ركعتَين بـ(الحمد) مرّة، و(التّوحيد) ثلاثاً، فإذا سلَّم قال: سُبْحانَ مَنْ هُوَ حَفِيظٌ لا يَغْفَلُ سُبْحانَ مَنْ هُوَ رَحِيمٌ لا يَعْجَلُ سُبْحانَ مَنْ هُوَ قائِمٌ لا يَسْهُو سُبْحانَ مَنْ هُوَ دائِمٌ لا يَلْهُو. ثمّ يقول التّسبيحات الأربع سبعاً، ثمَّ يقول: سُبحانَكَ سُبحانَكَ يا عظيمُ، اِغْفِرْ ليَ الذَّنبَ العَظيم. ثمَّ تُصلّي على النّبيّ عشراً. مَن صلَّاها غَفرَ اللهُ له سبعين ألف ذنبٍ»[27].

* وأذكّر هنا بدعاء المجير، وقد تقدَّمت الإشارةُ إلى أنّه يُستحبّ قراءته في الأيّام البِيض من شهر رمضان، وأنَّ مَن قَرأه في هذه الأيّام غُفِرت ذنوبُه مهما كانت، وأنَّه نافعٌ لشفاءِ المريض، وقضاءِ الدّين والغنى، وتفريج الهمّ وكَشف الكرب.

 

15

شهر رمضان

                      

* شهر الإسلام

   * معرفة حُرْمة الشّهر

      * الصَّوم الحقيقيّ

         *العمل الصّالح بإخلاص

            * دعاء اليوم الخامس عشر

               * دعاء المُجير

                    * صلاة اللّيلة السّادسة عشرة


 

شهر الإسلام

«الحمدُ للهِ الّذي هدانا لِحمدِه وجَعَلنا من أهله لنكون لإحسانه من الشّاكرين، ولِيَجزينا على ذلك جزاءَ المُحسنين، والحمدُ لله الّذي حَبانا بِدِينِه واختَصّنا بملّته وسبَّلنا في سُبُلِ إحسانه لنَسلكها بمنِّه ورضوانه، حمداً يَتقبَّله منَّا ويَرضى به عنّا».

للإمام السّجّاد عليه السلام عدّة أدعيةٍ حول شهر رمضان المبارك، اثنان منها مذكوران في الصّحيفة السّجاديّة تحت الرّقم الرابع والأربعين والخامس والأربعين، الأوّل منهما في استقبال الشّهر، والثّاني في وداعه، والفقرات الّتي تقدمت هي افتتاح الدّعاء الرابع والأربعين.

بعد هذه الفقرات يُبيّن الإمام السّجّاد عليه السلام أهمّيّة هذا الشّهر المبارك فيقول: «والحمدُ لله الّذي جعلَ من تلك السُّبُل شهره شهر رمضان، شهر الصّيام، وشهر الإسلام، وشهر الطّهور، وشهر التّمحيص، وشهر القيام الذي أُنزل فيه القرآن هدىً للنّاس وبيِّناتٍ من الهُدى والفُرقان».

ترى أين تكمن فضيلة شهر رمضان المبارك، هل السبب في فضيلته وأهميّته الصّوم فيه؟ أم أنّ عظمته تنبع من شيء آخر والصيام فيه من أجل تلك الفضيلة؟

يقول عليه السلام: «فأبان فضيلته على سائر الشُّهور بما جعل له من الحُرمات المفروضة والفضائل المشهورة، فحرّم فيه ما أحلّ في غيره إعظاماً، وحَجر فيه المَطاعمَ والمشاربَ إكراماً».

فالصّيامُ ليس إذاً سبب فضيلة هذا الشّهر المبارك، وإنّما كان الصّيام فيه لمكانته قبل الصّيام، وهذه المكانة سببُها نزول القرآن الكريم في هذا الشّهر المبارك كما صرّح بذلك بعض العلماء، وكما يُفهَم من اختيار الله تعالى لهذا الوَصف لِشَهره حيث قال عزّ اسمُه: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ.. البقرة:185.

وهكذا نفهم استطراداً -ولو في حدودنا- ما معنى أنّ شهر رمضان ربيعُ القرآن، ونفهم أهمّية الحثّ على تلاوة القرآن في هذا الشّهر فإنّه شهر القرآن الكريم، وليس عَجَباً أن يكون ثواب الآية الواحدة فيه ثواب ختمة من كتاب الله تعالى.

ما هي واجباتُنا في شهر الله تعالى كما يحدِّدها الإمام السّجّاد عليه السّلام في هذا الدّعاء؟

معرفة حُرْمة الشّهر

الأوّل: يحثُّنا عليه صلوات الرّحمن على أنْ نعرف حُرمة شهر رمضان المبارك، وليس المُراد بذلك طبعاً هذه المعرفة العاديّة الّتي تُتاح لكلٍّ منّا، وإنّما المطلوب أن نعرف أهمّية هذا الشّهر وعظمته معرفةً لا تنفكّ عن الاهتمام به، وعن الحرص على استثمار كلّ أوقاته المباركة.

يقول عليه السلام: «أللّهمّ صلّ على محمّدٍ وآلِه وألهِمْنا معرفة فضلِه، وإجلال حُرْمتِه، والتّحفّظ ممّا حَظَرْت فيه».

إنّ مجرّد المعرفة لا يكفي، بل المطلوب أن تقود هذه المعرفة إلى العمل الّذي ينشأ بدوره من إجلال هذا الشّهر، ويتمثّل بالتّحفّظ فيه ممّا حَظَر اللهُ عزَّ وجلَّ علينا، ومَنَعنا منه.

ينبغي أن نشعر بوضوحٍ أنّ المعصية في هذا الشّهر أشدُّ خطورة من غيره من الشّهور، فلسنا في ضيافة الرّحمن تقدّست أسماؤه في وقتٍ كغيره، وليس الفارق بينه وبين غيره عاديّاً «وجَعل له وقتاً بيِّناً لا يُجيز -جلَّ وعزَّ- أن يقدّم قبله، ولا يُقبل أن يؤخّر عنه، ثمّ فضَّل ليلةً واحدةً من لياليه على ليالي ألف شهر، وسمّاها ليلة القدر، تنزَّل الملائكةُ والرّوح فيها بإذن ربِّهم من كلِّ أمرٍ، سلامٌ دائمُ البركة إلى طلوع الفجر، على مَن يشاء مِن عباده بما أَحكَم من قضائه».

أيُّها العزيز: لِنلقّنْ أنفسنا دائماً أهمّية هذا الشّهر، حتّى لا تُخرجنا العادةُ والإلفةُ من أجواء الاهتمام به.

في اليوم الأوّل والثّاني ربّما نشعر بدرجةٍ عاليةٍ من الاهتمام بشهر رمضان، إلّا أنّنا بتكرُّر أيّامه ولياليه ربّما نصبح نتعاطى معه باعتباره وقتاً من الوقت، وزمناً من الزّمن، شأنُه في ذلك شأنُ غيره من الشّهور.

وها نحن في اليوم الخامس عشر منه، فهل ما زلنا نَستشعر هَيْبته، ونرعى حُرْمته؟ إنَّ أمامنا مُتّسعاً للتّعويض، أو للاستزادة.

الصَّوم الحقيقيّ

يؤكِّد الإمام السّجاد عليه السلام على أن يكون صَومنا صوماً حقيقيّاً:

«وأعنّا على صيامِه بِكَفّ الجوارح عن معاصيك واستعمالِها فيه بما يُرضيك».

والكفُّ عن المعاصي مطلوبٌ وهو شرطٌ لقبولِ الصّوم، فمّن صام وعَصى الله تعالى وامتنع عن المفطرات واغتاب أو كذب، فإنّ صومَه في أفضل الحالات ليس من الدّرجة الأولى، وإن كان يُسقِط عنه واجبَ الصّوم، وفي رأيٍ وجيهٍ أنّه لا يُثاب على هذا الصّوم، وهو ما يُعبَّر عنه بعدم القبول.

فالمطلوبُ قبل كلِّ شيء، الكفّ عن المعاصي، إلّا أنّ ذلك ليس نهاية المطاف، بل المطلوب أيضاً أن ننتقل من الكفّ السّلبيّ إلى استعمال الجوارح إيجاباً بِما يُرضي الله تعالى.

من هنا لم يقتصر الإمام السّجاد عليه السلام على قوله: وأعنّا على صَومه بكفِّ الجوارح عن معاصيك، وإنّما أضاف: واستعمالها فيه بِما يُرضيك.

وكيف يتحقَّق ذلك؟

يُبيّن لنا عليه السّلام في الجواب على هذا السُّؤال ستّة واجباتٍ، ثمّ يحدّد لنا عنواناً عامّاً شاملاً لأبواب البِرّ.

أمّا الواجبات الستّة فهي:

1- حتّى لا نُصغي بأسماعنا إلى لَغْوٍ.

واللّغو كلّ ما فيه ضَرر أو ليس فيه نفع. فلا نُصغي بأسماعِنا إلى شيءٍ فيه ضررٌ، أو لا نفع فيه فيكون لغواً.

2- ولا نُسرع بأبصارنا إلى لَهْوٍ.

والمُراد أن لا نَنظر إلى شيءٍ عبثيٍّ سواءً كان حراماً أو حلالاً، فإنّ لشهرِ الله تعالى حُرمته الّتي تَفرض صَرْف الوقت في ما ينفع كما سيأتي.

3- وحتّى لا نبسط أيدينا إلى محظورٍ.

أي إلى ما نُهينا عنه.

4- ولا نَخطو بأقدامنا إلى مَحجورٍ.

أي إلى ما مَنَعنا اللهُ عزَّ وجلَّ منه، وحَجَره علينا.

5- وحتّى لا تَعِيَ بطونُنا إلّا ما أَحْلَلْتَ.

وهو تأكيدٌ على الدّقة خصوصاً في المأكل والمشرب، وقد تقدّم الحديث عن أهميّة البحث والتّدقيق في حلّيّة كلّ ما نتقلّب فيه في شهر رمضان المبارك.

6- ولا تَنطق ألسنتُنا إلّا بما مثَّلتَ.

أي لا نقول إلّا الحقّ.

هكذا نجد أنفسنا أمام أمورٍ أساسيّة ينبغي أن يطولَ اهتمامُنا بها في شهر الله تعالى.

لا يمكن للصّائم أن يُطلقَ العنان لجوارحه فإنّ ذلك ينافي نيّة الصُّوم، بل ينافي الهدف منه ﴿لعلّكم تتّقون، بل بما أنّ النّيّة التي يلتزم الصّائم بمراعاتها لا ينبغي أن تنفصل في الحقيقة عن هذا الهدف، فهُما وجهان لحقيقةٍ واحدة.

والتّقوى وإن كان مصبُّها القلب «تقوى القلوب»، إلّا أنّ الجوارح تعبِّر عمّا في القلب وتَحكيه بأفصح لغةٍ، فتُثبت صحّة النّيّة أو عدمها.

لا بدَّ أن يصومَ السّمعُ في شهر الله تعالى، وصوم الأُذُن في عدم إصغائها للحرام، وأكثر من ذلك في عدم إصغائها للهو.

وصوم العين في اهتمامها بما يُقرِّب من الله عزَّ وجلَّ، فضلاً عن الاهتمام بترك النّظرة الحرام.

واللّسان، وما أدراك! وجراحاته أشدّ خطراً من جراحات السّنان.

ينبغي أن يكون الصائم حذِراً فلا يحرّك لسانه في ما يُسخط اللهَ عزَّ وجلَّ، بل أكثر من ذلك ينبغي أن يكون حَذِراً فلا يحرّكه إلّا بما يُدنيه من الله ويقرّبه منه تقدّست أسماؤه.

وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الفقرة مرويّة بصيغتَين: «بما قلت» و«بما مثّلت».

وبناءً على الأولى يكون المراد إشارة إلى قوله تعالى: ﴿وقوله الحقّ﴾.

وقد رُوي عن الإمام الحسين عليه السلام: إنّا أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله والحقُّ فينا، وبالحقِّ تَنطق ألسنتُنا.[28]

أمّا بناءً على الثّاني، فإنَّ حصرَ الإمام الحديث بما مثّل الله تعالى، يلتقي مع ما ورد الحثُّ عليه في الرّوايات من حَصْرِ الكلام بما يَعنينا، إذ يبدو أنّ مُراده عليه السلام، أن تكون الأمثال الواردة في القرآن الكريم مَحاور الحديث. ولكلٍّ من الصّيغتَين مُرجِّحاتها، والنّتيجة واحدة وهي تشكِّل أساساً تربويّاً شديد الأهمّية، هو اجتناب تحريك اللّسان بالباطل، وتعويده على النّطق بالحقِّ، وما يعود على الإنسان بالنّفع في دنياه وآخرته.

ومن الواضح أنّ ذلك ثمرة عقيدةٍ صحيحةٍ، تُنتِج ثقافةً ومسلكيّةً سليمتَين.

ولليَدِ حصّتها من الصَّوم، فينبغي أن لا تمتدّ بأذًى، ولا بسائر ما يُسخط اللهَ عزَّ وجلَّ.

والقَدم كذلك له نصيبه من الصّوم، فكيف يكون الشخص صائماً ويمشي إلى مجلس حرام.

واللّقمة التي نأكل وتُمِدّ الجوارح بالقوّة، ألا يجب أن نهتمّ بمعرفة أنّها حلال، حتّى لا تَعي بطوننا إلّا ما أحلّ اللهُ عزَّ وجلَّ.

وقد تقدّم الحديث عن الصَّوم الحقيقيّ في بداية هذه الأعمال، فراجِع.

صحيحٌ أنّ هذه الأمور ينبغي الاهتمام بها في شهر الله تعالى وفي غيره من الشّهور، إلّا أنّها في هذا الشّهر العظيم، أشدُّ تأكيداً، لأنّنا في ضيافة الله تعالى بمعنى أنّه عزَّ وجلَّ رفَع درجة العناية بنا والرّعاية لنا، فجعلَ نومَنا عبادة، وأنفاسَنا تسبيحاً، وعملَنا مقبولاً، ودعاءَنا مستجاباً، فإذا واجهنا ذلك بقلَّة الحياء منه والجرأة عليه تقدّست أسماؤه، فنحن كَمَن يأخذُ مالاً من أبيه ويعطيه أمامه لعدوِّه.

نعم إنّ استعمالَ جوارحنا -وهي نِعَمٌ منّ اللهُ علينا بها- في معصية الله تعالى، يعني وضْعها في تصرُّف الشّيطان في محضرِ الله عزَّ وجلَّ وضيافتِه، وفي ذلك من التّجرُّؤ عليه تقدّست أسماؤه ما لا يحتاج إلى بيان.

العمل الصّالح بإخلاص

وأمّا العنوان العامّ الّذي يحدِّده لنا الإمام السّجاد عليه السلام، فهو ما عبّر عنه بقوله:

«ولا نتكلَّف إلّا ما يُدني من ثوابك، ولا نتعاطى إلّا الّذي يقي من عقابك، ثمّ خلِّص ذلك كلّه من رياء المرائين وسمعة المسمعين، لا نشرك فيه أحداً دونك، ولا نبتغي فيه مراداً سواك».

إنّه عليه صلوات الرّحمن يُنبّهنا إلى أن نحصر كلّ عملٍ نعمله في شهر رمضان بالعمل الصّالح الّذي يقرّبنا من الله تعالى، وحيث إنّ النيّة السّيّئة تُفسد العمل الصّالح وتجعله عملاً سيئاً، فلا بدّ من التّنبّه إلى أنْ لا يغزو الرّياء قلوبَنا، فتفسد نوايانا ونقع في أسرِ حبّ السُّمعة، ونخرج بذلك من عبادة الحقِّ تعالى إلى عبادة الناس.

إنّنا لدى استقبال هذا الشهر المبارك أمام ثلاثين يوماً «أيّاماً معدودات»، ونحن نعلم أنّها فرصةٌ إلهيّةٌ فريدةٌ ينتظرها أهلُها العارفون بأهمّيتها، المدركون لعظمتها، طيلة أحد عشر شهراً ويَحزنون لفراقها، فهل يصحّ لنا أن نبحث عن الوسيلة المسلّية الّتي نستعين بها على تمضية ساعات هذه الفرصة التي لا تفوَّت، فننشغل في شهر الله تعالى في مجالس السَّمر أو الألعاب العبثيّة؟

أوَليست هذه الأمور شراكاً يصطادنا بها عدوُّنا المبين، لِيَحُول بيننا وبين خير الزّاد في خير الشّهور؟

إنَّ أمامَنا بعد شهر الله تعالى مُتّسعاً كبيراً لهذه الأمور إذا كانت حلالاً ولم يشُبْها الحرام، فلماذا نصرّ على تركِ ما لا يُعوَّض واستبداله بما هو أدنى، وبالإمكان تعويضه؟

إنَّ العاقل المصدِّق بما أخبر به الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وآله، هو من يفرّغ أيام شهر الله تعالى ولياليه لِما يُدني من ثواب الله تعالى عزَّ وجلَّ، ويؤجِّل كلَّ عملٍ يمكن تأجيلُه إلى ما بعد هذا الشّهر المبارك، لأنَّ له من الانشغال بِما يَقي من عقاب الله تعالى ما يَصرفه عن كلِّ شاغلٍ سواه.

نعم، إنَّ العاقل هو مَن يضع خطبة رسول الله صلّى الله عليه وآله -وهذا الدعاء الرابع والأربعون من الصّحيفة السّجادية، هو كالشّرح لتلك الخطبة- أمام عينَي القلب، وفي واجهة الاهتمام، ويلتزم بها منهجاً عمليّاً فيُكثر من تلاوة كتاب الله تعالى، والصّلاة على النّبيّ وآله، والاستغفار، وطول السّجود، وإكرام اليتيم، وصلة الأرحام، وغير ذلك ممّا ورد الحثُّ عليه في الخطبة النّبويّة الشّريفة، يبتغي بذلك ما يُطهّره من الهفوات والآثام ويُقرِّبه من الله تعالى.

دعاء اليوم الخامس عشر

أللَّهُمَّ ارْزُقْنِي فِيْهِ طاعَةَ الخاشِعِينَ، وَاشْرَحْ فِيْهِ صَدْرِي بِإنابَةِ المُخْبِتِينَ، بِأَمانِكَ يا أَمانَ الخائِفِينَ.

يريد الدّعاء لكلٍّ منّا أن يقول: إلهي أذِقني حلاوةَ حبّك، هَب ليَ الخشوع لك، أزِل عن قلبي الأقفال، واشرحْ صدري لأتوجَّه بفطرتي إليك، أَعرف نفسي فأتَواضع لك. وَيْحي إذا نظرتُ إلى الملائكة صفوفاً والأنبياء وقوفاً، فمِن عذابك غداً مَن يُخلِّصني، ومن أيدي الخُصماء من يَستنقِذني، عصيْتُ مَن ليس بأهلٍ أن يُعصى، عاهدتُ ربِّي مرّةً بعد أخرى، فلم يَجِد عندي صدقاً ولا وفاءً، مَن غيرك يَجبر كَسري، ويُسكّن رَوْعتي، أدخلني في أمانك فقد فزِعتُ إليك من نفسي، يا أمان الخائفين.

دعاء المُجير

أذكّر هنا بدعاء المُجير الّذي تقدّمت الإشارةُ إلى استحباب قراءته في الأيّام البيض من شهر رمضان المبارك، وهو دعاءٌ مهمٌّ جداً لقضاء الحوائج.

صلاة اللّيلة السّادسة عشرة

1- حصّة هذه اللّيلة من الألف ركعة، هي عشرون، ثمان منها بين المغرب والعشاء، والباقي بعد العشاء بالتّرتيب المذكور في اللّيالي السّابقة.

2- عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومن صلّى ليلة ستّ عشرة من شهر رمضان اثنتَي عشرة ركعة، يقرأ في كلِّ ركعة (الحمد) مرّة و(ألهاكم التّكاثر) اثنتَي عشرة مرّة، خَرج من قبره وهو ريّان يُنادي بشهادة أن لا إلهَ إلَّا الله، حتّى يرِدَ القيامة فيُؤمر به إلى الجنّة بغير حساب»[29].

3- قال الكفعميّ: «ويُستحبُّ أن يصلِّي في كلِّ ليلةٍ من شهر رمضان ركعتَين بـ(الحمد) مرّة، و(التّوحيد) ثلاثاً، فإذا سلَّم قال: سُبْحانَ مَنْ هُوَ حَفِيظٌ لا يَغْفَلُ سُبْحانَ مَنْ هُوَ رَحِيمٌ لا يَعْجَلُ سُبْحانَ مَنْ هُوَ قائِمٌ لا يَسْهُو سُبْحانَ مَنْ هُوَ دائِمٌ لا يَلْهُو. ثمّ يقول التّسبيحات الأربع سبعاً، ثمَّ يقول: سُبحانَكَ سُبحانَكَ يا عظيمُ، اِغْفِرْ ليَ الذَّنبَ العَظيم. ثمَّ تُصلّي على النّبيّ عشراً. مَن صلَّاها غَفرَ اللهُ له سبعين ألف ذنبٍ»[30].

 

16

شهر رمضان

                                         

* معركة بدر، يوم الفُرقان
      * مِن صوَر الجهاد البدريّ

           * بعضُ وفاءٍ لحمزة عمّ الرّسول صلّى الله عليه وآله

                *دعاء اليوم السّادس عشر

                      * صلاة اللّيلة السّابعة عشر

 

معركة بدر، يوم الفرقان

هذه اللّيلة القادمة هي ذكرى وقعة بدر، أوَّلِ معركة فاصلة بين الإسلام والكُفر، ويومها يوم الفرقان، يوم التَقى الجَمعان كما في كتاب الله عزَّ وجلَّ، وكلّ انتصارات الإسلام بعدها تتفرَّعُ عليها، وتستمدّ منها العزيمة الصّادقة، وتَستضيءُ بِنورها.

كانت وقعةُ بدر في السّنة الثّانية للهجرة، وقد سُمّيت باسم المنطقة الّتي حَصَلت المواجهةُ فيها بين المسلمين بقيادة رسول الله صلّى الله عليه وآله، وبين قريش بكلِّ خُيَلائها وجَبَروتها، وهي منطقة تقع على بعد حوالي مائة وسبعين كيلو متراً عن المدينة باتّجاه مكّة، وتَبعد عن مكّة حوالي مائتين وثلاثين كيلو متراً.

وكانت هذه المنطقة في طريق قوافل قريش الّتي كانت تسيَّر بانتظام بين مكّة والشام، وهو ما يعني أنّها كانت ممرّاً حيويّاً بل واستراتيجيّاً لتجارة قريش، الّتي تشكِّل عَصَب حياتِها الاقتصاديّة، وبالتّالي السّياسيّة.

طيلة ثلاثة عشر عاماً من بعثة المصطفى صلّى الله عليه وآله ، بَذَل عُتاةُ مكّة كلّ ما أمكنهم لإطفاء نور الله تعالى، فلم يزدد الإسلامُ إلّا توهُّجاً.

صبر المسلمون على الأذى، وصَمدوا أمام التّحدّيات الّتي تُوِّجت بحصارِ الشّعب، والذي استمرّ أكثر من ثلاث سنوات.

ومن الواضح أنّ قريشاً كانت ماضية قُدماً في تصعيد خطواتها ضدّ الإسلام لِمنعِ انتشاره، بل وأوْغَلت في تنفيذ ذلك إلى حدِّ المحاولات المتكرِّرة لقتل رسول الله صلّى الله عليه وآله ، الأمر الّذي أدَّى إلى هجرة المسلمين الأولى إلى الحبشة، والثّانية إلى المدينة في ظروفٍ حتَّمت هجرةَ المصطفى صلّى الله عليه وآله.

وقد واصلت قريش عدوانَها على الرّسول صلّى الله عليه وآله والرّسالة حتّى بعد الهجرة، محاولة استغلال نفوذها وهيمنتها على العرب وعلاقاتها باليهود في المدينة، بالإضافة إلى محاولات الاغتيال المتكرِّرة التي خُطِّط لها في مكّة، واستهدفت رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وهو في المدينة المنوَّرة.

لقد احتضنت المدينةُ الإسلامَ في ظروفٍ سياسيّةٍ بالغةِ التّعقيد، تتشابك في رَسمه عناصر أربعة: الصّراع القبليَ الحادّ بين الأوْس والخزرج، والحضور اليهوديّ الفاعل، وضغوط قريش على أهل المدينة بهدف مَنعِهم من التّحالف مع رسول الله صلّى الله عليه وآله، وسرعان ما بَرَزت محاولاتُ النّصارى لاختراق الجبهة الدّاخليّة للمدينة، عبر أبي عامر الرّاهب، ومسجد الضّرار.

وقد حرصَت قريش على زرعِ العقبات في طريق بناء نواة الكيان السّياسيّ الإسلاميّ، من خلال توظيف ثقلها السّياسيّ في المدينة لِتَأليب الأطراف على رسول الله صلّى الله عليه وآله.

كان ذلك يعني أنَّ المعركة مستمرّة بين الإسلام وقريش، ولو بصيغة «الحرب الباردة»، وكان استمرار قريش قي الإفادة من ممرِّها الحيويّ على مقربة من المدينة المنوِّرة، يتيحُ لها مواصلة تآمرها من موقع المُتمكِّن من زمام الأمور في شبه الجزيرة، كما كان حرمانُها من هذا الممرّ الحيويّ الآمن يُشكِّل أوَّلَ ردٍّ جذريٍّ على مسيرتها العدوانيّة الحافلة، والتي أخذَت منحًى تصاعديّاً منذ إعلان الدّعوة، ولم تكن المدينة بِمَنطقِ موازين القوى عقبةً أمام جبروت قريش، الأمر الّذي يعني بجلاء أنّ غَزو المدينة كان الخيار المُتعيِّن في حال فشل الأساليب الأخرى السّياسيّة والأمنيّة.

في هذا السّياق جاء تصدِّي المسلمين بقيادة المصطفى لجبروت قريش، عبر استهداف قافلتها الّتي كانت قادمة من الشّام بقيادة أبي سفيان، ردّاً على هذا العدوان المستمرّ بما يُسهم في إضعافه ويفرض معادلة جديدة تُمكِّن الدّعوة من شقِّ طريقها بالكلمة والموعظة الحسنة، والتّأسيس لحماية ذلك بالقوّة حين تدعو الحاجة.

وقد تطوَّر الموقفُ بسرعة متوقَّعة لأنّ «أمّ القرى»، مركز الثّقل السّياسيّ والعسكريّ في الجزيرة العربية آنذاك، لم تكن تتحمّل قيام كيانٍ سياسيِّ بقيادة «محمّد والصُّباة معه».

قرَأَت قريش الموقفَ بأبعاده، واستنفَرَت كلَّ طاقتها الهجوميّة دون حلفائها- وخَرَج كلُّ عُتاتِها، ماعدا أبا لهب الّذي مات بالطّاعون بعد بدر بفترة وجيزة، لشنِّ هجومٍ أرادته حاسماً ونهائيّاً.

وفي المقابل لم يخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله بكلِّ ثقله العسكريّ. كأنَّ الله تعالى أراد استدراجَ كلّ قريش ليقتلها بصفوةٍ مختارةٍ، هي مَن شَهد المعركة وكَشفَت مواقفُه يقينَه، وشارك فيها.

وكأنّ الله تعالى أراد أن تكون المعركة الأولى بين الإسلام والكفر غير متكافئة مادّيّاً.

من صوَر الجهاد البدريّ

أذكر هنا بعض الصُّوَر من جهاد المسلمين في بدر:

1- جاء في (تاريخ الخميس): «ثمّ خرج رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وهو يَثِب في الدّرع، وهو يقول: سيُهزم الجمعُ ويولَّون الأدبار، فحرّضهم وقال: والّذي نفسُ محمّدٍ بيدِه، لا يُقاتلهم اليوم رجلٌ فيُقتل صابراً محتسباً مُقبِلاً غير مدبرٍ إلّا أدخلَه اللهُ الجنّة، فقال أحدُ المسلمين وهو عمير بن الحمام، وكان في يده تمرات يأكلهم قال: بخٍ بخٍ (أي هنيئاً هنيئاً) فما بيني وبين أنْ أدخلَ الجنّة إلّا أنْ يقتلني هؤلاء، فقَذَف التّمرات من يدِه، وأخذَ سيفَه وأقبلَ يقاتل القوم وهو يقول:

ركضـاً إلى اللهِ بغير زادِ       إلّا التُّقـى وعمل المعاد

والصّبر في الله على الجهاد      وكلّ زادٍ عُرضة النّفـاد

        غير التّقى والبِرّ والرّشادِ[31]

2- قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: قوموا إلى جنّةٍ عرضها السّماوات والأرض، فقال عون بن الحارث: يا رسول الله ماذا يُضحك الرّبّ مِن عبدِه؟ (ما الّذي يفرح الرَّبّ مِن عبدِه) قال المصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله: غمسُهُ يده في العدوّ حاسراً (أي بدون درع) فنزع درعاً كانت عليه فقذفها، ثمّ أخذ سيفه فقاتل القومَ حتّى قُتِل.

3- «أخذ صلّى الله عليه وآله حفنةً من الحصاء فاستقبل بها قريش، ثمّ قال: شاهتِ الوجوه، ثمّ نَفَحَهُم بها، ثمّ أمر أصحابَه فقال: شدّوا، فكانت الهزيمة، وجعل اللهُ تلك الحصاء عظيمٌ شأنها، لم تترك من المشركين رجلاً إلّا ملأت عينَيه، واستولى عليهم المسلمون ومعهم الله والملائكة يقتلونَهم ويأسرونَهم»[32].

- سمع بعض المسلمين صوتاً يقول: «اُشْدُدْ حَيْزوم». وكان القائل من الملائكة. وقيل إنّ «حَيْزوم» اسم فرس جبرئيل عليه السلام.

وكان المسلمون يعرفون قتلى الملائكة من الضّرب فوق الأعناق ومن ضرب الأصابع، وكانت ضربات الملائكة تترك آثاراً سُوداً [33].

5- رأى بلال الحبشيّ هذا العبد المستضعف بالأمس في مكّة، أحدَ عُتاة قريش «أمية بن خلف» فحمل عليه بلال وقال: رأسُ الكفر لا نجوتُ إن نجا، ثمّ صرخ بأعلى صوته: يا أنصار الله، رأس الكفر، أميّة بن خلَف، لا نجوتُ إنْ نجا، وهجم المسلمون عليه وعلى ابنه، يقول النّصّ: وهَبروهما بأسيافهم [34].

وكما في كلِّ وقعةٍ من وقعات صدر الإسلام، كان للمولى الحبيب أبي الحسن عليه السّلام دورُه البارز في الالتزام بأوامر المصطفى صلّى الله عليه وآله والدّفاع عن الرّسالة، ولقد قَتَل من المشركين النّصف، وقتَل الملائكةُ والمسلمون النّصف الآخر، وأقلّ عدد لِمَن قَتَلهم عليه السّلام هو الثُّلث على رأيٍ، ولَئن أُتيح له عليه السّلام أنْ يشارك في حروب كثيرة بعد ذلك، إلّا أنّه لم يُتَح لحمزة أسدُ الله وأسدُ رسولِه أن يعيش طويلاً.

بعضُ وفاءٍ لحمزة عمّ الرسول صلّى الله عليه وآله

من هنا، فإنّ من الضّروريّ أن نتأمّل في الدّور الجهاديّ الذي خاضه المولى الجليل حمزة رضوان الله تعالى عليه.

وممّا وَرَد حوله رضوان الله تعالى عليه: «..كان حمزة عليه السلام قد رضع مع رسول الله صلّى الله عليه وآله، أرضعتهما امرأةٌ من مكّة (يقال لها: ثويبة)، وهاجر حمزة مع رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى المدينة وشهد بدراً. ولمّا أن توافقوا للقتال يومئذٍ، بَرز من المشركين عُتبة وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة، ودَعوا للمبارزة، فبرَز إليهم عليّ عليه السلام ، وحمزة عمّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، وعُبيدة بن الحارث بن عبد المطّلب، وقد كان يومئذٍ شيخاً مُسنّاً، خرج إلى المبارزة يتوكَّأ على عصاه، ولمّا أن تبارزا يومئذٍ أنزل اللهُ عزَّ وجلَّ فيهم ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ.. الحج:19. فبارز عليٌّ عليه السّلام الوليد بن عتبة فقَتَله، وبارز حمزة شيبة فقَتَله.

وبارَز عُبيدة بن الحارث عُتبة، فاختلف بينهما ضربتان أثبت كلُّ واحدٍ منهما صاحبَه، فعطف حمزة عليه السّلام وعليٌّ عليه السّلام على عتبة، فقتلاه، واستَنقذا عُبيدة بن الحارث، وقد قَطع عُتبة رِجلَه، فماتَ من ذلك بعد منصرفِهم إلى المدينة بالصّفراء. وقَتل حمزةُ يومئذٍ طعيمة بن عديّ، وسبأ الخزاعيّ، وجماعة من المُشركين، وكان حمزة يُدعى أسدُ الله وأسدُ رسوله، لِنجدتِه وشجاعتِه وإقدامِه، وشَهد يومَ أُحُد، فأبلى من المشركين بلاءً شديداً، وقَتَل منهم عدداً كثيراً، وقَتَلَ يومئذٍ عثمان بن أبي طلحة صاحب لواء المشركين. وكان إذا هَجم يومئذٍ انفرجوا، ولم يَقُم أحدٌ منهم له»[35].

أللّهمّ وفِّقنا لنكونَ بدريِّين، ونستمرّ في خطِّ مواجهة أعدائِك وأعداءِ رسولك، أعداء الإنسانيّة جميعاً.

دعاء اليوم السّادس عشر

أللَّهُمَّ وَفِّقْنِي فِيْهِ لِمُوافَقَةِ الأبْرارِ، وَجَنِّبْنِي فِيهِ مُرافَقَةَ الأشْرارِ، وَآوِنِي فِيْهِ بِرَحْمَتِكَ إِلى دارِ القَرارِ، بِإِلهِيَّتِكَ يا إِلهَ العالَمِينَ.

يا إلهي، طالما وافَقَت سيرتي سيرةَ الأشرار، وإن كان ظاهري ظاهرَ الأبرار، فهل إلى مغادرة هذا النّفاق من سبيل؟!

يا قديمَ الإحسان، مننتَ عليّ فعرّفتني أنّ العِبرةَ بالسّرائر، فهل تتمّ نعمتَك عليَّ فتأخذ بيدي ليُطابق باطني باطنَ الأبرار، فأُجانب زُمرة الأشرار؟!

أنا يا إلهي الهائمُ على وجهه، الهاربُ من نفسه، ومَن لي غيرُك أسألُه كشفَ ضرِّي والنَّظر في أمري، هَبني لابتداءِ كرمِك وسالفِ برِّك بي، بإلهيّتك يا إلهَ العالمين.

* استحبابُ الغسل

تقدّم أنّ الغسل مُستحبّ في كلّ ليلةٍ فرد، ولكنّ للغسل في اللّيلة السّابعة عشر خصوصيّة يدلُّ عليها ذكرُ استحبابه بشكلٍ خاصٍّ على غرار اللّيلة الخامسة عشر.

قال الشّيخ الطوسي: «وقد بيّنا ليالي الغسل وهي أربع ليال : ليلة سبع عشرة (ثمّ ذَكر ليالي القدر، إلى أن قال): وإن اغتسل ليالي الأفراد كلّها وخاصّة ليلة النّصف، كان له فيه فضل كثير»[36].

وقال الشّيخ المفيد: «وفي ليلة سبعة عشر منه كانت ليلة بدر، وهي ليلة الفرقان، ليلة مَسَرَّة لأهل الإسلام. ويستحبُّ فيها الغسل كما ذكرنا في أوّل ليلةٍ من شهر رمضان»[37].

صلاة اللّيلة السّابعة عشر

1- حصّة هذه اللّيلة من الألف ركعة، وهي عبارة عن عشرين ركعة، ثمان منها بعد المغرب والباقي بعد العشاء، تقرأ في كلّ ركعة (الحمد) مرّة و(قل هو الله أحد) مرّة، أو ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، أو عشراً.

2- عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: 

ومَن صلّى ليلة سبع عشرة منه ركعتَين، يقرأ في الأولى ما تيسّر بعد (فاتحة الكتاب)، وفي الثّانية مائة مرّة (قل هو الله أحد)، وقال: (لا إلهَ إلَّا الله) مائة مرّة، أعطاه الله ثواب ألف حجَّة، وألف عمرة، وألف غزوة.

3- قال الكفعميّ: «ويُستحبُّ أن يصلِّي في كلِّ ليلةٍ من شهر رمضان ركعتَين بـ(الحمد) مرّة، و(التّوحيد) ثلاثاً، فإذا سلَّم قال: سُبْحانَ مَنْ هُوَ حَفِيظٌ لا يَغْفَلُ سُبْحانَ مَنْ هُوَ رَحِيمٌ لا يَعْجَلُ سُبْحانَ مَنْ هُوَ قائِمٌ لا يَسْهُو سُبْحانَ مَنْ هُوَ دائِمٌ لا يَلْهُو. ثمّ يقول التّسبيحات الأربع سبعاً، ثمَّ يقول: سُبحانَكَ سُبحانَكَ يا عظيمُ، اِغْفِرْ ليَ الذَّنبَ العَظيم. ثمَّ تُصلّي على النّبيّ عشراً. مَن صلَّاها غَفرَ اللهُ له سبعين ألف ذنبٍ»[38].

 

 

17

شهر رمضان

 

 

* الصّلاة أوّل وقتها

   * آداب الصـّلاة

      * صـلة الـرّحــــم

         * الجـــيـران

            * تخليص المال من التَّبعات

               * تطهير القلب من العداوات

                  * موقع العبادة في حركة الحياة

                      * دعاء اليوم السّابع عشر

                           * صلاة اللّيلة الثامنة عشرة

 

الصّلاة أوّل وقتها

قبل الحديث عن ليلة بدر، تقدّم الحديثُ حول جانبٍ من الدّعاء الرّابع والأربعين من الصّحيفة السّجاديّة، هذا الدّعاء هو كما تقدّمت الإشارة أحد أدعية الإمام السّجاد عليه السلام حول شهر رمضان المبارك، إلّا أنّ هذا الدّعاء يمتاز بأنّه رديف لخطبة المصطفى صلّى الله عليه وآله حول هذا الشّهر الكريم.

يقول عليه صلوات الرّحمن:

أللهمّ صلِّ على محمَّدٍ وآله وقِفْنا فيه على مواقيت الصّلوات الخمس بحدودها التي حدّدْتَ، وفروضِها الّتي فرضْتَ، ووظائفها التي وظّفتَ، وأوقاتها التي وقّتَّ، وأنزِلْنا فيها منزلة المُصيبين لِمنازلِها الحافِظين لأركانِها، المؤدّين لها في أوقاتها على ما سَنَّه عبدُك ورسولُك صلواتك عليه وآله في ركوعِها وسُجودِها وجميع فواضلها، على أتمَّ الطّهور وأسبغه، وأبْيَن الخُشوع وأبلغه.

وقد سبقت الوقفة عند فقرةٍ من خطبة المصطفى صلّى الله عليه وآله حول شهر رمضان، يؤكِّد فيها على أهميّة أوقات الصّلاة في هذا الشّهر الكريم، وأنّها خير الأوقات.

وتمسُّ الحاجةُ إلى تذكير النّفس بذلك كثيراً خلال الشّهر العظيم، فربّما تُخرِجنا العادة من التّعامل الخاصّ مع شهر رمضان المبارك في بداية الصَّوم.

في بداية الصَّوم يشعرُ الصّائمُ بهَيبةٍ خاصّةٍ لشهر رمضان بل وبِرَهبة، فيُولي أوَّل أوقات الصّلاة أهميّةً ملحوظة، ويَحرص على التّعقيب والدّعاء عموماً وقراءة القرآن، إلّا أنّه قد ينسى ويتراجع إلى حيث لا ينبغي.

من هنا كان مفيداً لنا أن نتذكّر دائماً أنّنا ما زلنا في شهرٍ عظيمٍ وهو خيرُ الشُّهور.

من الضّروري أن نتذكّر أنّ المحافظة على الصّلاة في أوّل وقتها في شهر رمضان المبارك قد تكون مفتاحاً إلهيّاً للمحافظة على الصّلاة في أوّل وقتها باستمرار، ومعنى ذلك أنَّ هذه المحافظة قد تكون المفتاح لإعادةِ بناءِ الشّخصيّة بما ينسجمُ مع الدِّين، حيث أنّ الصّلاة عموده.

ومن بين كلّ هذه الخصوصيّات المهمّة، يحظى التّأكيد أوّل الوقت بعنايةٍ خاصّةٍ منه عليه السّلام، فقد تكرّر الحثُّ على الصّلاة في وقتها في هذا النّصّ ثلاث مرّات.

1- وقِفْنا فيه على مواقيت الصّلوات الخمس. 2- وأوقاتها الّتي وقّتّ. 3- المؤدّين لها في أوقاتها.

وممّا يُرادُ لنا أن نفهمه من هذه العناية بأوّل الوقت، أنَّ هذا الوقت هو الظّرف الأفضل لكلِّ صلاةٍ، بمعنى أنّ الصّلاة بسائر حدودِها خارج أوّل الوقت، ليست هي الّتي تنسجمُ مع ما ورد الحثُّ عليه والتّرغيبُ به.

ومن هنا، يتعيَّن أن يكون الحرص على حدود الصّلاة وأركانِها ووظائفِها وفواضِلها مُقترناً بالاهتمام بأدائها أوّل وقتها.

أذكّرُ نفسي والإخوة جميعاً بما تقدَّم في آخر أعمال شهر شعبان حول خطبة رسول الله ح، من مراقبة أمير المؤمنين عليه السلام في ساحة المعركة في صفِّين للشّمس ليُصلّي عند زوالها، وما قاله له ابن عباس وجواب الأمير عليه صلوات الرّحمن: على ما نُقاتِلُهم؟

أي إنّما نقاتلهم من أجل الدِّين، والصّلاةُ عمود الدِّين، فنحن نقاتلهم من أجل الصَّلاة.

عندما ننشغل بأعمالنا -حتّى إذا كانت أعمالاً إسلاميّة- فتؤخِّرنا عن الصّلاة، أليس ذلك خطأً ينبغي الحذر منه؟

عندما لا تُقام الصّلاة في أوّل الوقت في مؤسّسة إسلاميّة، إذاعة، أو مدرسة، أو في هذا المركز، أو المكتب، أو ذاك، تُرى هل نسأل أنفسنا لماذا أُقيمت هذه المؤسّسات وهذه المكاتب؟

ألم تُقم من أجل حفظ الصّلاة؟

أيّها العزيز: ينبغي أن لا يمنعنا شيءٌ عن الصّلاة أوّل وقتها.

أللّهمّ أعنّا على أنفسنا ووفِّقنا لانتظار الصّلاة بفارغ الصّبر، كما كان ينتظرهارسولُك صلّى الله عليه وآله قائلاً: «أرِحنا يا بلال».

آداب الصّلاة

وفي مجال كيفيّة الصّلاة، يُبيِّن عليه السّلام أن تكون «على ما سَنَّه عبدُك ورسولُك صلواتك عليه وآله في ركوعِها وسُجودِها وجميع فواضِلها على أتمِّ الطّهور وأسبغِه وأبْيَن الخشوعِ وأبلَغِه».

ما المانع أن نجرّب الصّلاة أحياناً مع سائر المستحبّات، بدءاً من مستحبّات الوضوء وانتهاءً بالتّعقيبات بعد الصّلاة؟

أوَليسَ من الطّبيعيّ أن يكون شهرُ الله تعالى موسماً لصلاةٍ من نوعٍ آخَر؟ أوَيُعقَل أن ينقضي عن أحدِنا شهرُ رمضان وهو في دوّامة عملٍ مستمرّة، بل هو نفسه دوّامة لا يعرف كيف يبدأ بصلاته، ولا كيف ينتهي منها.

كان لِرسول الله صلّى الله عليه وآله مع شهرِ رمضان كلِّه حديثٌ ذو شجون، إلّا أنّه كان له صلّى الله عليه وآله، مع العشر الأواخر من شهر رمضان شأنٌ خاصّ.

إذا كنّا لم نحصل على ما ينبغي الحصولُ عليه من هذا الشّهر المبارك في ما مَضى منه، فلماذا لا نحرص على أن تكون الأيّام المتبقِّية، وخاصّةً العشر الأواخر من هذا الشّهر، متمحّضة بالعبادة، نتفرّغ فيها لطاعة اللهِ عزَّ وجلَّ وصَقْلِ نفوسنا، فتعوّض ما يمكن تعويضه بِحَوْل الله تعالى وقوّته.

وإذا أردنا أن نحسِّن من مستوى صلاتنا، فإنّ علينا أن نتأمّل في بنود هذه الفقرة جيّداً.

يؤكّد الإمام السّجاد عليه السّلام على إدراك أهمّية شهر رمضان، وعلى أن تكون الصّلاة أوّل وقتِها صلاةً مميّزة بحدودها الّتي حدّدها الله تعالى، وفروضِها ووظائفِها الّتي فَرَض ووظَّف، وأن نُنزلها في منازلها، وأن نهتمّ بفواضلها.

وتندرج العناوينُ الرّئيسة الّتي تضمَّنها كلام الإمام السّجاد عليه السّلام حول الصّلاة – ما عدا أوّل الوقت وقد تقدّم- في ما يلي:

1- الحدود. 2- الفروض. 3- الوظائف. 4- المنازل. 5- الأركان. 6- الفواضل.

وفي ما يلي موجزٌ حول كلٍّ منها.

1- ورد في الرّوايات عن الإمامَين الصّادق والرّضا عليهما السّلام، أنَّ للصّلاة أربعة آلاف حدٍّ، أو أربعة آلاف بابٍ[39].

 

قال الشّيخ المفيد عليه الرّحمة: «وحدودُها أربعة آلاف، كما جاء عن الصّادقِين عليهم السّلام ".." وأبوابُها أربعة آلاف بابٍ، بما يُؤثَر عن الصّادقين عليهم السّلام.

إلى أن عدّد الكبار من حدود الصّلاة، فقال:

وعددها سبعة: منها أربعةٌ قبل الصّلاة، وثلاثةٌ فيها. أوّلها: الوقتُ، ثمّ الطّهور، ثمّ القبلة، ثمّ التّوجّه، ثم تكبيرة الافتتاح، ثمّ الركوع، ثمّ السّجود. ثمّ عدّد الصّغار من حدودها، فقال:

وعددها سبعة: أوّلها القراءة، ثمّ تكبيرة الرّكوع، ثمّ التّسبيح، ثمّ تكبيرة السّجود، ثمّ القنوت، ثمّ التّشهّد، ثمّ التّسليم.

ثمّ قال: مسألةٌ وجوابٌ ودليلٌ:

إنْ سألَ سائلٌ فقال: ما بالُكم لم تفصلوا الأربعة آلاف حدٍّ كتفصيل كبار ما ذكرتموه من صغارها؟

قيل له: لأنّ علمَ تلك خاصٌّ، وعلمَ هذه عامٌّ.

فإن قالوا: دُلّوا على ذلك.

قيل: دلالته صحّة الخبر بوضوح طريقه (و) عَجْز الكلّ عن الإحاطة بالتّفصيل إلى الغاية»[40].

وقال الشّهيد الأوّل رضوان الله تعالى عليه:

«لمّا وقفتُ على الحديثَين المشهورَين عن أهل بيت النّبوّة أعظم البيوتات، أحدهما عن الإمام الصّادق أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليه وعلى آبائه وأبنائه أكمل التّحيّات: للصّلاة أربعة آلاف حدٍّ. والثّاني عن الإمام الرّضا أبي الحسن عليّ بن موسى عليهما الصّلوات المباركات: الصّلاة لها أربعة آلاف بابٍ. ووَفَّق اللهُ سبحانه لإملاء (الرّسالة الألفيّة) في الواجبات، ألحقتُ بها بيان المستحبّات، تيمُّناً بالعدد تقريباً، وإنْ كان المعدود لم يقع في الخلد تحقيقاً، فتمَّت الأربعة من نفس المقارنات، وأُضيف إليها سائر المتعلِّقات. واللهُ حسبي في جميع الحالات»[41].

2- رُوي عن الإمام الرّضا عليه السلام: «واعلَم أنَّ الصّلاةَ ثُلثها وضوء، وثُلثها رُكوع، وثُلثها سُجود. وأنَّ لها أربعة آلاف حدٍّ، وأنّ فروضها عشرة: ثلاثٌ منها كبار، وهي: تكبيرة الافتتاح، والرّكوع، والسّجود، وسبعة صغار وهي: القراءة، وتكبير الرّكوع، وتكبير السّجود، وتسبيح الرّكوع، وتسبيح السّجود، والقنوت، والتّشهُّد، وبعضُ هذه أفضل من بعضٍ»[42].

3- ويظهر أنَّ المُراد بالوظائف كلّ ما اشتُرَط على المصلّي الإتيان به واعتُبِر وظيفة له، فيكون نفس معنى الفروض وقد عُطِفَ عليه للبيان.

4- وأمّا المنازل، فقد ورد في (رياض السّالكين) في شرح الصّحيفة السّجاديّة أنّ المُراد بمنازل الصّلاة مراتب الصّلاة، كما يقال: أنزلتُ فلاناً منزلته، أي مرتبته الّتي يستحقّهاً.

وبناءً عليه، فيبدو أنَّ المراتب مرتبطة بالتّوجّه والخشوع وحضور القلب.

5- وأركان الصّلاة هي ما تَبطلُ الصّلاةُ بدونها. قال العلّامة الحلّي: «المشهور أنَّ أركان الصّلاة خمسة: القيام والنّيّة وتكبيرة الافتتاح والرّكوع والسّجدتان معاً، فلو أخلَّ بشيءٍ من هذه عامداً أو ناسياً بطلت صلاتُه»[43].

6- والفواضل جمع فضيلة، وهي كلّ ما كان مستحبّاً، «لا تبطل الصّلاة بالإخلال به مطلقاً»[44]، أي لا تبطل بتركه سهواً ولا عمداً.

أللَّهمَّ وفِّقنا لنَتعامل مع الصّلاة بما تستحقّ، ونكون من «الحافظين لأركانِها، المؤدّين لها في أوقاتِها».

* «أللهم وفِّقنا فيه لأن نصِل أرحامنا بالبرِّ والصّلة، وأن نتعاهد جيراننا بالإفضال والعطيّة، وأن نخلِّص أموالنا من التّبعات، وأن نطهِّرها بإخراج الزّكوات».

صلة الرّحم

يؤكِّد عليه السّلام في هذه الفقرة على ثلاثة أمور:

1- صلة الأرحام معنويّاً ثمّ ماديّاً.

2- وتعاهد الجيران بالإكرام والعطايا.

3- تخليص الأموال من التّبعات.

صلة الرّحم أسمى بكثير من أن تدور مدار الظّاهر ومنه المال، فليس الحديث مع الرّحم والتّواصل معه ولا حتّى زيارته محوّر الحديث عن صلة الرّحم، ولا هو محوَر الحديث عنها التّفقّد المالي؛ فقد يوجد ذلك كلّه، وتكون القطيعةُ قائمةٌ بأقبح مظاهرها الكريهة!

إنّ المحوَر هو الاعتراف بأنّ هذا الرّحم إنسانٌ له كرامته، التي أراد الله تعالى حفظها وبذل الجهد في صَوْنها والدّفاع عنها، والتنبّه إلى أنّه ليس لهذا الإنسان إلّا ربٌّ واحدٌ لا إلهَ غيرُه، وهو سبحانه قد شرّع فقه كرامة الإنسان، الذي عبَّر أمير المؤمنين وهو نفس المصطفى الحبيب صلّى الله عليهما وآلهما عن عظيم تجليّاته في باب حفظ الحقوق -والمعنويّ منها هو الأصل- بقوله:

«والله لئن أَبِيت على حسكِ السّعدان مُسهّداً، وأُجَرُّ في الأغلال مصفَّداً، أحبّ إليّ من أن ألقى اللهَ ورسولَه يوم القيامة ظالِماً لبعض العِباد، وغاصِباً لشيءٍ من الحطام، وكيف أظلمُ أحداً لنفسٍ يسرع إلى البلى قفولها، ويطول في الثّرى حلولها»[45].

ومعنى ذلك أنّ مصادرةَ الرّحم لكرامةِ رحمِه تجعلُه قاطع رحم، وإن كان يَصِلُه بالمال أو يُنفِق عليه، فالأصل في الصّلة تلك الحالة النّفسيّة السويّة التي ينبغي أن تقوم بين الطّرفَين، والتي هي المناخ الأمثل لكلّ العلاقات الإنسانيّة النبيلة.

وعلى هذا الأساس، ينبغي اعتبارُ الحثِّ على التّواصل والصّلة بالمال السِّياج الذي تُمكِّن رعايتُه من تحقيق صلة الرّحم بمعناها الحقيقيّ، الذي هو حالةُ قلبٍ ومشاعر تتجلّى في الفعل والسُّلوك.

وقد ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «يا أبا ذرّ، إنّ الله تبارك تعالى لا ينظر إلى صُوَرِكم ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم. يا أبا ذرّ، التّقوى التّقوى ها هنا، وأشارَ إلى صدره»[46].

الجيران

حيث إنَّ الهدف من حُسن العلاقة بالجار ينبع من نفس مشكاة العلائق الإنسانيّة كما أرادها الله تعالى، فإنّ المحوَر فيها أيضاً هو حالة القلب والمشاعر، وليس تقديم تعاهد الجار بالإفضال على تعاهده بالعطيّة إلّا إلفاتاً إلى ذلك، كما أنَّ تعاهده بالعطيّة إنّما كان «قيمةً» لأنّه يكشف عن الحالة القائمة بين الطّرفَين.

إنّ علينا أن نتذكّر دائماً في باب التّعامل مع الجيران، أنّ الإمام الحسن عليه السلام قال: رأيتُ أمّي فاطمة عليها السلام قائمة في محرابها ليلة الجمعة، فلم تَزل راكعة ساجدة حتّى انفَجَر عمودُ الصّبح، وسمعتُها تدعو للمؤمنين والمؤمنات، وتُسمّيهم وتُكثِر الدُّعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أمّاه لِمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بُنَيّ، الجار ثمّ الدّار![47].

وقد رُوي أنّ رسول الله صلّى عليه وآله هو القائل: الجار ثمّ الدّار[48]، وكأنّ الصّدّيقة تَستشهد بكلامِه صلّى الله عليه وآله، ولستُ هنا بصدد بيان معنى الحديث، وإنّما الحاجةُ منه إلى دلالته بحسب استدلال الصدّيقة الكبرى عليها صلوات الرحمن على أولويّة الاهتمام بالغير في فكر المؤمن واهتمامه وسُلوكه.

تخليص المال من التّبعات

وأمّا الأمر الثّالث، فإنّ السّؤال: ما المُراد بتخليص الأموال من التّبعات؟

 وقد تحدّث صاحب (رياض السّالكين) رحمه الله حول هذه النّقطة، فبيَّن أنّ المُراد بالتّبعات كلّ ما يجب على الإنسان إنفاقه من المال وكلّ ما يستحبّ إنفاقه، فلم ينفقه ولحقه بسبب ذلك تبعةٌ وترتّبت عليه مسؤوليّة.

والمُراد إمّا العموم أو غير الزّكاة، وذلك لأنّها قد ذُكرت في النّصّ بقوله عليه السّلام «وأن نطهّرها بإخراج الزّكوات».

فالمُراد بالتّبعات المسؤوليّات المترتّبة نتيجة ترك الإنفاق الواجب كالخمس، والإنفاق المستحبّ كالصّدقة وما شابه، ثمّ أورد في (رياض السّالكين) عدّة رواياتٍ تبيّن أنّ على الإنسان أن ينفق من ماله غير الخمس والزّكاة.

من هذه الرّوايات ما ورد عن الإمام الصّادق عليه السّلام: «إنّ اللهّ عزَّ وجلَّ فرض للفقراء في أموال الأغنياء فريضة لا يُحمَدون إلَّا بأدائها وهي الزّكاة، بها حقَنوا دماءَهم، وبها سُمُّوا مسلمين، ولكنّ الله عزَّ وجلَّ فرض في أموالِ الأغنياءِ حقوقاً غير الزّكاة، فقال عز وجل ﴿والَّذينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ المعارج:24، فالحقُّ المعلوم غير الزّكاة، وهو شيءٌ يفرضه الرّجل على نفسِه في مالِه يجب عليه أن يفرضه على قدر طاقتِه وسعةِ مالِه، فيؤدّي الّذي فرض على نفسِه إنْ شاء في كلّ يومٍ، وإنْ شاء في كلّ جمعة، وإن شاءَ في كلِّ شهرٍ، وقد قال اللهُ عزَّ وجلَّ أيضاً: ﴿وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا المزّمّل:20، وهذا غير الزّكوة..»[49].

صحيح أنّ الفقهاء لا يُفتون الآن بوجوب إخراج الصّدقة، بل يُفتون بأنّ الإنفاق الواجب هو الخُمس والزّكاة أو ما وَجَب مقابل أمرٍ مّا، إلّا أنّ من الواضح أنّ الحثّ على الإنفاق في سبيل الله يفوق التّصوُّر، وهو يحتلّ مساحة واسعة جداً في كتاب الله تعالى وفي الرّوايات، بل ورد أنّه من أهمّ العبادات.

والنّتيجة أنّه ينبغي لنا في شهر رمضان المبارك أن نحرص على الإنفاق في سبيل الله، وينبغي أن يَحرص الفقير على ذلك وليس الغنيّ فقط، كما هو صريحُ الرّوايات.

تطهير القلب من العداوات

1- وأنْ نراجع مَن هاجرنا.

2- وأنْ نُنصف مَن ظَلَمنا.

3- وأنْ نُسالِم مَن عادانا حاشا من عوديَ فيك ولكَ، فإنّه العدوّ الذي لا نواليه، والحزب الّذي لا نُصافيه».

يؤكّد عليه السلام في هذه الفقرة على الحقائق التالية:

أوّلاً: «وأنْ نراجع مَن هاجرنا»

أن يحرص الصّائم على مَدِّ جسور التّفاهم بينه وبين مَن بادر إلى هجرانه ومقاطعته، ليُثبت بذلك أنّه قد تفاعل مع ضيافة الرّحمن، وتخلّص من قسوة القلب الّتي تحمله على تقبُّل هجران مسلمٍ له دون أن يحرِّك ساكناً.

تصل رقّة قلب المسلم، ويصل تأثيرُ الصَّوم فيه إلى حدّ أنّه يبادر إلى إصلاح ذات البَين مع مَن بادر إلى قطيعته.

ومن هنا نفهم واجبنا تجاه من بادرْنا نحنُ إلى قطيعتهم.

إنّ شهر رمضان المبارك فرصةٌ لتحصينِ الجبهة الدّاخليّة للأمّة، وسدِّ كلّ ثغرة، وردْمِ كلّ هوَّة.

ثانياً: «وأن نُنصِف مَن ظَلَمنا»

مطلوبٌ إذاً أن يحرص كلٌّ منّا على العدْل حتّى مع مَن ظَلَمه، وأوّل ما يتطلّبه ذلك أن لا يُبقي جوّه النّفسيّ مشحوناً بالتّوتّر والتّشنُّج والغيظ والحقد، فإنّ ذلك أرضيّة خصبة لردّات الفعل غير المتوازنة، فيندفع إلى ظلمِ مَن ظَلَمه، بدل أن يكون حريصاً على إنصافه.

ثالثاً: «وأنْ نُسالم مَن عادانا»

قد يَهجر شخصٌ شخصاً دون أن يكون جوُّه النّفسيّ جوّ معاداةٍ، فهو لا يريد القطيعة النّهائيّة، فإذا راجعه عادت اللُّحمة، ويبدو أنّه المراد بما تقدّم من قوله عليه السّلام: وأن نُراجع مَن هاجَرَنا.

وقد يَهجره معادياً لا تنفع معه المحاولات لمعاودة اللُّحمة، وهنا يأتي دور المُسالمة لهذا المعادي، أي أن لا نكون حرباً عليه، فلا نقول فيه إلّا خيراً ولا نغتابه، فضلاً عن العمل للإيقاع به.

نعم يُستثنى من ذلك مَن هو مِن الكافرين والمنافقين، وكانت معاداته في الله تعالى وله سبحانه، ولذلك قال عليه السّلام: «حاشا من عودِيَ فيك ولك، فإنّه العدوّ الذي لا نواليه والحزب الّذي لا نصافيه»، أي ما عدا مَن عاديناه في الله ولله تعالى، فهو العدوّ دائماً وأبداً ما دام مقيماً على الباطل.

لا يجتمع الولاءُ لله تعالى إطلاقاً مع موالاة عدوّه، ولا حتّى مع مُصافاته الّتي هي عبارة عن سلامة العلاقة من الشّوائب، فلا يكدّر صَفْوَها شيءٌ، وهي دون الموالاة، إلّا أنّها المُنطَلَقُ إليها.

قال تعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ المجادلة:22.

صحيحٌ أنّ حبّ الله تعالى الّذي يَعمر قلب المؤمن يفيض على عباد الله تعالى، فإذا علاقته بهم جميعاً علاقة حبّ، إلّا أنّ أعداء الله تمرَّدوا عليه سبحانه فأصبح مقتضى حبّه التّمايز عنهم ليتمّ بذلك تحصين العقيدة والصفّ المسلم، فإنّ الانفتاح على أولياء الشّيطان انغلاقٌ عن الله تعالى وأوليائه، والتّبرِّي هو الوجه الآخر لحقيقة التّولّي.

والنّتيجة العمليّة أن يبحث كلٌّ منّا في هذا الشهر علاقاته بالآخرين، فينشر السّلام والتّولّي حيث ينبغي ذلك، ويركِّز القطيعة والتّبرّي حيث ينبغي، ويجب أن تعمّ الصّفّ الإسلاميّ رُوح التّصافي والإخاء.

لينظرْ الصّائم في علاقاته في بيته ومع جيرانه وأرحامه، وليعملْ على ترميم ما يحتاج إلى ترميمٍ منها، دون أن يقيم وزناً لأيّ اعتبارٍ مصدره الحمِيّة والحَنَق أو الحقد والتّشفّي، فإنّ مصدر ذلك كلّه في الحقيقة هو الشّيطان، وهو يُبعد عن طاعة الرّحمن.

لنثبتْ عمليّاً أن شهر الله تعالى قد أحدث تغييراً في قلوبنا فإذا هي فيْضُ رحمةٍ وتسامحٍ، وينبوع حبّ.

رابعاً: يؤكّد عليه السّلام على أن تَصل أعمالُنا وطاعاتُنا في شهر رمضان من حيث الكثرة والنّوعيّة إلى القمّة، وهي بالنّسبة إلى كلِّ شخصٍ غاية ما يمكنه الوصول إليه، وهو أمرٌ يستدعي التّفرّغ للعبادة قدر المستطاع، وبذلَ قصارى الجهد في مراقبة النّفس، لكي يَتواصل حضور القلب بين يدي الله تعالى بأكبر نسبةٍ ممكنة.

* وأن نتقرّب إليك فيه من الأعمال الزّاكية بما تُطهِّرنا به من الذُّنوب.

إذاً ينبغي أن تصل عبادتنا حدّاً تُطهّرنا معه من ذنوبنا السّالفة، ولا يتحقّق ذلك -عادةً- إلّا بالجدّ في العبادة والمراقبة.

«وتَعصمنا فيه ممّا نَستَأنف من العُيوب» أي أن تكون طاعاتنا في هذا الشّهر، بالإضافة إلى تطهيرنا ممّا سلف، عصمةً لنا في ما يأتي حتى لا نظلّ نعاني من عيوبنا الّتي نعاني منها الآن، ونواصل السَّير إلى الله تعالى بعد شهر رمضان المبارك بِرُوحٍ جديدة، بقلبٍ سليمٍ ونفسٍ خالية من العيوب الّتي حملناها عندما دخلنا إلى ضيافة الرّحمن، وظلّت تلاحقنا وتُشعرُنا بالخجل عندما تنبّهنا لها ونحن في ضيافته عزَّ وجلَّ.

ويتابع خ مُبيّناً لنا المستوى الّذي ينبغي أن نصل إليه في كثرة العبادة وكيفيّتها فيقول: «حتّى لا يورد عليك أحدٌ من ملائكتك إلّا دون ما نورد من أبواب الطّاعة لك والقُربة إليك».

هل المُراد أن تكون أعمالُنا أكثر من أعمال الملائكة؟ إذا كان هذا وما هو أعلى منه ولا يُقاس به، مقدوراً للإمام السّجّاد خ والمعصومين فإّنه بالتّأكيد ليس في متناولنا. من هنا، فإنّ ما ذكره في (رياض السالكين) في شرح هذه الفقرة وجيه ينبغي الوقوف عنده.

قال رحمه الله ما حاصله: هناك أعمالٌ لا تكتبها الملائكة لأنّها لا تَسمعها، والمطلوب أن نكثر من هذه الأعمال فتكون أعمالُنا الّتي توردها الملائكة على الله تعالى هي بعض أعمالنا، وهي دون كلّ أعمالنا وأقلّ من كامل أعمالنا الحقيقيّة.

والفارق بين ما تورده الملائكة من أعمالنا على الله عزَّ وجلّ وبين كلّ ما نعمله، هو عمل السّرّ الذي لا يعلمه إلّا الله تعالى، فعندما يتقرَّب العبدُ إلى الله تعالى بطاعةٍ بالَغَ في الإخلاص فيها فأوْدَعَها سرّه وسريرته، ولا يريد أن يعرفها أحدٌ على الإطلاق، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ يتكرّم بحفظ هذا السّرّ ويَصونه ولا يُطْلِع عليه أحداً من ملائكته.

وقد أورد في (رياض السالكين) في تأييد هذا الرّأي روايةً وهي بسندٍ حسنٍ أو صحيحٍ كما قال رضوان الله تعالى عليه، وهي: «عن زرارة، عن أحدهما عليهما السلام، قال: لا يكتب الملَك إلَّا ما سَمعَ، وقال اللهُ عزَّ وجلَّ: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً.. الأعراف:205، فلا يعلم ثواب ذلك الذّكر في نفس الرجل غير الله عزَّ وجلَّ لعظمته»[50].

وجاء في شرح الرواية: «فإنّ العبد إذ ذكره تعالى بحيث لا يطّلع عليه أحد أثابه تعالى ثواباً لا يطّلع عليه أحد كما قال تعالى: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ.. السجدة:17، فأخبر سبحانه بأنّه انفرَد بعلمِ بعض ما يُجازي به عبادَه الصّالحين. والله أعلم»[51].

ولِأهل السّرّ في يوم القيامة حديثٌ ذو شجون، وقد ورد في بعض الرّوايات أنّ قوماً يدخلون الجنّة دون أن يعلم بدخولهم أحدٌ، حتّى «رضوان» خازنُ الجنانِ، فإنّه يَجدهم في الجنّة فيقول: مَن أنتُم، وكيف دخلتُم؟ فيقولون: إليك عنّا، نحن قومٌ عَبَدنا اللهَ سرّاً، فأدخَلَنا الجنّة سرّاً[52].

وفي ضوء ذلك، فإنّ الإمام السّجّاد عليه السلام، يؤكّد على أن نحرص في هذا الشّهر الكريم على العلاقة الخاصّة بالله عزَّ وجلّ، وهي «ذِكره تعالى في النّفس»، فهو أفضل أنواع الذِّكر كما يُفهَم بوضوحٍ من قوله في دعاءٍ يُنسبُ إليه عليه السلام: «إلهي فألْهِمْنا ذِكرَكَ في الخلأ والملأ، واللّيل والنّهار، والإعلان والإسرار، وفي السّرّاء والضّرّاء، وآنِسنا بالذِّكر الخفيّ»[53].

وإذا كانت أعمالُنا وانشغالاتُنا اليوميّة تَحُول بيننا وبين التّقرّب إلى الله تعالى بالإكثار من قراءة القرآن، ومن الصّلاة المستحبّة، والاستغفار، فما الّذي يمنعنا من الإكثار من ذِكر الله تعالى في النّفس؟

«أللّهمَّ اشْحَنْه بعبادتنا إيّاك» فكثرة العبادة إذاً مطلوبة، شرط أن لا يكون ذلك على حساب الكيفيّة، «وزيّن أوقاتَه بطاعتِنا لك» فكيفيّة العبادة أيضاً مطلوبة، ومن الواضح أنّه لا تكون عبادةُ أحدنا زينةً لهذا الوقت أو ذاك من شهر الله تعالى إلّا إذ كانت عبادةً نوعيّة.

* ألّلهمّ صلّ على محمّدٍ وآلِه، وجنِّبنا الإلحادَ في تَوحيدك، والتّقصير في تمجيدك، والشّكّ في دِينِك، والعمَى عن سبيلِك، والإغفال لِحُرمتِك، والانخداع لعدوِّك الشّيطان الرّجيم.

تتضمّن الفقرة المفردات التّالية:

1- جنّبنا الإلحاد في توحيدك: التّجنيب المبالغة في البُعد، بحيث يصبح كلٌّ منهما في جانبٍ، وهو بمعنى قوله تعالى: ﴿..وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَإبراهيم:35.

والإلحاد هو المَيْل عن الحقّ والإنحراف عن الاستقامة. والمُراد الطّلب من الله تعالى أن يثبّتنا على توحيده ويجنِّبنا الشِّرك الظّاهر والشّرك الخفيّ.

2- والتّقصير في تمجيدك: والتّقصير في تمجيدك: «التّمجيد من العبد لله تعالى بالقول، وذكر الصفات الحسنة..»[54].

3- والشّكّ في دينك: طلب الخروج من القلق والاضطراب، والوصول إلى اليقين.

4- والعمى عن سبيلك: قال تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ أَعْمَى.. الإسراء:72، وهو يدلّ على أنّ الإقامة على ما يُسخط الله تعالى عمًى عن سبيله الّذي هو دينه الّذي ارتضاه لعباده، وأمر رسوله ح بإبلاغه لهم. ﴿قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين يوسف:108.

5- والإغفال لِحُرمتك: قال في (رياض السّالكين): أغفلتُ الشّيء: تركتُه إهمالاً من غير نسيان. والحُرمة بالضّمّ: ما يجب القيام به ويحرُم التّفريط فيه والإغفال له، ومنه قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ..الحج:30، ويدخل فيه ما حرَّمه الله تعالى من ترك الواجبات وفعل المحرّمات[55].

6- والإنخداع لعدوّك: كلّ معصية تتضمَّن انخداعاً لهذا العدوّ الرّجيم، فهو يزيِّن القبيح فننخدع بزينته عن حقيقة الأمر، ولا ينافي الانخداع الإقدام على مورد الخداع مع الظنّ وحتى الجزم بأنّه لا ينبغي، بل إنَّ ذلك أوضح مصاديق الانخداع، حيث بلغت قوّة التّزيين حدّاً حملت على الوقوع في وهْدته رغم ترجيح بطلانه، والسبب هو غَلَبة الهوى والانسياق للبهارج الخادعة.

«وأعنّا في نهاره على صِيامه» والمُراد طبعاًً هو الصَّوم الحقيقيّ، وليس مجرّد الامتناع عن المفطرات.

«وفي ليله على الصّلاة والتّضرّع إليك، والخشوع لك، والذلّة بين يديك» هكذا ينبغي أن يكون ليل الصّائم تضرّعاً، وخشوعاً، وذلّة بين يدي الله عزَّ وجلَّ، وهو أمرٌ لا يمكن أن يتحقّق إذا لم يحرص الصّائم على النّوم المبكّر، ليكون له في اللّيل متّسعٌ من الوقت لعبادة الرّحمن عزَّ وجلَّ، وهو -بدوْره- أمرٌ لا يتيسّر أيضاً إلّا إذا أوقد الصائم في قلبه نار النّدم على ما فرّط في جنب الله تعالى، عندها يعيش الحاجة بوضوح إلى التّضرّع والخضوع والذلّة.

«حتّى لا يشهد نهاره علينا بغفلةٍ ولا ليله بتفريطٍ».

يشهد النّهار في يوم القيامة ويشهد اللّيل كما اتّضح ذلك في محلِّه من الروايات وكلمات العلماء الأعلام، وقد تقّدم الحديث عن الشّهود في يوم القيامة عموماً، وعن شهادة اللّيل والنّهار بشكلٍ خاصٍّ.

وَيْلي إذا شهد عليّ نهارُ شهر الله تعالى وليلُه بالغفلة عن هذه الفرصة الإلهيّة للقُرب منه عزَّ وجلّ والتّفريط فيها، وأنّي بدل أن أستثمرها في ما يُقرِّب من المليك المقتدر، قد استثمرتُها في ما لا يعود عليّ إلّا بالخسران، أو بالإمعان في البُعد، ليَطول ندمي يوم القيامة.

وأنت ترى بكلِّ جلاءٍ أنّ المحوَر في كلِّ فقرات هذا الدّعاء المبارك، أن لا نتعامل مع شهر رمضان كَغيره من الشهور، بل نتفرّغ فيه للعبادة ونشحنه بها، ولا شكّ أنّ إدراك هذه الحقيقة يحمل على التّخطيط المُسبق لِما يُمكِّن من ذلك، وسنكتشف لدى المحاولة الجادّة أنَّ باستطاعتنا التّحلُل من الكثير من انشغالاتنا أو تأجيلها، كما سنكتشف أنّ المشكلة ليست في عدم توفُّر الوقت، بل في إعطاء الأولويّة لِما لا يستحقُّ ذلك.

والتّدرّج في العبادات أمرٌ شديد الأهميّة كما تقدّم، فلنحرص أن لا نحمل النفس قسراً على ما يمكن أن تنفر منه بجموحٍ شديد بعد فترةٍ قصيرة، بل نمشي بخطًى مدروسةٍ وثابتةٍ، مدْركين أنّ التّراجع مذمومٌ ومضرٌّ جدّاً، وأنّ الهدف هو تحقيق هذه الوصايا النبويّة سواءً في الخطبة أو الدّعاء المباركَيْن.

«أللّهمّ واجعلنا في سائر الشّهور والأيّام وما نستأنف من السّنين والأعوام كذلك أبداً ما عمَّرتنا، فاجعلنا من عبادك الصّالحين الّذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون».

وتتّخذ العبادة في شهر الله تعالى بُعداً آخَر، ويكتسب التّدرّج فيها أهمية خاصّة إذا لاحظنا أنّ ما قبلها في شهريْ رجب وشعبان تأسيسٌ لها، والجميع -هي وما قبلها- تأسيسٌ لدوام عبادةٍ نوعيّةٍ لله تعالى في سائر الشّهور والأيّام.

موقع العبادة في حركة الحياة

يضعنا ذلك تلقائيّاً أمام نقطةٍ منهجيّة غاية في الأهميّة، يتعاطى الكثيرون معها بتندُّر العابث الجاهل، وهي موقع العبادة في حركة الحياة.

هل تحتلّ العبادةُ المَتْنَ، أم أنَّ موقعها الهامش.

وتكفي نظرة في كتاب الله تعالى وسيرة النّبيّ وأهل بيته والأبرار من صحابته صلى الله عليه وآله، وفي الحديث الشّريف لِتكشف، بِما لا يقبل الشّكّ أنّ موقع العبادة هو مَتْن حركة الحياة، وأنَّ سائر الأمور عوامل مساعدة تمكِّن من القيام بها، إلّا أنّ السّائد حتّى في أكثر أوساط المتديِّنين هو أنّ موقع العبادة الهامش، إلى حدِّ أنّ الحديث عمّا سواه لا يجد أذناً صاغية.

وقد يحاول البعض توجيه ذلك بأنّ كلَّ عملٍ ضمن الضّوابط الشّرعيّة هو عبادة.

وهذا المعنى في نفسِه صحيح، إلَّا أنَّ جعله توجيهاً للتّقليل من العبادة غيرُ وجيه، فهو لا يصلح مستنداً لتهميش العبادة بالمعنى المُتعارَف لما تقدّم من وضوح موقعها في النّصوص والسّيرة، نعم قد يضطرّ الإنسانَ ظرفٌ طارئٌ لتأخير صلاته وعدم الإتيان بالتّعقيب، أو عدم قراءة القرآن الكريم أو هذا الدّعاء أو الزّيارة، لكنّ ذلك لا ينبغي أبداً أن يكون خطّاً عامّاً ومسلكاً دائماً، بل العكس هو الخطّ، وهو المسلك، والمنهج.

وهذه الفقرة من دعاء سيّد الساجدين صريحة في ذلك.

ويختم الإمام السّجّاد دعاءه في استقبال شهر رمضان بقوله عليه السّلام:

أللّهمّ صلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ في كلِّ وقتٍ وكلِّ أوانٍ، وعلى كلِّ حالٍ، وفي كلِّ زمانٍ، عدد ما صلّيتَ على مَن صلّيتَ عليه وأضعافَ ذلك كلِّه بالأضعافِ الّتي لا يُحصيها غيرُك، إنّك فعّالٌ لما تريد.

دعاء اليوم السّابع عشر

«أللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيْهِ لِصالِحِ الأعْمالِ، وَاقْضِ لِي فِيْهِ الحَوائِجَ وَالآمالِ، يا مَنْ لا يَحْتاجُ إِلى التَّفْسِيرِ وَالسُّؤالِ، يا عالِماً بِما فِي صُدُورِ العالَمِينَ».

ستّة عشر يوماً في ضيافة الرّحمن، كافيةٌ ليُصبح الضّيف بعدها جزءاً من جوِّ البيت، فإذا بالطّلبات تكبر، واللّهجة تختلف.

تختفي رنّة الحزن والغربة، لتبرز ترنيمة الطّمأنينة والأمن، بل والإدلال أيضاً.

وهل بين بدْر وهذه السّكينة نَسبٌ وسببٌ؟ ربّما!

يَجد المسلمُ نفسَه في هذا الدّعاء أمام طلب صالح الأعمال، وقضاء جميع الحوائج والآمال، كضيفٍ يقول له صاحبُ البيت: ماذا تأمرُ اليوم؟ فيقول له: أحسَن ما عندك!

إلهي منَنْتَ عليّ فجعلتَني أهلاً لِضيافتك، وظلّلتَ عليّ غمام رأفتك، وغمرتَني بوابِلِ سَيْبك، فعرّفني كرمَك، وها أنا ذا العاصي أطلبُ منك صالح الأعمال ولا أكتفي بأنْ تقضي حوائجي وإنّما أريد قضاء الآمال، ولشدّة أُنسي بك وركوني إلى عطفك، لا أُكلّف نفسي تحديد صالح الأعمال الّتي أُريد، ولا تعداد الآمال الّتي أتوقع قضاءها، بل أتّكلُ في ذلك كلِّه على عِلمِك بي وإحسانِك إليّ، يا مَن لا يحتاجُ إلى التّفسير والسُّؤال، يا عالِماً بما في صدور العالمين.

صلاة اللّيلة الثّامنة عشرة

1- حصّة هذه اللّيلة من صلاة الألف ركعة، هي عبارة عن عشرين ركعة كالصّلوات المتقدّمة، ثماني ركعاتٍ بعد المغرب والباقي بعد صلاة العشاء، تقرأ في كلِّ ركعة (فاتحة الكتاب) مرّة و(قل هو الله أحد) مرّة، أو ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، أو عشراً.

2- عن رسول الله صلّى الله عليه وآله:

«ومن صلّى ليلة ثماني عشرة من شهر رمضان أربع ركعات، يقرأ في كلّ ركعة (الحمد) مرّة و(إنّا أعطيناك الكوثر) خمساً وعشرين مرّة، لم يخرج من الدّنيا حتّى يبشِّره مَلَكُ الموت بأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ راضٍ عنه، غير غضبان»[56].

3- قال الكفعميّ: «ويُستحبُّ أن يصلِّي في كلِّ ليلةٍ من شهر رمضان ركعتَين بـ(الحمد) مرّة، و(التّوحيد) ثلاثاً، فإذا سلَّم قال: سُبْحانَ مَنْ هُوَ حَفِيظٌ لا يَغْفَلُ سُبْحانَ مَنْ هُوَ رَحِيمٌ لا يَعْجَلُ سُبْحانَ مَنْ هُوَ قائِمٌ لا يَسْهُو سُبْحانَ مَنْ هُوَ دائِمٌ لا يَلْهُو. ثمّ يقول التّسبيحات الأربع سبعاً، ثمَّ يقول: سُبحانَكَ سُبحانَكَ يا عظيمُ، اِغْفِرْ ليَ الذَّنبَ العَظيم. ثمَّ تُصلّي على النّبيّ عشراً. مَن صلَّاها غَفرَ اللهُ له سبعين ألف ذنبٍ»[57].

 

 

18

شهر رمضان

 

* نفس المصطفى

   * القدر وليلته

     * دعاء اليوم الثّامن عشر

        * فضيلة اللّيلة التّاسعة عشر

           *الأعمال العامّة لليلة القدر

               * أعمال اللّيلة التّاسعة عشر

                   * يوم ليلة القدر

                        * لا تتهاون بيومِ القدر، اتِّكالاً على ما عملتهُ في ليلتِه

 

نفس المصطفى

هذه اللّيلة القادمة هي اللّيلة التّاسعة عشر، أُولى ليالي القدر، ويتلازمُ الحديثُ عنها مع  ذكرى جرح أمير المؤمنين عليه السّلام، ولا يستطيع المسلم إلّا أن يَخشع دائماً وأبداً في محراب عليٍّ عليه صلوات الرّحمن.

ليس عليٌّ عليه السّلام أحدُ الخلفاء الأربعة! وليس أحدُ الصّحابة الكبار، ولا أفضلهم وحسب، فلا يشكّل ذلك من مراقي فرادةِ منزلتِه وعظمتِها حتّى أدنى السَّفح، وليس عليٌّ عليه السّلام وصيُّ المصطفى الحبيب وسيّدَ الأوصياء فقط، فلا يشكِّل ذلك من سمُوّ منزلته المحمّديّة إلّا التّاج الّذي يشير إليها.

أمَا آنَ أنْ يكفَّ ذوو القربى قبل غيرهم عن مَضَض إدمان الظّلم المتمثِّل بإنزال أهل البيت في غير مراتبهم الّتي رتَّبَهم اللهُ تعالى فيها، وخصوصاً أمير المؤمنين عليه صلوات الرّحمن.

أما آنَ الأوانُ لإدراك أهمّية الدّقّة في استعمال المُصطلحات في الحديث عن الحقيقة المحمّديّة بتجلّياتها.

إنّ الحديث عن عليٍّ عليه صلوت الله تعالى وسلامه، هو بنصِّ القرآن الكريم، حديث عن نفس المصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله. قال تعالى:

﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللهُ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ آل عمران:60-63.

ويُطلق المفسِّرون إطلاق المسلَّمات أنَّ المراد بقوله تعالى: وأنفسنا وأنفسكم محمّد وعليّ، صلّى الله عليهما وآلهما.[58]

ولكنّ الغريب هو طَمْسُ معالم صريح القرآن الكريم لدى الحديث عن أمير المؤمنين عليه السّلام، ليتّخذ منحى المقارنة بينَه وبين غيره، في إصرارٍ على أنّ الخلاف هل هُم أفضل أم هو الأفضل، وكلاهما ظلمٌ وتنكّبٌ للصّراط القرآنيّ القويم.

وقد صرَّح رسولُ الله صلّى الله عليه وآله بما يمكن التّعامل معه كتفسيرٍ لهذا النّصّ  القرآنيّ، كما نَقَل عنه عليٌّ عليه السّلام وصرّح بما هو بدورِه تفسيرٌ لذلك، حين قال:

«وقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ، والْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ. وَضَعَنِي فِي حِجْرِهِ وأَنَا وَليدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِهِ، ويَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِهِ، ويُمِسُّنِي جَسَدَهُ، ويُشِمُّنِي عَرْفَهُ. وكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ، ومَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ، ولَا خَطْلَةً فِي فِعْلٍ. ولَقَدْ قَرَنَ اللهُ بِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ منْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَتِهِ يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ الْمَكَارِمِ، ومَحَاسِنَ أَخْلَاقِ الْعَالَمِ، لَيْلَهُ ونَهَارَهُ. ولَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ، يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِهِ عَلَماً، ويَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ. ولَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ فَأَرَاهُ، ولَا يَرَاهُ غَيْرِي. ولَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الإِسْلَامِ غَيْرَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وخَدِيجَةَ وأَنَا ثَالِثُهُمَا. أَرَى نُورَ الْوَحْيِ والرِّسَالَةِ، وأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ. ولَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا هَذِهِ الرَّنَّةُ؟ فَقَالَ: هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ. إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ ، وتَرَى مَا أَرَى ، إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ، ولَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ وإِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ»[59].

والحقيقة الواضحة الّتي يأخذ ما تقدّم بقلوب المسلمين جميعاً إلى أعتابها للتّفاعل معها والاعتقاد بها، أنّ ما عدا النّبوّة من جميع ما ثبت لرسول الله صلّى الله عليه وآله، فهو ثابتٌ قطعاً لنفسه أمير المؤمنين عليه السّلام، وهو ما تؤكِّده كلُّ النّصوص الواردة عنه صلّى الله عليه وآله وعن أهل بيته عليهم السّلام حول النُّور الواحد، والحقيقة الواحدة، وأنَّه منهم وهم منه صلّى الله عليه وآله[60].

القدرُ وليلته

في توجُّهنا إلى الله تعالى، لا بدّ أن نبدأ بالحقيقة العلويّة كمنطلقٍ أساسٍ لمعرفة حقيقة التّوحيد، فلا سبيل لمعرفة الله تعالى كما بيّنها رسولُ الله صلّى الله عليه وآله إلّا من خلال باب مدينة العلم، وفي توجُهنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله ، لا بدّ أن نبدأ بالحقيقة العلويّة الطاهرة «ما عَرَفَني إلّا الله وأنت». وفي توجُّهنا إلى الكعبة لا بدَّ أن نلتقي بالحقيقة العلويّة أيضاً، حيث أنّ عليّاً وُلد في الكعبة إيذاناً من الله تعالى بأنّ على كلِّ مسلمٍ يتوجّه ظاهرُه إلى الكعبة، أن يتوجَّه باطنُه إلى عليٍّ، ومِن عليٍّ إلى رسول الله ح، ومنه إلى الله تعالى.

يتوجّه باطنُ المسلم إلى عليٍّ ليصحّح بذلك توجُّهه إلى رسولِ الله صلّى الله عليه وآله ، وإلى الله عزَّ وجلّ.

وفي توجّهنا إلى ليلة القدر نجد أنّنا -منذ اللّيلة التّاسعة عشرة وإلى اللّيلة الثّالثة والعشرين- أمام الإلحاح على القلب لِيُدرك محمّديّة عليّ وعلويّة محمّد صلّى الله عليهما وآلهما، بل إنَّ الأمّة كلّها مدعوّة على لسان المصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله بكلّ مكوّنات العقل والوحي والقلب والعاطفة لِتَعيَ آذانُ القلوب حقيقة أنّ شهر رمضان يجب أن يكون شهر الوصول إلى الله تعالى من خلال محمّديّة عليّ صلى الله عليهما وآلهما، فتُشاطر الأمّةُ طيلة الشّهر المبارك نبيَّها الأعظم صلّى الله عليه وآله حزنَه وبكاءَه لِما عَلِم أنَّه سيجري في هذا الشّهر على أمير المؤمنين عليه السلام، فقد ورد في آخر خطبة رسول الله ح حول شهر رمضان المبارك، قول أمير المؤمنين عليه السلام:

«فقُمتُ -أي بعد انتهاء الخطبة- وقلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا أَفْضَلُ الأَعْمَالِ فِي هَذَا الشَّهْرِ؟ فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ، أَفْضَلُ الأَعْمَالِ فِي هَذَا الشَّهْرِ: الْوَرَعُ عَنْ مَحَارِمِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ثمّ بكى فقلتُ: يَا رسولَ اللهِ ما يبُكيكَ؟ فقالَ: يَا عليّ، أبكي لما يُستَحَلُّ منكَ في هذا الشّهرِ، كأنّي بِكَ وأنتَ تُصلّي لربِّكَ وَقَدْ انبعثَ أشقى الأوَّلينَ والآخرينَ شقيقُ عاقرِ ناقةِ ثمود فضربَكَ ضربةً على قرنِكَ فخضبَ منها لحيتَك، قالَ أميرُ المؤمنينَ عليه السلام: فقلتُ: يَا رسولَ اللهِ وذلكَ في سلامةٍ من ديني؟ فقالَ صلّى اللهُ عليه وآله: في سلامةٍ من دينِك، ثمُّ قالَ: يَا عليّ، مَنْ قَتَلَك فَقَدْ قَتَلَني، وَمَنْ أَبْغَضَكَ فَقَدْ أبغضني، وَمَنْ سَبّكَ فَقَدْ سَبّني، لأنّك منّي كنفسي، روحُكَ مِنْ رُوحي، وطينُتك من طينتي، إنّ اللهَ تباركَ وتعالى خَلَقَني وإيّاكَ واصطفاني وإيّاكَ واختارني للنّبوّةِ واختارَكَ للإمامةِ، وَمَنْ أَنكَر إمامَتَكَ فَقَدْ أَنكَرَ نبوّتي. يَا عليّ، أنتَ وصيّي وأبو ولدي وزوجُ ابنتي وخليفتي على أمّتي في حياتي وبعد موتي، أمرُك أمري، ونهُيك نهيِي، أُقسمُ بالّذي بَعثَني بالنّبوّةِ وجَعَلني خيرَ البريّةِ إنّكَ لحجّةُ اللهِ على خلقِهِ وأمينِهِ على سرِّهِ وخليفتِه على عبادِه»[61].

هذا المُصاب الجّلل والفاجعة العظمى الّذي أبكى خيرَ خلقِ الله تعالى قبل وقوعه، وقد أراد اللهُ تعالى أن نتعامل معه بمستوى ما لو أنّ المستهدَف به كان شخصُ المصطفى صلّى الله عليه وآله، فكيف ينبغي أن يكون تعاطي الأمّة معه؟

وكم هو الفارق الهائل بين ما هو قائمٌ فعلاً في هذا المجال، وبين ما ينبغي؟!

* ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا الإسراء:84.

دعاء اليوم الثّامن عشر

أللَّهُمَّ نَبِّهْنِي فِيْهِ لِبَرَكاتِ أَسْحارِهِ، وَنَوِّرْ فِيْهِ قَلْبِي بِضِياءِ أَنْوارِهِ، وَخُذْ بِكُلِّ أَعْضائِي إِلى اتِّباعِ آثارِهِ، بِنُورِكَ يا مُنِّورَ قُلُوبِ العارِفِين.

 إلهي أنتَ نورُ السّماوات والأرض ﴿..وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ النور:40، أخرِجني يا إلهي من ظُلمات المعاصي والعمى، إلى نورِ الطّاعة والهُدى، نبّهني في هذا اليوم إلى بركات أسحاره. أيّ عمى أشدّ من أن لا يُبصر نور سَحَر ليلة القدر، فيغطّ في حندس نوم عميق ﴿..فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ الحج:46، فنوّر قلبي يا إلهي لينبض بحرارة الحياة الطّيّبة، فتسري في أوصالي بركاتُ اليقين، وأَخرجَ من ولاية الطّاغوت وظلامه إلى ولايتك يا ربّ. بنورك يا منوِّر قلوب العارفين.

فضيلة اللّيلة التاسعة عشر

قال السّيّد ابن طاوس: «واعلم أنّ ليلة تسع عشرة أُولى الثّلاث اللّيالي الأفراد، وهذه اللّيالي محلّ الزّيادة في الاجتهاد، ولعمري أنّ الأخبار واردة وآكدة في ليلة إحدى وعشرين منه أكثر من ليلة تسع عشرة، وفي ليلة ثلاث وعشرين من أكثر من ليلة تسع عشر ومن ليلة إحدى وعشرين»[62].

ويختصّ به، ويكون ممَّن يعزّ عليه، لو عرفتَ ما في مطاوي هذه العنايات من السّعادات، ما كنتَ تَستكثر لله جلَّ جلالُه شيئاً من العبادات، فتمّم رَحِمك الله جلَّ جلالُه وظائف هذه اللّيلة من غير تثاقُلٍ ولا تكاسُلٍ ولا إعجابٍ، فأنتَ ذلك المخلوق من التّراب، الّذي شرّفك مولاكَ ربُّ الأرباب، وخلَّصك من ذلك الأصل الذّميم، وأتحَفَك بهذا التّكريم والتّعظيم، واخْدِمْه واعرفْ له قدرَ المِنّة عليك. ولا يخطر بقلبك إلّا أنّ هذه العبادة من أعظم إحسانه إليك، وأنت تعبده، لأنّه أهلٌ واللهِ للعبادة»[63].

الأعمال العامّة لليلة القدر

تنقسم أعمال ليلة القدر إلى قسمَين: الأعمال العامّة، وهي الّتي يؤتَى بها في كلّ ليلةٍ من ليالي القدر. والأعمال الخاصّة، وهي الّتي يؤتى بها مرّة واحدة إمّا في اللّيلة التاسعة عشر، أو الواحدة والعشرين، أو الثّالثة والعشرين.

والأعمال العامّة الّتي يؤتى بها في كلّ ليلة هي:

١- الغسل

أورد الكليني رضوان الله تعالى عليه: «عن أبي عبد الله (الإمام الصّادق) عليه السلام: الغسل من الجنابة، ويوم الجمعة، والعيدَين، وحين تُحرم، وحين تَدخل مكّة والمدينة، ويوم عرفة، ويوم تَزور البيت، وحين تَدخل الكعبة، وفي ليلة تسع عشرة، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين من شهر رمضان، ومَنْ غسّل ميّتاً»[64].

وعن الإمام الرّضا عليه السّلام في بيان بعض سيرة المصطفى صلّى الله عليه وآله في شهر رمضان: «فلمّا كان ليلة تسع عشرة من شهر رمضان، اغتّسل حين غابت الشّمسُ، وصلّى المغرب بِغُسلٍ»[65].

قال الشيخ المفيد: «وفيها غسلٌ كالّذي ذكرناه من الأغسال»[66].

وقال الشّيخ الطّوسي: «وروى زرارة عن أحدهما عليهما السلام، قال: سألتُه عن اللّيالي الّتي يستحبّ فيها الغسل في شهر رمضان فقال: ليلة تسع عشرة، وليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، وقال: في ليلة تسع عشرة يُكتبُ وفدُ الحاجّ وفيها يُفرَق كلُّ أمرٍ حكيم»[67]. «وقد بينّا ليالي الغسل وهي أربع ليالٍ: ليلة سبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين، وإن اغتسل ليالي الأفراد كلّها (..) كان له فيه فضل كثير»[68].

1-     الإحياء

 والمُراد به عدم النّوم إلى الصّباح.

عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله، أنّه قال: مَن أحيَا ليلةَ القدر حُوِّل عنه العذاب إلى السّنة القابلة. وعنه صلّى الله عليه وآله أنّه قال: قال موسى عليه السلام: إلهي أريدُ قربك، قال: قُربي لمَن يستيقظُ ليلة القدر، قال: إلهي أريدُ رحمتَك، قال: رحمتي لِمَن رَحِمَ المساكين ليلة القدر، قال: إلهي أريدُ الجوازَ على الصِّراط، قال: ذلك لِمَن تصدَّق بصدقةٍ في ليلة القدر. ".." قال: إلهي أريدُ النّجاة من النّار، قال: ذلك لِمَن استغفرَ في ليلة القدر، قال: إلهي أريدُ رِضاك، قال: رضايَ لِمَن صلّى ركعتَين في ليلة القدر[69].

2- زيارة الإمام الحسين عليه السلام

وقد تقدّم الحثُّ على زيارته عليه السلام في ليلة القدر، بل في كلّ وقتٍ، والرّوايات مُستفيضة في زيارته عليه صلوات الرّحمن من كلِّ مكانٍ، كما تقدّم مزيدُ إيضاحٍ حول ذلك في الحديث عن اللّيلة الأولى.

3- دعاء القرآن الكريم

أ- عن الإمام الباقر عليه السلام: «تأخذ المصحف في ثلاث ليالٍ من شهر رمضان، فتنشرهُ وتَضعهُ بين يديك، وتقول: أللّهمّ إنّي أسألُك بكتابك المُنزل، وما فيه وفيه اسمُكَ الأكبر، وأسماؤك الحُسنى وما يُخاف ويُرجى، أن تجعلني من عتقائك من النّار، وتدعو بما بدا لك من حاجة»[70].

ب- وقد روي عن مولانا الصّادق صلوات الله عليه، قال: «خُذ المصحف فدعهُ على رأسك، وقل: أللّهمّ بحقِّ هذا القرآن، وبحقِّ مَن أرسلتَه به، وبحقِّ كلِّ مؤمنٍ مدَحتَه فيه، وبحقّك عليهم فلا أحدَ أعرفُ بحقِّك منك، بك يا الله - عشر مرّات. ثمّ تقول: بمحمد - عشر مرّات، بعليٍّ - عشر مرّات، بفاطمة - عشر مرّات، بالحسن - عشر مرّات، بالحسين - عشر مرّات، بعليّ بن الحسين - عشر مرّات، بمحمّد بن عليّ - عشر مرّات، بجعفر بن محمّد - عشر مرّات، بموسى بن جعفر - عشر مرّات، بعليّ بن موسى - عشر مرّات، بمحمّد بن عليّ - عشر مرّات، بعليّ بن محمّد - عشر مرّات، بالحسن بن عليّ - عشر مرّات، بالحجّة - عشر مرّات. وتسأل حاجتك»[71].

5- دعاء «أللَّهم إنّي أمسيتُ لك عبداً داخراً»

ولا يُجمع العلماءُ على كَونِه من الأعمال العامّة، فقد أورده السّيّد ابن طاوس في عداد أدعية اللّيلة التاسعة عشر[72]، غير أنّ المحدِّث الجليل الشّيخ عبّاس القمّي نقل عن الشّيخ الكفعمي استحباب قراءته في ليالي القدر[73]. وقد نقل العلّامة المجلسيّ عن (المصباح) للكفعمي، وعن (إكمال الدّين) ما يلي:

«وادْعُ في هذه اللّيلة -يعني ليلة ثلاث وعشرين- وفي ليلة تسع عشرة، وإحدى وعشرين، بما رُوي عن مولانا زين العابدين عليه السّلام أنّه كان يدعو به في ليالي الإفراد قائماً وقاعداً وراكعاً وساجداً:

أللَّهُمَّ إِنِّي أَمْسَيتُ لَكَ عَبْداً داخِراً لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً وَلا أَصْرِفُ عَنْها سُوءاً، أَشْهَدُ بِذلِكَ عَلى نَفْسِي، وَأَعْتَرِفُ لَكَ بِضَعْفِ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَنْجِزْ لِي ما وَعَدْتَنِي وَجَمِيعَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ مِنَ المَغْفِرَةِ فِي هذِهِ اللَّيْلَة، وَأَتْمِمْ عَلَيَّ ما آتَيْتَنِي فَإِنِّي عَبْدُكَ المِسْكِينُ المُسْتَكِينُ الضَّعِيفُ الفَقِيرُ المَهِينُ. أللَّهُمَّ لا تَجْعَلْنِي ناسِيا لِذِكْرِكَ فِي ما أَوْلَيْتَنِي، وَلا لاِحْسانِكَ فِي ما أَعْطَيْتَنِي وَلا آيساً مِنْ إِجابَتِكَ وَإِنْ أَبْطَأْتَ عَنِّي فِي سَرَّاءَ أَوْ ضَرَّاءَ أَوْ شِدَّةٍ أَوْ رَخاءٍ أَوْ عافِيَةٍ أَوْ بَلاءٍ أَوْ بُؤْسٍ أَوْ نَعَماءَ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ»[74].

6- دعاء الجَوْشن الكبير

وهو مرويٌّ عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، ذكره السّيّد ابن طاوس في (مُهَج الدّعوات)، والكفعمي في (مصباحه) و(البلد الأمين)، والمجلسي في (البحار) وتحدّث عنه مطولاً، وثوابه عظيم يفوق كلّ تصوُّر، وقد وردَ فيه الحثُّ على قراءته في أوّل ليلةٍ من شهر رمضان وفي ليلةٍ أو ثلاثٍ منه دون تعيين ليالي القدر، إلّا أنّ المحدّث القمّي عند إيراده دعاء الجوشن في (مفاتيح الجنان)، نقل عن (زاد المعاد) للعلّامة المجلسي استحباب قراءته في ليالي القدر، وينبغي مزيد الاهتمام بذلك.

وقد سبقت الإشارةُ إلى استحباب قراءته في عمل أوّل ليلة، مع ذكر أكثر مصادر الدّعاء.

7- الصّلوات

وهي كما يلي:

أ- صلاة ركعتّين في كلّ ركعة (الحمد) مرّة و(التّوحيد) سبعاً، وبعد الفراغ يقول المصلّي: أستغفرُ الله وأتوبُ إليه. سبعين مرة.

أورد السّيّد: «عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله أنّه قال: مَن صلّى ركعتَين في ليلة القدر، يقرأ في كلّ ركعة (فاتحة الكتاب) مرّة، و(قل هو الله أحد) سبع مرّات، فإذا فرغ يستغفر سبعين مرّة، لا يقوم من مقامه حتّى يغفر الله له ولأبوَيه، وبعثَ اللهُ ملائكة يكتبون له الحسنات إلى سنةٍ أخرى، وبعث اللهُ ملائكة إلى الجنان يغرسون له الأشجار، ويبنون له القُصور، ويُجرون له الأنهار، ولا يخرج من الدّنيا حتّى يرى ذلك كلّه»[75].

ب- صلاة مائة ركعة، بالحمد مرّة والتّوحيد عشراً.

قال السّيّد ابن طاوس: «وقد رُوي أن هذه المائة ركعة تصلّى في كلّ ليلةٍ من المفردات، كلّ ركعة بـ(الحمد) مرّة، و(قل هو الله أحد) عشر مرّات، وإن قَوِيتَ على ذلك فاعمل عليه، واغتنم أيُّها العبد الميّت الفاني ما يبلغ اجتهادك عليه، فإنّ سمّ الفناء يَسري إلى الأعضاء مذ خرجت إلى دار الفناء، وآخره هجوم الممات وانقطاع الأعمال الصّالحات، وأنْ تَصير من جملة القبور الدّارسات المهجورات، فبادِرْ إلى السّعادات الدّائمات، فصلِّ ما تقدّم ذكرُه من العشرين ركعة وأدْعيتها، وسبّح تسبيح الزّهراء عليها السّلام بين كلّ ركعتَين من العشرين ركعة وأدعيتها، وسبح تسبيح الزهراء عليها السّلام بين كلّ ركعتَين من جميع الرّكعات، ثمّ قُم فصلّ الثّمانين ركعة الباقيات»[76]. ثمّ أورد الأدعية الّتي تقرأ بعد كلّ ركعتَين من الثّمانين الّتي هي تمام المائة، أي مع العشرين التي هي حصّة كلِّ ليلةٍ من أوّل الشّهر إلى العشرين منه.

وينبغي التّنبّه إلى أنّ هذه الطّريقة التي اعتَمَدها السّيّد في توزيع المائة ركعة بين العشرين والثّمانين هي إحدى الطّريقتَين في توزيع الألف ركعة على ليالي الشّهر وأيّام خاصّة فيه، وقد تقدّم بيان ذلك بالتفصيل في أعمال اليوم الأوّل، فراجع.

ج- عن رسول الله صلّى الله عليه وآله:

«ومَن صلّى ليلة تسع عشرة من شهر رمضان خمسين ركعة، يقرأ في كلّ ركعة (الحمد) مرّة و(إذا زلزلت) خمسين مرّة، لقيَ اللهَ عزّ وجلّ كمَن حجّ مائة حجّة، واعتَمَر مائة عمرة، وقبلَ اللهُ منه سائر عمله»[77].

د- وأختم بذكر الصّلاة العامّة الّتي تُصلَّى في كلّ ليلة:

قال الكفعميّ: «ويُستحبُّ أن يصلِّي في كلِّ ليلةٍ من شهر رمضان ركعتَين بـ(الحمد) مرّة، و(التّوحيد) ثلاثاً، فإذا سلَّم قال: سُبْحانَ مَنْ هُوَ حَفِيظٌ لا يَغْفَلُ سُبْحانَ مَنْ هُوَ رَحِيمٌ لا يَعْجَلُ سُبْحانَ مَنْ هُوَ قائِمٌ لا يَسْهُو سُبْحانَ مَنْ هُوَ دائِمٌ لا يَلْهُو. ثمّ يقول التّسبيحات الأربع سبعاً، ثمَّ يقول: سُبحانَكَ سُبحانَكَ يا عظيمُ، اِغْفِرْ ليَ الذَّنبَ العَظيم. ثمَّ تُصلّي على النّبيّ عشراً. مَن صلَّاها غَفرَ اللهُ له سبعين ألف ذنبٍ»[78].

* وحيث قد يُتصوّر أنّ الأعمال العامّة والخاصة لليالي القدر تغني عن الأعمال العامّة لكلّ ليلة، فقد وجب التّنبيه على المحافظة في كلّ ليلةٍ من ليالي القدر على الأعمال العامّة الّتي ورد أنّه يؤتى بها في كلّ ليلة. قال السيّد ابن طاوس: «ومن مهمّات ليلة تسع عشرة ما قدّمناه في أوّل ليلة منه، ممّا يتكرّر كلّ ليلة، فلا تُعرض عنه»[79].

أعمال اللّيلة التّاسعة عشرة

وأمّا الأعمال الخاصّة باللّيلة التّاسعة عشر، فهي:

١- مائة مرّة: أستغفر اللهَ وأتوبُ إليه.

٢- مائة مرّة: أللّهمّ العن قتَلةَ أميرِ المؤمنين عليه السلام.

قال السّيّد: «وروي أنّه يَستغفر ليلة تسع عشرة من شهر رمضان مائة مرّة، ويلعن قاتل مولانا علي عليه السلام مائة مرّة».

3- دعاء: «يا ذا الَّذِي كانَ قَبْلَ كُلِّ شَيءٍ، ثُمَّ خَلَقَ كُلِّ شَيءٍ، ثُمَّ يَبْقى وَيَفْنى كُلُّ شَيءٍ، يا ذا الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِه شيءٌ، وَيا ذا الَّذِي لَيْسَ فِي السَّماواتِ العُلى وَلا فِي الأَرْضِينَ السُّفْلى وَلا فَوْقَهُنَّ وَلا تَحْتَهُنَّ وَلا بَيْنَهُنَّ إِلهٌ يُعْبَدُ غَيْرُهُ، لَكَ الحَمْدُ حَمْداً لا يَقْوى عَلى إِحْصائِهِ إِلّا أَنْتَ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ صَلاةً لا يَقْوى عَلى إِحْصائِها إِلَّا أَنْتَ».

4- دعاءٌ آخر: أللَّهُمَّ اجْعَلْ فِيما تَقْضِي وَتُقَدِّرُ مِنَ الأمْرِ المَحْتُومِ، وَفِيما تَفْرُقُ مِنَ الأمْرِ الحَكِيمِ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ وَفِي القَضاء الَّذِي لا يُرَدُّ وَلا يُبَدَّلُ، أَنْ تَكْتُبَنِي مِنْ حُجَّاجِ بَيْتِكَ الحَرامِ المَبْرُورِ حَجُّهُمُ، المَشْكُورِ سَعْيُهُمُ، المَغْفُورِ ذُنُوبُهُمُ، المُكَفَّرِ عَنْهُم سَيِّئاتُهُمْ، وَاجْعَلْ فِيْما تَقْضِي وَتُقَدِّرُ أَنْ تُطِيلَ عُمْرِي، وَتُوَسِّعَ عَلَيَّ فِي رِزْقِي، وَتَفْعَلَ بِي كَذا وَكَذا.

5- دعاءٌ آخر في هذه اللّيلة مرويّ عن النّبيّ ح سبحانَ مَن لا يموت، سُبحانَ مَن لا يَزول مُلكُه، سُبحانَ مَن لا يَخفى عليه خافية، سُبحان مَن لا تَسقط ورقةٌ إلّا بِعلمِه، ولا حبّة في ظُلمات الأرض ولا رَطْب ولا يابس إلّا في كتابٍ مبينٍ إلّا بعلمِه وبِقدرته. فَسُبحانَه سُبحانَهُ، سُبحانَهُ سُبحانَهُ، سُبحانَهُ سُبحانَهُ، ما أعظمَ شأنُه، وأجلَّ سلطانُه، أللّهمّ صلِّ على محمّدٍ وآلِه واجعلنا مِن عتقائك وسعداء خَلْقِك بمغفرتك، إنّك أنت الغفور الرّحيم.[80]

قال الشّيخ المفيد عليه الرّحمة والرّضوان:

«فإذا حضرْتَ ليلة تسع عشرة، فاغتسل فيها قبل مغيب الشّمس، فإذا صلّيت المغرب ونوافلها الأربع والعشاء الآخرة فصلّ بعدها مائة ركعة، تكثر فيها من قراءة (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) والصّلاة على رسول الله صلّى الله عليه وآله، والصّلاة على أمير المؤمنين وذريّته الأئمّة المهديِّين صلوات الله عليهم أجمعين، والابتهال في اللّعنة والدّعاء على ظالِمِهم، من الخَلق أجمعين، وتَجتهد في الدّعاء لنفسك، ولوالدَيك، ولإخوانِك من المؤمنين..»[81].

يوم ليلة القدر

في الأمور الدّنيويّة نحرص عادةً على اغتنام كلّ فرصة نحتمل حصول ربح بسببها، وكلّما كان احتمالُ الرّبح أكثر، اشتدّ الاهتمامُ وبالتّناسب معه، وهو من حيث المبدأ أصلٌ عقلائيّ، إلّا أنّنا لا نهتمّ بتطبيقه في المجال الدِّينيّ، فتفوتنا فُرَصٌ فريدةٌ هي من النّفحات الرّحمانيّة، التي ينبغي أن نتعرَّض لها، ولا نُعرِض عنها.

من هذه الفرص المُهملة يومُ ليلة القدر، الّذي وَرد أنّه كليلةِ القدر في الفضيلة؛ ممّا يعني بوضوح أنّ الله تعالى طوَّل ظرف ليلة القدر وخصائصه ليَشملَ اليوم التّالي، فيكون مُتَّسعُ فَيْضِ الرّحمة مُضاعفاً.

لا تتهاوَن بيوم القدر، اتِّكالاً على ما عملتهُ في ليلته

قال السّيّد ابن طاوس عليه الرّحمة: «واعلم أنّ الرّواية من عدّة جهاتٍ عن الصّادقين، عن اللهِ جلّ جلالُه عليهم أفضل الصّلوات، أنّ يومَ ليلةِ القدر مثلُ ليلته، فإيّاك أن تُهوِّن بنهار تسع عشرة، أو إحدى وعشرين، أو ثلاث وعشرين، وتتّكِل على ما عملتهُ في ليلتِها وتَستكثِره لمولاك، وأنتَ غافلٌ عن عظيم نعمتِه، وحقوقِ ربوبيَّته. وكُن في هذه الأيّام الثّلاثة المعظّمات على أبلغ الغايات، في العبادات والدّعوات، واغتنام الحياة قبل الممات. ".." والمهمّ من هذه اللّيالي في ظاهر الرّوايات عن الطّاهرين ما قدّمناه من التّصريح، أن «أهمّها» ليلة ثلاث وعشرين، فلا تُهمل يومَها. فمن الرّواية في ذلك بأسنادنا عن هشام بن الحكم رضوان الله عليه، عن أبي عبد الله الصّادق صلوات الله عليه، أنّه قال: يومُها مثل ليلتها -يعني ليلة القدر. وفي حديثٍ آخَر عن الصّادق عليه السلام، قال: هي في كلِّ سنةٍ ليلة، وقال: يومُها مثلُ ليلتِها. وفي حديثٍ آخر عن أبي عبد الله عليه السلام، أنّه سألَهُ بعضُ أصحابنا "..": كيف تكون ليلة القدر خيراً من ألف شهر؟ قال: العملُ فيها خيرٌ من العمل في ألف شهرٍ، ليس فيه ليلة القدر، وقال أبو عبد الله عليه السلام: يومُها مثل ليلتها - يعني ليلة القدر، وهي تكون في كلّ سنة»[82].

إنَّ ما نطمع للحصول عليه من مغفرة الله عزَّ وجلّ، يَستوجب أن نمضي بعض اللّيالي بالإحياء والتّهجّد والعبادة، ونواصل العمل بنفس الوتيرة في أيّام تلك اللّيالي، فإنّا قد نبذل جهداً مماثلاً أو مضاعفاً من أجل هدفٍ هو أقلّ بكثير من هذا الهدف المّصيريّ.

 



[1]  من قصيدة للشيخ البهائي في مدح الإمام المهدي عليه السلام، وردت بتمامها في أعمال شهر شعبان.

[2]  الإمام علي عليه السلام، نهج البلاغة: 1/189. (عبده.ط: دار المعرفة، بيروت)

[3]  المصدر: 1/233.

[4]  ابن قتيبة، الإمامة والسياسة: 1/134 (تحقيق الشيري).

[5]  المصدر.

[6]  نصر بن مزاحم المنقري، وقعة صفين: ص 137.

[7]  الشيخ الطوسي، الأمالي: 174-175.

[8]  الشيخ الصدوق، معاني الأخبار: 361.

[9]  ابن شهراشوب، المناقب: 4/7.

[10]  الإربلي، كشف الغمة: 2/178.

[11]  ابن شهراشوب، المناقب: 3/180.

[12]  المصدر؛ والنمازي، مستدرك سفينة البحار: 2/304.

[13]  أنظر: المجلسي، البحار: 43/331؛ وابن فهد الحلي، عدة الداعي: 139.

[14]  المجلسي، البحار: 43/331.

[15]  يمكن توجيه ما ذكر كما هو، ويحتمل كونه: وإن نزلت إحدى الملمات بك واساك.

[16]  المجلسي، بحار الأنوار: 44/140.

[17]  المصدر: 140.

[18]  المصدر: 140-141.

[19]  الشيخ المفيد، مسار الشيعة: 23.

[20]  الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد636.

[21]  المصدر.

[22]  الإقبال: 3/46.

[23]  الإقبال: 1/294.

[24]  الشيخ الصدوق، الأمالي: 177؛ وابن شهراشوب، مناقب آل أبي طالب: 3/238؛ والبحار: 45/218.

[25]  المصدر: 171.

[26]  الحر العاملي، وسائل الشيعة: 8/39؛ والكفعمي، البلد الأمين: 176.

[27]  الكفعمي، المصباح: 563. الهامش.

[28] - الريشهري (محمّد محمّدي)، أهل البيت في الكتاب والسنّة: 164.

[29]  الحر العاملي، وسائل الشيعة: 8/39؛ والكفعمي، البلد الأمين: 176. وفيه: «وهو ينادي بالشهادتين».

[30]  الكفعمي، المصباح: 563. الهامش.

[31]   لم يحضرني تاريخ الخميس عند تدوين الهوامش. انظر: السيوطي، تنوير الحوالك: 398؛ وابن الأثير، أسد الغابة: 4/143.

[32]  الشيخ المفيد، الإرشاد: 1/16؛ والمجلسي، البحار: 18/72.

[33]  المجلسي، البحار: 19/256 - 264 - 343.

[34]  ابن هشام، السيرة النبوية: 2/461.

[35]  القاضي النعمان، شرح الأخبار: 3/227.

[36]  الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد: 636.

[37]  الشيخ المفيد، مسارّ الشيعة: 24.

[38]  الكفعمي، المصباح: 563. الهامش.

[39]  الكليني، الكافي: 3/272؛ والطوسي، تهذيب الأحكام: 2/242؛ والصّدوق، من لا يحضره الفقيه: 1/195.

[40]  الشيخ المفيد، الأشراف: 22-23.

[41]  الشهيد الأول (الشيخ محمد بن جمال الدين مكي العاملي الجزيني)، ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة: 1/21-22. المقدمة. نقلاً عن الرسالة النفلية للشهيد التي تحتوي على ثلاثة آلاف نافلة تقريباً، كما ذكر الناقل.

[42]  ابن بابويه، فقه الرضا عليه السلام: 110-111.

[43]  العلامة الحلي، مختلف الشيعة: 2/139.

[44]  المصدر.

[45]  الإمام عليّ عليه السلام، نهج البلاغة (عبده): 2/217.

[46]  الشيخ الطوسي، الأمالي: 536.                                                                                                                        

[47]  الطبري (الشيعي)، دلائل الإمامة: 152؛ وانظر: الشيخ الصدوق، علل الشرائع: 1/182، والحر العاملي، وسائل الشيعة (آل البيت): 7/113.

[48]  السيد عبد الله الجزائري، التحفة السنية: 316، وقد روي عن لقمان عليه السلام، انظر: المحدث النوري، مستدرك الوسائل: 8/420.

[49]  المحقق السبزواري، ذخيرة المعاد: 3/418؛ والسيد علي خان، رياض السالكين: 6/61 (ط: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقمّ المقدسة).

[50]  الكليني، الكافي: 2/502.

[51]  الملا صالح المازندراني، شرح أصول الكافي: 10/287.

[52]  السيد ابن طاوس، فلاح السائل: 36؛ والمحدث النوري، مستدرك الوسائل: 1/119 - بتصرف.

[53]  من مناجاة الذاكرين.

 [54] السيّد علي خان، رياض السالكين: 6/73.

[55]  المصدر.

[56]  الحر العاملي، وسائل الشيعة: 8/39؛ والكفعمي، البلد الأمين: 176.

[57]  الكفعمي، المصباح: 563. الهامش.

[58]  أنظر: الحسكاني، شواهد التنزيل1/160والسيوطي( جلال الدين) الدر المنثور2/39وابن كثير، تفسير ابن كثير1/379وقد قال: رواه الحاكم في مستدركه، ثم قال: صحيح على شرط  مسلم، ولم يخرجاه هكذا.

[59]  الإمام عليّ عليه السلام، نهج البلاغة (عبده): 2/157؛ وانظر: ابن أبي الحديد، شرح النهج: 13/197.

[60]  للتوسع في ذلك، انظر: في محراب فاطمة عليها السلام، للمؤلف، تحت عنوان: في منهج البحث في عظمتها عليها السلام.

[61]  انظر الخطبة المباركة بتمامها مع ذكر مصادرها، في الجزء الثاّني من مناهل الرجاء، أعمال شهر شعبان: 334-337.

[62]  الإقبال: 1/312.

[63]  المصدر: 339-340.

[64]  الكليني، الكافي: 3/40.

[65]  الإقبال: 1/50.

[66]  الشيخ المفيد، مسارّ الشيعة: 25.

[67] الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد: 636.

[68]  المصدر.

[69]  الإقبال: 1/345.

[70]  المصدر: 346.

[71]  الإقبال: 1/347.

[72]  المصدر: 348-349.

[73]  أنظر: المحدث القمي، مفاتيح الجنان، الأعمال العامة لليالي القدر.

[74]  المجلسي، البحار: 95/122.

[75]  المصدر: 1/344-345.

[76]  المصدر: 1/312-313.

[77]  الحر العاملي، وسائل الشيعة: 8/39؛ والكفعمي، البلد الأمين: 176.

[78]  الكفعمي، المصباح: 563. الهامش.

[79]  المصدر: 342.

[80]  أورد هذه الأدعية  السيد في الإقبال: 1/348-349.

[81]  الشيخ المفيد، المقنعة: 166-167.

[82]  الإقبال: 1/350.

اخبار مرتبطة

  كتاب شعائر 6 - القسم الرابع

كتاب شعائر 6 - القسم الرابع

  كتاب شعائر 6 - القسم الثالث

كتاب شعائر 6 - القسم الثالث

  كتاب شعائر 6 - القسم الأول

كتاب شعائر 6 - القسم الأول

نفحات