حوارات

حوارات

02/10/2013

عيد الأمّة الأعظم


عيد الأمّة الأعظم
«بخٍ بخٍ لك يا عليّ، فقد أصبحت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة»

______إعداد: «شعائر»_____

واقعة الغدير من الثّوابت التّاريخيّة، لكنّ البعض يجهل حيثيّاتها، والبعض الآخر يمعن في تأويل ما جاء في خطبة رسول الله صلّى الله عليه وآله، حول تنصيب أمير المؤمنين عليه السّلام، إماماً للمسلمين.

من هنا كان هذا الحوار الّذي يوضِّح الكثير من المسائل المتعلّقة بتلك الواقعة، وقد أخذت «شعائر» أصل مادّته من شبكة «الكافي»، وتمّ تحويلها إلى حوار تيسيراً للقارئ.

 

س: متى خطب النّبيّ الأكرم، صلّى الله عليه وآله، خطبته الشّهيرة التي عُرفت، تاريخيّاً، بخطبة حجّة الوداع؟  

ج: كان ذلك في اليوم الثّامن عشر من ذي الحجّة من السّنة العاشرة للهجرة، إثر انتهاء شعائر الحجّ، وفي طريق عودة النّبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله، والحجيج إلى ديارهم، أي قبل وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله، بسبعين يوماً  تقريباً بناءً على أنّ وفاته، كانت في 28 صفر سنة 11 للهجرة.


س: أين كان اجتماع النّبيّ، صلّى الله عليه وآله، بالمسلمين ليخطب فيهم تلك الخطبة الشّهيرة؟

ج: كان ذلك في غدير خمّ، وهو يقع بين مكّة والمدينة بالجُحْفةِ، وقيل: هو على ثلاثة أميال من الجحفة، وقد أكّد المؤرّخون والرّواة اجتماعهم في ذلك المكان، فقد فروى مسلم على سبيل المثال، بإسناده عن زيد بن أرقم، قال: قام رسول الله ‏‏صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، ‏يوماً فينا خطيباً بماءٍ يدعى خُمًّا بين ‏مكّة ‏والمدينة.

 س: ما السّبب الذي دفع النّبيّ الأكرم، صلّى الله عليه وآله، إلى الطّلب من النّاس التّوقّف عند غدير خمّ ليخطب فيهم؟

ج: نزل جبرئيل الأمين عن الله تعالى بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ المائدة:67. وأمره أن يقيم عليّاً علماً للنّاس ويبلّغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطّاعة على كلّ أحد، وكان أوائل القوم قريباً من الجحفة، فأمر رسول الله أن يردّ من تقدّم منهم ويحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان، ونهى عن (أشجارٍ) سمرات خمس متقاربات دوحات عظام أن لا ينزل تحتهنّ أحد، حتّى إذا أخذ القوم منازلهم فقمّ [نظّف] المكان تحت الأشجار ما تحتهنّ حتّى إذا نودي بالصّلاة، صلاة الظّهر، عمد إليهنّ فصلّى بالنّاس تحتهنّ، وكان يوماً هاجراً يضع الرّجل بعض رداءه على رأسه، وبعضه تحت قدميه، من شدّة الرّمضاء، وظُلّل لرسول الله بثوب على شجرة سمرة من الشّمس، فلمّا انصرف صلّى الله عليه وآله من صلاته قام خطيباً وسط القوم على أقتاب الإبل وأسمع الجميع.

س: كم كان عدد الحاضرين في «غدير خمّ»؟

ج: نسطيع القول إنّ الذين سمعوا هذه الخطبة الشّريفة كانوا حوالى مائة ألف صحابيّ، فقد كان مع النّبيّ صلّى الله ليه وآله جموعٌ لا يعلمها إلّا الله تعالى، وقيل: خرج معه تسعون ألفاً، وقيل: مائة ألف وأربعة عشر ألفاً، وقيل: مائة ألف وعشرون ألفاً، وقيل: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، وقيل أكثر من ذلك، وهذه عدّة من خرج معه، وأمّا الذين حجّوا معه، فأكثر من ذلك كالمقيمين بمكّة والذين أتوا من اليمن مع عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام.

س: أكانت الخطبة طويلة أو موجزة؟ وما هو مضمونها؟

ج: خطبة الوداع، من الخطب الجامعة لأمر الدّنيا والآخرة، ويمكن الاطّلاع عليها في مصادرها، وهنا نقتصر على ما جاء منها حول ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام [راجع الخطبة في تحقيق هذا العدد] إذ روي: لمّا انصرف، صلّى الله عليه وآله، من صلاته قام خطيباً وسط القوم على أقتاب الإبل وأسمع الجميع، رافعاً صوته، إلى أن قال:

«أيّها النّاس من أولى النّاس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إنّ الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعليّ مولاه، يقولها ثلاث مرّات».

ثمّ لم يتفرّقوا حتّى نزل أمين وحي الله بقوله: ﴿...الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا...﴾ المائدة:3. فقال رسول الله، صلّى الله عليه وآله: الله أكبر على إكمال الدّين، وإتمام النّعمة، ورضي الرّب برسالتي، والولاية لعليّ من بعدي».

س: ما الدّليل على أنّ الولاية الواردة في الحديث معناها الإمارة وتولّي شؤون المسلمين بعد النبيّ؟ وكذا الأمر بالنّسبة إلى كلمة مولى؟

ج: إذا نظرنا، أوّلاً، في كتب اللّغة نجد أنّ معنى الولاية والمولى يقع على أمور عديدة كلّها تدور حول فلك تولّي شؤون الآخرين والاهتمام بهم؛ فمن معاني المولى: الرَّبُّ، والمَالكُ، والسَّيِّد، والمُنْعِم، والمُعْتِقُ، والنَّاصر، والمُحِبّ، والتَّابِع، والجارُ، وابنُ العَمّ، والحَلِيفُ، والعَقيد، والصِّهْر، والعبْد، والمُعْتَقُ، والمُنْعَم عَلَيه، وأكْثرها قد جاءت في الحديث، فَيُضاف كُلّ واحِدٍ إلى ما يَقْتَضيه الحديثُ الوَارِدُ فيه. وكُلُّ مَن وَلِيَ أمْراً أو قام به فَهُو مَوْلاهُ وَوَليُّه.

وقد تَخْتَلِف مَصادرُ هذه الأسْمَاء، فالوَلايَةُ بالفَتْح، في النَّسَب والنُّصْرة والمُعْتِق. والوِلاَية بالكسْر، في الإمَارة. والوَلاءُ، المُعْتَق والمُوَالاةُ مِن وَالَى القَوْمَ. ومنه الحديث «مَن كُنْتُ مَوْلاه فَعَليٌّ مَوْلاه» يُحْمَل على أكْثر الأسْمَاء المذْكورة.

وقول عمر لعَليّ «أصْبَحْتَ مَوْلَى كُلِّ مُؤمِن» أي ولِيَّ كُلِّ مُومن. ".."

وحتّى نفهم حديث النّبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله، فلا بدّ من قراءة الكلمة ضمن القرائن الحافّة بالنّصّ، وقد نصّ ابن الأثير على أمرٍ في غاية الأهميّة حين قال: «وكأنّ الوِلايَة تُشْعِرُ بالتَّدْبِير والقُدْرة والفِعْل، وما لم يَجْتَمِعْ ذلك فيها لم يَنْطَلِق عَليه اسْم الوالِي».

س: إذاً، ما الخلاف الأساس بين المسلمين في تفسير الحديث؟

ج: يدور الخلاف بين المولى بلحاظ التّوليّ والمحبّة، والذي يهون الخطب أنّ للحديث الشّريف قولين اثنين لا ثالث لهما:

القول الأوّل للشّيعة الإمامية: (فعليّ مولاه) تعني أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

والقول الثّاني لأهل السّنّة: (فعليّ مولاه) تعني يحبّهم ويحبّونه.

س: كيف الدّليل إلى صحّة اعتقاد الشّيعة في تفسير معنى الولاية والموالاة؟

ج: الشّيعة الإماميّة يعتقدون أنّ عبارة: «من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه» تثبت لأمير المؤمنين عليه السّلام من الولاية ما ثبتَ منها للنّبيّ صلّى الله عليه وآله، سواء بسواء، بحسب قول الله عزّ وجلّ:﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ...﴾ الأحزاب: 6 وهذا هو ما يعتقده الشّيعة الإماميّة في حديث الغدير، ومن جملة ما يتفرّع على الولاية المذكورة مسألة الحكم، قال الله تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾ النّساء: 65.

وقد ذكر المفسّرون من الفريقين -شيعة وسنّة- أنّ الآية الكريمة دالّة على أنّ للنّبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله، الولاية المطلقة على المؤمنين، وهذه جملة من أقوالهم:

1 – قال الشّيخ الطّوسيّ في (تفسير البيان):

أخبر الله تعالى أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله، أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم، بمعنى أحقّ بتدبيرهم، وبأن يختاروا ما دعاهم إليه. وأحقّ بأن يحكم فيهم بما لا يحكم به الواحد في نفسه، لوجوب طاعته التي هي مقرونة بطاعة الله، وهو أولى في ذلك وأحقّ من نفس الإنسان، لأنّها ربّما دعته إلى اتّباع الهوى، ولأن النّبيّ صلّى الله عليه وآله، لا يدعو إلّا إلى طاعة الله، وطاعة الله أولى أن تختار على طاعة غيره.

2 – قال الفيض الكاشانيّ في (التّفسير الأصفى): ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ...﴾ يعني أولى بهم في الأمور كلّها، فإنّه لا يأمرهم ولا يرضى منهم إلّا بما فيه صلاحهم ونجاحهم بخلاف النّفس، فلذلك أطلق، فيجب عليهم أن يكون أحبّ إليهم من أنفسهم، وأمره أنفذ عليهم من أمرها، وشفقتهم عليه أتمّ من شفقتهم عليها.

3 – قال الطّباطبائيّ في (تفسير الميزان): فمعنى كون النّبيّ أولى بهم من أنفسهم أنّه أولى بهم منهم، ومعنى الأولويّة هو رجحان الجانب إذا دار الأمر بينه وبين ما هو أولى منه، فالمحصّل: أنّ ما يراه المؤمن لنفسه من الحفظ والكلاءة والمحبّة والكرامة واستجابة الدّعوة وإنفاذ الإرادة: فالنّبيّ أولى بذلك من نفسه، ولو دار الأمر بين النّبيّ وبين نفسه في شيء من ذلك، كان جانب النّبيّ أرجح من جانب نفسه.

س: هذا بالنّسبة إلى بعض تفاسير الشّيعة الإماميّة، فماذا عن تفاسير أهل السّنّة؟

ج: الشّيء نفسه نجده في تفاسير أهل السّنّة في تفسير الآية، إذ يجمعون على ولاية النّبيّ على المؤمنين:

1 – قال ابن جرير الطّبريّ في (جامع البيان):

النّبيّ محمّد صلّى الله عليه وآله أولى بالمؤمنين، يقول: أحقّ بالمؤمنين به من أنفسهم، أن يحكم فيهم بما يشاء من حكم، فيجوز ذلك عليهم.

2 - قال ابن الجوزيّ في (زاد المسير):

قال تعالى: ﴿أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ﴾ أي أحقّ، فله أن يحكم فيهم بما يشاء، قال ابن عبّاس: إذا دعاهم إلى شيء ودعتهم أنفسهم إلى شيء، كانت طاعته أولى من طاعة أنفسهم، وهذا صحيح فإنّ أنفسُهم تدعوهم إلى ما فيه هلاكهم، والرّسول يدعوهم إلى ما فيه نجاتهم.

3 - قال ابن كثير في (تفسير ابن كثير):

قد عَلِمَ الله تعالى شفقة رسوله صلّى الله عليه و[وآله] وسلّم على أُمّته، ونُصْحَه لهم، فجعله أولى بهم من أنفسهم، وحكمه فيهم كان مقدّماً على اختيارهم لأنفسهم كما قال تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾، وفي الصّحيح «والّذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه وماله وولده والنّاس أجمعين».

4 – قال الشّوكانيّ في (فتح القدير):

ثمّ ذكر سبحانه للرّسول مزية عظيمة وخصوصيّة جليلة لا يشاركه فيها أحد من العباد، فقال: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ﴾ أي هو أحقّ بهم في كلّ أمور الدّين والدّنيا، وأولى بهم من أنفسهم، فضلاً عن أن يكون أوْلى بهم من غيرهم، فيجب عليهم أن يؤثروه بِما أراده من أموالهم وإن كانوا محتاجين إليها، ويجب عليهم أن يحبّوه زيادة على حبّهم أنفسهم، ويجب عليهم أن يقدّموا حكمه عليهم على حكمهم لأنفسهم، وبالجملة فإذا دعاهم النّبيّ صلى الله عليه (وآله) وسلّم، لشيء ودعتهم أنفسهم إلى غيره: وَجَب عليهم أن يقدموا ما دعاهم إليه، ويؤخروا ما دعتهم أنفسهم إليه، ويجب عليهم أن يطيعوه فوق طاعتهم لأنفسهم، ويقدّموا طاعته على ما تميل إليه أنفسهم وتطلبه خواطرهم.

إذاً، فلأمير المؤمنين عليه السّلام -بحسب حديث الغدير- من الولاية الشّاملة والمطلقة ما لرسول الله صلّى الله عليه وآله، بالمعنى المتقدّم، وأعني بشمولها: أنّ لعليٍّ عليه السّلام الولاية على كلّ من كان لرسول الله صلّى الله عليه وآله الولاية عليه دون استثناء لقوله صلّى الله عليه وآله: «من كنت مولاه»، ولا ريب أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله أولى بكلّ المؤمنين من أنفسهم دون استثناء.

س: هل كان حديث الغدير متداولاً بقوة بين العلماء  في كل العصور؟

ج: تحدّث علماء الإماميّة، قديماً وحديثاً، عن دلالة حديث الغدير، واتّفقت كلمتهم على دلالته القطعيّة على الإمامة والخلافة، ولم يخالف في ذلك منهم أحد على الإطلاق، ونقلوا الحديث متواتراً، منهم الشّيخ الصّدوق في (معاني الأخبار)، والشّيخ المفيد في (رسالة في أقسام المولى)، والسّيّد علم الهدى في (رسائل المرتضى)، والشّيخ الكراجكيّ في (دليل النّص بخبر الغدير)، والمحقّق الحليّ في (المسلك في أصول الدّين) وغيرهم، ولا يتّسع المقام لذكر أقوالهم كلّهم، ويمكن العودة إلى مؤلّفاتهم. وأكتفي برواية رواها الشّيخ الصّدوق في الباب بعنوان (معنى قول النّبيّ صلّى الله عليه وآله: من كنت مولاه فعليّ مولاه): «".." عن أبان بن تغلب، قال: سألت أبا جعفر محمّد بن عليّ، عليهم السّلام، عن قول النّبيّ صلّى الله عليه وآله: من كنت مولاه فعلي مولاه؟ فقال: يا أبا سعيد، تسأل عن مثل هذا؟ علّمهم أنّه يقوم فيهم مقامه».

س: يقول ابن تيميّة: وقوله: «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ".." فإن كان قاله، فلم يرد به ولاية مختصّاً بها، بل ولاية مشتركة وهي ولاية الإيمان الّتي للمؤمنين، والموالاة ضدّ المعاداة ولا ريب أنّه يجب موالاة المؤمنين على سواهم» فكيف الرّدّ على ما قاله؟

ج: إذا كانت الموالاة التي هي ضدّ المعادة ثابتة لكلّ المؤمنين، فلماذا يخصّ رسول الله صلّى الله عليه وآله بها عليّاً عليه السّلام؟

فهل يعقل أن يكون غرض رسول الله صلّى الله عليه وآله، من تلك الخطبة أن يعرّف الناس بأنّ عليّاً عليه السّلام، مؤمن وبالتّالي له حقوق المؤمنين ومن جملتها المولاة المقابلة للمعاداة؟! خصوصاً وأنّ ذلك كان بمحضر عشرات الآلاف من الصّحابة!!

ثمّ لماذا يناشد عليٌّ عليه السّلام النّاس ويستحلفهم الله تعالى أن يشهدوا بما سمعوا يوم الغدير؟ فهل يعقل أن يستحلف أمير المؤمنين الصّحابة ليثبت أنّه مؤمن له من الحقوق ما لهم؟!

ولماذا يربط رسول الله صلّى الله عليه وآله ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، بولايته فيذكّرهم بالآية الكريمة: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ...﴾ ويأخذ عليه الإقرار بذلك؟!

ولماذا يستنكر أبو الطّفيل ذلك؟ فقد جاء في الحديث الخامس الذي رواه أحمد: ‏قال أبو الطّفيل بعدما سمع خبر المناشدة: فخرجت وكأنّ في نفسي شيئاً، فلقيت زيد بن أرقم فقلت له: إنّي سمعت عليّاً رضي الله تعالى، عنه يقول كذا وكذا! قال: فما تنكر؟ قد سمعت رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم يقول ذلك له.

إنّ مؤدّى الحديث بحسب كلام ابن تيميّة يكون: من كان يواليني (بمعنى أنّه لا يعاديني) فليوالِ عليّاً (أي لا يعاديه)!! وهذا لغو يجلّ رسول الله صلّى الله عليه وآله عنه... وابن تيميّة يعترف بأنّ هذا الحكم ثابت لكلّ المؤمنين دون استثناء، فيقول:

«وهذا حكم ثابت لكلّ مؤمن، فعليٌّ رضي الله عنه من المؤمنين الذين يتولّون المؤمنين ويتولّونه، وفي هذا الحديث إثبات إيمان عليّ في الباطن، والشّهادة له بأنّه يستحقّ المولاة باطناً وظاهراً، وذلك يردّ ما يقوله فيه أعداؤه من الخوارج والنّواصب».

هذا تكلّف ظاهر! فإنّ الموالاة ثابتة بين المؤمنين بحسب ما همّ عليه من ظاهر الإيمان، ولم يكلّفنا الله سبحانه وتعالى قطّ بسبر قلوب النّاس لاختبار إيمانهم!! وإنّ قول ابن تيميّة والشّهادة له بأنّه يستحقّ المولاة باطناً وظاهراً!! ما هو إلّا من مخترعاته ومبتدعاته، ليصرف النّاس بها عن المعنى الواضح والصّحيح لحديث الغدير!!

س: يقول ابن تيميّة أيضاً: «ولو قدّر أنّه نصّ على خليفة من بعده لم يكن ذلك موجباً أن يكون أولى بكلّ مؤمن من نفسه». فماذا يُفهم من هذا الكلام؟

ج: هذا ردٌّ للنّصّ بالقياس كما يقال، ولسان حال ابن تيميّة يقول: لا نقبل برجل يكون أولى بكلّ مؤمن من نفسه سوى رسول الله صلّى الله عليه وآله!!!

ولو كان ابن تيمية يؤمن بأنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم، لما اعتَرَضَ على حديث رسول الله صلّى الله عليه وآله...

اخبار مرتبطة

  شعائر العدد الثالث و الأربعون -شهر ذو الحجة 1433 - تشرين الأول / تشرين الثاني 2013

شعائر العدد الثالث و الأربعون -شهر ذو الحجة 1433 - تشرين الأول / تشرين الثاني 2013

نفحات