أعلام

أعلام

02/10/2013

العلّامة الشّيخ عبد الحسين الأمينيّ قدّس سرّه

 

صاحب موسوعة «الغدير»

العلّامة الشّيخ عبد الحسين الأمينيّ قدّس سرّه

___________ إعداد: سليمان بيضون __________

* «من أفذاذ الدَّهر وحسنات العصر ورجالات الأمّة، علم اليقين، جمال الملّة والدِّين. العلّامة الأوْحد، فقيه المؤرِّخين ومؤرِّخ الفقهاء. من الَّذين وَقَفوا حياتَهم الثّمينة، وأرخصوا أوقاتهم الغالية، لتشييد الدِّين وإعلاء كلمة الحقّ، والجهاد في سبيل الشّريعة المقدّسة والصّراط المستقيم». شذراتٌ من كلماتٍ لعلماء كبار عاصروا العلّامة الأمينيّ وشهدوا بما رأوا من عطائه الخالد. 

* أُفيدَ لإعداد هذه المقالة ممّا نشره السّيّد هاشم الهاشميّ في موقع «المشكاة».

 

ولد الشّيخ عبد الحسين الأمينيّ في 25 صفر 1320 للهجرة (1904م) في مدينة تبريز الإيرانيّة، ونشأ في بيتٍ علميٍّ معروف بالتّقوى، فوالده الشّيخ أحمد من العلماء الأفاضل، معروف بالزُّهد والوَرَع، ومن أعلام أئمّة الجماعة في تبريز. أمّا والدته فكانت من المؤمنات الصّالحات، يقول عنها حفيدُها الشّيخ محمّد هادي، نجل العلّامة الأمينيّ: «لقد كانت جدّتي، رحمها الله، والدة الشّيخ تقول: كلّما كنت أروم إرضاع ولدي ميرزا عبد الحسين أحسستُ بشيءٍ يدفعُني لِأُسبغ الوضوء، فكنت لا أرضعه إلَّا وأنا على طهارة».

وأمّا جدّ العلّامة الأمينيّ لأبيه «نجف قلي» الملقّب بـ «أمين الشّرع»، فقد كان رجلاً فاضلاً زاهداً ورِعاً.

أولاده

تزوّج العلّامة الأمينيّ امرأتَين، له من الأولى ثلاثة أولاد عدا البنات، هم: الدّكتور الشّيخ محمّد هادي صاحب المؤلّفات المتعدّدة، منها (معجم رجال الفكر والأدب في النّجف خلال ألف عام)، والشّيخ رضا الّذي كان ملازماً لوالده في حِلِّه وسفره إلى آخر حياته، ومحمّد صادق، وكان من الموالين المشتغلين بالتّجارة. أمّا زوجته الثّانية فهي بنت السّيّد عليّ الخلخاليّ، له منها: الشّيخ أحمد والشّيخ محمّد.

دراسته

امتاز العلّامة الأمينيّ منذ طفولته بحدَّة الذّكاء وقوّة الذّاكرة، وكان له تعلُّق بالقرآن و(نهج البلاغة)، ثمَّ توجَّه لِطَلَب العلوم الحوزويّة، فدرس عند والده المقدّمات وشيئاً من مرحلة السّطوح، ثمّ أكمَلَها في «المدرسة الطّالبيّة» في تبريز عند جمعٍ من علمائها، مثل الميرزا محمود الدّوزدزانيّ، والسّيّد محمّد بن عبد الكريم الموسويّ.

في السّادسة عشر من عمره، توجّه العلّامة الأمينيّ، برغبةٍ منه لإكمال دراسته الحوزويّة، إلى النّجف الأشرف، فحضر دروس «البحث الخارج» عند كبار العلماء آنذاك، منهم السّيّد محمّد باقر الحسينيّ الفيروزآباديّ، والسّيّد أبي تراب الخونساريّ، والميرزا عليّ الإيروانيّ، والميرزا أبي الحسن المشكينيّ.

استمرّت هذه المرحلة حوالي خمس سنوات، عاد بعدها إلى تبريز بِطَلَبٍ من والدَيه، فتزوَّج وأقام مدّة سنة يعمل في التّبليغ والتّأليف، حيث كَتَب باكورة مؤلّفاته (تفسير سورة الفاتحة)، ثمّ عاد إلى النّجف قاصداً التّوطُّن فيها بجوار مرقد أمير المؤمنين عليه السلام، مواصلاً حضور البحث الخارج عند جهابذة العلم فيها في الفقه والأصول والفلسفة والكلام، حتّى أُجيز بالاجتهاد من جمعٍ من كبار المراجع والمجتهدين، منهم: السّيّد أبو الحسن الأصفهانيّ، والشّيخ عبد الكريم الحائريّ، والشّيخ محمّد حسين الأصفهانيّ المعروف بـ «الكمبانيّ»، والسّيّد ميرزا عليّ بن المجدّد الشّيرازيّ، والشّيخ ميرزا حسن النّائينيّ النّجفيّ، والشّيخ محمّد حسين آل كاشف الغطاء.

كما حصل العلّامة الأمينيّ على الإجازة في الرّواية من جمعٍ من العلماء، منهم الآغا الشّيخ محمّد حسن بزرك الطّهرانيّ، والشّيخ عليّ أصغر الملكيّ التّبريزيّ، والسّيّد أبو الحسن الأصفهانيّ.

نشاطه العلميّ

انكبّ الشّيخ الأمينيّ على البحث والتّأليف، لذا لم يُؤثَر عنه أنّه كان مدرِّساً في الحوزة العلميّة، ولم يُذكَر له تلامذة كعادة العلماء المعروفين، ومن أبرز المشاريع الّتي أسّسها في مدينة النّجف إنشاء «مكتبة أمير المؤمنين عليه السلام»، حيث كانت المدينة بحاجة إلى مكتبةٍ عامّةٍ، وكانت أغلب المكتبات الكبيرة المحتوية على الكُتُب والمخطوطات في النّجف مُلكاً شخصيّاً لأصحابها. فقام بشراء قطعة أرض، وشرع ببناء المكتبة في العام 1375 للهجرة وافتتحت بعد أربع سنوات في مناسبة يوم الغدير.

ولم يقنع العلّامة الأمينيّ بالتّفرُّغ للكتابة والتّأليف ذوداً عن قيم الدِّين الحنيف، بل تصدّى لواجب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر محاضراً وخطيباً أينما حلّ، خصوصاً في مرحلة المدّ الإلحاديّ وشيوع المذاهب المنحرفة كالبهائيّة، والماسونيّة، والوهّابيّة، فكان الشّيخ يترك إقامته وأبحاثه في النّجف الأشرف ويسافر إلى إيران وغيرها من البلدان للقيام بالتّبليغ فيها، فكانت له أسفار إلى مشهد، وطهران، وأصفهان، وشيراز، يلقي المحاضرات والدّروس الدّينيّة، وقد جُمعت بعض تلك المحاضرات على شكل كتيّبات. وقد كان لتصدِّيه الأَثَر البارز في تفنيد تلك الأفكار الهدّامة، وإعادة الرّوح إلى نفوس النّاس، وخاصّة الشّباب الضّائع.

مؤلّفاته

سطّر العلّامة الأمينيّ مؤلفات عديدة في مجالات مختلفة، منها المطبوع ومنها المخطوط. أمّا المطبوع منها فهو:

1 – موسوعة (الغدير في الكتاب والسّنّة والأدب): أشهر مؤلّفات الأمينيّ على الإطلاق، وهو كتابٌ مُبتَكر في موضوعه، فريد في بابه، يبحث فيه عن حديث الغدير، ويتضمَّن تراجم مجموعة كبيرة من رجالات العلم والدِّين والأدب من شعراء الغدير وغيرهم، المطبوع منها أحد عشر مجلّداً (انظر: «قراءة في كتاب» من هذا العدد).

2 – (تفسير فاتحة الكتاب): وقد أُشير إلى أنّه أوّل كتابٍ له، وهو في فصلَين، أحدهما في تفسير السُّورة، والآخَر في بيان ما يُستفاد منها من دقائق في التّوحيد، والقضاء والقدر، والجبر والتّفويض.

3 – (شهداء الفضيلة): يحوي تراجم مائة وثلاثين شهيداً من علماء الإماميّة، ابتداءً من القرن الرّابع الهجريّ إلى العصر الحاليّ.

4 – (تحقيق كتاب كامل الزّيارة) لابن قولويه المتوفّى سنة 367 للهجرة. 

5 – (أدب الزّائر لمَن يَمّم الحائر): وهي رسالة مختصرة في ما ينبغي أن يتحلّى به زائر سيّد الشّهداء عليه السلام من آداب. 

6 – (سيرتنا وسنَّتنا): محاضرات ألقاها العلّامة الأمينيّ في حلب، جاء معظمُها ردّاً على مَن اتَّهم الشّيعة بالغُلوِّ في البكاء على سيّد الشّهداء وإقامة المآتم، وقد وثّق بالمصادر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله أقام أربعة وعشرين مأتماً على سيِّد الشهّداء في بيوت زوجاته وفي مسجده، وفي أماكن أخرى بحضور الصّحابة.

7 – (ثمرات الأسفار): يحتوي على مقتطفاتٍ من الكُتب الّتي طالعَها المؤلِّف بمكتبات الهند، وسوريا، وإيران.

8 – (فاطمة الزّهراء عليها السلام): مجموعة من المحاضرات الفارسيّة الّتي ألقاها في طهران أثناء سفره إليها في الصّيف، في فترة إقامته في النّجف الأشرف.

9 – (تفسير آيات من القرآن الكريم): منها آية الميثاق ﴿وإذْ أخَذَ رَبُّكَ.. الأعراف:172.

10 – (شهر في أصفهان): وهو كتاب بالفارسيّة، ويحتوي على تدوينٍ لِخُطَبِه الّتي ألقاها في أصفهان خلال سفره إليها للتّبليغ.

أمّا كُتُب العلّامة الأمينيّ المخطوطة، فهي:

1 – (تعاليق في أصول الفقه) على كتاب (الرّسائل) للشّيخ الأنصاريّ.

2 – (تعاليق في الفقه) على كتاب (المكاسب) للشّيخ الأنصاريّ.

3 – (المقاصد العليّة في المطالب السّنيّة): أبحاث في تفسير بعض الآيات القرآنيّة.

4 – (رياض الأنس): يضمّ، في جزأَين، بعض الآثار الفكريّة من النّظم والنّثر العربيّ منه والفارسيّ، بالإضافة إلى بعض الحوادث التّاريخيّة، ومقتطفات من التّفسير، والحديث، والتّاريخ، والآراء، والمعتقدات.

5 – (رجال آذربيجان): ترجم فيه لمائتين وأربعة وثلاثين عالماً وأديباً وشاعراً من رجال آذربيجان، مرتَّباً على حروف التّهجّي.

6 – (رسالة في النّيّة).

7 – (رسالة في حقيقة الزّيارة): كتبها جواباً لبعض علماء باكستان.

8 – (المجالس):  وهو قيد التّحقيق.

الأمينيّ في نظر العلماء

حَظِيَ الجهد العلميّ الكبير للعلّامة الأمينيّ بتقدير علماء عصره، فأطروه بكلماتٍ جاء بعضُها تقريظاً لمؤلَّفه (الغدير)، منها:

1 - آية الله السّيّد أبو الحسن الأصفهانيّ: «العلّامة الأمين الأمينيّ، عَلَم العلم والأدب ".." حيّاه الله تعالى من مجاهدٍ دون مناجح أمّته، ومناضلٍ عن شرف قومه».

2 - آية الله الشّيخ محمّد حسين الغرويّ الأصفهانيّ المعروف بـ«الكمبانيّ»: «وإنّه –الأمينيّ- من أفذاذ الدّهر، وحسنات العصر، ورجالات الأمّة».

3 - آية الله الآغا بزرك الطّهرانيّ: «وحيّا (الله) المؤلّف العلّامة البارع، عَلَم اليقين، جمال الملّة والدّين بما أسدى إلى أمّته من يدٍ واجبة، وسعيٍ مشكور».

4 – آية الله المرجع السّيّد محسن الحكيم: «وإنّ من فحول هذه الزّمرة المجاهدة مؤلّف كتاب (الغدير) المحقّق الفذّ العلّامة الأوحد الأمينيّ، دام تأييده وتسديده».

5 – آية الله السّيّد حسين الحماميّ: «إنّ مؤلّفنا الثّقة، فقيه المؤرّخين ومؤرِّخ الفقهاء، العلّامة الأمينيّ ".." هو من أولئك الّذين وقفوا حياتهم الثّمينة، وأرخصوا أوقاتهم الغالية، لتشييد الدِّين وإعلاء كلمة الحقّ والجهاد في سبيل الشّريعة المقدّسة والصّراط المستقيم».

7 – آية الله الشّيخ رضا آل ياسين: «الحَبر الأمين، المأمون على الدُّنيا والدِّين، الّذي جَمعَ اللهُ له إلى قوّة الإيمان قوّة العلم وقوّة البيان، فكان له من تضافر هذه القوى الثّلاث قوّة لا تثبت أمامها قوّة، لشدّ ما شدّ بها على أباطيل فصَرعها، وعلى أضاليل فقمَعَها، وعلى مخاريق فمزَّقها وصَدَعَها».


عبادته

يقول الحاجّ حسين الشّاكريّ في كتابه (ربع قرن مع العلّامة الأمينيّ): «وكان رَحمه الله، وَلُوعاً بقراءة القرآن والدُّعاء والصّلوات المسنونة، إذا قرب الفجر قام إلى صلاة اللّيل وقَرَنَها بفريضة الصّبح، ثمّ جلس إلى قراءة القرآن حتّى يُنهي جزءاً كاملاً كلّ يوم، مُرتِّلاً آياته بتدبُّرٍ وإمعان، مُتزوِّداً من حُجَجِه وبيِّناته، وبعد تناول طعام الصّبح يأوي إلى مكتبته الخاصّة. ".." وكان إذا حلَّ شهر رمضان المبارك عطَّل جلَّ أعمالِه، وتفرَّغ للصّيام والعبادة في النّجف الأشرف، أو بكربلاء المشرَّفة، وعند ذلك يُلزِم نفسّه قراءة خمسة عشر ختمةٍ من القرآن، يهدي ثواب أربعة عشر منها إلى المعصومين الأربعة عشر، ويخصّ والدَيه بواحدةٍ، وكان دؤوباً على ذلك حتّى السّنوات الأخيرة من حياته».

ويقول الشّيخ محمّد الآخونديّ: «مِن خصائص العلّامة الأمينيّ، تضرُّعه وابتهاله، قلَّما رأيتُ من العلماء من كانت له تلك الحالة من التّضرُّع والخشوع والابتهال .".." يحضرني أنَّه تشرَّف ليلة القدر الثّالثة والعشرين من شهر رمضان المبارك بزيارة الضّريح الطّاهر لمرقد الإمام الرّضا عليه السلام في خراسان، فجلس حارسُه عند باب الحرَم ينتظر خروجَه، فخطر في بال العلّامة الأمينيّ أن يجرِّب ويصلِّي صلاة ألف ركعة المسنونة إلى أمير المؤمنين عليه السلام في ليلة القدر، ليعلم هل أنَّ ذلك إعجازٌ أم أنَّ باستطاعة الإنسان العاديّ أن يؤدِّيها ويصلِّيها، ما جعل حارسه ينتظره من الإفطار إلى السَّحَر».

علاقته بالمعصومين عليهم السلام

يقول الشّيخ رضا مختاري في كتابه (سيماء الصَّالحين): «من خصائص العلّامة الأمينيّ الحبّ والولاء الكامل لآل محمّد عليهم السلام، حبّاً مشهوراً تتناقله الألسُن، بحيث يمكن القول إنَّ (الغدير) أثرٌ من آثار ذلك الحبّ العارم، ومن هنا كانت له علاقة خاصّة بسماع مصائب الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه، والتّأمّل في مصابهم، وكان يبكي بصوتٍ عالٍ بكاء الثّكلى، ".." وكانت هذه الحالة تشتدّ وتبلغ أَوْجها عندما يذكُر قارئُ المصيبة اسم الصّدِّيقة الكبرى فاطمة الزّهراء سلام الله عليها، عندها كان يحمرّ وجهُه ويبكي كما يبكي مَن اعتُدِيَ على ناموسِه..».

ويقول نجلُه الدّكتور محمّد هادي الأمينيّ: «كان العلّامة الأمينيّ في غاية الأدب مع المعصومين عليهم السلام، ولقد أخبرني بنفسه أنّه: لم يتَّفق أنْ دخلتُ الحَرَم –خلال فترة وجودي في النّجف الأشرف– من جهة الرّأس، بل كنت أدخلُ من جهة القدم وأخرج من نفس تلك الجهة».

ويقول ولده الشّيخ رضا الأمينيّ: «كان من عادته أن يقصد الزّيارة وحده، لا يرضى أن يَتبعهُ أحدٌ، ومعظم زياراته تكون ليليّة، وعندما يدخل الحرم المُطهَّر يتنكَّر للنّاس ولا يتحدَّث مع أيِّ أحدٍ مهما كان، وكان يحفظ الزّيارة الجامعة الكبيرة عن ظهر قلب، وكان يقرأ زيارة أمين الله باستمرار، ويرتفع صوته بالبكاء والنّحيب أثناء زيارته، وكذا الدُّعاء، لا سيّما عند زيارته مرقدَ الإمام سيّد الشّهداء الحسين بن عليّ عليهما السلام، وقبل الشّروع وقصد الزّيارة يغتسل بالأغسال المستحبّة ويتطهّر بالوضوء».

ومن لطيف إكرامه للسّادة ذرّيّة العترة الطّاهرة عليهم السلام، ما يرويه السّيّد محمّد عليّ هبة الدِّين الشّهرستانيّ، يقول: «كان العلَّامة الأمينيّ يوصي أولادَه أنَّه حتّى لو أنَّ سارقاً سرَق أثاثَ البيت وأمسكتُموه، وعرفتُم أنَّه سيِّدٌ من أولاد الزّهراء عليها السلام فاتركُوه، ولا أرضى لكم أنْ تؤذوه أدنى أذى، أو تقدِّموه إلى الشّرطة والمحاكم».

وَرَعُه وزُهْدُه

عُرِفَ العلّامة الأمينيّ بمراقبته نفسهَ وجوارحه، وخاصّةً لسانه، فلم يسمع منه أحد أيّ كلمة غير لائقة، وكان متوكّلاً على الله تعالى منقطعاً عن غيره، مُحتاطاً وَرِعاً في أمر الحقوق الشّرعيّة؛ فمنذ اليوم الأوّل الّذي وطأت أقدامُه أرضَ النّجف الأشرف، صمَّم على عدم الأخذ من الوجوه الشّرعيّة وسهم الإمام لإمرار معاشه، وقال في هذا الصَّدد: «عندما قدمتُ إلى النّجف الأشرف كان لديَّ مقدار من المال، وبعد فترة نَفَذَ ما عندي، وكانت العادة الجارية في النّجف أنَّ طلَّاب العِلم الّذين يَقدمُون من أيِّ مدينةٍ يدوِّنون أسماءهم عند مندوب مدينتهم، بحيث لو قَدمَت أيّ أموال من تلك المدينة لديه فإنّه يقوم بتوزيعها بينهم، وقد جاءني ذلك المندوب وقال لي: لقد سجَّلت اسمَك، وأنت ستأخذ منِّي منذ الشّهر القادم هذا المقدار من الحقوق، ولكنّ يجب عليك أن تأتيني بشهادة من واحد من هؤلاء المراجع بأنّك قد وصلتَ لهذه المرحلة الدّراسيّة بحيث يمكنك أخذ الوجوه الشّرعيّة. تضايقتُ كثيراً من هذا الأمر وتشرَّفتُ إلى حرم أمير المؤمنين عليه السلام وخاطبتُه: يا أمير المؤمنين! لقد جئتُ إلى جوارك للدّراسة، فلا تحوجْني إلى هذا وذاك، فلو أمكنكَ أن تتقبَّلَني وتَستضيفني فإنَّني سأبقى في النّجف وسأخدمك، ومنذ تلك اللّحظة وحتّى خروجي من النّجف لم أستلم الحقوق والوجوه الشّرعيّة من أحدٍ».

ويقول الشّيخ محمّد الآخونديّ: «لقد كان العلّامة الأمينيّ زاهداً لا يعبأ بالحياة المادّيّة، وما كان يملك داراً لِسُكناه في النّجف الأشرف، على رغم أنّه قضى قرابة أربعين عاماً فيها وتأليفه عدّة كتب، وقد عاش حياةً بسيطةً متواضعة».

مرضُه ووفاتُه

أصاب الضّعفُ بدن العلّامة الأمينيّ في السّنتَين الأخيرتَين من حياته، فأُصيب بالمرض، إلَّا أنّه لم يترك جهاده العلميّ حتّى وهو في المستشفى. يقول الشّيخ رضا الأمينيّ: «وقد كُتِب لي شرفُ الخدمة بجوار سريره في المستشفى أشهراً غير قصيرة، وفي الدّار مدّة مديدة حتّى استقصيتُ في القراءة ما أنهى كتابتَه، وأشار إلى ما يلزمُ مراجعتُه، واستمرَّ الأمرُ على هذا عامَين، ساعات في النّهار، وأوقات من اللّيل، وهو في كلِّ الأحوال متوجِّهٌ إلى مصيره، وعلى علمٍ عن مردِّ أمرِه، حتّى أنهَكَهُ المرضُ بعد أنِ استَفْحَل، واستَولى على جسده، وأعيى الأطبّاء إنقاذه وعلاجه، وتسرَّب الدّاء الدّفين حتّى انتهى إلى كَبِدِه، فانحدَرَت صحّتُه وفقَدَ لسانُه القوّة على النُّطق لشدّة ضعفه، ولم يستمرّ ذلك إلَّا أيّاماً لم تتجاوز عدد الأنامل. وما أن بزَغَ فجرُ نهار الجمعة 28 ربيع الثاني 1390 للهجرة، حتّى اضطرب حالُه واشتدَّ أمرُه، إلَّا أنّه لم يفقد وعيَه بل كان مالكاً لِمشاعره، فطَلبَ أنْ أرطِّب فَمَه الشّريف بماءٍ ممزوجٍ بتربة الحسين عليه السلام، ثمّ طَلَب أن أقرأ له الدُّعاء المعروف بـ «العديلة» وكان يرتِّله معي ".." حتّى لبَّى داعِيَ ربِّه، ولفظَ آخر أنفاسه وفاضت روحُه الشّريفة إلى بارئها.

يتابع الشّيخ رضا الأمينيّ: «توفّي شيخُنا الوالد قدّس سرّه في طهران، ثمّ قمتُ بنقل جثمانه بعد أيّامٍ إلى النّجف الأشرف، ودُفن في البقعة الّتي اختارَها لنفسه، وأمَر بإنشاء بنائها قبل وفاته بأشهرٍ، وذلك في مكتبة أمير المؤمنين عليه السلام».

وصيّته

من وصيّة العلّامة الأمينيّ لأبنائه:

* أطلب من أولادي ورفاقي أن لا ينسوني من صالح دعائهم لي، ويذكروني في مجالس العزاء والتّوسُّل والدُّعاء.

* أن يستأجروا مَن ينوب عنّي عشر سنين في الذّهاب إلى كربلاء لزيارة عاشوراء.

* إقامة مجلس العزاء في أيّام وفاة فاطمة الزّهراء عليها السلام مدّة عشر سنوات.

اخبار مرتبطة

  شعائر العدد الثالث و الأربعون -شهر ذو الحجة 1433 - تشرين الأول / تشرين الثاني 2013

شعائر العدد الثالث و الأربعون -شهر ذو الحجة 1433 - تشرين الأول / تشرين الثاني 2013

نفحات