الملف

الملف

02/11/2013

ملاحظات عامّة حول السّند

ملاحظات عامّة حول السّند

·   الأولى: اختلاف السّند في كمال الدّين (في موردين) عن السّند في عيون الأخبار، وينحصر الاختلاف بذكر «محمّد بن الفضل النّحويّ»  في (كمال الدّين) (أو إكمال) فيما لم يذكره الشّيخ الصّدوق في (العيون).

·   الثّانية: «أنّ الصّدوق بنصّ النّجاشيّ ورد بغداد في سنة 355 فكيف حدّثه فيها هذا الرّجل سنة 352؟».

قال السّيّد الخوئيّ: «تحديد ورود الشّيخ الصّدوق بغداد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، ينافي ما ذكره الشّيخ الصّدوق في العيون من كونه ببغداد سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة، فقد قال فيه: حدّثنا أبو الحسن عليّ بن ثابت الدّوالينيّ (رضي الله عنه) بمدينة السّلام سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة. العيون: الجزء 1، الباب 6 في النّصوص على الرّضا عليه السّلام بالإمامة. وقال في ذاك الجزء، الباب 11: ما جاء عن الرّضا عليه السّلام من الأخبار في التّوحيد، الحديث 26: حدّثنا محمّد ابن بكران النّقّاش (رضي الله عنه) بالكوفة سنة أربع وخمسين وثلاثمائة.

أضاف السّيّد الخوئيّ: وصريح هاتين الرّوايتين، أنّ ورود الشّيخ الصّدوق بغداد كان قبل الزّمان الذي ذكره النّجاشيّ، والله العالم». السّيّد الخوئيّ- معجم رجال الحديث ج17/350

·   ويمكن أن يجاب بما تبنّاه محقّق «شرح اللّمعة الدّمشقيّة  ج9/270، حيث قال: «سافر شيخنا المعظّم قدّس سرّه إلى  بغداد ".." مرّتين، الأولى:  سنة 352 فحدّث فيها وسمع عنه الشّيوخ وسمع عنهم، وأفاد واستفاد. الثّانية: سنة 355 بعد منصَرفه من الحجّ».

وقريبٌ من هذا الجواب ما ذكره السّيّد عرفانيان، (محقّق قصص الأنبياء للقطب الرّوانديّ هامش ص 362) فقال: «الصّدوق على ما هو المعروف كان رحّالةً جوّالة فبالإمكان أنّ وروده بغداد كان متكرّراً».

·   وبالرّجوع إلى عبارة النّجاشيّ نجد أنّه قال: «محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّيّ، أبو جعفر: نزيل الرّي، شيخنا وفقيهنا، ووجه الطّائفة بخراسان، وكان ورد بغداد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، وسمع منه شيوخ الطّائفة وهو حدّث السنّ، وله كتب كثيرة، منها..».(الخوئيّ- المعجم 17/340) وهي لا تدلّ على أنّها المرّة الأولى أو الأخيرة، فلا تنافي بين ورودها سنة 352 وسنة 355، فإن قيل: إنّ سياق كلام النّجاشيّ عن سماع الشّيوخ منه وكونه حدّث السنّ يدل على أنّ وروده بغداد كان الأوّل، فإنّ الجواب: ليست العبارة نصاً في هذا المعنى، بل يمكن القول – في ضوء تفسير السّيّد الخوئيّ لحداثة سنّ الشّيخ الصّدوق بأنّه أصغر من الشّيوخ الطّاعنين في السّنّ- إنّ كلام النّجاشيّ نصّ في المرّة الأولى التي سمع فيها  شيوخ الطّائفة في  بغداد من الشّيخ الصّدوق وليست نصاً في  المرّة الأولى التي ورد الشّيخ فيها بغداد دون قيد سماع الشّيوخ منه.

ملاحظات عامة حول المتن

1-    أورد السّيّد ابن طاوس في «مُهج الدّعوات» ص18 دعاء الإمام الصّادق الوارد في هذه الرّواية،  ونصّ على أنّه حرز الإمام الباقر عليهما السّلام. قال في «المهج»: حرز آخر للباقر (عليه السّلام) «بسم الله الرّحمن الرّحيم يا دان غير متوان يا أرحم الرّاحمين اجعل لشيعتي من النّار وقاء لهم ولهم عندك رضا واغفر ذنوبهم ويسّر أمورهم واقضِ ديونهم واستر عوراتهم وهب لهم الكبائر التي بينك وبينهم يا من لا يخاف الضّيم ولا تأخذه سنة ولا نوم اجعل لي من كلّ غمّ فرجاً ومخرجاً».

2-    أورد الشّيخ الكفعميّ في (المصباح، ص304) جميع الأدعية الواردة في هذا الحديث، وبالتّسلسل نفسه وقد ورد فيها دعاء الإمامين الباقر والصّادق عليهما السّلام كما هما في الرّواية، أي لم ينسب دعاء الإمام الصّادق  إلى الباقر عليهما السّلام كما فعل السّيّد في المهج. وتجدر الإشارة إلى أنّ الشّيخ الكفعميّ  صرّح بصحّة سند الرّواية التي روى الأدعية منها فقال: «ولْنختم هذه الأدعية بأدعيةٍ تنسب إلى الحسين عليه السّلام وإلى التّسعة من ولده عليهم السّلام نقلتها من حديث طويل بإسناد صحيح إلى النّبيّ صلّى الله عليه وآله». ثمّ أورد الأدعية الواردة في رواية الشّيخ الصّدوق عليهما الرّحمة.

3-    تختلف بعض  ألفاظ نصّ هذا الحديث في (عيون أخبار الرّضا)، في موارد عديدة  عمّا أورده الشّيخ الصّدوق نفسه في (كمال الدّين)، فكان لا بدّ من المقارنة بين النّصَّين، وعندما لم  ترفع هذه المقارنة الالتباس تمّ الرّجوع إلى المصادر الأخرى الأقدم التي روت  عن أحد الكتابين، وقد تمّ التّنبيه على ذلك داخل النّصّ بوضع التّصحيح  بين مزدوجين.

تقييم هذا الحديث، قبل دراسة السّند

سأعتمد في  تقييم هذا الحديث الشّريف – وقبل دراسة السّند- تجميع القرائن أو رصد «تراكم الإحتمالات» من خلال:

أ‌-        تظهير ما تبنّاه بعض كبار العلماء من أنّ «مراسيل الشّيخ الصّدوق كمسانيده».

ب‌-   ثمّ من خصائص الحديث نفسه.

ت‌-  وبعض الرّواة، و«أبيّ بن كعب» الذي كان مخاطب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وليس من الرّواة.

وتفصيل ذلك كما يلي:

الشّيخ الصّدوق قدس سره:عظمته وجلالة قدره

·  قال السّيّد الخوئيّ:  «وإنّي لواثقٌ بأنّ اشتهار محمّد بن عليّ بن الحسين بالصّدوق، إنّما نشأ من اختصاصه بهذه الفضيلة (ولادته بدعوة صاحب الأمر عليه السّلام)  التي امتاز بها عن سائر أقرأنّه وأمثاله، ولا ينبغي الشّكّ في أنّ ما ذكره النّجاشيّ والشّيخ من الثّناء عليه والاعتناء بشأنه مغنٍ عن التّوثيق صريحاً، فإن ما ذكراه أرقى وأرفع من القول بأنّه ثقة. وعلى الجملة فعظمة الشّيخ أبي جعفر محمّد ابن عليّ بن الحسين من الاستفاضة بمرتبة لا يعتريها ريب». معجم رجال الحديث ج17/346

مراسيله كمراسيل ابن أبي عمير

قال الشّيخ البهائيّ في شرح الفقيه - عند قول المصنّف (أي الصّدوق): «وقال الصّادق جعفر بن محمّد (عليهما السّلام): «كلّ ماء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر»- ما لفظه: هذا الحديث كتاليه من مراسيل المؤلف رحمه الله، وهي كثيرةٌ في هذا الكتاب تزيد على ثلث الأحاديث الموردة فيه، وينبغي أن لا يقصر الاعتماد عليها من الاعتماد على مسانيده من حيث تشريكُه بين النّوعين في كونه ممّا يفتي به ويحكم بصحّته ويعتقد أنّه حجّةٌ بينه وبين ربّه سبحانه.

بل ذهب جماعة من الأصوليّين إلى ترجيح مرسل العدل على مسانيده، محتجّين بأنّ قول العدل: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): كذا، يُشعِر بإذعانه بمضمون الخبر، بخلاف ما لو قال: حدّثني فلان، عن فلان، أنّه قال (صلّى الله عليه وآله): كذا، وقد جعل أصحابنا قدّس الله أرواحهم مراسيل ابن أبي عمير كمسانيده في الاعتماد عليها، لما علموا من عادته أنّه لا يرسل إلّا عن ثقة فجعل مراسيل المؤلّف طاب ثراه كمراسيل ابن أبي عمير نظراً إلى ما قدّره في صدر الكتاب، جارٍ على نهج الصّواب». (الشّيخ البهائيّ- الحاشية على كتاب من لا يحضره الفقيه. ص36).

* « وقال الإمام الحجّة السّيّد بحر العلوم رحمه الله: «أبو جعفر شيخ مشايخ الشّيعة، وركن من أركان الشّريعة رئيس المحدّثين، والصّدوق في ما يرويه عن الأئمّة الصّادقين - عليهم السّلام - ولد بدعاء صاحب الامر والعصر - عليه السّلام - ونال بذلك عظيم الفضل والفخر، ووصفه الإمام -عليه السّلام - في التّوقيع الخارج من النّاحية المقدّسة بأنّه: فقيه خير مبارك ينفع الله به. فعمّت بركته الأنام وانتفع به الخاصّ والعامّ، وبقيت آثاره ومصنّفاته مدى الأيّام، وعمّ الانتفاع بفقهه وحديثه: فقهاء الأصحاب ومن لا يحضره الفقيه من العوامّ.

ذكره علماء الفنّ وقالوا: شيخنا وفقيهنا ووجه الطّائفة بخراسان. جليل القدر بصير بالفقه والرّجال، ناقد للاخبار، حَفَظة، لم ير في القمّيّين مثله في حفظه ووسعة علمه وكثرة تصانيفه».

إلى أن قال السّيّد بحر العلوم:  «".." كتاب من لا يحضره الفقيه".." أحد الكتب الأربعة التي هي في الاشتهار والاعتبار كالشّمس في رابعة النّهار، وأحاديثه معدودةٌ في الصّحاح من غير خلاف ولا توقفٍ من أحد، حتّى أن الفاضل المحقّق الشّيخ حسن ابن الشّهيد  الثّاني رحمه الله - مع ما علم من طريقته في تصحيح الحديث - يعدّ حديثه من الصّحيح عنده وعند الكلّ..». (السّيّد بحر العلوم- الفوائد الرّجاليّة، ج3/300).

1-  * قال المحدّث الطّبَرْسِيّ في (المستدرك ج5/502):  «قال المحقّق الشّيخ سليمان البحرانيّ في «البُلْغة» في جملة كلامٍ له في اعتبار روايات الفقيه: بل رأيت جمعاً من الأصحاب يصفون مراسيله بالصّحّة، ويقولون إنّها لا تقصر عن مراسيل ابن أبي عمير، منهم: العلّامة في المختلف، والشّهيد في شرح الإرشاد، والسّيّد المحقّق الدّاماد، قدس الله أرواحهم. انتهى.

وكان المحدّث قبل نقل كلام المحقّق البحرانيّ هذا قد أورد كلام المحقّق الدّاماد كما يلي: قال المحقّق الدّاماد في (الرّواشح) في ردِّ من استدلّ على حجيّة المرسَل مطلقاً: بأنّه لو لم يكن الوسط السّاقط عدلاً عند المرسِل لما ساغ له إسناد الحديث إلى المعصوم ".." وإنّما يتمّ ذلك إذا كان الإرسال بالاسقاط رأساً والإسناد جزماً، كما لو قال المرسِل: قال النّبيّ (صلّى الله عليه وآله)، أو قال الإمام (عليه السّلام) ذلك، وذلك مثل قول الصّدوق عروة الإسلام رضي الله عنه في (الفقيه): قال (عليه السّلام) الماء يطهِّر ولا يطهَّر، إذ مفاده الجزم أو الظّنّ بصدور الحديث عن المعصوم، فيجب أن تكون الوسائط عدولاً في ظنِّه، وإلا كان الحكم الجازم بالإسناد هادماً لجلالته وعدالته..».

·        ولا تخفى أهميّة هذه القاعدة «مراسيل الصّدوق كمسانيده» فهي تؤسّس لنتيجتين مهمّتين جدّاً:

·   الأولى: تصحيح أسانيد الشّيخ الصّدوق ومراسيله في كتاب (من لا يحضره الفقيه) استناداً إلى ما جاء  في أوائل الكتاب، حيث يقول رحمه الله: «ولم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحّته وأعتقد فيه أنّه حجّة في ما بيني وبين ربي - تقدّس ذكره وتعالت قدرته - وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة، عليها المعوّل وإليها المرجع

·   الثّانية: تصحيح أسانيد الشّيخ الصّدوق ومراسيله في كلّ كتابٍ توفّرت القرائن القويّة على اعتماده  في تأليفه هذا المنهج الذي اعتمده في تأليف (من لا يحضره الفقيه)، خصوصاً مثل كتبه (التّوحيد) و(عيون أخبار الرّضا) و(كمال الدّين) التي ينطبق عليها بشكل واضح الحرص على إيراد ما يعتقد في ما بينه وبين الله تعالى  أنّه حجّة، فإن هذه الخصوصية يمكن الجزم بها  في  منهجيّة كتاب (التّوحيد) لأنّه عقائديٌ يرتبط بتوحيد الله تعالى، وهي كذلك واضحةّ ويمكن الجزم بها في كتاب (عيون أخبار الرّضا عليه السّلام)، و(كمال الدّين).

·    أمّا في (العيون) فبدلالة لفظ (عيون أخبار) بالإضافة إلى فرادة إمكانيّة تواصله مع بيئة هي منجم روايات الإمام الرّضا في مرحلة إقامته عليه السّلام في خراسان.

·    وأمّا في (كمال الدّين)  فللبُعد العقائديّ والهمّ الذي حمله الشّيخ الصّدوق الذي كان الدّافع في تأليفه كما ورد في أوّل الكتاب، ولحساسيّة الموضوع التّأسيسيّة للمستقبل كما يتّضح من أمر الإمام عليه السّلام الشّيخ في المنام بالكتابة في غيبة الأنبياء لردّ الشّبهات عن غيبة الإمام عليه السّلام.

·   وينبغي التّنبّه إلى أنّ الجمع بين خصوصيّة ولادة الشّيخ الصّدوق بدعاء الإمام المهديّ عليه السّلام، وبين موقع مؤلّفات الشّيخ الوفيرة والمركزيّة في حفظ عقائد المؤمنين عبر قرون يراكم احتمالات أنّ الشّيخ الصّدوق كان يلحظ هذا البعد التّأسيسيّ في مؤلّفاته، فيرفع بالتّالي من منسوب الحرص على إيراد ما يعتقد بينه وبين الله تعالى أنّه حجّة في جميع كتبه، ولا أقلّ من  مرعاته لذلك في مثل (التّوحيد) و(العيون) و(الكمال)، وليس فقط في (الفقيه).

* فإذا لاحظنا ما تقدّم، من «تراكم احتمالات الوثاقة والاعتبار» في روايات الشّيخ الصّدوق – عموماً أو في مثل الكتب الثّلاثة المتقدمة، وجئنا إلى هذا الحديث الذي هو محلّ البحث، نجد أموراً أربعة- ترفع تراكم الاحتمالات إلى درجة عالية جدّاً وهي:

أ‌-   أنّ هذا الحديث الشّريف الطّويل المتضمّن لأسماء الإمام الحسين عليه السّلام، والتّسعة من بنيه عليهم السّلام، وأدعيتهم وبعض خصائصهم، هو حديثٌ عقائدي بامتياز، يشمله القدر المتيقن من دائرة حرص الشّيخ الصّدوق على إيراد ما يعتقد في ما بينه وبين الله تعالى أنّه حجّة.

ب‌-   أنّ «أبيّ بن كعب» الذي كان حديث رسول الله صلّى الله عليه وآله موجّهاً إليه كما حدّث  الإمام الحسين عليه السّلام، كان من «حملة الأسرار» النّبويّة – كما يتّضح من ترجمته.

ت‌-   أنّ «عليّ بن عاصم» هو أيضاً من «حملة الأسرار»، أمكننا- قبل أن ندرس سند الحديث بالتّفصيل وبالمنهجيّة الاستنباطيّة، أن نذعن بأنّ هذا الحديث الشّريف على درجة عاليةٍ من الاعتبار.

·    وسيأتي – في ما يلي، بحوله تعالى - مزيد أيضاً حول «أبيّ بن كعب» في ترجمته الملحقة بالسّند لأنّه لم يرد فيه، وحول «عليّ بن عاصم» في دراسة السّند.

ث‌-  أنّ الشّيخ الكفعميّ قد أورد  خصوص أدعية الأئمّة عليهم السّلام الواردة في هذا الحديث الشّريف، وصرّح بأنّه أخذها من حديثٍ صحيح إلّا أنّه لم يذكر هل هو هذا الحديث أو غيره، وسيأتي ما ذكره الكفعميّ بتمامه.

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

04/11/2013

دوريّات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات